|
الذاكرة الإنسانية: كقوة وفعالية
حسن معروفي
الحوار المتمدن-العدد: 4713 - 2015 / 2 / 7 - 19:32
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
الذاكرة الإنسانية كقوة وفعالية ذ. حسن معروفي يبقى الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحوز ملكة العقل مما ساعده على تعقل ذاته وإدراك العالم من حوله ، وهذا العقل الإنساني يُركبُ بين مجموعة من العمليات تتداخل فيما بينها لدرجة التماهي فنجد التذكر،التخيل ،التصور والتمثل ...،هنا يفرض موضوع الذاكرة على الخصوص أهميته بالنظر إلى شيوع المفهوم لدرحة اختزال العقل النساني فيه ،فالعقل الراجح عند الحس المشترك-العامة من الناس-هو الأقدر على التذكر بدقة وفعالية .لذلك بدا لنا من اللازم تخصيص هذا المقال لأهمية "الذاكرة الإنسانية" ولأهم فعالياتها، وكذا للعناصرالتي تؤثر في عملها ،والمشاكل التي قد تعوق عملها، أي نقيضها لاأبدي "النسيان".كيف إذن تشتغل الذاكرة الإنسانية ؟وماهي عناصرها المتدخلة في عملية التذكر ؟وكيف السبيل إلى تقوية عملها وتزكية عطائها؟ " الذاكرة" تعرف عادة بما هي القدرة الذهنية على الإحتفاظ بما مرً بالفرد من خبرات وتجارب، أما "استرجاع" ما سبق وتعلمناه واحتفظنا به فيدعى "بالتذكر". فإذا تذكرت مثلا: اسم صديق فهذا يعني أنني تعلمت هذا الإسم في زمن مضى واحتفظت به مدة معينة وانتهيت بتذكري إياه، وإذا قابت شخصا فتعرفت عليه فهذا يعني أنه سبق لي أن رأيته .وبناء عليه نكون أمام طريقين للتذكر هما : "الإسترجاع" و"التعرف". فالأول هو استحضار الماضي في صورة ألفاظ ومعان وحركات أو صور ذهنية ،بالتالي فهو تذكر شيء غير ماثل أمام الحواس،كأن نسترجع بيتا أو قصيدة أو حادثة .....أما الثاني –"التعرف"- فهو شعور الفرد أن ما يدركه اللحظة هو جزء من خبراته السابقة وأنه مألوف لديه وليس شيئا غريبا أو جديدا.هو أذن تذكر شيء ماثل أمام الحواس. وقد بحث علماء النفس والفيزيولوجيا-ع وظائف الأعضاء- في عملية الإسترجاع نفسها وانتهى الكثير منهم إلى القول بأن هذه العمليات لاتتم إلا تحت فرضية أن التجارب تترك أثرا ما في الجهازالعصبي.بمعنى أنها تترك نوعا من الصور الذهنية-تطبع على المخ –وتقوم الحواس بنقل هذه الصورة من العالم الخارجي إلى المخ...ويختلف الأفراد فيما بينهم في درجة الإحتفاظ بالصور الذهنية بل حتى في نوع تلك الصور،لذلك يقسم العلماء الأشخاص إلى بصريين إذا كانوا أقدر على تذكر الأحداث التي حصلت بفعل حاسة البصر،وسمعيين في حالة القدرة على تذكر الصور السمعية.مما يستلزم البحث في مراحل عملية التذكروالتي تستتبعها عمليات أوسع تتمثل في: أولا:الإكتساب والتعلم ثانيا:الإحتفاظ أو الوعى. ثالثا: الإسترجاع. أولا: الإكتساب والتعلم. أكدت مجموعة من الدراسات على التباين الحاصل في درجة الإكتساب والتحصيل،كما أن هناك اختلافا في نوع الخبرات التي يميل إليها الأفراد ، فمنهم من هو سريع في فهم الخبرات التي لها ارتباط باللغة،ومنهم من هو بطيء في تحصيل تلك الخبرات، بينما هو سريع في تعلم مسائل الرياضيات. الإختلاف إذن في مستوى ودرجة الإكتساب والذي يرجع بدوره إلى العوامل ذاتية وأخرى موضوعية:فالأولى تتعلق بالإستعدادات الفطرية الخاصة التي يملكها الفرد كنوع الذاكرة ،والقدرة على الفهم، والمثابرة وبذل الجهد ، وطبيعة الميول وقوتها،والحالة الفسيولوجية ..... بينما العوامل الموضوعية ترتبط بطبيعة العناصر المراد اكتسابها وتعلمها والتي يمكن إجمالها في:أنه كلما كانت العناصر والمعطيات المراد اكتسابها أقرب إلى التواقف مع استعدادات الفرد كلما كان اكتسابها أسهل وأسرع ،فالإدراكات التي تثير اهتمام الفرد تخلق لديه نوعا من الإنتباه إليها يتجلى في وضوح إدراكه لها،وهنا نكون أمام أقوى بواعث التذكر فالإنسان يتذكر بسهولة الأشياء التي تعنيه وتتصل باهتمامه. ينضاف عامل أخي يتمثل في كون المواد والمعلومات التي تعتمد على عامل المعنى والتسلسل والتناسق أسهل في تعلمها وحفظها من المعطيات التي لا يفهم لها معنى."تجربة hartmann قوائم الحفظ......زيادة على عامل الوضوح والترتيب. كما أن حفظ الأشياء المفهومة والمنطقية وذات الإيقاع الموسيقى كالشعر مثلا تكون أسهل تذكرا وأيقن معرفة . وهنا نرتبط بعملية تؤثر في الإكتساب وبالتالي في التذكر ألا وهي عملية"التسميع الذاتي"مثلا ندرس الجملة الأولى ونسمعها ذاتيا في الذاكرة أى نرددها داخليا،ثم نتعلم الجملة الثانية،ونعود ونسمع ذاتيا الجملة الأولى، وتليها الثانية وهكذا ...دواليك. ثانيا : الإحتفاظ او الوعى : يقصد بالوعى احتفاظ الفرد بما مر ً به من خبرات وبما حصًلهُ من معلومات واكتسبه من من عادات ومهارات ،وتلك القدرة على الإحتفاظ هي استعداد فطري يقوم على أساس عصبي يختلف باختلاف الأفراد و لاسلطان للفرد على تنميته أو تقويته بالتدريب والتعود لذلك نجده يحمل طابعا فطريا أكثر منه مكتسبا،وعملية الإحتفاظ تلك تتدخل فيها جملة من العوامل كتداخل دراسة المواد والمعلومات مع بعضها خصوصا إذا كانت هذه المواد والمعطيات متشابهة، أما إذا اختلفت المواد فستقل عملية التداخل تلك ويسهل بالتالي الإحتفاظ بها ووعيها. كما أن "التكرار المتقطع " أي أخذ فترات من الراحة القصيرة أثناء الدراسة والتحصيل،حيث من الأفضل الإستذكار ساعة واستراحة ثلاث دقائق على الإستذكار ثلاث ساعات واللإستراحة ساعة بعد ذلك. كما أن النوم والكسل والخمول،وتناول بعض المهدئات يساهم في سهولة نسيان المادة والمعلومات المدروسة.كذلك يلاحظ أن التعرض لارتجاج في المخ وللصدمات الكهربائية التي تعطى في علاج أمراض الإكتئاب والفصام يعرض صاحبها للنسيان السريع.ومن املاحظ أن الحوادث القريبة يكون نسيانها أسرع وأسهل من الحوادث البعيدة،لأن البعيدة أخذت التدعيم الكافي فثبتت في المخ.في حين لم تتم للأحداث القريبة الفرصة لتحضى بالتدعيم الكافي وحينها تكون عرضة للنسيان والتلف. ثالثا :الإسترجاع(التذكر). الذكرى التي لا تعود ليس لها قيمة عملية،والذكرى الأمينة هي التي نستطيع أن نستعملها حيث نشاء- أي نتذكرها-،والتذكر إما أن يكون عفويا وتلقائيا حين تمبثق الذكرى من تلقاء نفسها،أو يكون التذكر إراديا حين يجيء استجابة لدعوتها ،كمن يكتب بحثا حول موضوع ما ،أو الطالب حين يستدعي معلوماته أثناء الإمتحان......هذا الإستدعاء ليس بالأمر السهل فقد يحتاج في أحيان كثيرة إلى جهد عقلي شاق . وهنا سنأتي على ذكر معضلات الإسترجاع والتذكر، فالتعلم وحده لا يضمن الإسترجاع بالضرورة،فقد يكون الذهن حاشدا بالمعطيات والمعلومات لكن على صورمشوشة وغير مرتبة بحيث يشق على الفرد أن يتذكر ما حصله حين يحتاجه .ومما قد يؤثر في عملية التذكر: نجد عامل التعب والإنفعالات النفسية. فالطالب الذي أرهق نفسه في الدراسة قبل الإمتحان لاتسعفه ذاكرته أثناء الإختبار بكل مايرغب استحضاره ، كما أن الإضطراب وحالات الإرتباك يعطل الذاكرة وهذا ما يحدث مثلا للخطيب أمام الجمهور أو التلميذ في الأختبار الشفهي.
ومن ميسرات التذكر يمكن الحديث عن ضرورة التعلم المنهجي ،أى القدرة على الربط بين المعلومات السابقة ونظيرتها الجديدة، فالمعلومات المشتتة تستعصي على التذكر.بالأظافة إلى أهمية استخدام اللغة أثناء الحفظ والتحصيل،وتسمية الأشياء كذلك يزيد الفرد تركيزا وانتباها.وأخيرا يأتي التهيؤ الذهني والإستعداد النفسي للقيام بعملية التذكر. اضطراب الذاكرة : قد تتعرض الذاكرة لعدة اضطرابات نجملها فيما يلي : يأتي الحديث في هذا السياق عن حدة الذاكرة وشدتها والتي نعني بها قدرة الفرد على استدعاء الحوادث بطريقة مذهلة وسريعة،وبتفصيلات حقيقية دقيقة، حتى وإن حدثث منذ مدة طويلة، وتتضح هذه الظاهرة بالنسبة للحوادث المشحونة وجدانيا وعاطفيا، كذلك تظهر في أمراض الذهانية مثا "البرانويا" وهو الشعور الدائم بالإضطهاد والعظمة كما تظهركذلك في حالات الهوس والإنبساط. فقد الذاكرة :وهوعطب يلحق الذاكرة يؤدي في مستواه القريب إلى عدم قدرة الفرد على تذكر الحوادث التي المرت منذ مدة وجيزة ولكنه يتذكر طفولته،الشيء الذي يحدث مثلا أثناء الشيخوخة ونوبات الصرع .واضطراب الذاكرة في مستواه البعيد يعد ظاهرة طبيعية نسبيا لأنه يحدث عند أغلب الناس .وقد تعرف الذاكرة حالة من الفراغ إثر التعرض لصدمة نفسية ،أو ارتجاج في المخ،أو حالات الصرع النفسي الحركي. تقوية الذاكرة : برهن التجر يب العلمي على أن الانسان لبست له ذاكرة عامة واحدة، إما نتذكر بقوة أو يعسر التذكر عبرها .بل للإنسان ذاكرات متعددة مستقلة: ذاكرة للأشكال وللألوان وللأصوات وللألفاظ ولوجوه الناس.....،وقد تكون إحداها أو بعضها قوية والأخرى ضعيفة عند الشخص نفسه.وبالنسبة للدراسة والتعلم مثلا فإن الأستذكار الصحيح للدروس يعتمد على نوعين من التذكر( تذكر المعلومات والتذكر المنطقي،وهوالقائم على الفهم والتفكير دون التقيد بالألفاظ والتفاصيل) وترجع أسباب النسيان إلى : - الإنتباه والتذكر:العلة في عدم التذكر راجع إلى نقص التركيز في القراءة والسماع،لذا يجب الإصغاء والإقتصار على الجوهري والرئيسي. - الرغبة والإهتمام :الإنسان ينسى مالا يهتم به ،ولا ينسى مايهتم به ،فالرغبة والإهتمام هما العامل الأساسي في تدكر المعلومات . - شروط التحصيل الجيد : من أهم الشروط التي تحول دون نسيان الدروس مراعاة شروط التحصيل الجيد،وهو الحفظ الجيد،وتنظيم المادة، والنشاط الذاتي،والتسميع الذاتي،والتكرارالموزع. ونوجز أخيرا الشروط التي تساعد الطالب على الإستذكار-والتذكر: - حيث يجب تحديد وقت ومكان بدء المذاكرة ،والعمل على مقاومة الشروذ الذهني،وتبني ألية الرجوع لما سبق معرفته وإلحاق الآتي به بشكل تسلسلي،زيادة على عدم القراءة بفتور والتسميع الذاتي للدروس، ثم تنويع المواد والمعطيلت وتكرار ما تم تحصيله من قبل وأخذ فترة راحة كافية.
#حسن_معروفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذاكرة الإنسانية: كقوة وفعالية
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|