إعتراف الريماوي
الحوار المتمدن-العدد: 1317 - 2005 / 9 / 14 - 10:58
المحور:
القضية الفلسطينية
يتعرض الشعب الفلسطيني ، أثناء كفاحه من أجل التحرر والإستقلال ، لأبشع أنواع القمع والظلم على يد قوات الإحتلال الإسرائيلي ، سواء من القتل والتشريد والحصار وهدم المنازل ومصادرة الأراضي والإعتقال وغيرها الكثير من الممارسات الإحتلالية اليومية التي يتعرض لها كافة فئات هذا الشعب المكافح ، أطفالا وكهولا ، نساء ورجالا وشبابا ، بهدف إضعافه وثنيه عن مواصلة هذا الكفاح التحرري .
في هذا المقال ، نسلط الضوء على إحدى أوجه الممارسات البشعة التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني ، ألا وهو الإعتقال الإداري كسياسة ممنهجة تتبعها أجهزة الأمن الصهيونية ، ضمن سياسة الإعتقال الأكبر التي تضع آلاف المناضلين الفلسطينيين تحت وطأتها والمعاناة جرائها ، وبالوقت ذاته نتساءل عن الصمت المؤسساتي والإعلامي والشعبي إتجاه هذه القضية الحساسة .
فالإعتقال الإداري الذي تقوم به أجهزة الأمن الصهيونية ، وضمن مقاييسهم وحساباتهم التعسقية ، يتم إحتجاز المناضلين وكذلك تجديد الإعتقال نفسه بدون تهم توجه إليهم ، بل تكتفي هذه الأجهزة بإدعاء وجود " ملف سري " يبرر الإعتقال !! ومن خلال هذه السياسة فقد تعرض الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني ، في هذه الإنتفاضة كما غيرها ، للإعتقال وتجديده ، وفي هذه الأيام يرزح أكثر من 600 أسير وأسيرة تحت وطأة هذه السياسة ، والعدد قابل للزيادة في أي وقت قصر أم طال ، كما أن سياسة التجديد للإعتقال مرات متتالية تطال العديد من المناضلين ، فمنهم من قضى أكثر من سنتين وثلاث سنوات وأربع سنوات ، والحبل على الجرار ...، وبموازاة ذلك ، وكمحاولة منها لشرعنة هذا الإعتقال ، تلجأ الأجهزة الصهيونية لتشكيل محاكم صورية تنظر في وضع هؤلاء المعتقلين !.
بفعل أن الشعب الفلسطيني يعيش وضع مقاومة شرعية وطبيعية للمحتل ، كفلتها كل الشرائع والمواثيق ، فلا شرعية أصلا لأي محكمة صهيونية في إتهام أي مناضل مقاوم ، إلا من خلال منطق القوة الذي يفرض الإحتلال نفسه ، فما بالك بتهمة " الملف السري " الذي تروجه الأجهزة الصهيونية لتبرير سياستها ونهجها في الإعتقال الإداري ! ، فالأجهزة تلك تستطيع تلفيق أي معلومات إستخبارية كانت أو غيرها ، لتوفر مادة للإعتقال ولاحقا لتمديده وتجديده فترات أخرى بحق من سيكون هدفا لها ، وبالتالي أضحى أمر الإعتقال واردا ومبررا في أي لحظة ترتأيها هذه الأجهزة وفق الحجة نفسها ، وقد يكون أمر الإعتقال لفترة محددة من الأشهر ، وقد يتم تجديده وبذلك يستمر وقد يمتد لسنوات ، فالتجربة في هذا المجال غنية بالأمثلة الحية ، فمن المناضلين من قضى السبع سنوات متواصلة رهن الإعتقال الإداري ، ومنهم من تجاوز ذلك ولكن على فترات متقطعة من مراحل النضال الفلسطيني ، كما وتمارس تلك الأجهزة هذا الإعتقال بحق عدد من المناضلين الذين يقضون فترة حكم معينة ، بمعنى أنه يتم تحويلهم للإعتقال الإداري مباشرة دون الإفراج عنهم ، وبهذه الممارسة التعسفية لسياسة الإعتقال ، توفر الأجهزة الصهيونية فرصة لها في إعتقال أي كان وأي عدد من المناضلين ولفترات حسب إرادتها .
ومن خلال تجديد الإعتقال الإدري للمناضلين ، كسياسة مبرمجة لإحتجازهم أكبر فترة ممكنة ، فإن تلك الأجهزة تهدف من خلال التجديد أيضا لوضع المناضل في جو نفسي سيء ومتوتر دوما ، فاقتراب نهاية فترة الإعتقال لا تعني الإفراج دوما ، ويبقى الأمل والتفاؤل وحدهما يقاومان مخططات الأجهزة الصهيونية ، ويدور هذا الصراع في داخل الأسير / ة ترقبا للإفراج أو التجديد مع نهاية كل فترة ، هذا عدا عن تفكر الأسير بنفسه أثناء فترة الإعتقال كلما رأى تجديدا لرفيق له يشاركه هذه المعاناة ، ويتصاعد هذا التوتر وتزداد حلقاته وآثاره كلما طالت فترة الإعتقال وتجديده ، هذا ناهيك عن حرمان الأسرى ( الإداريين وغيرهم ) من زيارات ذويهم لهم ، بحجج تنبع من نفس السياسة ، كسياسة " الرفض الامني " لذوي الأسير ، وبالتالي فهذه السياسة تعمل على عزل الأسير وتوتيره وحصاره ، بهدف ثنيه وكسر شوكته! .
وكما أسلفنا بالإشارة إلى المحاكم الصورية التي تشكلها الأجهزة الصهيونية كمحاولة لإضفاء شرعية على سياستها الإعتقالية ، نعم ، فبهذه "المحاكم" لا يسمع المناضل ولا محاميه "تهمة" الإعتقال ، كلمة " ملف سري " هي سيدة المحكمة ! ، ولا تفرق " القاضي " عن النيابة والمخابرات ، بل تلمس أن دورهما يكمل نفس السياسة ، فالمخابرات ومن خلال النيابة تدّعي " الملف السري" ، ويتم خلالها إخراج المناضل ومحاميه من قاعة " المحكمة " ، ليتم التشاور ما بين " القاضي " والنيابة ! ، وبعد ذلك يعود المناضل لسماع قرار " القاضي " والذي غالبا ما يكون بتأكيد ضرورة الإعتقال وتبريره من أجل درء الخطر !! ، فسطوة المخابرات واضحة في هذه " المحاكم " كما غيرها ، ولا تؤدي إلا دورا شكليا وإضفاء صبغة "قانونية " عليه ! ، ولهذا السبب فكثيرا ما يتم مقاطعة هذه " المحاكم " من قبل الأسرى الإداريين ، ويرفضون المثول أمامها ، لمعرفتهم وإدراكهم صوريتها وأهدافها الخبيثة لتمرير سياسة الإعتقال التعسفي .
سياسة الإعتقال الإداري هذه ، بحاجة لمواجهة شاملة لها ، وتتطلب تضافر جهود مختلفة ، تبدأ من الأسرى أنفسهم وتمتد لتشمل المحامين والقانونيين ، وليتم التقاطها وتعزيزها مؤسساتيا وإعلاميا على الصعيد المحلي والعالمي . فالمواجهة هنا شاملة ، وتتطلب رفض هذا الإعتقال مبدئيا بكل تفاصيله وأشكاله ، لأن أي ثغرة في ركائز هذه المواجهة تؤدي لعدم التكامل والفشل اللاحق لها ، فالأسرى يدركون سياسة الإعتقال هذه ، ولديهم الوعي الكافي والإرادة التي تمكنهم من القيام بدورهم المطلوب لمواجهتها ، مثل التوعية داخل المعتقل ، والتحريض على مقاطعة المحاكم الصورية وما يرتبط بهم مباشرة بقضايا أخرى ، ولكن ماذا عن دور المحامين والمؤسسات الحقوقية ؟! ، وأين الدور الشعبي والرسمي في فضح سياسات الإعتقال الإداري ؟!
فبموازاة مقاطعة المحاكم من قبل الأسرى يدخل دور المحامين والمؤسسات ، في الطعن مبدئيا في طبيعة الإعتقال نفسه ، وهذا يتطلب جهدا منسقا وموحدا وإعلاما موظفا لذلك ، ويقع على عاتق المحامين والمؤسسات الحقوقية المعنية والجهات الرسمية في السلطة الفلسطينية ، مخاطبة ومراسلة زملائهم في العالم وأصحاب صنع القرار في المحافل الدولية قدرما أمكن ، تماما مثل التنسيق المحلي مع مختلف القوى والفعاليات والمؤسسات وتنظيم الإعتصامات والمظاهرات ، بهدف خلق حالة من الرفض العارم لهذه السياسة الصهيونية ، وحصارها من داخل المعتقل إلى العالم الخارجي ، بخطى منظمة ، مضبوطة ومتكاملة . ولكن هل هذا يحصل ؟!
للأسف لا ، فقد إستطاع الأسرى الإداريون إتخاذ خطوة في العام السابق ، ورفضوا المحاكم والمثول أمامها ، وما وجدوا من الدعم والإسناد والتكامل مع خطوتهم إلا اليسير جدا ، وبدى غياب الأدوار الأخرى واضحا ، وضاعت الجهود في إجتماع هنا وهناك ، ولم يتم العمل على تنسيق متين محليا ولا دوليا ، ولم يتم العمل لتحويل القضية ببعدها الشعبي والجماهيري ، لذا جاء هذا الدور فاترا ، لا يوازي الحد الأدني المطلوب لإستمرار الأسرى الإداريين في خطوتهم وتصعيد المواجهة ضد سياسة إعتقالهم ، وبالتالي تم قتل الخطوة مبكرا ، وبقي الأسرى يرزحون ويواجهون المعاناة وحدهم ، ينادون ولا مغيث يسمع ، وتنقضّ عليهم الأجهزة الصهيونية ممعنة في إستمرار سياسة الإعتقال والتجديد .
#إعتراف_الريماوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟