|
دواءٌ اسمُه القراءة
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4713 - 2015 / 2 / 7 - 16:02
المحور:
المجتمع المدني
كذب مَن قال إن القراءة للتثقف وبناء المعرفة. وكذب من قال إنها للاستمتاع وحرق أوقات الفراغ. القراءةُ أبعد من هذا وأشدُّ أثرًا. القراءةُ دواء مجاني لأمراض البدن والأعصاب والدماغ. فاغتنموا فرصة معرض الأدوية المجاني المقام بأرض المعارض منذ 28 يناير وحتى 8 فبراير، تحت مسمى "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، واقتنوا من رفوفه أشكالا متنوعة من العقاقير التي تحميكم من أمراض العقل والجسم والأعصاب. أثبت الطبُّ أن مَن يقرأ يوميًّا من العسير أن يضربه مرض آلزهايمر، الوحش الذي يأكل ذاكرة الإنسان ويلتهم تاريخه حتى لا يعود يعرف شيئًا من ماضيه، ولا أصدقاءه ولا حتى أولاده، ولا حتى رفيق العمر أو رفيقته. لهذا كتبت المجلةُ الفرنسية: Destination Santé على صدر دراسة حول علاقة القراءة بالصحة العقلية تقول: “اقرأوا الكتبَ، الصُّحفَ، المجلات. العبوا الشطرنج، ولكن لا تستسلموا أبداً للكسل!". تلك النصيحةُ الموجزةُ هي نِتاجُ دراسات مكثفة قام بها باحثون أمريكان، خرجوا على إثْرِها بتوصيات تقول إن على الإنسان أن يُشغِّلَ ويُفعِّلَ خلاياه الذهنيةَ والعصبيّة باستمرار، وطيلةَ عمره. ذاك إن تلك الخلايا ليست إلا عضلاتٍ مثلها مثل أي "عضلة" في الجسم؛ تفقدُ قواها والقدرة على أداء وظائفها إن هي رَكنَتْ إلى الكسل والرخاوة، فيما تنشطُ وتُستحَثُّ قواها إن هي مُرِّنَتْ وأُجهِدَت في العمل والتدريب المستمرين. تمامًا مثلما يمرّن الرياضيون عضلاتهم بالركض اليوميّ والإحماء والتريّض الشاق. لذا أكّد الباحثون أن الدماغَ، شأنُه شأنَ الساقين والذراعين والخِصْر، يحتاجُ إلى تمارينَ دائمةٍ، من أجل إبعاد شبح آلزهايمر المخيف، وغيره من أمراض عقلية وجسدية أخرى. ولهذا السبب ربما أطلقتِ العربُ اسمَ "رياضيات" على عِلم الجبر والتفاضل والتكامل وحساب المثلثات، الخ، لأنها ليست إلا رياضةً للذهن. فهي للدماغ مثلما الرياضةُ للبدن. وهنا نقطةٌ تُحسَبُ لعبقرية اللغة العربية على اللغات الأخرى التي أطلقت على ذلك العلم أسماءً مثل Mathematics بالإنجليزية، وما يشابهها في اللغات الأوروبية الأخرى. أجرى الباحثون الأمريكيون دراستَهم على نحو سبعمائة شخصٍ يبلغون من العمر ثمانين عامًا. وجاءتِ النتيجةُ كالتالي: كبارُ السنّ النُشطاء "ذهنًا"، معرضون بنسبة أقلّ كثيرًا للإصابة بمرض آلزهايمر، مقارنةً بأشخاص لم يمارسوا أيَّ نشاط فكريّ على مدى أعمارهم. وإذاً، تكفي قراءةُ كتابٍ أو جريدةٍ من وقتٍ إلى آخر، للوقاية من أمراض الشيخوخة الذهنية مثل الخَرَف والنسيان والتراجع العقليّ وفقدان المقدرة على التحكم في الوظائف الحيوية. وأشاروا إلى أن دراساتٍ عديدةً لفتتْ إلى أن الأشخاصَ الذين اعتادوا على مطالعة كتبٍ ودراسات قيّمة منذ سن مبكرة أقلُّ عُرضة للإصابة بأمراض الدماغ، من سواهم أولئك الذين لا يُعمِلونَ أدمغتهم. ذاك أن القراءةَ من أهم النشاطات التي تساعد على تنشيط الذاكرة والحفاظ على القدرة الذهنية. أما الأمم المتحدة فأجرتْ دارساتٍ وأبحاثًا حول عادات المطالعة والقراءة لدى مختلف شعوب العالم ودولها. أفادتِ الدراساتُ تلك أن معدَّلَ ما يقرأه الفردُ، سنويًّا، على طول العالم العربيّ وعرضه، ربعُ صفحة فقط(!)، فيما معدّلُ ما يقرأه الفردُ الأمريكيّ أحد عشرَ كتابًا، والبريطانيّ ثمانية كتب، كلَّ عام. أما الإسرائيليّ، رعاه الله، فيقرأ أربعةَ كتبٍ شهريًّا، أي ثمانية وأربعين كتابًا كلّ العام! (هل يذكّركم هذا الرقم التعسُ بشيء؟ ) وكان موشي ديّان، وزيرُ دفاعِهم، يراهنُ على هزيمتنا لأننا "أمّةٌ لا تقرأ". صحيحٌ أننا انتصرنا، لكنه صدق فيما ذهب إليه، رغم إنه قال قولته الموجعةَ هذه أيامَ كان للكتاب بعضُ البريق ما يزال، ومات قبل أن يرى قنواتِنا الفضائية تبثُّ كلَّ ربع ساعة مسابقةً تمنح جائزتَها بالدولار لمن يتذكر اسمَ فيلم أو أغنية أو "ماتش كورة"! قال إننا لا نقرأ في عصرٍ كنّا فيه أفضلَ حالاً من الآن، حالَ الكلام عن القراءة، فماذا عساه يقول الآن، لو امتدّ به العمرُ السعيد؟ يحكي لنا التاريخُ أن لا شيء يُرهبُ الديكتاتورَ أكثر من الكتاب. حكوماتُ الطُّغاة لا تنتعشُ إلا مع شعوب لا تقرأ. فكلما ودّ طاغيةٌ إسكاتَ صوت المعارضة عَمَد، بادئَ ذي بَدء، إلى إتلاف الكتب، وإتلاف مؤلفيها وتصفيتهم إن أمكن. وإن لم يقدر، عمد إلى إلهاء شعِبه عن القراءة، عن طريق إنعاش كلِّ مُفرِّغات العقل. ذاك أن الطاغوتَ، في كلِّ عصر، يعلم جيدًّا أن شعبًا مثقفًا واعيًا بحقوقه، من المستحيل ظُلمه أو قمعُه أو استلابُه حقوقه. مستحيل. جهْلُ القاعدة العريضة بين الشعب هو مفتاحُ قمعه واستلاب حريته. لذلك، لا أحد مثل الطاغية يُدرك القوةَ الناسفةَ الكامنة في الكتب. أقولُ لكم: اقرأوا تصحّوا. اقرأوا لا تُقمعوا.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2015 | الجمهورُ هو البطل
-
هل نتحدث إلى الله؟
-
معرض الكتاب.... ومحاكمتي
-
تنّورة ميم
-
مصرُ تُقبّل جبينَ السعودية
-
الملك عبد الله، مصرُ تُطوّبك
-
النملة أنس
-
قطراتٌ من محبرتي في -الثورة الأم-
-
مطلوب ألف مارتن لوثر
-
محاكمتي في قضية رأي تتزامن مع معرض الكتاب والرأي
-
رسالةُ حبٍّ ستخطئ طريقَها!
-
رسالةُ حبٍّ ستخطئ طريقَها!
-
فاتن حمامة، احملي هذه الرسالة
-
يا معشر الثيران، متى يشبعُ الأسدُ؟!
-
الدهشة
-
انظر خلفك دون غضب (2)
-
(تحيّة للمناضلة المصريّة فاطمة ناعُوت)
-
اسمُها -حسناء-
-
شكرًا لطبق السوشي
-
نُعلنُ التنويرَ عليكم
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|