|
الكاتب العراقي حيدر لطيف الوائلي يقدم :- النص السردي القصير جدا و نحو النص -/ نص *حنين * لنجية نميلي نموذجا
نجية نميلي( أم عائشة)
الحوار المتمدن-العدد: 4715 - 2015 / 2 / 9 - 10:22
المحور:
الادب والفن
** توطئة "نحو النص" بدأ كجزء من علم اللغة النصي واستقر على يد " فان دايك" كنحو مختص بالنص يقابل " نحو الجملة" يتكئ على أغلب آلياتها إلا أنه يبحث عن قواعد نحوية عامة للنصوص . فالنص حسب "بوجراند" حدث تواصل يلزم-لكونه نصا-أن تتوافر له سبعة معايير مجتمعة ويزول عنه هذا الوصف إذا تخلف واحد من هذه المعايير وهي : السبك والحبك والقصد والمقبولية والإعلامية والمقامية والتناص. إلا أن هناك من يرى أن أهم المعايير هما معيارا: السبك والحبك بحيث إذا اتصف بهما أي نص يمكن أن نطلق عليه مصطلح النص وعليه يمكن القول :إن النص الذي تتوافر فيه كل هذه المعايير هو نص مميز تام وتقل درجة نصيته كلما نقصت المعايير. ____________
حنين (ق.ق.ج) استرجعت أنفاسه مما تبقى من قطرات قارورة عطره المفضل ...كيف صدقها حين طالبته بالرحيل ؟! ____________ قبل أن أبدأ بالمعايير لابد من أصف النص إجمالا.
**الوصف: النص هو جنس سردي قصير يسمى قصة قصيرة جدا مع العنوان لايتجاوز الخمس عشرة كلمة. يمكن تقسيمه إلى ثلاث فقرات هما: _ فقرة العنوان وبناء النص وبناءالنص يقسم إلى فقرتين هما: _فقرة البداية من "استرجعت " وفقرة القفلة من" كيف صدقها" أما الموضوع الأساسي الذي يعالجه النص هو "الحنين" حالة إنسانية لها أكثر من مظهر وتتعلق بأجناس مختلفة. والموضوع الثاني فرعي : آلية الحنين ومظهره الذي ظهر به . الموضوع الثالث فرعي أيضا : الاستفهام الذي جيء به لرفد حالة الحنين وتأكيدها أولتعميقها أو يمكن جيء به نوعا من التبرير .
المعايير: -------- ***القصد القصد هو التعبير عن هدف النص و يندرج تحته مفهومان: مفهوم يتعلق بهدف النص والآخر يتعلق ببنية منشئ النص أو ما يقابل إرادة الاستعمال عند الأصوليين فلا إرادة للمجنون والسكران.. فالقصد في هذا النص يتمحور حول بؤرة الحنين المركزية ليصل إلى ماهو أبعد من الحنين فالحنين عتبة النص ومحوريته. وقد جاء في "اللسان " الحنين هو الشديد من البكاء والطرب ،والحنين الشوق وتوقان النفس... والناقة تحن في إثر ولدها حنينا تطرب مع صوت، وقيل:حنينها نزاعها بصوت وبغير صوت والأكثر أن الحنين بصوت . وفي الأثر الشريف للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في أصل أسطوانة جذع في مسجده ثم تحول إلى أصل أخرى فحنت إليه الأولى ومالت نحوه حتى رجع إليها فاحتضنها فسكتت. فالقصد هو إظهار ذلك الحنين الذي انتاب هذه الشخصية إلا أن المنشئ ربما يكون قصده الحنين المشوب بالندم فكأنما القصد الحقيقي من القصة الرسالة التي تبثها في المجتمع وهو عدم الاستعجال في اتخاذ قرارات والنطق بألفاظ قد تؤدي إلى حالات متعبة للنفس وخصوصا في القرارات المصيرية.
***التناص يقول "دريدا": النص لايملك أباً واحداً ولا جذراً واحدا بل هو نسق من الجذور. والتناص صنفان: صنف داخلي وآخر خارجي حسب د.تمام حسان . أ.التناص الخارجي يرتبط بمفهوم الحنين اللفظة المطلقة الرائجة في التراث العربي تتناص مع مامعهود من" حنين الإبل"إذ تمركزت في أشعارهم وأمثالهم وأقوالهم.. من ذلك القول المشهور( لاتترك العرب الشعر حتى تترك الإبل الحنين) ومن أشعارهم ماجاء فيه مصطلح حنين الأباعر..الخ ب. التناص الداخلي ويمكن أن نلمحه بين كلمة "الرحيل "آخر القصة وكلمة "الحنين" عنوان القصة فقد ارتبطتا في التراث العربي وهما الآن مترابطتان بالتناص بينهما إذ تمت إعادة صياغة هذه العلاقة من جديد في هذا النص . والتناص في هذا النص قائم على العفوية وعدم القصد.
***المقامية تتعلق بمناسبة النص للموقف فهي المناسبة أو المقام الذي يوضح المقصود من النص ،فالمقامية كما يقول "بوجراند "تتضمن العوامل التي تجعل النص مرتبطا بموقف سائد يمكن استرجاعه ... فمناسبة النص أوسياق الحال مهم في تفسير النص الذي بين أيدينا إذ يمكن أن يبعث لنا السياق النفسي الذي جاءت القصة معبرة عنه ،يبعث لنا بهدايا دلالية تجعلنا نتصور حركات وسكنات هذه الشخصية.. فهي متألمة تتذكر أياما مضت ..تحاول في كل مرة أن تعيش لحظات الذكرى باللجوء الى تلك القارورة ....كما يمكن أن نستشعر حالتها وهي تبكي بصوت عال ربما ....وننظر إلى الإعياء والتعب الذي يلحقها من هذه الحالة بل يمكن ان نرى أنها استعملت "حروف السين في قولها استرجعت وفي أنفاسه"هذه الحروف التي لاتحتاج إلى جهد في نطقها تناسبا لحالتها المتعبة...
***الإعلامية حسب "بوجراند" الإعلامية تتعلق بالمعلومات الواردة في النص من حيث توقع هذه المعلومات أو عدم توقعها ويرى بوجراند لابد من أن ننظر إلى هذا المصطلح لا من حيث كونه يدل على المعلومات التي تشكل محتوى الاتصال بل من حيث يدل بالأحرى على ناحية الجدة أو التنوع الذي توصف به المعلومات في بعض المواقف ...فكلما بعُد احتمال توقع ورود المعلومة ارتفع مستوى الكفاءة الإعلامية. ولو جئنا إلى النص وأردنا أن نضع أيدينا على موطن"الإعلامية "فيه ، يمكن لنا القول :إن عبارة(استرجعت أنفاسه مما تبقى من قطرات قارورة عطره المفضل)كانت هي مدار الجدة وبالخصوص في توظيف الاسترجاع بهذه الصورة فيمكن توقع قول شخص" استرجعت أنفاسي"لكن لايمكن توقع أن يقوم شخص باسترجاع أنفاس شخص آخر من قطرات قارورة عطر! فالخيال هنا مميز والاستعارة رائعة.
***القبول أو المقبولية تتعلق المقبولية بموقف المتلقي من قبول النص والتقبلية عند "جون لوينز " جاءت من نظريته في السياق حيث إن نظرية السياق عنده لاتعتبر الجملة كاملة المعنى إلا إذا صيغت طبقاً لقواعد النحو وراعت توافق الوقوع بين مفردات الجملة وتقبلها أبناء اللغة وفسروها تفسيراً ملائما . والنص توافرت فيه شرائط المقبولية من حيث اللغة والنحو ومن حيث المعنى الدلالي لأنه جاء مجسدا لحالة إنسانية عامة .
***السبك والحبك هذان المعياران متلازمان. يرى "برينكر "أن بنية النص تعرض على مستويين يرتبط كل منهما ارتباطا وثيقا هما :المستوى النحوي والمستوى الموضوعي . _المستوى النحوي هو مايسمى بالسبك _والمستوى الموضوعي هو مايسمى بالحبك. فالسبك برصد الاستمرارية النحوية المتحققة في ظاهر النص و الحبك برصد الاستمرارية الدلالية التي تتجلى في منظومة المفاهيم والعلاقات الرابطة بين هذه المفاهيم. وللسبك في هذا النص وسائل متعددة سأتتبعها وأتمنى أن أوفق في ذلك.
***الحذف هو استبعاد العبارات السطحية التي يمكن لمحتواها المفهومي أن يقوم في الذهن أو أن يوسع أو أن يعدل بواسطة العبارات الناقصة والحذف في نص حنين تجسد في:
أ.العنوان إذ جاء أحادية لفظية اسمية (حنين) وهذا يقتضي أن نقدر لها محذوفا من أجل الوصول إلى التماسك واتضاح الدلالة. فيمكن أن نقدر (هذا) كمحتوى مفهومي فيكون العنوان "هذا حنين "لكن يبقى العنوان بهذا التقدير بحاجة إلى شيء، فحنين ماذا؟ أو حنين من؟ .. أسئلة لابد من عدم إهمالها من خلال التمعن في النص يمكن أن نقول: إن هذا الحنين هو حنين أنثى ...
ب.من موارد الحذف في النص الفصل بين (...عطره المفضل)...(كيف صدقها..)فبين هاتين الفقرتين فصلٌ جعلت الساردة بينهما نقاطا ،فالنص لم يتم ربطه بأداة ربط.. توجد إحالات للضمائر تتابع إحالات الضمائر السابقة ،لكن الآن ماهو التقدير المناسب قبل الاستفهام وبعد الفقرة الثانية بالنسبة لمجمل القصة ؟ يمكن أن يكون المحتوى المفهومي المقدر هو قولها (هي لم تعلم) فيكون ناطقا عن لسان حال الشخصية الجهل بالسبب الذي جعله يصدق كلامها. ويمكن أن يكون المحتوى المفهومي المحذوف دعاءا من طرف شخص ثالث غائب عن النص حاضر ومشاهد لتصرفات وأفعال هذه المرأة صاحبة الحنين بحيث بعد أن ترى حالة حنينها وأنينها تدعو على هذا الشخص الراحل بدعاء كأن يكون (حسبي الله ...)فيكون القول الذي بعد الدعاء ليس للشخصية الأولى بل للشخصية الثالثة الغائبة. وبكلا الاحتمالين سينتج تماسك للنص.
***الإحالة أ."استرجعت" ،"صدّقها"،إحالات الضمائر واحدة هنا لمرجع متصيد خارج النص والفاعل في "استرجعت" والمفعول به في"صدق ّ "هو واحد عائد إلى شخصية الأنثى صاحبة الحنين خارج النص. وعودة الضمائر إلى مرجع واحد خارج النص وهما في فقرتين متباعدتين نسبيا.
ب."عطره "،"طالبته" الإحالات هنا لمرجع متصيد أيضا خارج النص وهو شخصية الرجل . وهنا أيضا تساهم الإحالات الخارجية بالتماسك رغم اختلاف الفقرات.
***التكرار في النص يوجد"شبه تكرار" ففي وزن استفعل دلالة على الطلب كما أن وجود لفظ الطلب يمكن اعتباره "شبه تكرار "يؤكد على التماسك النصي لوروده في فقرتين متباعدتين.
***الحبك نجد هناك نسقا دلاليا في هذا النص ابتداء من العنوان وحتى القفلة ف "موضوع الحنين"هو الموضوع الرئيس الذي حدثنا عنه المبدع ثم تنقل في بيان آلية هذا الحنين وكيف انعكست صورته على شخصية أنثوية وثم تأتي الخاتمة لتعمق معنى الحنين وتؤكد حالة الألم وترفد الحنين . الآن يمكن القول: إن نص "حنين "نص مميز حقق جميع معايير النصية رغم صغره .. فبوركت الأستاذة نجية نميلي على هذا النص المميز وزاد الله في تألقها.
#نجية_نميلي(_أم_عائشة) (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القاص المغربي المصطفى كليتي في حوار مفتوح مع رابطة القصة الق
...
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|