|
تطور النظام النقدي الدولي
عادل شكيب محسن
الحوار المتمدن-العدد: 4719 - 2015 / 2 / 13 - 18:00
المحور:
الادارة و الاقتصاد
فكرة انشاء نظام نقدي دولي تهدف الى خلق مصدر للاستقرار النقدي الدولي من خلال توفير السيولة للمدفوعات الدولية والاشراف على تنظيم عمليات المبادلة التجارية بين دول العالم. الا ان هذا النظام قد مر في عدة مراحل نتيجة تغير الظروف والاحداث السياسية والاقتصادية العالمية. فبعدما كان التعامل بين الدول في المجال التجاري يتم وفق نظام المقايضة أصبح يتم وفق قاعدة الذهب، ثم تحول العالم إلى نظام آخر يرتكز على عملة واحدة وهي الدولار الامريكي، واخيرا جاء نظام تعويم العملات وترك العملات لقوى السوق (العرض والطلب). سيتم في هذه المقالة شرح مراحل تطور النظام النقدي الدولي بشكل مختصر وموجز بهدف اعطاء فكرة عامة عن هذه المراحل، بدءا من مرحلة قاعدة الذهب وختاما مع مرحلة تعويم العملات. بدأت قاعدة الذهب في الانتشار في الثلث الأول من القرن التاسع عشر باتخاذ بريطانيا لها كقاعدة نقدية، ومن ثم اعتمدتها باقي الدول. وفي ظل هذه القاعدة قامت كل دولة بتحديد عملتها بمقدار محدد من الذهب وذلك من خلال معادلة قيمة العملة المحلية مع قيمة وزن معين من الذهب الخالص. ولقد عرف العالم قاعدة الذهب على ثلاث أشكال توالت حسب الظروف السائدة في العالم. اول تلك الاشكال كانت قاعدة المسكوكات الذهبة التي سادت حتى بداية الحرب العالمية الأولى. فمن خلال هذه القاعدة استطاع الناس ان يتداولون المسكوكات الذهبة من يد الى يد، وكان لهم حرية سك وصهر الذهب، أي كان لهم مطلق الحرية في تحويل السبائك الذهبية إلى عملات ذهبية وتحويل العملات الذهبية إلى سبائك، كما كان لهم حرية التصدير والاستيراد للذهب سواء في صورة نقدية أو في صورة سبائك. فكان الذهب او العملات الذهبية هي وسيط الدفع المتداول به في الأسواق المحلية، كما كان الوسيلة المستخدمة لتسوية الالتزامات الدولية. وفي ظل هذه القاعدة كانت تتحدد السيولة النقدية بمعدل انتاج الذهب وبالكمية التي تستخدم منه للأغراض الصناعية. ومن ثم جاءت قاعدة السبائك الذهبية عقب اندلاع الحرب العالمية الاولى، حيث استخدم الذهب من قبل الحكومات لتمويل اعمالها الحربية. كما سحب الذهب من التداول وتم اصدار نقود ورقية ذات سعر الزامي. فكانت قاعدة السبائك الذهبية تختلف عن قاعدة المسكوكات الذهبية في عدم تداول المسكوكات من يد إلى يد بين الناس وإنما يمكن مبادلة البنكنوت (النقود الورقية) مقابل الذهب من بنك الإصدار حيث يوجد سعر محدد وثابت للذهب مقابل العملة الوطنية. وبذلك لا يستخدم الذهب في التداول الداخلي ولكن يستخدم لتسديد الديون والمدفوعات الدولية. ومن بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى ظهرت قاعدة الصرف بالذهب. فنظرا لعدم تمكن العديد من الدول من الاحتفاظ بكميات كبيرة من الذهب في خزائنها، اعتمدت هذه القاعدة على عدم تحديد قيمة العملة لبلد ما على أساس الذهب مباشرة وإنما ربطتها بنسبة ثابتة لعملة بلد آخر يسير على نظام السبائك الذهبية ويكون شكل العملة التابعة في هذه الحالة على شكل عملات أو أذونات أو سندات حكومية محررة بعملة البلد المتبوع. فلا تشترط هذه القاعدة أن يحتفظ البنك المركزي باحتياطي على شكل عملة ذهبية أو سبائك، وإنما يشترط احتفاظه باحتياطي من العملات الأجنبية القابل للصرف بالذهب. كما أنه لا يلتزم بصرف الذهب وإنما هو مطالب بصرف العملة القابلة للتحويل إلى ذهب. من الملاحظ بان الفترة التي سادت فيها قاعدة الذهب قد شهدت استقرارا نقديا دوليا وتعاون وازدهار في مجال التجارة الدولية. حيث كانت الحسابات التجارية بين الدول يتم تسويتها من خلال مبادلة الذهب. فبفضل تطبيق قاعدة الذهب أصبحت التجارة الدولية تعرف انتعاش واستقرار في أسعار الصرف لمختلف العملات، اضافة الى تسهيل حركة رؤوس الأموال، حيث عرف العالم استقرار يزيد عن ثلاثين عام. الا انه نتيجة التفاوت الكبير ما بين انتاج الذهب ونمو التجارة الخارجية (في الوقت الذي ينمو فيه إنتاج الذهب بمعدل 2% سنويا, تنمو التجارة الدولية بمعدل 11%), اضافة الى اندلاع الحرب العالمية الثانية التي فرضت على الدول المشاركة فيها ضرورة التوسع في الإصدار النقدي من أجل تمويل نفقاتها المتزايدة, وذلك على عكس ما تقتضيه قاعدة الذهب التي تؤكد على ضرورة التوافق ما بين اصدار النقد وكمية الذهب, ما ادى الى تخلي معظم الدول لقانون الذهب وإتباع سياسات نقدية مستقلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الداخلي كأول هدف لها. كما جاءت مرحلة اعادة اعمار اوروبا بما حملته معها من زيادة في الانفاق وتوسع في الاصدار النقدي اضافة الى استخدام الاحتياطيات من الذهب والدولار مما انعكس على احتياطيات تلك الدول. اضافة الى ذلك، فقد شهد العالم من بعد الحرب العالمية الثانية هزات واضطرابات عنيفة في نظامه النقدي وحركة التجارة الدولية. حتى تم عقد مؤتمر بريتون وودز في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1944 بحضور 44 دولة بهدف خلق نظام نقدي جديد يكون اساسا للعلاقات النقدية بين الدول لفترة ما بعد الحرب. فكانت اهم النتائج التي توصل اليها هذا المؤتمر تتمثل في وضع نظام لأسعار الصرف يمنع التقلبات العنيفة فيما بينها، ضمان حرية التحويل بين العملات المختلفة، تحقيق التوازن في موازين المدفوعات، والإدارة الدولية للنظام النقدي العالمي الجديد. اضافة الى إنشاء البنك الدولي للإنشاء والتعمير لمساعدة الدول الأوروبية التي دمرتها الحرب والدول النامية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وصندوق النقد الدولي الذي اقتبس بعض ميزات نظام الذهب فيما يخص تحديد أسعار ثابتة لجميع عملات الدول الأعضاء بالنسبة للدولار الذي كان بدوره مرتبطا بالذهب وبسعر صرف ثابت قدره 35 -$- للأوقية، وكانت البلدان الأعضاء ملزمة بإبلاغ الصندوق بسعر صرف عملتها بالنسبة للدولار الامريكي الذي أعتبر بمثابة سعر التعادل وحجر الأساس لاستقرار أسعار الصرف. كما نصت اتفاقية الصندوق على عدم السماح لأسعار عملة أي دولة بالتقلب صعودا أو هبوطا بما يزيد عن 10% من سعر التعادل. فشكّل الدولار المحور الاساسي ونقطة الارتكاز الرئيسية في استقرار اسعار الصرف بالنسبة للنظام النقدي الدولي الجديد الذي جاء به مؤتمر بريتون وودز. ويعود السبب في ذلك كون الولايات المتحدة الامريكية كانت المنتصر الاكبر من الحرب العالمية الثانية التي دارت رحاها خارج الاراضي الامريكية، على عكس الدول الأوروبية التي دمرتها الحرب. ففي المرحلة التي عقبت الحرب قامت الدول الأوروبية بجمع أرصدة دولاريه من أجل الحصول على السلع التي تحتاجها من امريكيا (اذ امريكيا كانت المصدر الرئيسي لمختلف السلع والخدمات التي تحتاجها تلك الدول)، وكانت الولايات المتحدة ملتزمة بتحويل الدولار مقابل أجر للأوقية. علما بان امريكيا في تلك الفترة كانت تحتفظ بأكثر من نصف المخزون العالمي من الذهب. الا ان ارتكاز هذا النظام على عملة واحدة فقط وهي الدولار الامريكي، وعدم اخذه بالحسبان لتزايد أهمية العملات الأخرى مثل الين الياباني والعملات الأوروبية كانت من اهم الأسباب التي أدت الى انهيار نظام بريتون وودز. اذ كان استقرار هذا النظام مرتبط بشكل مباشر باستقرار الدولار، وحدوث أي هزة فيه تنعكس مباشرة على النظام ككل. ومن جهة اخرى ونتيجة لانخفض مخزون الرصيد الذهبي الموجود لدى الولايات المتحدة ليصل الى 11 بليون دولار عام 1970 بعد ان كان حوالي 18 بليون دولار عام 1960، أصبحت مستحقات الدول من أمريكا تفوق ما لديها من رصيد ذهبي، الشيء الذي طرح الكثير من التساؤلات حول قدرتها على تحويل الدولار إلى ذهب. اضافة الى ذلك كان هناك هروب لرؤوس الأموال من أمريكيا إلى أوروبا نتيجة انخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة مع بقائها مرتفعة في أوروبا. فنتيجة للأوضاع المتأزمة في أسواق الصرف والحالة التي وصل إليها الدولار الأمريكي واحتياطها الذهبي قامت أمريكيا بالتدخل لإصلاح الأوضاع وذلك بإقرار مجموعة من القرارات على لسان رئيسها ريتشارد نيكسون في 15/8/1971 في خطابة الأمة تحت عنوان السياسات الاقتصادية الجديدة. وكان اهم هذه القرارات هو فك ارتباط الدولار بالذهب، بما يعنيه من انهيار لقاعدة الدولار التي قام عليها النظام النقدي الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. لقد أجبرت التغيرات الحاصلة على المستوى العالمي من سقوط نظام بريتون وودز إلى ظهور نظام نقدي جديد يقوم على اساس تعويم العملات. اما تعويم العملات فيعني عدم تدخل الدول في تحديد قيمة عملتها، وترك حرية العرض والطلب على العملة هي التي تحدد قيمتها. فسياسة التعويم تعمل بشكل مخالف تماما لسياسة تثبيت سعر الصرف. الّا ان الية السوق الممثلة بالعرض والطلب قد لا تضمن بشكل دائم تحديد سعر الصرف المناسب للعملة، كما ان تجارب الدول في تطبيق سياسة التعويم لم تخلو من تدخل السلطات النقدية في أسواق الصرف لمنع التقلبات العنيفة على أسعار الصرف وهو ما أطلق عليه اسم التعويم غير النظيف أو التقويم المدار. ثم جاءت اتفاقية جاميكا عام 1976 لتأكد على ضرورة الإصلاح النقدي من خلال اتخاذ عدد من الاجراءات التي تكفل تحسين وضع النظام النقدي القائم. اما اهم هذه الاجراءات فكانت إلغاء المادة الرابعة من اتفاق صندوق النقد الدولي التي كانت تلزم جميع الدول الاعضاء بتحديد أسعار الصرف الخاصة بعملات وفقا لنظام استقرار أسعار الصرف أو أسعار التعادل، واعتماد مادة أخرى تنص على حرية أسعار الصرف ونظام تعويم العملات. فتم من خلال ذلك إنهاء دور الذهب كأساس لتقويم العملات الوطنية للدول الأعضاء. كما ان اتفاقية جاميكا اعترفت رسميا بنظام التقويم المدار وتركت لكل دولة حرية اختيار نظام الصرف الأجنبي الذي يناسبها بشرط عدم الأضرار بشركائها في التجارة أو بالاقتصاد العالمي ككل.
عادل شكيب محسن 2015
#عادل_شكيب_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنسانية في وجه التطرف
-
مقدمة عن سوق الاوراق المالية
-
عندما كنا نغني بلاد العرب أوطاني
-
الوقود الحيوي والاقتصاد العالمي
-
مجموعة البريكس والنظام العالمي الجديد
-
تطور التجارة الخارجية في سوريا
-
سياسة التجارة الخارجية في سوريا
-
قطاع النفط في سوريا
-
قراءة مختصرة حول القطاع الصناعي في سوريا
-
قراءة مختصرة حول القطاع الزراعي في سوريا
-
مراحل تطور القطاع الخاص في سوريا
-
موجز لمسيرة القطاع العام في سوريا
-
تاريخ تطور الاقتصاد السوري
-
مقدمة في علم الاقتصاد
-
مدخل الى علم الاقتصاد ...
المزيد.....
-
عالم روسي: الغرب يطرح مشكلات علمية زائفة من أجل الربح
-
مسؤول إسرائيلي: وضع اقتصادي -صعب- في حيفا جراء صواريخ حزب ال
...
-
مونشنغلادباخ وماينز يتألقان في البوندسليغا ويشعلان المنافسة
...
-
وزير الخارجية: التصعيد بالبحر الأحمر سبب ضررا بالغا للاقتصاد
...
-
الشعب السويسري يرفض توسيع الطرق السريعة وزيادة حقوق أصحاب ال
...
-
العراق: توقف إمدادات الغاز الإيراني وفقدان 5.5 غيغاوات من ال
...
-
تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
-
لماذا تحقق التجارة بين تركيا والدول العربية أرقاما قياسية؟
-
أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
-
قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|