حكيم العبادي
الحوار المتمدن-العدد: 4717 - 2015 / 2 / 11 - 23:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يكن تقويم الأخلاق هدفاً أساسياً للأديان عند ظهورها ، ولم يكن إصلاح المجتمعات من هموم السَدَنة يوماً ما ، بل هي أهدافٌ ثانوية للأديان التي كانت غايتها الوحيدة في بداياتها عبادة الأرواح الميتة لإرضائها خوفاً من عودتها لإزعاج الأحياء ، أو عبادة السماء المدهشة ونجومها العصيَّة على التفسير ، أو إسترضاء قوى الطبيعة تسكيناً لغضبها ، أو إستمالة المواسم رغبةً في حصاد وفير ، ثم عبادة الآلهة لاحقاً طمعاً بالجنة ، أو تحاشياً للنار ، حتى أن البعض قد إعتقد بها من بوابتها الخلفية ، فعبد الشيطان إتقاءاً لشروره وخطاياه ، ليكون رضا الله حينها تحصيلُ حاصل .
العقل الذي كان غافلاً :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يَدخل الدينُ الإنسانَ من بوابة العقل ، وإنما يتسللُ إليه من نافذة العاطفة ، حيث يرثه الإنسانُ طفلاً لا عقلَ له عن أبويه ، ويبدأ الصراعُ حين ينتبه العقلُ من غفلته متأخراً ، حيث يصطدم بالوهن الفاضح لبعض الغيبيات ، والسذاجة العارية واللا مقبولة لبعضها الآخر ، فتثور الشكوك وتتنامى التساؤلات وتبدأ الحيرة من ناحية ، في حين تصطدم أنا الإنسان ، ورغباته ، بنواهي هذا الدين و تابواته من ناحية أخرى .
لكن المفارقة هي في عدم إستسلام هذا الإنسان الذي تدين طفلاً للدين ، ففي كل مرة يتعارض فيها موقفه مع مفاهيم الدين ، يستدعي عقلَه الذي كان غافلاً لينصره على هذا الموقف ، فيبتكر له الحيلَ الشرعية التي تمكنه من أن يقفز فوقَ نواهي الدين قفزاً ، أما إذا كان ممن لا يمتلكون هذا العقل ، فيستطيع بهدية إسلامية ملائمة أن يستفتي خبيراً من رجال الدين المتخصصين بالتحايل ، فيستنبطون له أحكاماً شرعيةً لا تحسنها الثعالب ، وتفغرُ أمامها أساطينُ الفهلوة أفواهها .
في دراسة أجريت قبل أشهر على 155 داعشياً بريطانياً من الشباب ، ملتحقاً بصفوفهم في سوريا ، ظهر أن 154 منهم من خريجي التعليم في الجوامع البريطانية منذ سنين الطفولة المتوسطة (6 – 12 سنة ) .
من هنا تبدأ المشكلة ، فالتعليم الديني المتخلف يستهدف الأطفال من صغار السن ، لأنها المرحلة المثالية التي يغيب فيها العقل ، فيخرجون أجيالاً من القتلة ، والمغيبين ، واللصوص ، ممن تنتظرهم صراعات كثيرة مع العقل لاحقاً ، وجرائم لا تنتهي بحق الإنسان ، وبحق الله ، وبحق الأخلاق !!! .
ومن هنا أيضاً تبدأ خسارتهم للأخلاق ، فهذه المرحلة مخصصة حصراً لتعليم الأخلاق ، لا لتعليم الدين !!!! .
ما من سبيل إلا ( زغللة ) العقل !!! :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حين تظهر الأديان ، تتصف كأي فكرة جديدة ببعض التقدم والسمو على الواقع الذي يعيشه المجتمعُ حينها ، فتقدم طروحاتها المزوقة التي تعد الناس بواقع أجمل ، وبمجتمع تسوده العدالة والإنسانية ، و تقدم حلولاً مبتكرةً جميلة ، متفوقة نسبيا ً عما يعيشه المجتمع المتخلف الذي تظهر فيه .
وكان الناس يتقبلونها لصلتها المقدسة بالله ، و للكم الهائل من السحر والبلاغة التي تغلف طريقة تقديمها للناس !!! ... فجميع أصحاب الأديان الوضعية أوالأنبياء ممن يتصف بلسان بليغ .
تمر الأيام ، و يستعجلُ الزمنُ خيوله ، و يتقدم المجتمعُ أكثر ، ويتوسع ، فيرتفع مستوى وعي الناس ، وتتقدم العلوم ، وتتكاثر النشاطات ، ويتعقد نظام الدولة ، فتبدأ المشاكل ، وشيئاً فشيئاً تبدأ طروحات الدين التي كانت يوماً ما متقدمةً على أفكار المجتمع بالتراجع ، وستتخلف كثيراً عن الحاجات والمفاهيم الإنسانية والأخلاقية المطلوبة في الدولة و المجتمع ، وستزداد الحاجة لظهور قوانين جديدة لا علاقة لها بالجنة والنار ، ولا توفرها البلاغة ، فلا يجد سدنته من وسيلة للِّحاق بركب العلم ، وبحركة الزمن ، إذا ارادوا التمسك بالنص ، إلا الفهلوة ، واللف والدوران على المعاني ، و التلاعب بتفسير النصوص والكلمات ، ويصبح أفضل رجال الدين وأذكاهم حينها من يستطيع إمتصاص الشك من أذهان الناس ، وإسكات تمردهم - إلى حين - بطرق جديدة غير مألوفة لا يتقبلها إلا الساذج منهم .
نصوص الدين يا سادة ؛ ليس مجموعةً من الأسرار والطلاسم والمعميات ، لا تعبر عن نفسها ، ولا تنكشف ، إلا حين يتقدم العلم خطوة جديدة إلى أمام ، لينبري لنا أحدهم - مزغللاً العقلَ - بأن هذه الحقيقة موجودة بالنص الفلاني الذي لم ينتبه إليه المسلمون وسرقه منهم الألمان !!! .
معارك خاسرة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حين إكتشفت الدولة التي تُعنى بالأمن ، والإستقرار، والإقتصاد ، والأخلاق قوة الدين ، عقدت معه حلفاً مشؤوماً يحقق به كلٌّ منهما غايته ، فساعد الدينُ الدولةَ في تطويع الناس ، وفي تخديرهم ، وفي سرقتهم ، عن طريق التحسين النسبي للأخلاق ، وأفادَ بدوره من سيوف الدولة في زيادة قطعانه و عشوره ، ومن دنانيرها وجواريها في إشباع جشع كهانه ، وإطفاء غرائزهم ، من هنا بدأ إهتمام الدينُ بالأخلاق .
أما التجارب التي صار الدين فيها هو الدولة ، فقد فشلت في صناعة الإنسان ، أو المجتمع ، أو في صناعة الأخلاق ، وظلت متخلفة عنها بشكل كبير ، فالدولة لا يبنيها إلا العلم ، و المجتمع السليم لا يؤمن بثبات الأخلاق ، وكلاهما مما يرفضه الدين ، ويعاديه أيضاً ، ففي الجانب العلمي تحتاج الدولة للبحوث الزراعية والمكننة الحديثة مثلاً لتطوير الزراعة ، وإطعام الجياع ، ولا تنفعُ صلاة الإستسقاء أو التضحية برجل يُقطع قضيبه ، ويُجفف ، ويُطحن ، ويُنثر ذروره على الحقل ليزداد الحصيد ، وليكون الموسم وفيراً !!! .
أما في الجانب الأخلاقي فقد فشل رجال الدين وسدنته فشلاً ذريعاً في إقناع الناس بالتمسك بالأخلاق ، لأنهم قدوات سيئة لقطعان البسطاء والسذج ، فجميهم يتحدث عن الزهد في حين أن أقلهم مالاً يمتلك المليارات ، ولا ينكح إلا المراهقات من الأطفال ، وكلهم يتحدث عن التواضع لكنهم جميعاً متكبرون لا يعرف أحدهم السلام على الفقير ، وكلهم يدعو الناس إلى الجهاد ، وأولادهم لم يسمعوا بهذه الكلمة التي لا يعرفها الاّ الخراف ، وكلهم يتحدث عن القناعة وهو بَشِمٌ ، جَشعٌ ، مبطان ، لا يركب إلا أحدث السيارات وأغلاها ثمنا ً ، ولا يتعطر إلا بأفخر العطور مما يصل ثمن الغرام الواحد منه الى ألف دولار ، ويبلغ ما يتقاضاه بعضهم 10 ملايين من الدولارات نظير تقديمه برنامجاً تافهاً لا غاية له إلا تأجيج الفتن ، و تخريب ذمم الناس ، والإفتاء بجهاد العهر ، والتحدث عن الأفخاذ في الجنة !!!! .
لقد خسر الدين جميع معاركه السابقة مع العلم والأخلاق ، وتراجعت مواقفه فيها ، ومنها : التعليم ، العبودية ، تعدد الزوجات ، تحديد النسل ، حرية المرأة ، الطلاق ، مسلمات الدين فيما يخص قوانين الطبيعة ، البنوك الخ .. متحايلاً على بعضها بحيل شرعية كالبنوك الإسلامية ، أو متراجعاً عن بعضها مرغماً دون حيل كتحديد النسل وقبول التعليم الحديث ، وتعليم النساء ، وتقبل المسلمات العلمية كدوران الأرض ، و منح المرأة حق التصويت ، والإذعان لمنطق العصر في السماح لبعض الإختراعات كا لراديو ، والبرق ، والتلفزيون والسينما ، أوالتغاضي عن بعض الفنون كالغناء والرقص والرسم والنحت والتصوير وغيرها ، حتى إنتهى الصراع إلى ما لا بد منه في أوربا ، حيث تم فصل الدين عن السياسة ، و إلغاء الدولة البابوية نهائياً ، وتحديد صلاحيات الفاتيكان السياسية بإتفاقية لاتيران في حزيران 1929 .
لم تكتسي العورات يوماً لتتعرى !!!! :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلطة من ألد أعداء رجال الدين ، فهي النار التي تكشفُ زيفَ كل إدعاء ، وإذا كان تاريخُ المسلمين السنة حافلاً بمفاسد الحكم ، واللصوصية ، ونكاح الجواري والغلمان ، ففي أقل من 12 سنة من حكم الشيعة في العراق هدموا ما صنعته منابرهم في 1400 سنة من شعارات كاذبة عن الأخلاق في أذهان الناس من البسطاء ، لقد تعرَّى الطرفان أخلاقياً أمام عامة الناس ، أما أمام الواعين من النخبة ، فهي لم تكن قد إكتست يوماً لتتعرى !!! .
مشكلة المسلمين مع الأخلاق مزدوجة : فهم يعتقدون أن الدينَ هو من يصنع الأخلاق ، هذا أولاً ، وثانياً فأغلبهم على الأقل يعتقد أن الأخلاق منبعها الإسلام ، ونظرة بسيطة على المجتمع اليابان على سبيل المثال ، ومقارنة أخلاقه بأخلاق المجتمعات الإسلامية ، كفيلة تماماً بإزالة هذين الوهمين !!! .
لقد أثبت المتدينون الشيعة والسنة في العراق بأنهم أكبر لصوص التاريخ وأسوء المفسدين في الأرض وأكثر المجرمين إستباحة لدماء وأعراض وممتلكات الناس وخبز الفقراء ، و من المفارقات العجيبة في سلوك هؤلاء هو قلة الحياء غير المسبوقة الذي يتصفون به .
يقول أحد الاحاديث المختلف فيها : ( إذا بُليتم فإسستروا ) ، مما حدا بأحد السياسيين من المتدينين أن يحاول حجب الشمس بغربال الضحك على الذقون ، نافياً سرقاتهم بقوله : (( اليد التي تتوضأ لا تسرق )) ، وأتحداه أن يأتيني بيد واحدة لمسؤول عراقي متدين لم تسرق ، وسأثبت له أنهم جميعاً ممن يحسنون الوضوء ، بل يتفلسفون فيه .
أما ما يثير الدهشة والإستغراب حقاً فهو إعتراف إحدى النائبات التي لم تحاول الإستتار ، بل لم تحاول حتى إبداء بعض الحياء في إعترافها لزميلتها : (نحن جميعاً إستفدنا ، ونلنا حصتنا من الصفقات والعمولات ) ، وكأنها تقول لقطعان النعاج : كلنا في الفساد مسلمون ، ولا فرق بين طائفة وأخرى إلا بطول اليد ، وقلة الحياء ، والوقاحة !!! .
رجل الدين لا يصلح للحكم لأنه ببساطة لا يحترم شروط الخدمة العامة ولا يعرف أصولها ، ولأنه لا يعرف إحترام القانون ، فهو لا يؤمن بشرعيته غير المستمدة من الله أولاً ... و ثانيا ً من غير الممكن لمن تحايل على تابوات الله أن يلتزم بقوانين وضعها الانسان !!! .. ولهذا يجب إبعاد أي رجل دين ، أو متمسك بالدين عن السلطة .
إن أفضل من يصلح للحكم في الدولة الحديثة هو شخصٌ يضع القانونَ فوق الله ، لأن اللهَ مُختلفٌ فيه ، أما الوطن فهو للجميع ، كما هي الحياةُ حقٌّ للجميع .
أتسائل بمرارة : إذا كنتم تحكمون على العاهرة بالرجم لأنها زنت بعد أن سرقتم رغيف خبزها ، وخبز أطفالها ، و ألقيتم بها الى الشارع ، وجئتم من بريطانيا لتسرقوا ميزانية بلغت في عام 2014 - فقط - 140 مليار دولار ، فأي رجمٍ يليق بكم ، وبأي حجارة يجب أن ينفذ ، وكم ربٍ يجب أن يشارك فيه ؟؟؟؟ .
أما عاهروا سقوط الموصل فرجمٌ كهذا قليلٌ جداً بحقهم !!! .
ا حكيم العبادي
https://www.facebook.com/hakim.alabadi
#حكيم_العبادي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟