-2-
( اصبحت كطائر البطريق ترعبني العاصفة مرتين؛ حين اتحسسها، وحين اعيشها )
حمزة الحسن
في احدى غرف البال توك العراقية، قبل ايام ادمعت عيني، وانا استمع الى كلمات تسامت معانيها مع نشيج صديق تعثر الدمع في لسانه لدقائق، منقطعاً عنا الى رسالة وصلته من الروائي حمزة الحسن قرأ منها لنا مقطعاً ادبياً يندر سماعه هذه الايام، وكان منها كلامه اعلاه ، واسميته بحبّ في لحظات سكون الذات : صوفية البطريق، فترآى لي حمزة الحسن في ثلوجه النرويجية مثل طائر البطريق المعروف باسم الإمبراطور ، الزاهد بلذة العش حيث يقضي شتاءه واضعاً بيض انثاه على قدمية، ومتكوراً في قسوة الجليد الشمالي، كي ينجب سلالته، صائماً طيلة فصل الشتاء، صيام دهرٍ صوفي.
أحببت حمزة الحسن يومها بعد ان اثنتْ على اهميته كلمات الصديق الذي قال عنه الكثير، وتجاذبنا اطراف حديث ليلي في مجموعة من اربعة اشخاص وقلنا في حمزة الحسن مالم يقله مالك في الخمر. ولكني في اليوم الثاني عدت الى سالف حذفه من المودّّة، يوم قرأت له مقالاً هزمه عميقاً في قلبي، يوم كتب:(( هزيمة جديدة للمثقف العراقي)) عائداً خلاله الى "معارك كتابات" بعد ان توهمته وقد وضع اسلحته جانباً مثلما فعل المحارب صولون الاثيني ليتفرغ لكتابة الشعر بعد نهاية المعارك .
توهمت الامبراطور في شتاء الكتابة صائماً يحتضن حروفه، مانعاً لعنة الجليد من الوصول الى وداعته،و متكوراً على دفئها الصوفي.
قرأت المقال وتعاطفت بدايةً معه، بلهفة مع التفاتة الكاتب في مستهله الى ما واجهه المثقف العراقي الستيني من اقصاء وقسوة تهميشية مرعبة، واستحضرت ما تبيّّض له الأعين حزناً على مصير سالف وآخر منتظر،ولأنها ليست اولى الهزائم غنيت في سريرتي بالذي قاله ابو الطيب المتنبي من تسائل شعري رائع وهو يمسح خده ، حزناً لا أعرف الآن غيره، ولا أود فقده:
أ أوَّلُ دَمع جَرَىَ فَوقَهُ
وأوَّلُ حَزنٍ على راحِلٍ ؟
مهوناً عليّ ما لقيت من كمد حمزة الحسن لحظة يذكر بألم جم حكاية الشاعر فوزي كريم، والتي كنت قرأتها بقلم الشاعر في العدد 329 من صحيفة المؤتمر يوم انكره معارض شهير.
ولحظة انتحر الروائي ألماً في قلبي.
وسرعان ما بدّد عني الحسن نشوة حزني االشفيف بدعوته جميع من ابدعوا وكتبوا وفكروا لإلقاء منجزهم في الوحل بعد ان كتب المنتصر اللندني تاريخنا الجديد نسياناً وتجاهلاً.
اااه كم من الحزن الشفيف يبدّده العتب؟.
وبعد اسطر معدودات ابتلعت طُعم الكاتب في مقاله وهو يصطادني في ما تعكّر لي من صفو واختلاط للاوراق، في حديث حشرّ فيه علي الكيمياوي ( سيء الصيت) وقدمه ليً طبقاً من طُعم ٍ مخلوط فيه الخردل بالعسل!!. صدمني عائداً الى حكاية والي الزاملي التي استوفت حقها من الكتابة على موقع كتابات .وادعاء الكاتب ان هذا الرجل هو صاحب موقع كتابات. وضحكت بكاءً من فرية الروائي الحسن لأني اعرف صاحب الموقع ، وحسبتها له في الابداع والخيال الفذّ ،لا الشطح حد النطح على حد وصف الرائي الكبير المعرّّي بوصفه تيه رؤى المبصرين (المثقفين).
الكاتب جعل من لقب " الزاملي " ومن هذه الحكاية التي نسجها؛ (كعب اخيل )، يجسده خلال الالحاح على وهمه فيه، ربما لقلة الحيلة وتماهي الدليل، وربما ليسجل حضورا شاتماً، هذا الحضور الذي حذفه احد المواقع بعد ان نشر فيه المقال لساعات. وتألمت لحظتها.
ووجدت حمزة الحسن يسب بطرق شائكة من يكتبون في موقع كتابات ويستخف بمن لبى دعوة الكتابة فيه ، واقول له بأمانة الحياد : كتّاب هذا الموقع ان لم يكون لك اخوةُ في الرأي فهم شركاء لك في الكتابة. ولمَ الهجوم على كتابات في دعوتها الى محور حوار نصف شهري تكون اول موضوعة فيه : ( ثقافة التسقيط في الأدب السياسي العراقي).
يقول الحسن: (ومرة اخرى يقوم الزاملي صاحب" كتابات" بجرجرة المثقفين وانصاف المثقفين وبعض النكرات الى مهزلة جديدة من خلال الاعلان الجديد الساخر عن عدد خاص عن( الادب التسقيطي في العراق)، ليضيف في كتابته هذه رصيدا متراكماً ومادة لمن يبحث في الثقافة التي اسس لها الحسن وكان رائدها في موقع كتابات في هجوماته الدونكيشوتية يميناً ويسارأ (ماركسياً احياناً) وبأقنعة كأقنعة بطل فارس بلا جواد بعد تغيير العنوان عن - صدام بلا سلاح- المسلسل الذي توهّموه قد فضح بروتوكولات بني صهيون، املاً بإكتشاف من يفضح مستقبلاً كوبونات بني نفطون!!.
ااااااااااااااااااااااااااه من كل القلب،(هؤلاء اعدائك ياوطني)، هؤلاء اعدائك يا ياحمزة الحسن،ليتك تضع يدك لدمعتي قبل ان تسقط على الارض الغريبة،ليتك لا تجلس قبالة موقع كتابات وفيك حمى تشبه غربتي،تجلس بانتظار مقال او كلمة تسقط مثل تفاحة نيوتن لتصرخَ قبل ارتطامها بالارض: وجدتها.. وكأنها الابدية التي تريد لها من كتاباتك توأماً.
اخي حمزة كل من يقرأ موقع كتابات سيكتشف تجنيّك المتفاقم على صاحبه، وسيؤكد لك عكس ماقلته عنه، وانه معني مثلك بحاملة الطائرات جورج واشنطن ، واضمن لك انه تعلم مثلً جورج واشنطن الحياد في موقعه ، مثلما عمل واشنطن على تحييد أميركا وعدم إقحامها في الصراع الدائر بين بريطانيا وفرنسا ايامها، ورفضه الأخذ بآراء العديد من وزرائه في التحيز لإحدى الدولتين. وربما ينتظر صاحب كتابات في ساستنا من يتعلم من جورج واشنطن المنهج الفدرالي الذي حققه بعد جهود في مؤتمر دستوري في فيلادلفيا عام 1787.
اخي حمزة هل حقاً تجد ان موقع كتابات : ( لا يتحدث عن حاملة الطائرات الاخرى (ترومان) ذهبت الى العراق "لتسقط" حضارة عمرها اكثر من 6 ألاف سنة، ولتسقط القنابل على اطفالنا في اعياد الميلاد..! )،عجباً ...كلنا نتحدث عن هذا، وهذا ما يفجعنا يومياً، نتحدث عن حاملة الطائرات ترومان ، ولنا اهل ووطنّ نخاف موته ،ولكني شخصياً لايرعبني اسم "ترومان" خارج هذا السياق، بينما اعرف اصدقاء احبهم واحترمهم يمقتون اسم"ترومان" ، و يرعبهم حزبياً لأن هاري ترومان هو الرئيس الامريكي الذي وضع ( مبدأ ترومان) عام 1947،والذي كان يقضي بأن على أمريكا تقديم المساعدات الى جميع البلدان التي تعد نفسها مهددة من جانب الاتحاد السوفييتي أو الدول الدائرة وقتئذ في فلكه. وزمانها اشتعلت على العم ((جو)) حربهم الباردة.
وأََمِنتْ أوربا.
اوربا التي تدين حتى هذه اللحظة بالخلاص للسيد ترومان.....
وكم من حيّ وكم من شارع سجل في اوربا بإسم ترومان.. تكريماً له...
اوربا التي رفّهت غربتنا ... ألا يطربك اسمه ؟؟؟.
وللحق اقول لك ايها المبدع ان كلامك انفعالي جدا احياناً ولا يليق بقارئ ادبك اذ يرى حديثك عن الفن والادب بتسطيحية احتكارية قصد الفكاهة، وبما يشكل عبئاً ثقيلاً عليّه، وعليّ ايضاً و انا احاول تكثيف الجانب الجمالي الواعي فيه ، على الرغم من اني اسجل لك بإعجاب من انك اول من قال ب ((ادب التسقيط)) مبتكرا هذا المصطلح في مقالك من ثيمة الموضوع ،وسأرويها عنك دائما للامانة التاريخية اذا اتفقنا في نهاية كتابتي هذه .
وجدتك في انفعالك هذا تخلط الحابل بالنابل ،اقول قولي هذا و لي من المرارة ما جعلتني اعاضد يعقوبي الصارخ ان: واسفاه على يوسف، يوسف الكتابة الذي نبكيه انا وانت معاقباً ومغيباً في ابار الجاهزية الموفورة ، والحفرالكثيرة ( اكثر من الطسّات في مدينتي الديوانية) :
اولاً.. بعد ان قرأت :((لا تسغربوا، في هذه الحقبة القردية، والحافلة بكل ماهو عجيب وغريب، ان يظهر في صباح اليوم التالي ادب يسمى:
ادب الحمّام!
أو أدب الكراج!
أو أدب لصوص! وأدب شوارع خلفية..!
أو أدب أحذية! ))
.. تعثرتُ بتناقض حزني الفاجع معك ،وعليك ،لأني قرأتُ مقالاً قبل ايام لناقـ(م) د سعودي عن الحداثة وكانت من باب او الأصح من "ادب الثـّرد خارج الصحن" (سجل لي عندك؛ تسمية هذا الادب من اكتشافي انا !)، ويبدأ المقال بالحداثة بعد ان يجلس لها ركبة ونصف مثلما يقولون ، (الحداثيون يغنون للمراحيض! ) بعض من عنوان مقاله الذي فيه نصوص لشعراء من اسرائيل (اذ لابد من تثوير قارئه ... الذي جهزّ ذهنه منذ المقطع الاول من العنوان ((شعراء الصهيونية يغنون للحرب.. والحداثيون يغنون للمراحيض!) المقال الذي يبدأ بشاعر غرير ولا ينتهي عند البياتي، يقول : ( وأنا أعتبر شباب الحداثة امتداداً طبيعياً للرواد الكبار، ومنهم على سبيل المثال "عبد الوهاب البياتي" الذي ازدرى لغته(العربية) حين قال متهكماً عليها):
((اللغة الصلعاء كانت تصنع البيان والبديع
فوق رأسها باروكة
وترتدي الجناس والطباق في أروقة الملوك))
واتوقع ان يصلّ الى السياب في مقاله القادم مستخدماً منهجيية التفكيك التي تستثمر حماس نقّادهم، ايضاً للتعليق على - سباقات الهجن- ،ووجدته يتناغم استفادةً في النهج من تعامل الحسن مع عنوان دعوة كتابات(ثقافة التسقيط في الأدب السياسي العراقي) ومحاولة تسقيطه تفكيكياً ضمن ما لا يعترف بقداسة السياق والموضوعة ، بل بالنص كلغة يمكنها ان تستوعب المعنى، الذي وضعه الروائي الحسن ضمن عنوان مفترى:(الادب التسقيطي في العراق) ، وشروعه شروع دريدا في الإطاحة بالمقدسات من عروشها في ممالك اللغة!. وكما نرى فأن ما وجده الناقد السعودي ازدراءً من قبل البياتي للغته يرى فيه الاخر بعد ان يكمل القصيدة سرّ هذا الناقم وهجومه:
((وشعراء الكدية والخصيان في عواصم الشرق على البطون
في الأقفاص يزحفون
لينمو القمل والطحلب في أشعارهم)).
و قبل ان انسى، موضوعنا هو (( ادب الحمّام )) عند حمزة الحسن و((.. والحداثيون يغنون للمراحيض)) ل علي بدوي . اقول : تحدث الحسن بتهكم لا اجده يليق بما اراه في تنظيراته عن المفهوم النقدي في "التعرية" أو "كشف" خصوصية الانسان بالانسان والاشياء وعلاقتها بالانسان ، ونبذ ان يكون للفن وظيفة تجميلة ، بل تعرية المخبوء وفضح المستور،وتنظيرات جميلة ومهمة اخرى ،ووجدته مع الاسف يسطّح هذا المفهوم الفني ويخلطه( وهو الخاص كمبدع ) ليستنهض بهمّة ٍ خشية العامة على الفن والادب، تلك االخشية التهمية والسطحية في جاهزيتها المسلحة بالشتيمة على المستقبل الادبي، وهذا ما سيستشهد به الكاتب السعودي ( ان كان قارئاً ايضاً ) لحظة يقرأ ما قلته عن (( ادب الحمّام!
أو أدب الكراج!
أو أدب لصوص!وأدب شوارع خلفية..!
أو أدب أحذية!)) وسوف يجيش عامته على خاصتك انت، بما لايسرّك في منهجك الذي اتيقنّ فرادته ،وجهل اي ناقم نقدي له، وسيرّوج عن ظلالنا في الزمن السعيد الذي لم يعد بحاجة الى فلسفة او ادب لأننا نعيش القول الفلسفي واقعاً يراه هو ويعيش سعادته، مثلما يرى ويعزّز افكاره من تفكيك مقولتك دون النظر الى الكلية التي تحنّ اليها وصولاً اليه.
وهيهات تصل.
وهيهات تصل الى العامة مقولتك، مثلما تصلهم تجنياته عليك ، وعلى هذه الاشكال الفنية المستوردة والمنحّلة. لن تصلّ ياصديقي لأن نبضك خافت وشخيره الفجّ يتعالى وينتفخ مع انتفاخ كرشه السياسي، سيتحدث عن "ادب الحمّام" الذي ترفـّعت بنبل الكاتب عن تسميته بالخدش واسميته هكذا، وسيسميه هو(( ادب المرحاض)) وبكل ما اوتي الكلام من روائح منفرة، وسوف يخص فنّ الرواية بمقال على نمط مقاله السابق (( الحداثيون يغنون للمراحيض)) (( الروائيون يمجدون المراحيض )) ، هل تعرف لماذا؟
لأنك تعرف ان هذه الكتابة موجودة فعلاً في الادب الياباني, ولكنها معرفةٌ غير معرفةِ ((الناقـ(م) د بغيض الذكر اعلاه، وسيؤول معرفتك هذه خرقاً الحادياً فنياً واخلاقياً.
هل تتوقع منه ان يتحدث عن كتاب "مديح الظل" للروائى اليابانى " جونيشيرو تانيزاكى " الذي لابد انك قرأت له، وربما قرأت كتابه هذا؟.
هل تتوقع ان يفهم من هذا الكتاب سطراً وفق ما تتبناه انت فهماً تستميت من اجلّ ايصاله الى الآخر؟.
هل تتوقع من هذا الناقم( كدت اضع حرف الصاد بدل الميم........ اوااااه كم علينا ان نهدأ اذن ياصديقي؟).
هل تتوقع انه سيستجلي فنية ذلك الكتاب الرائع الذي يتحدث فيه " تانيزاكى "عن موروث الادب الياباني القديم عن المرحاض شعرا ونثراً .اليابان ذلك الشعب العملي والتأملي الرائع المبدع.
تانيزاكي لحظة يتحدث عن المراحيض اليابانية يستطرد في قوة الاحساس بالندرة المتميزة لفن العمارة اليابانية ، ويرى أنها بلغت ذروة الرفاهية فى بناء المرحاض.. ويمجد( لاحظ كلمة يمجد التي اتمنى ان لا يقرأها جاهل) تانيزاكى موقف أجداده الذين كانوا يضفون بعدا شعرياً على كل شىء فى تحويل المرحاض الذى يفترض أن يكون بسبب استعماله أكثر الأماكن قذارة فى البيت إلى مكان ظريف ، أكثر حكمة. تانيزاكى تحدث عن مكان ابتكره أجداده لسلام الروح ، فهو يوجد دائما بعيدا عن بناية المنزل، وفى حماية أجمة تنبعث منها رائحة أوراق الشجر والطحالب ، حيث ينغمر المكان فى ضوء ناعم ، في ظلّ أليف ونظافة تامة وصمت عميق يتيح سماع صوت المطر الناعم وهو يهطل ، ويلائم أزيز الحشرات وزقزقة العصافير و الليالى المقمرة .
كم مقال تتوقع ان يكتب الناقم من استثماره السطور اعلاه فقط، لأنه لايتمكن من الحصول على هذا الكتاب الممنوع من الدخول الى بلده ... ياللضحك ، ولا يكتب عن المنع .... لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .
وكم سيستثمر مقالك واقوال مشاهير اخرين مثلما زجّ في مقاله :
الشاعر محمود درويش: شباب الحداثة جعلوني أمقت الشعر وأزدريه!
الشهراني: شعراء اليهود يصدمون الفطرة السوية
أحمد سالم: لا أفرق بين شعراء اليهود والحداثيين من حيث التطرف والغلو!
بدرية السعيد: الحداثيون امتداد طبيعي لشعراء حاربوا لغتهم!
دعنا من افتراءاته وقوله على اهل الفن والابداع زورا وبهتاناً. ولا اريد ان انبهك الى ما لايحتاج التنبية في حديثه واستشهاده بمحمود درويش وتقويله عن الحداثة كلمات لا اظنّ صحتها الموضوعية وذكره مباشرة مقولة آخر وتشبيهاته بشكل هجوم اولي ، حيث لا يفرق هذا الاخر بين شعراء اليهود والحداثيين من حيث التطرف والغلو، وسيأتي ثالث ليبرهن غداً في مقال هجومي على صهيونية قصيدة النثر ،ان لم تكن مبرهنة , لجهلي وقلّـة متابعتي للنقد العربي المعاصر، والمعصور في قوالب الغرض السلطوي.
دعنا من كل هذا الان ، لأني اعرف شهيتك في " فضح المستور"،ولنعد الى صديقنا تانيزاكي وننشغل معه في تداعياته عن هذا المكان والذي يعتبره أحسن مكان لتذوق كآبة الأشياء الموجعة فى كل الفصول الأربعة.ويتحدث عن تفاصيل وقصائد في اهم ماكتب في هذا المجال ،ولم تنقرض رغم ما مرّ بشعب اليابان من ألم . ولست هنا لأمجّد هذا الادب ( او أي جنس اخر مما تحدثت انت عنه ووضعته في تعداد اشكال الادب ) بل اذكرّه واتحدث عنه برؤية وشفافية متسامية عن تسويق الادب والنزول به حدّ الاستهجان. وانبهك بمودة العارف بإبداعك ،وحرصك المستقبلي في الدفاع عن بيئية روائية معينة و عن خصوصية المكان في اليابان التي تنتج مثل هذا الابداع ، مثلما اتوقع ان يستل أي روائي ياباني سامورائي سيفه على طريقة الروائي يوكوماشيما دفاعاً عنك.
ااه يا صديقي في الوقت الذي نبقى نحن نأخذ من مديح ظلّهم الشتيمة؛ يترفع الياباني منشغلاً بالتمدن والابداع عن البحث فيما يوظف سخريةً في مدائحنا.
اااااااه يا صديقي ربما ستقول لي ما دخل كاتب سعودي بالادب الياباني وفن العمارة ، كلا يا صديقي العزيز انه عالم صغير بإطماع وملامح فجّة،انه عالم من الشكوى المتزايدة بإبتعاد اهل القلم احياناً عن الكتابة عن هذه الهموم ، وافساح هذا المجال الودود لسلطوي كاتب مثل السعودي هذا.
ابتعادكم انتم اهل القلم عن بعضكم وتجافيكم بما لايحقق حلماً ، وانشغالي واياك متوهمين عولمة همومنا، لكننا ننشغل بإنفسنا اكثر في زحمة الانشغال الكبير ،فلا نصل الى البعيد لا في المكان ، ولا في المنجز احياناً، وهذا ما يمنع أي كاتب ياباني من معرفة همنّا العراقي، لكني على كلّ حال مع همـّه الياباني .ومن هذا المكان اهدّد الكاتب السعودي بفضح نواياه لو تعرض الى كتاب (( مديح الظلّ)) للصديق العزيز الروائي الياباني " تانيزاكي" وسأكشف المزيد من مخططات الحكومة السعودية في نقل الفتنة الى اليابان بسلبياتها الوهابية بعد مشكلة مسجد طوكيو المركزي الذي بني عام 1938 والذي هدم عام 1986 بسبب الحكومة السعودية البغيض ودورها، ومشاكلها مع إدارة الشؤون الدينية التركية هناك،ومشاكل كثيرة ، والتي ربما لايسمح لي صديقي الروائي الياباني في كشفها الان ،والترفع عنها مادام الامر حسم من قبل الحكومة اليابانية، التي جعلت منه بمنحها كل المساعدات صرحا جمالياً رائعاً يحاكي ذوقهم في فن العمارة وجمالياته التي لا تحتقر الاماكن بل تستنطق حكمتها، اكثرالاماكن وليس المرحاض وحده .
ثانياً.. قلت في مقالك : ) وبعد أن صار "ريزخون" منظّرا في النقد الادبي..!
احتفلوا ب"لوكاش" العراقي أو رولان بارت جديد! )
قلتَ هذا بعد حنينك الى غودو ودعوتك لنا للاحتفال ب لوكاش جديد ، أي لوكاش مقارن منهم تعني ايها الصديق؟، فكما تعلم منهم لوكاش مبدع رائع ومنهم جلاد قذر، وواحد يميني واخر يساري،واخير مال حيث تميل، فهل كنت تعني في كلماتك اليائسة من المجد (اللوكاشي) الكاتب الماركسي الشهيرلوكاش؟، الذي له كلمات يائسة مثل كلماتك يا صديقي يوم قال : (بعد ماركس لم يسهم أحد (عدا لينين) أي مساهمة نظرية في حل مشكلات التطور الرأسمالي)) .
وهو القائل: ((أن كل فكر حر قد أخمد )) .لا اتمنى ان يكون هو في يأسه هذا الذي تعنيه على الاقل.
ولا اتمنى ايضاً ان يكون هو برنار لوكاش الفرنسي الذي اسس جمعية "المرأة العجوز"التي تعلن مناهضتها لأعداء السامية، والتي قادت حملات من التسقيط الفكري والتشهير، ولعل اهمها حملتها الشرسة مع جمعيات فرنسية اخرى ضد الكاتب الفرنسي "روجيه غارودي"، واتهامه بمعاداة السامية على إثر إصداره كتابه المشهور "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"؟
ام هو العسكري الدكتاتوري لوكاش جارسيا صاحب مجازر غواتيمالا؟.
من منهم تقصد ياصديقي (إن البقر تشابه علينا) وها انت ترى اني اخترت من الاشباه ثلاثة لغاية في نفس يعقوب تعرف انت سرّ عقدتها، وتلاطم افقي السياسي الضيق فيها ،في زمن صدام واشباهه الثلاثة.
ولكني احتفظ لك جانباً بمساحة الحلم في لوكاش نرتجيه خارج خلافنا على لوكاش او كرزاي عراقي.
ياللرهان المرّ بين واحد عبقري لا دخل له بضجيج التآمر وآخر عسكري ينافس الضحية مجدداً كي يحكم حلمه.
هل تجد انت من جدوى ..؟ ف لوكاش الذي تنتظره انت املاً وانتظره ، لا اريد لك ان تخدع به ولا انا، مثلما خدع الكثير منا سابقا في لوكاش الذي هو اكبر منظري الثقافة المضادة للفاشية وصاحب النتاج الهائل والتنظير الفكري الدقيق، والذي وجده الكثير منا يغذي جمال الضمائر بما يشتهر بأسم ثقافة الضميرالتي اسس لها هيكلاً معرفياً متميزاً. ربما لا يجد الاخر في لوكاش غير خانع ومُجمل للقبح من الذين نكرههم لأنه كان يستميت دفاعاً عن ستالين.
ولكني اعرف اي لوكاش آخر مرتجى اتبناه انا وربما اجادله في تفاصيل كثيرة لكنه رائع في كليته ونمطيته ولحظة يكون النمط عند ه هو النظرة إلى العالم،دون اعتبار او همية لصحة هذه النظرة او عمقها ، لكن ما يهم هو إبراز الكاتب لها، ابرازها في بطله الاشكالي، ضروري السلبية ، حتى يتسنى له عرض رحابة صورة هذا العالم.
هذا هو لوكاشنا الذي اختاره لتقويض اشكالات كثيره واجده فكرة تتبناها انت على الاقل لأني اجتهد معرفةً بإسلوبك الكتابي المتميز واقدر بعمق لهفتك لدعاة الواقعية بما احسستُه عن كثب عند جورج لوكاش واميل زولا وبلزك ، وحتى سارتر في وجوديته، يوم قدموا لنا الشخصيات الروائية المنغمسة في انحرافات واقعها وفساده الشائك والمرير هدفاً منهم "بالكشف والتعرية، وفضح المستور" بغية التنفير من هذا الواقع البغيض والتنبيه عنه.والكتابة في هذا الشأن هي كتابة ومغامرة مغرية الوعي، ولكن لها ثمن قاس خاصة في واقعنا العربي بمسياته الانتمائية للموروث والتقاليد ، التي كانت حجة السلطة في موجهتها اولاً والعامة في تجيشها ضدّ هذه الكتابة واعلان الحروب المقدسة عليها واتهامها بتبني افكار تهديمية شائنة ومستوردة. واتخذوا في حروبهم هذه من موضوعة الجنس في هذه الافكار غرضاً سوقياً لبناء السدود بحجّج اخلاقية لعصمة الابناء والبنات من ما يرونه من هوس خيالات هذه الروايات، ووضعوا وحددوا مقاديرهم القيمية والرقابية حدّ التعسف بمواجهة هذا الفن والادب.
عزيزي حمزة والحديث معك عن رولان بارت ، حديث يشبه امنيتك فيه .لذا سأنحي جدلي عن المسميات والاشخاص ، كي نتواجه بحديث اخر،وليس حديث العدوانية التي لا تطيق في نقدها اي مقدس ، وتعبره ، بلّ بكلّ فنيّ احببته لديك وانا اراك تروض فجيعته في جميل كتاباتك .
فأنت وفق رولان بارت بما تيسّر لي من القليل الذي شاركتك حروفه قراءةً في ابداعك جميل الغزارة ،وكأنك احياناً تضع وفق منهج بارت فخا لك في كتابتك واخر لي، فخ من سلطة النقد وانتقاماته من المبدع وصولاً الى الكتابة لحظة الابداع.
وها انا اتابع ما تكتبه واكتم الكثيرمما يعتمل في نفسي من(نقد النقد) واحاول قراءة نتاجك الناقد ووفق (تفكيكية) سيميولوجيا رولان بارت في عبورها المنتصر بالنقد من صفته التقليدية كلغة شارحة, واصفة, لغة من الدرجة الثانية الى وضع متسام يكون بموجبها نصاً إبداعياً في حد ذاته, لغة أولى تنبه القارئ الى نفسها اكثر من موضوعتها النقدية.هكذا اتمناك ،واتمنى قرائتك دائماً،ولكني اتمنى ايضاً ان اراك الان ميتاً عن نصك الاخير، فأنا وفق بارت ايضاً أؤمن بوجودك مؤلفاً حياً، وهذا ما يقلقني في استمرار الكتابة التي لا اريد ،لأني انظر إليك على أنك ماضي عملك وضامن استمراريته، حيث العمل والمؤلف يكونان على خط واحد للوعي ويتواتران كسابق ولاحق. وهنا لا املك سوى حلاً واحداً : ان اتوهمك ميتاً ،اعلن موتك ، وها انا اعلن موت الكاتب حمزة الحسن عن نصه الاخير لعلّي اراك ياصديقي تبعثّ حياً في كتابة اخرى ،وتلقي علينا السلام ،في كتابة الامل الاجمل، الذي هو توأم انتظاري لك. ولأني تعلمتُ منك " كشف" حساسية البطريق، دعني اتحسّس محبتك، وامهلني ان اعيشها ، حتى وانا أشتهيك ميتاً(مؤقتاً) ،ريثما ارى جديدك الحسن ،فلتكن شهيداً ياحمزة الحسن. ولك مني السلام، يوم كتبتَ، ويوم انتحرتَ في قلبي، ويوم تكتبُ حيا.
* في منفاه الطويل كتب برتولد بريخت أهم أعماله ومن ضمنها كتابه «حوارات المنفيين» الذي أنجزه عام 1941 في فنلندا.