|
قصّة قصيرة - حسين مهنّا
حسين مهنا
الحوار المتمدن-العدد: 4714 - 2015 / 2 / 8 - 20:17
المحور:
الادب والفن
هِنْد ..
اتَّكَأَتْ على حافَّةِ شَبّاكِ غُرْفَتِها المُطِلِّ على مَنْظَرٍ قَرَوِيٍّ خَلّابٍ .. جَبَلٌ شامِخٌ بِخُضْرَتِهِ .. سَماءٌ تَيّاهَةٌ بِزُرْقَتِها .. أَراضٍ لا هي سَهْلِيَّةٌ ولا هي جَبَلِيَّةٌ إنَّما هي جَليلِيَّةٌ بِامْتِيازٍ ؛ تُبْهِرُ العَينَ بِلَونِها البُنِّيِّ ، فهي محروثَةٌ لِاسْتِقْبالِ الوَسْمِيِّ .. وأَمّا ما يُرى في المَدَى القَريبِ ، فَالمارَّةُ في ذَهابٍ وفي إيابٍ ..حَرَكَةُ سَيّاراتٍ تَنْشَطُ .. صِياحُ ديكٍ آتٍ من بَعيدٍ .. صورَةٌ لِقَرْيَةٍ أَخَذَتْها المَدَنِيَّةُ شَوطَاً ،وتَرَكَها لا هي قَرْيَةٌ ولا هي مَدينَةٌ - لا تَقِفي أَمامَ الشُّبّاكِ هكَذا يا زُهَيرَةُ ..! صَوتُ أُمِّها يَجْلِدُها مِنَ الخَلْفِ .. خَوفُ أُمِّها مِنَ القيلِ والقالِ هو ما يَجْعَلُها ، رُبَّما ، تَعْتَرِضُ على وُقوفِها هُناكَ .. فَالوُقوفُ أَمامَ الشَّبابيكِ ، بِأَعْرافِهِم ، لا يَليقُ بِالفَتاةِ ، جَميلَةً كانَتْ أَمْ دَميمَةً ، حَتّى كَونُها طالِبَةً جامِعِيَّةً لا يَشْفَعُ لَها .. تَقولُ أُمُّها : الذَّهابُ الى الجامِعَةِ شَيءٌ ، والوُقوفُ أَمامَ الشَّبابيكِ شَيءٌ آخَرُ ! .. ثُمَّ إنَّها أَجْمَلُ أَخَواتِها .. جَميلَةٌ بِكُلِّ مَقاييسِ الجَمالِ دونَ الخَوضِ بِالتَّفاصيلِ .. تَبَسَّمَتْ حينَ تَذَكَّرَتْ أَنَّ أُمَّها لم تَكُنْ تُريدُها أَنْ تَذْهَبَ الى الجامِعَةِ ، فَتَعيشَ في قَلَقِ الأُمِّ الّتي تَنامُ في بَيتِها ، وابْنَتُها تَنامُ خارِجَ البَيتِ بَعيدَةً عن ناظِرَيها .. - لا تِقِفي أَمامَ الشُّبّاكِ يا زُهَيرَةُ ! مِسْكينَةٌ اُمِّي .. قالَتْها في سِرِّها..لا تُريدُ أَنْ تُصَدِّقَ أَنَّ الحَياةَ تُبَدِّلُ أَبْناءَها .. لا تُريدُ أَنْ تَعي أَنَّ حَوّاءَ قد خَرَجَتْ معَ آدَمَ عارِيَةً إلّأ من وَرَقَةِ توتٍ ، وعامَتْ دُهورَاً في بُحورٍ من دَيجور ، والآنَ تَسْبَحُ في بُحورٍ من نور .. أُمُّها لا تُريدُ أَنْ تُصَدِّقَ أَيضَاً ، أَنَّ ( الآي فون ) يَفْعَلُ فِعْلَهُ أَكانَتِ البِنْتُ خارِجَ البَيتِ أَمْ داخِلَهُ !! ..... وأَنا أَنْتَظِرُ العَودَةَ من بَيتِ الطّالِباتِ في الجامِعَةِ لِأرْتاحَ من المُحاضَراتِ ومن نَظَراتِ المُحاضِرينَ – بَلْهَ الطُّلّابَ – وأَقِفَ هذِهِ الوقْفَةَ لِأَعُبَّ بَراءَةَ الطَّبيعَةِ عَبَّاً ! نِداءُ أُمِّها لِلْمَرَّةِ الثّانيَةِ جَعَلَها ، رغمَ تَفَهُّمِها لَها ، تَمْتَعِضُ بَعْضَ الشَّيءِ .. وفَكَّرَتْ .. لو كانَ الواقِفُ أَخاها فَهل كانِتْ سَتَنْهَرُهُ كما تَفْعَلُ مَعَها ؟! لا يَهُمُّ! ،هَمَسَتْ في سِرِّها .. أَلَيسَ هو آدَمَ وأَنْتِ حَوّاءُ ؟! .. بَلى ..أَنْتِ يا حَوّاءُ الجانِحَةُ الجانِيَةُ دائِماً وهو السَّوِيُّ المَجْنِيُّ عَلَيهِ دائِماً ...... تَقولُ الصُّغْرى من بَناتِ ( نوح ) لِأُخْتِها : " أَبونا قَدْ شاخَ ولَيسَ في الأَرضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَينا كَعادَةِ كُلِّ الأَرضِ هَلُمَّ نَسْقي أَبانا خَمْرَاً ونَضْطَجِعُ مَعَهُ فَنُحْيي من أَبينا نَسْلاً " ....... وقالَتْ لَهُ في كِتابِ أَلْفِ لَيلَةٍ ولَيلَةِ : " ....وأَيضَاً عندي دائِماً الخُبْزُ مَخْبوز والماءُ في الكوز ، وما اُريدُ مِنْكَ إلّا أَنْ تَعْمَلَ مَعي كِما يَعْمَلُ الدّيك . فَقُلِتُ لَها : ما الّذي يَعْمَلُهُ الدّيك ؟ فَضَحِكَتْ وصَفَّقَتْ بِيَدِها ووقَعَتْ على قَفاها من شِدَّةِ الضَّحِكِ ، ثُمَّ إنَّها قَعَدَتْ وقالَتْ لي : أَما تَعْرِفُ صَنْعَةَ الدّيك ؟ فَقُلْتُ لَها :واللّهِ ما أَعْرِفُ صَنْعَةَ الدّيك ! قالَت : صَنْعَةُ الدّيكِ أَنْ تَأْكُلَ وتَشْرَبَ وتَنْكَح ! فَخَجِلْتُ من كَلامِها ثُمَّ إِنَي قُلْتُ: أَهذهِ صَنْعَةُ الدّيك ؟ قالَتْ : نَعَمْ ، وما أُريدُكَ الآنَ إلّا أَنْ تَشُدَّ وَسَطَكَ وتُقَوّي عَزيمَتَكَ وتَنْكَح .... " ...... وذَكَرَ المَسْعوديّ أَنَّهُ كانَ لِلْخَليفَةِ العَبّاسِيِّ أَبي الفَضْلِ جَعْفَرَ المُتَوَكِّلَ على اللّهِ بنَ المُعْتَصِمِ بنَ هارونَ الرَّشيدِ بنَ المَهدِيِّ بنَ المَنْصورِ أَرْبَعَةُ آلافِ جارِيَةٍ وَطِئَهُنَّ جَميعَاً !!!! وأَحَسَّتْ أَنَّها تَغْرقُ في بَحْرٍ غَيرِ بَحْرِ التّاريخِ العَكِرِ هذا ! إنَّهُ بَحْرٌ من غِسْلين .... وتَهَيَّأَ لَها أَنَّها بَصَقَتْ بَصْقَةً بِلا هَدَفٍ .. وصَوتُ أُمِّها لا يَرْحَمُ .. - مَلْعونٌ أَبو الشَّبابيكِ يا زُهَيرَة !! تَقولُ أُمُّها : شَرَفُ الفَتاةِ زُجاجٌ إذا انكَسَرَ لا يَنْجَبِرُ ! ..وتَقولُ هي : وهلْ هُناكَ شَرَفٌ يَنْجَبِرُ وآخَرُ لا يَنْجَبِرُ ؟ قالَ الرَّسولُ ( ص) ... " ولا يَسْرِقْنَ ولا يَزْنينَ " . فَرَدَّتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، أُمُّ مُعاوِيَةَ ، وكانَتْ تُبايِعُهُ " وهَلْ تَزْني الحُرَّةُ وتَسْرقُ ؟! .... وارْتاحَتْ عِنْدَما تَذَكَّرَتْ قَولَ هِنْد .. آهٍ هِند .. هشنْدُ يا هِنْدُ .... !! أَينَ أَنْتِ يا هِنْد ...... !؟ وقَبْلَ أَنْ تُغْلِقَ شُبّاكَها مَرَّ شابٌّ وَسيمٌ أَنيقٌ ، نَظَرَ اليها وابْتَسَمَ .. فَابْتَسَمَتْ .. ابْتَسَمَتْ بِدافِعِ الإتِكيتْ .. تُرى بِأَيِّ دافِعٍ ابْتَسَمَ هوَ ....!؟ ( ديسمبر 2014)
#حسين_مهنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصّة قصيرة - ليلة باردة .. حارّة
-
فاطمة ناعوت في حوار مفتوح مع القارئات والقرّاء حول لماذا يقت
...
-
يقولون أنت حزين
-
الزّيارة الأخيرة لسميح القاسم
-
لعنة الوأد
-
لا تنسوا الصّراع الطّبقي
-
حوار (ملف الأول من أيار)
-
قصيدة وردة على جرح حواء
-
قصيدة تبسّم
-
قصيدة كلهم هولاكو
-
ليستْ ثَرْثَرَة....
-
يا قُدْسُ رِفْقَاً ..!
-
يا قُدْسُ رِفْقَاً ..!
-
نامي ثَوْرَةً بِدَمِي ..
-
أيُزْعِجُكَ النَّبْشُ في الذّاكِرَة.....!؟
-
رأي شخصيّ غير ملزم لأحد
-
في رثاء القائد الوطني الشيوعي نمر مرقص
-
قَدْ يَبْدُو المَشْهَدُ عَادِيَّاً...!
-
أما زالَ يُخْجِلُكَ المَدْحُ.....!؟
-
أشربُ حُزني عَلَلاً..!
المزيد.....
-
حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
-
فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
-
بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي
...
-
فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
-
الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب
...
-
ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في
...
-
توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
-
من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال
...
-
“احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م
...
-
فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي
المزيد.....
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
المزيد.....
|