قاسم علي فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 4712 - 2015 / 2 / 6 - 03:04
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
(من الضروري لنا أن نعرف ما هو الممتاز حقا ونحاول التعبير عنه, وهذا هو قصارى القول "غوتة")، أنها كتابات ممتازة حقا تلك التي تثير نقاشا وتطرح أسئلة, فالحوار قد ينتج معرفة أو خطاب موحد إزاء قضايا يتفاعل معها المجتمع الذي يعيش أزمة هي في جانبها ألأكبر أزمة نظام سياسي. وإنتاجنا لخطاب موحد قد يجنبنا حالة من تفكك قد تظهر في يوم ما نحن والجمهور الذي "يرغب بنا" في غنى عنه. هنا علينا أن نؤكد أن تجربة النقد هذه قد تكون ناجحة أو فاشلة في تحركها وتفاعلها وما ترمي إليه من مقاصد, إلا أنها كما أظن مهمة في كليتها, فالنقد هو ممارسة خطرة جدا ويجب أن نكون حذرين مما ننقد, وخطورة هذه التجربة تكمن في أنها جاءت لتنقد أناسا هم في الصف أو الرعيل الأول من قيادة الحزب الشيوعي العمالي العراقي, لكن رؤيتك قد تكون مخالفة لهذا الرأي أو ذاك, وهي ليست بالضرورة صحيحة لهذا فأنها ليست مواجهة نظرية بقدر ما تكون -وأتمنى ذلك- نضال مع مشاكل نبحث لها عن حلول قدر الإمكان, أنها تجربة كما قلت وهي الأولى التي أمارس فيها النقد بهذا المستوى عسى أن تنتج شيئا ما فالطريق طويلة أمامنا لاجتياز والتغلب على كل العقبات التي تواجهنا.
في البدء سآخذ مقالا كتبه الرفيق "سامان كريم" حول"العقيدة العسكرية الجديدة لروسيا" والذي اخذ شكل "سؤال وجواب" قال فيه ما نصه "قوة روسيا ليس من أسلحتها" ولو أنها قضية مهمة" -الأقواس من سامان- وليس من اقتصادها وهي ليس قوية من الناحية الاقتصادية, بل قوتها من تاريخها ومن جسارتها, قوتها هي من قوة قيادتها)، هذا ما يلفت انتباهك عندما تقرأ كامل المقال, لولا أني لا اعرف سامان لقلت أنها أفكار كتُاب مثاليين, لكنه مناضل شيوعي دءوب وماركسي صميمي, نادر جدا أن تلتقي بأمثاله في هذا الوقت. قد تكون لسامان وجهة نظر أخرى, لا نعرف ذلك, لكننا سنعرض أفكارنا تجاه هذه الرؤى, ولنبدأ, حلل سامان مكامن القوة الروسية من ثلاثة محاور هي (التاريخ, الجسارة, القيادة). قطعا أن مفردة "التاريخ" هنا تفهم على أساس "الماضي" وليس بإطارها الفلسفي الماركسي من أن التاريخ هو "فاعلية الإنسان الذي يلاحق أهدافه"، تكتشف ذلك من خلال سير المقالة من أن روسيا كانت ندا ومنافساً للغرب والولايات المتحدة الأمريكية, لكن هل صحيح أن قوة روسيا تكمن في ماضيها مع الغرب, بهذا المنطق لما لا نستطيع أن نقول أن اليابان أقوى من الصين؟ أو أن بريطانيا أقوى من الهند؟ وغيرها من الأمثلة. ثم تأتي بمفردة "الجسارة" لتعزز من قوة روسيا حسب منطق المقالة, عليه فأن قوة إسرائيل هي من جسارتها لا من قوة ردعها النووي أو تكنولوجيتها العسكرية المتطورة, والأمثلة كثيرة أيضا, اعتقد أن سامان هنا يخلط ما بين الخصوصية الفردية والفهم السياسي فـ"الجسارة"هي واحدة من جزيئات الخصوصية الفردية للإنسان وليس لها أي علاقة بتفسير العامل الحاسم.
أخيرا جاءت "القيادة" فقوة روسيا هي من (بوتين-مدفيدف) وقطعا ضعف الولايات المتحدة من(اوباما), وقوة كوريا الشمالية من قائدها المغامر"الذي لا أتذكر اسمه" وضعف فرنسا من"اولاند". "أن العنف هو الجيش والأسطول الحربي" كما يقول أنجلس, والعنف هو الشكل الرئيسي للقوة, لقد قاد أنجلس جدالا حادا مع الهر دوهرنغ حول مكامن القوة في قصة روبنسون كروزو, إذ قال (بما أن روبنسون استطاع أن يدبر سيفا فمن الممكن في يوم ما أن نجد "فندودي" وبيده مسدسا معبأ, إذ ذاك تنقلب المعادلة رأسا على عقب) فقوة روبنسون تكمن في السيف أولا أداة العنف وليس في "الجسارة أو ماضي أو قيادة" روبنسون أي دور في ذلك . أن هذه المفردات التي ذكرت في مقالة سامان هي ليست من جهاز مفاهيم الماركسية وغريبة عن الشيوعية العمالية, بالتالي هي ليست أداة حقيقية "تحليلية" بيد الطبقة العاملة.
وفي نفس العدد من جريدة (إلى الأمام) "277 في 29-12-2014" كتبت الرفيقة نادية محمود جزءها الثالث من سلسلتها حول "الزيارة الأربعينية: طقس ديني أم عمل سياسي" وهو برائي مقال جاء في وقته, فنحن بحاجة إلى تعريف الناس أن فعلهم اليومي هو ليس كما يتصورون بأنه لا علاقة له بالواقع السياسي, فقد تكون هذه الممارسة أو تلك مثبتة أو نافية لواقع سياسي ما, فهذه الجماهير هي في غيبوبة تامة أو أنها منومة "دينيا" وهي بحاجة إلى مثل هذه المقالات فهي كالصدمة الكهربائية للنائم. ما يلفت الانتباه في هذه المقالة المطولة هو إصرار نادية على وجود "الدولة" في خطابها, مع أن المؤتمر الأخير للحزب المنعقد في مدينة السليمانية "وقد حضرته كضيف" لم يفصل في أن هناك دولة أم لا, وشهد المؤتمر انقسام واضح حول تلك المسألة المهمة جدا ولم يحسمها كما أظن, بالتالي فخطابنا وفعالياتنا وتحركاتنا يجب أن تبنى على أساس وجود "الدولة" من عدمه. في النقطة الثانية فقد كتبت نادية في مقالتها ما نصه (إلى أي حد يتضرر الاقتصاد العراقي كاقتصاد ريعي يعتمد على النفط في ظل عدم وجود إنتاج صناعي أو زراعي جاد, إلى إي حد تتضرر مصالح الناس من كثرة إيقاف العمل نتيجة كثرة الإجازات لإحياء المناسبات الدينية, أمر لا يبدو يعني الدولة كثيرا). اعتقد أن ما تسميها نادية "الدولة" تعي أكثر من غيرها ما هو مردود هذه الإجازات والعطل, فهي واقفة ومستمدة قوتها من أبقاء الجماهير بهذا الشكل المغرق في الطقوس والمناسبات الدينية, ما يؤكد هذا هو قول نادية نفسها (أن الاقتصاد العراقي ريعي أي يعتمد على النفط لا على الصناعة أو الزراعة)، فأذن هذه "الدولة" لا تخسر شيئا بهذه الإجازات حتى لو أعطت "365" يوما في السنة..
أن ديمومة بقاء هذه "الدولة" هو بإبقاء الجماهير لأطول فترة ممكنة في هذه الظلامية والجهل, فالصناعة معناها عمال وساعات عمل ونقابات ووو.. وهذه جبهات معركة هي في غنى عنها في هذا الوقت, أن توفير الطعام والشراب والحماية والمنام "للزائرين" لهو أهون على هذه "الدولة" من أن تسمع أو تسمح بقيام نقابة هنا أو إضراب هناك, وهو ما أكده "النقابي" الذي رد على مقالة نادية بقولة (عدم المس بمقدسات الشيعة لأنها خط احمر)، فانجرار العمال وقيادتهم إلى الدفاع عن هذه "العطل والإجازات والطقوس" بهذه الصيغ الترهيبية (مس, مقدس, خط احمر) هو ما تتوخاه هذه "الدولة", "عندما أردت أن أشكل نقابة في مكان عملي اتهمت بأني أعمل ضد المذهب ووافق بعض العمال على ذلك". أن علاقة هذه "الدولة"بالمجتمع هي كعلاقة الدودة الشريطية بالأمعاء, فوجودها واستمرارها وبقائها وديمومتها هو بالسلب والنهب والفساد والقتل والتهجير وهذا لا يقوم إلا بتجهيل الناس وإغراقهم بهذه الطقوس, فمردود هذه العطل والإجازات هو بالنتيجة النهائية "ايجابي" بالنسبة لهذه "الدولة".
أما بالنسبة لكلامها عن"تضرر مصالح الناس" ففيه رنه رومانسية, فهذه "الدولة" لا تحترم الناس فكيف بمصالحهم بل أنهم لا يحترمون أنفسهم, فتهريجهم الإعلامي الذي نسمعه كل يوم قد فقد كل احترام لهم, فمصالح الناس تعني بالنسبة لهم ضياع هؤلاء الناس وغيابهم عن أن يكون لهم قرار أو مصالح. كان أنجلس يعيب على البورجوازية البريطانية تلك الاحترامية المتكلفة, أما نحن فنعيب على البورجوازية العراقية عدم احترامها لنفسها..
وفي مقال آخر للرفيق فلاح علوان على نشر موقع "الحوار المتمدن" والذي اخذ شكل بحث مطول بعنوان "حول أحداث نينوى" قال ما نصه (أن داعش ليس لها خبرة إدارة مجتمع مثل الموصل, وليس لديها القدرة كذلك حتى لو تسلحت بأشد الأسلحة فتكا, لن يكون بمقدورها إدامة حياة المجتمع وتنظيم الإنفاق العام, ستجلد الناس, ستغتصب النساء, ستقطع الرؤوس, ستفرض رداء بعينه, ستمنع حلق اللحى, سيمكنها هذا لأسابيع أو حتى أشهرا, لكنها لن تستطيع إدارة المجتمع بهذه الصورة).
كيف يفهم الرفيق فلاح إدارة المجتمع سواء مدينة الموصل أو بغداد أو حتى باريس؟ أو ما هي مقومات إدارة مجتمع ما؟ بمعنى آخر هل كان الخميني وحكومة الملالي يفهمون إدارة المجتمع الإيراني والذي هو أكثر مدنية من المجتمع العراقي عموما؟ سآخذ تجربتين هما متشابهتين مع تنظيم الدولة الإسلامية من حيث المبدأ والتعاليم "السعودية وإيران" ولكنهما تختلفان فقط بأن الضروف الاقتصادية والسياسية كانت مهيأة للاعتراف بهما. أما هذه التجربة -تنظيم الدولة-فالأمر مختلف.
التجربة الأولى هي السعودية, فشكل الحكم هو الأقرب جدا إلى تنظيم الدولة الإسلامية فهم يجلدون الناس إلى اليوم "نشرت قناة bbc بتاريخ 9-1-2015 خبرا عن جلد شاب 50 جلدة لأنه انشأ موقع ليبرالي)، وهي تعتقل النساء بتهمة قيادة السيارة, ويقطعون الرؤوس, ويغتصبون النساء "التزويج بعمر مبكر" قطعا لا يوجد فرق بين شكل الحكم في السعودية وشكل الحكم في مدينة الموصل الخاضعة تماما لتنظيم الدولة الإسلامية, هنا نسأل هل فشلوا في أدارة المجتمع السعودي المكون من 30 مليون نسمة, ويملك بنية تحتية جيدة من "مصانع وكهرباء وطرق وطيران".
المثال الثاني الجمهورية الإسلامية في إيران وهي شكل حكم أيضا قريب من حكم تنظيم الدولة, فهم يفرضون زيا معينا على النساء, ويمنعون حلق اللحى, وهي من أكثر الدول التي تشهد إعدامات, وهؤلاء الملالي يحكمون شعبا مدنيا تعداد سكانه 70 مليون منذ أكثر من ثلاثة عقود, أذا كان تنظيم الدولة الإسلامية يستطيع فرض سيطرته كما تقول على القرى والأرياف والبادية, فما الذي يمنع من أن يفرض هذه السيطرة على المدن؟ هل بسبب همجيته أو تخلفه؟ منذ متى والثورات والانقلابات وتغير أشكال الحكم صارت تأخذ بنظر الاعتبار مدنية مجتمع ما أو درجة تحضره أو قبوله من رفضه؟ الدولة "يستولى" عليها كما يؤكد "لينين" على ذلك, أي تؤخذ بالقوة, لن يهبها أحد, ولا يهتم من يستولي عليها أن كان هذا المجتمع همجيا أو مدنيا, أن من تتوفر لديه القوة -بمعناها الواسع- الاقتصادية والعسكرية والفكرية يستطيع إدارة أي مجتمع وبغض النظر عن شكل الحكم ما سيكون, لقد تنبأ أحد الكتاب الفرنسيين -من اليمين المتطرف-في رواية جديدة أخذت صدى واسع أن فرنسا ستخضع لحكم الإسلاميين في عام 2020 وسيفرضون الحجاب على المرأة وتعددية الزوجات, لم يقل الكاتب أن المجتمع الفرنسي سيرفضهم لكنه حذر من صعودهم..
أخيرا هي كانت تجربة نقدية أولى عسى أن أكون -ولو قليلا- قد نجحت في رصدي لبعض الكتابات, فـ(أني أكلم الذين يعلمون أما الذين يجهلون فأني أتوارى عن أنظارهم عمدا, أو أنسى) اسكيلوس..
12 / 1 / 2015
#قاسم_علي_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟