|
سوريا .. ثوابت وآفاق
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4714 - 2015 / 2 / 8 - 15:31
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
من المسلم به ، رغم تعدد وجهات النظر ، حول التفاصيل ، في الداخل والخارج ، أن سوريا بعد أربع سنوات ، من التنازعات والتوترات السياسية والعنفية ، ومن الحرب التدميرية الكارثية مع قوى الإرهاب الدولي ، لم تعد كما كانت .. كل شيء فيها تغير .. وأبرز المتغيرات :
- لم يعد دستور البلاد يكرس الأحادية في الحكم لأي حزب أو تيار سياسي . وأصبح الشعب هو من يختار الحزب أو التيار الحاكم ، عبر صناديق الاقتراع . - إن حزب البعث لم يعد يحكم البلاد كحزب " قائد للدولة والمجتمع " كم كان في الدستور السابق . وإنما يحكم الآن ، كأكثرية في مجلس الشعب . وربما في انتخابات مقبلة ، يأتي حزب ، أو تحالف ، يملك الأكثرية ليحل محله . - ولم تعد إدارة مؤسسات الدولة حكراً " للحزب القائد " وإنما هي في حال عودة الأمان والاستقرار الأمني والسياسي ، مفتوحة ، حسب القانون ، لمن تتوفر فيهم الشروط والخبرات العلمية المطلوبة . - البنية السكانية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والعسكرية ، والاقتصادية ، لم تعد كما كانت . وإنما بفعل الحرب ، والقتل ، والتدمير ، والتهجير ، أصبحت مجروحة .. معقدة .. تحتاج إلى إعادة بناء ، وفق معايير إنسانية وديمقراطية مفتوح جديدة . الشك المعارض .. والجهل الغبي الكسول ، لا يعترف بما حصل من تغيير . والحرب وحرائق وأحقاد الحرب .. تربك .. تشوش .. على الرؤية .
وسواء اعترف البعض بذلك ، أم مازال يكابر ، لانتزاع مكاسب مادية ، أو لإنقاذ ماء الوجه ، فإن أكثر الأطراف الداخلية مسؤولية ، في فهم هذه المتغيرات ، وتصويبها نحو الأفضل ، وتحمل المسؤولية في المشاركة بإبداع الحلول ، لعقد وصعوبات المرحلة الدموية الكارثية ، هي تلك المعارضة التي تضع الشروط الملتبسة لتتهرب من المسؤولية . ومن الواضح إزاء ذلك ، أنه كلما تأخرت المعارضة .. أو تلكأت عمداً ، في ممارسة دورها المطلوب وطنياً ، كلما خسرت طرداً من رصيدها السياسي أمام القوى الشعبية . وكلما أسرعت عملياً في الانتقال إلى الصف المقاتل للإرهاب الدولي والمخططات الأجنبية ، كلما ساعدت على تحقيق ما لديها من ملاحظات ورؤى تعتبرها بناءة ، في عملية المتغيرات الجارية ، وتكرس الإيجابي منها .
* * *
ولفهم ما حدث من متغيرات ، ووضعها في مكانها المناسب ، والتعاطي معها وتطويرها بما يتناسب والرؤى المتعددة لمستقبل أفضل ، من المفيد قراءة ما تكرس في السنوات الأربع الماضية ، من ثوابت ، برزت وتفاعلت مع الأزمة السورية ، وأثرت في نتائج ما جرى ويجري ، وفي مقدمها :
1 - إن ما اصطلح على تسميتها بالأزمة السورية ، لم تكن مؤامرة . وإنما هي نتاج أسلوب حكم راكم الكثير من التجاوزات والأخطاء ، التي انعكست سلباً على البنية السياسية في المجتمع ، وعلى مستوى الحقوق السياسية والمدنية ، وعلى مستوى المعيشة ، ودفعت إلى الفساد ، والغلاء . وكانت تفاصيلها ، وتجلياتها ، تزيدها سوءاً . ما أدى إلى إضعاف وتشويه ما تم عبر عقود من الإنجازات ، في مجال التعليم ، والخدمات العامة ، والصحية ، والقطاع العام الخدمي والإنتاجي ، وكان لابد من طرح حلول سميت بالإصلاح . 2 - لم يكن معظم ما سمي معارضة ، يتسم شكلاً وموضوعاً بميزة الأفضلية على النظام . لاسيما في المسائل الاجتماعية والاقتصادية . بل إنها في عهد " حكومة العطري " وافقت على استبدال النمط الاقتصادي المعتمد على القطاع العام ، بنمط اقتصاد السوق المجحف والمؤلم للطبقات الشعبية . وبعضها استخدم السلاح ، بصورة مطابقة للأسلوب الذي استخدمه الحزب الحاكم سابقاً ، للوصول إلى السلطة . مع عدم حملها أي مشروع سياسي متكامل متقدم على ما هو قائم . 3 - لم تكن التفاعلات والاحتجاجات ، التي اخترقت الشارع في البدايات ثورة ، بمعناها الهادف إلى إقامة نظام بديل عادل ديمقراطي وتقدمي . فقد انكفأت إلى الخلف سريعاً . وهيمن عليها ، وسخرها ، التدخل الخارجي لأغراضه الإمبريالية والرجعية . ومن ثم دفعها إلى الذوبان في مخطط حرب الإرهاب الدولي . 4 - تأكد بالمطلق ، أن حرب الإرهاب الدولي ، التي تشن على سوريا منذ سنوات ، هي مؤامرة دولية بامتياز . وقد استغل القائمون عليها الأزمة السورية الداخلية ، التي يمكن حلها بالتفاعلات الداخلية ، لتكون مقدمة للحرب ، ولجر قطاعات شعبية مهمشة ، أو مغامرة ، أو متخلفة ، لتكون شركة بهذه الحرب ، وحاضنة لها ، لتحقيق أهداف استراتيجية إمبريالية ورجعية متخلفة ، ، وأطماع في مخزون الطاقة البترولية والغازية في الأراضي والمياه السورية . 5 - بالمجمل إن ما يدخل بإطار الأزمة ، بعد أن حمل معارضون كثر السلاح ، وتواطؤا مع الخارج ، لتحقيق غزو عسكري " أطلسي " على الطرقة الليبية ، وبعد أن حشدت عالمياً .. واستقدمت .. المجموعات الإرهابية المسلحة ، المرتزقة " إلهياً .. ومادياً .. وجنسياً " من كل أطراف الأرض ، وتحولت الجغرافيا السورية كلها إلى ساحات حربية ، موجهة من المراكز الإمبريالية والرجعية الإقليمية ، لتدمير الكيان السوري .. بعد هذا وذاك .. انتهى موضوعياً دور المعارضة التقليدي ، المعروف قبل احتدام الأزمة وتحولها إلى الحرب . وحل محله دور الشريك في هذه الحرب . وسقط عن المعارضة بكل فصائلها وتنوعها رداء المعارض الذي يجري لإسقاط السلطة ، وتطلب ارتفاع المنسوب الوطني ارتداء رداء الدفاع عن الوطن ، والالتزام بمقتضيات وحدة الصف الوطني ضد الإرهاب الدولي .
بعض المعارضة حسم أمره منذ البداية وحمل السلاح ، ومن ثم انخرط بالحرب في الخندق المعادي للبلاد ، الذي يقوده نتنياهو ، وأرد وغان ، وآل سعود وآل ثاني ، وأوباما وخلفه حلف الناتو ، وهو يتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية على خياره المشؤوم وعلى الجرائم التي قام أو شارك بها . وبعض معارض آخر يرفض السلاح ، لكنه يتكأ على حركة السلاح بيد الآخرين ، لتحقيق مكاسب مادية ، في فرص التفاوض والحوار مع النظام . وهناك تيار معارض ، يرفض الاحتكام للسلاح من أجل التغيير الديمقراطي ، ويرفض الإرهاب الدولي ، والانقسامات العرقية والطائفية ، ولديه عناوين لحلول مطابقة ، لكنه لم يقدم مبادرة عملية ، لتجاوز المسافة بينه وبين معارضات قريبة نسبياً من طروحاته ، ولتجاوز المسافة بين طرفي الثنائية السياسية المسؤولة عن الوطن .. أي المعارضة والنظام . وقد كان منتدى موسكو للمعارضة السورية ، مناسبة لإضاءة هذه التما يزات بين فصائل وتيارات معارضة أو محسوبة على المعارضة ، التي لعبت دوراً سلبياً متوقعاً ، لاجتياز المرحلة العنفية والحربية المؤلمة المزمنة سنة تتلوها سنة التي مرت بها الأزمة السورية .
6 - لن تستطيع أية قوى داخلية أو خارجية ، أن تعيد سوريا إلى ما كانت عليه قبل الأزمة والحرب .. أو أن تعيد بناء سوريا وفق صيغة .. عميلة .. رجعية .. متخلفة .
* * *
بيد أن هذا الفصل من " الأزمة الحرب .. والحرب الأزمة " قد أسدل الستار عليه . والفصل الجاري الآن ، هو الأكثر دموية وتدميراً . ويجري العمل فيه سراعاً ليحول دون أن تكون خواتم هذه الحرب لصالح الشعب السوري . وقصف المدن السورية في الخامس من الشهر الجاري ، لاسيما مدينة دمشق العاصمة ، ليس إلاّ مشهد من مشاهد هذا الفصل . وقد تنعكس عليه تعقيداً وتفاقماً ، الحرب الأهلية في أوكرانيا ، وأحداث اليمن الأخيرة ، بالمزيد من القتلى والتدمي . وقد تتحول مختلف المدن إلى أهداف لعمليات قصف كارثية ثأرية عبثية أكثر مما هو متوقع . ما يتطلب من كل الذين ينتمون إلى قيم الوطنية .. والديمقراطية .. والتقدمية .. والقومية التحررية ، أن يلتزموا بقرار محدد .. وأن يقفوا في خندق محدد .. لصالح تحرير الوطن من الإرهاب الدولي ، ولصالح وحدته ، وإعادة بنائه ، إنسانياً ، وعمرانياً ، وسياسياً .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لن أقول وداعاً
-
قبل منتدى موسكو وبعده
-
لماذا القلعة بحلب هدف للإرهاب ؟
-
لأجل عودة آمنة كريمة للوطن .. إلى الطفولة المهجرة
-
الأستاذ
-
التعذيب جريمة حرب وجريمة استبدلد
-
حلب تصنع ربيعها القادم
-
الصراع السوري مع الغرب الآن .. لماذا ؟
-
مائة عام من الصراع مع الغرب .. إلى متى ؟
-
داعش على ضفاف الراين - إلى ريحانة كوباني -
-
في التصدي للوجه الآخر للإرهاب
-
طعنة في ظهر ابن رشد
-
النقابات السورية والنضال العمالي والحرب
-
كوباني .. هذه المدينة البطلة
-
ضد الإرهاب وحرب الخديعة الجوية
-
بدر الدين شنن - كاتب يساري ونقابي عمالي سوري - في حوار مفتوح
...
-
وليمة لذئاب حرب الإرهاب
-
مع غزة .. أم مع .. تل أبيب ؟ ..
-
السؤال المستحق في اللحظة العربية الراهنة
-
متطلبات مواجهة الإرهاب الدولي
المزيد.....
-
التقرير الصحفي الأسبوعي عن أخر تطورات العدوان وأشكال التضامن
...
-
وسائل إعلام إسرائيلية: سماع دوي انفجار قرب قيساريا ويجري الت
...
-
الإعلام العبري: سماع دوي انفجار قرب قيساريا شمال فلسطين المح
...
-
رحلة في تاريخ البيتزا.. من خبز الفقراء إلى موائد العالم
-
عرض ساعة ذهبية لجمال عبدالناصر مهداة من السادات في دار مزادا
...
-
تيسير خالد : يدعو وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية الفلسط
...
-
حماس تعلق على حوار الفصائل الفلسطينية في القاهرة
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي بوجدة يخلد الذكرى 39 الشهيد أمي
...
-
سفينة صواريخ إسرائيلية تعترض مسيّرة في المجال البحري قبالة س
...
-
م.م.ن.ص// قافلة تضامنية مع معركة المعطلين بتاونات في يومها
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|