خفايا و دلالات مؤتمر المعارضة في لندن :
أكبر الخاسرين شعب العراق والرابح الأكبر خيار الحرب !
" الجزء الأول من ثلاثة أجزاء "
شائعة لها دلالات :
لا يُعرف على وجه الدقة من أطلق شائعة العشرة آلاف دولار التي وعد بها كل مدعو يحضر فعلا أشغال مؤتمر المعارضة العراقية في لندن ويتصرف ويتكلم بعقلانية ! الثابت هو أن أحدا قد يتمنى فشل هذا المؤتمر لن يبادر - منطقيا - الى إطلاق شائعة كهذه ، إن كانت شائعة فعلا ، وربما تكون قد أطلقت كحافز إضافي ومحرض على الحضور والتزام "العقلانية ! " التي سيكون لها يقينا مذاقا ومعنى مختلفا ما يفهم منها في المعتاد .
غير أن من الأكيد أن لهذه الشائعة ،التي لا نريد التوقف عندها مطولا، دلالات سياسية أكيدة منها على سبيل المثال لا الحصر: شعور أو مخاوف المنظمين للمؤتمر على الأسس التي أعلنت من انفراط عقد المؤتمر أو انهياره حتى قبل أن يبدأ دون استعمال هذا النوع من الرِشا المالية . الدلالة الثانية تنطوي على إدراك قوي لخطورة المضامين الطائفية الرجعية المخالفة لتاريخ العراق وطبيعته المجتمعية التي حاول المنظمون بتخطيط أمريكي مباشر وعلني تسويقها لتكون كعجينة الديناميت التي دسها أهل المؤتمر بين تشققات البناء المجتمعي العراقي والتي ستأتي الضربة العسكرية الأمريكية القادمة لتفجرها شظايا وتفجر معها الوجود الكياني العراقي برمته ولن ينفع أهل مؤتمر لندن حينها ذرف دموع الندم أو الاعتراف بالخطأ !
الدلالة الثالثة التي تؤشر عليها تلك الشائعة هي أن أساليب التضليل و الإفساد بالمال والنشاطات الجاسوسية التي لم يسلم منها رموز حزبيون معروفون كممثل حزب المجلس الأعلى عبد العزيز الحكيم الذي تم توريطه في عملية تسليم ملفات عسكرية عراقية مسروقة الى المخابرات المركزية الأمريكية علنا وأمام عدسات المصورين الصحافيين . إن هذه الأساليب وغيرها ستكون من أسلحة الأمريكان الأشد مضاء في تدمير ليس حاضر العراق السياسي فهو مدمر أصلا بسبب قمع النظام الشمولي والحصار الغربي بل تدمير مستقبله السياسي تحديدا من خلال إفساد المعارضة العراقية بوصفها البديل الممكن والمنطقي للدكتاتورية وتحويل تلك المعارضة الى مجرد دمية أو خرقة مبتلة تستعملها الولايات المتحدة لمسح دماء ضحايا مجازرها من أبرياء العراق وواسطة رخيصة لحكم بلد غني بالثروات الطبيعية والمعدنية مقابل بعض الفتات الذي ترميه الى ( قرضاوييها العراقيين / نسبة الى عميل الأمريكان في أفغانستان حميد قرضاي ) . هذا عن دلالات تلك الشائعة الصغيرة ، شائعة الظرف الصغير الذي قيل انه يحتوي على عشرة آلاف دولار و سيسلم لكل من يحضر مؤتمر " لا تخجلوا في لندن " ويتصرف بشكل "عقلاني " . فماذا عن نتائج المؤتمر وهل كانت "عقلانية" هي الأخرى ؟
دكتاتورية على الشيعة :
كعادته تصرف الشيخ محمد باقر الحكيم الرئيس "المزمن " لحزب المجس الأعلى للثورة الإسلامية ( لنلحظ عرضا أن اسم هذا الحزب لا علاقة له بالعصر بعد أن وصلت "الثورة الإسلامية الأم " في إيران الى ما وصلت إليه من أزمة شاملة وعميقة ، و معروف أنه – الاسم – أثار سجالات وجدالات طويلة في التيار الإسلامي الشيعي العراقي ذاته ) تصرف الشيخ باقر الحكيم إذن ،خلال فترة التحضير للمؤتمر ، بدهاء تكتيكي لا ينطوي عل الاستقامة فاجتمع بأحمد الجلبي الذي زاره في طهران مقر إقامته الدائم ، و لكنه رفض الظهور معه علنا لمعرفته بأن هذا الشخص منبوذ عراقيا وعربيا لأسباب عديدة منها ما يتعلق بذمته المالية ، ومنها ما يتعلق بعلاقاته مع اللوبي الصهيوني "إيباك " . ولكن الشيخ الحكيم استقبل بحفاوة بالغة مسعود البرزاني رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني وهو يستحق ذلك فعلا ، وظهر معه علنا أمام الصحفيين وأجابا معا على أسئلتهم .
وبعد ذلك حصل الحكيم على إبراء لذمته يجعله في حلِّ من بيعته للولي الفقيه علي خامينائي والتي تلزمه ،ضمن ما تلزمه ، بإقامة دولة ولاية الفقيه الدينية في العراق وهذا ما منحه حرية واسعة في المناورة السياسية .ولكنه لم يغامر كعادته بقيادة وفد حزبه الى المؤتمر كما فعل جميع زعماء الأحزاب المشاركة ،بل كلف شقيقه وممثل الحزب في واشنطن والموصوم بقضية ملف الأسلحة الكيمياوية السالفة الإشارة بقيادة وفد المجلس وشاركه في ذلك حامد البياتي وهو عراقي شيعي من أصول تركمانية . و يبدو أن عبد العزيز الحكيم لم يذهب مخولا بأية صلاحيات وكان يكثر من الاتصال بواسطة الهاتف المحمول مستشيرا شقيقه في الصغيرة و الكبيرة الأمر الذي دفع موفد الرئيس الأمريكي بوش والمشرف القيم على المؤتمر زلماي خليل زاده المعروف بميوله الماسونية كما قالت صحف أوروبية معروفة ،كما يروي أحد الذين حضروا تلك الجلسة ، الى التدخل فزجر عبد العزيز الحكيم بحدة وطلب منه إما الكف عن الاتصال بالهاتف أو الانسحاب من الجلسة و إحضار الشيخ باقر الحكيم نفسه عوضا عنه ، وهو التقريع الثاني كما يقال إذ سبق لزلماي أن قرع الشخص المذكور حين راح يشيع بأن الولايات المتحدة قد حسمت أمرها وقررت منح القيادة السياسية في مرحلة ما بعد صدام الى حزبه فتدخل زلماي مقرعا وقال له أنه يطالبه بالكف عن إطلاق تلك الشائعات وأنه ينفيها رسميا وينكر أن تكون لها أية صدقية إذ أن الولايات المتحدة كما قال زلماي لن تؤيد إطلاقا قيام حكم ديني في العراق .
الحزب والطائفة : معروف الآن، و من خلال وثائق المؤتمر، ومن خلال ما تسرب من أخبار جلساته، أن وفد المجلس حضر ، وكان هدفه الأول هو الاستحواذ على التمثيل الشيعي كطائفة وليس كحزب سياسي إسلامي شيعي . و للأسف فقد نجح حزب السيد الحكيم في تحقيق ذلك الهدف نجاحا كبيرا تاركا جرحا لن يندمل بسهولة في الخريطة السياسية والمجتمعية العراقية وفي سمعة الأغلبية الشيعية العربية التي شيدت بكفاحها العراق الحديث . إنها المرة الأولى التي تقسم الحركة السياسية المعارضة من قبل حزب متآكل جماهيريا وتنظيميا كحزب المجلس الأعلى على أساس طائفي صريح بل وعلى أساس " بلدياتي" مفضوح حيث تم تصعيد مجموعة من حاشية الحكيم النجفية والكربلائية و أُقصيَ إقليم الجنوب العراقي العربي الشيعي وأجزاء واسعة من إقليم الفرات الأوسط ، فلقد كان التقسيم والتحريض الطائفي لسنين قليلة خلت سبة سياسية وتهمة ينأى الناس وخصوصا من العرب الشيعة عنها بأنفسهم قبل غيرهم . وقد انسحب بفعل تلك التصرفات المؤسفة والمرفوضة عدد من التنظيمات الشيعية ، كما انسحب الحزب الإسلامي العراقي " فرع حركة الأخوان المسلمين " بعد أن لاحظوا بأم العين محاولات تهميشهم سياسيا لصالح تلميع زعامة آل الحكيم ممثلة ،ليس بالشهداء الأبرار لهذه الأسرة المكافحة ، بل بتجار السياسية الطائفية الذين ظلوا على قيد الحياة لأسباب ستكشفها الأيام القادمة .
وللإنصاف ، وكشهادة ضميرية ، يسجل كاتب السطور ،وهو من المتابعين لأدبيات الحزب الإسلامي العراقي " الفرع العراقي لحركة الأخوان المسلمين " ، عدم وجود نزعة طائفية سنية أو عداء للأغلبية المجتمعية الشيعية في العراق بل إنه يطرح نفسه كحزب سياسي ذي توجهات إسلامية عامة وذات اعتدال ملحوظ . وقد أكد هذه الحقيقية ، حقيقة عدم عدائه للمسلمين الشيعة وعدم وجود نزوع طائفي قوي ومعلن لديه السيد أياد السامرائي ممثل الحزب في تصريحاته العلنية لإحدى القنوات الفضائية العربية بعد انسحابه من التحضيرات للمؤتمر حيث أكد أن ما حدث في قاعة المتروبول لا علاقة له بالشيعة العراقيين بل هو موقف جماعة أو حزب يزعم تمثيلهم . ولكن لا يمكن في الوقت نفسه نفي وجود نزوع طائفي سني لدى بعض الأفراد المشاركين شعروا بأن امتيازاتهم وهيمنتهم الاسمية أو باسم السنة على هرم الدولة أصبح عرضة للتهديد بالزوال، ومن هؤلاء برز اسم ضابط انشق على النظام قبل بضعة أعوام هو مشعان الجبوري الذي دعا الى أن يكون مسعود البرزاني رئيسا للعراق قبل عدة أشهر .
ومن منطلق ديموقراطي قائم على تَسْييد مبدأ المواطنة الحديثة والإنسانية فليس لدى كاتب هذه السطور اعتراض على شخصية متنورة وتسامحية وعراقية الهوى كالسيد مسعود البرزاني أو سواه من مواطنينا أبناء الأقليات وشركائنا نحن العرب في الوطن العراقي الخالد ، ولكن الاعتراض والرفض ينبغي أن ينصب على دوافع الضابط المنشق التي لا تخرج عن دائرة النزوع الطائفي ، فلماذا لم يرشح مشعان ركاض الجبوري شخصية وطنية أخرى من العرب الشيعية مثلا لرئاسة الدولة العراقية ؟ أ ليس من حق المراقب المحايد أن يتساءل عن السبب ؟ لقد نظر هذا الضابط الى البرزاني بعينيه الطائفيتين ولسان حاله يقول إذا كانت رئاسة الدولة العراقية ستخرج من أيدينا نحن السنة العرب فلماذا لا نحاول تسليمها لسني آخر من الأكراد ؟ هذه ليس اتهامات لا أساس لها لهذا الشخص المعروف بماضيه السياسي القريب ،فقد كتب هذا الضابط المعروف بدمويته ،والذي اعترف علنا لصحيفة بريطانية أنه حين كان يؤدي خدمته الرسمية اعتاد الذهاب مع أحد رموز النظام وهو عدي صدام والذي كان الضابط مشعان يتولى قيادة فرقة حمايته الى السجون ليتدربا على إطلاق الرصاص الحي على السجناء العراقيين ويقتلانهم . كتب هذا الشخص إذن الكثير حول ترشيح السيد البرزاني لرئاسة الدولة العراقية ، وبعث برسائل مفتوحة بهذا المعنى على صفحات جريدته الخاصة الى مسعود البرزاني فكان أن رد هذا الأخير على التحية بأن اعتذر قبل عدة أسابيع من عقد المؤتمر وفي لقاء صحافي مع جريدة الحياة، عن تولي الرئاسة ، ولكنه وبعدم اختتام مؤتمر لندن ، رمى بهدية لذلك الضابط بأن تنازل له عن واحد من المقاعد التي خصصت لحزبه . ونأمل أن الأمر لا يخرج ، من ناحية البرزاني على الأقل ، عن نطاق المجاملة والاعتراف بالجميل بين أبناء العشائر وبعض تقاليدها النبيلة مع تسجيل أن الضابط المنشق مشعان ليس من حقه، وليس بوسعه أصلا مصادرة آلاف العراقيين من أبناء عشيرة الجبور العربية الأصيلة والمعروفة عراقيا بشجاعة مقاتليها وشدة بأسهم لأغراض سياسوية ذاتية مؤسفة تخصه وحده .
وللحديث صلة في الجزء الثاني ..