أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - لماذا لن ينجح تصدير الديمقراطية من أميركا للعرب؟















المزيد.....

لماذا لن ينجح تصدير الديمقراطية من أميركا للعرب؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1317 - 2005 / 9 / 14 - 13:10
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


من غير المحتمل أن تنجح المساعي الأميركية لنقل البلاد العربية نحو الديمقراطية. لا بل إن من المرجح أن تتسبب بأذى كبير للعرب والديمقراطية، ولأميركا أيضا. هذه نتيجة غير مفاجئة لسياسات مبنية على حماسات عقيدية وعلى رؤى تغييرية كبرى ومتعصبة.
لكن لماذا لن تنجح مساعي الأميركيين لتصدير الديمقراطية إلى العرب؟ ليس لأن الأميركيين يكرهون العرب والمسلمين، هذا افتراض غير ضروري، وهو بعد غير صحيح في إطلاقه؛ ولا لأنهم غير جادين أو غير راغبين في الديمقراطية، هذا أيضا غير ضروري. لن ينجح تصدير الديمقراطية لأن أجندة الأميركيين متناقضة. يريدون الديمقراطية على ان تكون سياسات النظم العربية الديمقراطية غير متعارضة مع الأرجحية الأميركية الحاسمة في الشرق الأوسط، وعلى أن تشاركها حربها ضد "الإرهاب" دون نقاش، وعلى أن تمتنع عن إظهار تطلعات استقلالية، وعلى أن تقبل بأشكال متنوعة من الوجود الأميركي المباشر بما فيه القواعد العسكرية، وعلى أن تبقى إسرائيل اقوى من الدول العربية مجتمعة، وأن تنال معاملة تفضيلية في تقرير شكل السلام المحتمل بينها وبين العرب، وعلى ان تبقى السياسات النفطية ملائمة للأميركيين دون أن تفكر الدول المنتجة له بمقاربات أكثر استقلالية في مجال استخراج وتصدير ونقل النفط أو تحريك الأرصدة المالية لها في الغرب.
يحب الأميركيون أن ينعم العرب بالديمقراطية، لكنهم يحبون بقوة أكبر أشياء أخرى تفرغ الديمقراطية العتيدة من أي مضمون. كيف لأية حكومة عربية ديمقراطية، منتخبة شعبيا، أن تلتزم بالحدود الأميركية المشار إليها، والتي تعني عمليا أن السيادة العليا للأميركيين؟ ستواجه خيارا معضلا: إما ديمقراطية تحث على سياسات مستقلة وتحتاج إليها لتحوز ثقة مواطنيها، أو تبعية للأميركيين أقل ديمقراطية، إن لم نقول محمية بالدكتاتورية. ومصدر هذه المعضلة طبيعة السلطة الأميركية في الشرق الأوسط، وهو سلطة لا نتردد في وصفها بأنها دكتاتورية ومحاسيبية في آن معا. دكتاتورية من حيث أنها لا تقبل الحلول السياسية والتفاوضية والتسويات والتنازلات المتبادلة لما يطرأ من مشكلات مع دول المنطقة أو قواها السياسية والدينية، مفضلة الحلول العسكرية والأمنية. وهي محاسيبية مثل أكثر دول المنطقة من حيث أنها تفضل قوى موالية حتى لو كانت استبدادية وتوجهاتها الفكرية محافظة على قوى مستقلة حتى لو كانت حداثية وعلمانية. دكتاتورية وزبائنية، الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ودون اعتبار لفكرتها عن نفسها ولفكرة بعض أنصارها المحليين، قوة شرق أوسطية أصيلة. ومثل جميع الدكتاتوريات الشرق أوسطية تركز واشنطن في يديها السلطة الإكراهية والقيم المشرعة معا. إنها تحوز حيال دول المنطقة سلطة هائلة، غير مقيدة أو غير دستورية. هذه السلطة ترغب بالديمقراطية على مستوى النيات الذاتية، لكن إطلاقها بالذات هو العائق الكبر أمام التحول الديمقراطي، بالنظر إلى أن الديمقراطية تعريفا نقيض السلطة المطلقة. باختصار، لدينا من الولايات المتحدة سلطة قمعية واعتباطية وغير خاضعة للمحاسبة وليس بحال حكما ديمقراطيا منتخبا أو حكيما. تكوين هذه السلطة وأجندتها تجعلها ضعيفة الالتزام حيال الديمقراطية.
لو افترضنا أنه جرت انتخابات حرة في بلد عربي مركزي مثل مصر أو سوريا أو العراق، وحاولت الحكومة الجديدة ممارسة الحكم مستهدية بمصالح شعبها. فرصة ان لا ترتطم بالأميركيين محدودة، واحتمال أن لا يبدأ الأميركيون بالضغط عليها لتعديل سياساتها وضرب "المتطرفين" في صفوفها وإظهار مزيد من "الاعتدال" محدود أيضا. ومعلوم أنه في الانتخابات العراقية الأخيرة تدخل الأميركيون بطرق متعددة للحد من فرص فوز من اعتبروهم متشددون شيعة. إذا رفضت الحكومة المنتخبة الاستجابة للمطالب الأميركية من المحتمل جدا أن تتعرض لضغوط شديدة ومتنوعة (دبلوماسية، إعلامية، اقتصادية، أمنية..)، وهذا يضعفها ويتسبب في اقتران الديمقراطية بالهشاشة وعدم الاستقرار؛ أو قد تستجيب لها وتجد نفسها مضطرة لقمع خصومها الذي سيتهمونها بالتخلي عن مطالب شعبها وصيانة استقلال البلاد، وهو ما يعني التخلي عن الديمقراطية عمليا، رغم أن صوت الثناء عليها وتمجيدها سيصدح أكثر واكثر، ما يؤدي إلى تشويه سمعتها وتنفير الناس منها.
المعضلة مرة أخرى: ديمقراطية تتوجه نحو سياسات استقلالية أو تبعية محمية بالاستبداد. أقول سياسات استقلالية وليس معادية للأميركيين، سياسات معتدلة بالمعنى الحقيقي للكلمة. بل إن شرط سياسات معتدلة في المجال العربي والشرق أوسطي هو بروز دول مستقلة وقادرة على أن تقول لا لواشنطن. أما اعتقاد المقررين الأميركيين أن السياسات الاستقلالية في المنطقة معادية لهم أو موجهة حصرا ضدهم فهو اعتقاد متطرف، نابع من الطابع المتطرف وغير العقلاني للسلطة والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط. وتشي معادلتهم بين الاعتدال والخضوع لهم بافتقارهم التام للاعتدال.
يسهم في ترسيخ التطرف الأميركي وتطبيعه ضعف وانكسار عين القوى العربية العقلانية المحتملة من أحزاب ومنظمات وسلطات أمام الأميركيين. أعني أيضا ضعف أشكال الاحتجاج الحديثة والعقلانية على الهيمنة الأميركية. القوى العقلانية دائمة التفكك إلى قسم يغلب الاحتجاج فيلتحق بالمقاومات غير الحديثة، وقسم يغلب الحداثة فيلتحق بالأميركيين. العراق يعرض بوفرة كلا النموذجين. الجمع بين الحداثة والمقاومة هو فرصة مجتمعاتنا في التوازن وإنتاج الاعتدال الحقيقي. والمفارقة التي يمكن أن يرصدها المراقب هي أن العلاقة العربية الأميركية لا تعثر على بر عقلاني ترسو إليه. فهي إما علاقة تبعية وخضوع وخوف من الأميركيين، أو علاقة عداء وتناحر. ليس هناك دول عربية صديقة للأميركيين، ليس هناك أحزاب أو منظمات عربية تدافع عن السياسة الأميركية، دون أن تكون مطعونة، بحق، في استقلاليتها ووطنيتها. التطرف الأميركي المتزايد (مقياسه الأصدق ارتقاء العلاقة الأميركية إسرائيل من مستوى المصالح إلى مستوى المبادئ إلى مستوى الحب الخالص بعد 11 أيلول 2001) لا ييسر عقلنة العلاقة وبناءها على شيء من الثقة. يريد كثيرون من العرب، أفرادا ومنظمات ودولا، تغيير هذا المنوال، لكن قدرتهم على التأثير عليه محدودة. قدرة الأميركيين أقوى بما لا يقاس، لكن ليس لديهم من الأسباب ما يدفعهم لتغيير نظام العلاقة هذا. و11 أيلول كان مناسبة لتحقيق قفزة في السلطة الأميركية في الشرق الأوسط وليس بداية الخطو نحو الديمقراطية. افتراض التطابق بين الأمرين غير ممكن دون تعريض مفهوم الديمقراطية لتحريف خطير يضعها في خدمة السلطة المطلقة.
مثل واشنطن، الأنظمة العربية تريد أشياء كثيرة، منها استعادة ما قد يكون لها من أراض محتلة، ومنها التنمية، ومنها الاستقلال الوطني، ومنها "الوحدة والحرية والاشتراكية"، بل ومنها الديمقراطية، لكن أقوى إرادتها مكرسة للخلود في السلطة وعدم التنازل عن شبر واحد أو ذرة رمل واحدة منها. بمنطقها الذاتي، تقود هذه الأولوية إلى إضعاف إرادات التحرير والتنمية والاستقلال... وإضفاء صفة نسبية مفرطة عليها. بالمقابل تقود الأولوية هذه إلى التماس رضا الناخب الحقيقي والسيد الأصيل في المنطقة، الذي "يصادف" أن يكون دوما بطلة الديمقراطية وقديستها في "الشرق الأوسط".



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسمية الأشياء بغير أسمائها: الإعلام محصنا ضد الحقيقة
- خوض الحرب السابقة
- إصلاح سوريا ولبنان للإصلاح بينهما
- سياسة الفرط والبعثرة: إعادة احتلال الميدان العام في سوريا
- من أين يأتي التغيير؟ جدليات الداخل والخارج في -الشرق الأوسط-
- السيف والندى: تأملات سياسية
- في تضاعيف المسألة الإرهابية
- الإسلاميون ومبدأ الشرعية المتساوية
- علمانية في العالم الاجتماعي أم في عالم المثل؟
- علمانية وإسلامية وديمقراطية في السجال السوري
- حقائق وزير الحقيقة البعثي
- الانحلال حلا: تأملات لا عقلانية في الشرط العربي
- البعثية السورية: من الإرادوية إلى الإداروية
- استعصاء
- وحيدا على قيد البقاء المطلق: حزب البعث في أسر السلطة
- هايل ابو زيد: آخر ضحايا نظام الاستثناء الأمني
- كلام على هيبة الدولة
- بين السلطة والإخوان: لا بديل عن التفاوض
- مخرج عقلاني من وضع مقلق
- حزب الشعب الديمقراطي السوري وتحدي بناء الذات


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - لماذا لن ينجح تصدير الديمقراطية من أميركا للعرب؟