|
قطاع المعادن: ثروات مهمة وتوجه نحو خوصصته خدمة لمصالح الشركات المتعددة الجنسيات
محمد بلغيت
الحوار المتمدن-العدد: 4711 - 2015 / 2 / 5 - 20:18
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
تلوح في الأفق مؤشرات مهمة تدل على أن الطبقة العاملة والحركة العمالية ، ومعها كل الشرائح الشعبية بالعالم العربي الرافضة لكل أشكال الاستغلال والاضطهاد ، مقبلة في القادم من السنوات على مجموعة من التحديات ، خاصة في ظل وضع أمني واقتصادي جد متدهور تعيشه كل شعوب المنطقة بنسب متفاوتة ، والذي يؤكد بمزيد من اليقين أن ما يسمى بثورات " الربيع العربي" والتحولات الكبيرة التي خلفتها ، لا يمكن فهم مجرياتها إلا في إطار ما يسمى عمليات الفوضى البناءة أو الخلاقة بهدف تفكيك المنطقة تحت مسمى " تحقيق الديموقراطية " و"مكافحة الارهاب والفوضى " ، والتحضير لمناخ موات يسمح باعادة تقسيم وتشكيل المنطقة وفق مخطط الإمبريالية الأمريكي للشرق الأوسط الكبير المعلن عنه سنة 2003 في خطاب الرئيس بوش . لقد كان ولا يزال الهدف الحقيقي من وراء التفكيك الكلي للمنطقة ، هو مزيد من إرساء أسس الاستغلال والنهب على جميع الأصعدة للثروات والخيرات التي تزخر بها الدول العربية ، لهذا الغرض فإن الامبريالية الأمريكية بكل ثقلها العسكري ومؤسساتها المالية الكبرى ، ومن خلفها " المجتمع الدولي" ، تفبرك سيناريوهات واهية لعبت فيها وسائل الإعلام دورا محوريا في التأثير على المجتمع وتوجيه الرأي العام ، لتبرير مختلف أشكال التدخل في منطقة أمضت عقودا من الزمن في وضع حواجز وعراقيل قصد مقاومة جشع المؤسسات المالية الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات ، والرامية لاستنزاف كل ثروات الدول وإفقار شعوبها عبر فرض توجيه الملكية إلى القطاع الخاص ، وبالتالي توفير الشروط المناسبة لاستيطان الاستثمار الأجنبي . ولعل التوجهات المشتركة للحكومات المنبثقة عن ما يسمى ب "الربيع العربي " ، والمتمثلة في الخضوع لأجندات الأسواق الحرة ، والانصياع لأوامر واملاءات المؤسسات المالية الكبرى ( صندوق النقد الدولي، البنك الدولي)، وكل أصناف التسهيلات التي واكبت استقطاب الاستثمارات الأجنبية واستيطانها ، لأدلة ساطعة تطرح أكثر من تساؤل حول مستقبل سياسة هذه الحكومات ومنحاها في الإسهام الفعال في تطبيق سياسة الدوائر الامبريالية ، وهو المنحى الذي يفسر حالة الاستعجال نحو تفكيك كل القوانين والتشريعات المنظمة للقطاع العمومي الرامية إلى بيع المؤسسات العمومية لشركات القطاع الخاص . في هذا الإطار بالخصوص يجري الإعداد وتسريع وتيرة الهجوم على مجموعة من القطاعات والمؤسسات العمومية ، وبما أن باطن معظم الدول العربية يتسم بوجود ثروة معدنية مهمة و تنوع هائل من الثروات المعدنية من معادن ثمينة ، أساسية ، صناعية وثقيلة ، فإن الهجوم على قطاع المعادن باعتباره خامس أكبر القطاعات الاقتصادية حجما في العالم ، يكتسي أهمية كبرى في سيرورة التحامل على ثروات الدول المضطهدة ، ونهب الأمم والشعوب . فعلى مدى السنوات الأخيرة ، يجري الإعداد لخوصصة قطاع المعادن بغرض تفويته للقطاع الخاص ، تحضيرا لدخول الشركات المتعددة الجنسيات على خط الاستغلال المباشر الموجه للتصدير ، وذلك من خلال مجموعة من المؤتمرات والندوات والاجتماعات تحت إشراف المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين ، بداية بالمؤتمر العربي الثاني عشر للثروة المعدنية المنعقد بالسودان في أواخر نونبر من سنة 2012 ، وحتى المؤتمر الثالث عشر المنعقد بالمغرب في اواخر أبريل المنصرم ، والتي تضمنت جل خلاصاتها وتوصياتها دعوة الدول العربية إلى التسريع من تحديث وتعديل القوانين والتشريعات القائمة بما يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية العالمية ، وبما يتيح المجال للقطاع الخاص للتدخل بمبرر "تطوير" قطاع الثروة المعدنية ، فضلا عن الدعوة لوضع استراتيجيات وخطط ترتكز على الدور الرئيسي للقطاع الخاص ، الأمر الذي يؤكد أن جوهر هذه الخلاصات والتوصيات لم يكن قرارا عربيا محضا بقدر ما كان قرار واملاءات القوى الدولية المتحكمة في إطار إعداد أرضية ملائمة لاستنزاف أكبر لثروات الدول العربية ، وتدمير شامل لكافة المكاسب العمالية . غير أن ما ميز المؤتمر الأخير المنعقد بمراكش ، هو المضي في اتجاه تنفيذ خطط واستراتيجيات بأوجه مختلفة كخطوات متقدمة تروم جميعها توفير الشروط اللازمة لجذب الاستثمار الأجنبي الموجه نحو التصدير ، وإعادة النظر في كل الاتفاقيات والقوانين المنظمة لقطاع التعدين ، وقد كان للمغرب البلد المحتضن مساهمته في إذكاء هذا التوجه نحو خوصصة القطاع رغم تجاربه السابقة الفاشلة مع مسلسلات الخوصصة منذ الثمانينات ، وذلك من خلال عرضه لاستراتيجية تتضمن الملامح الكبرى لإعادة هيكلة قطاع التعدين بالمغرب ، ترتكز بالأساس على تعديل الإطار القانوني والتنظيمي للقطاع بما يسمح دخول المستثمرين على خط الاستغلال ، بدعوى نفاذ الموارد السطحية للاستغلال ، والحاجة لطرق جد متقدمة تملكها شركات القطاع الخاص للتنقيب واستخراج المعادن الموجودة على عمق كبير. إن كل هذه التبريرات إلى جانب ادعاءات حكومات الدول العربية بكفاءة القطاع الخاص في تسيير المقاولات العمومية ، وفي خلق مشاريع مربحة ، لا تعدو مجرد غطاء يشرعن لمزيد من تخلي الدول عن أي تدخل اقتصادي واجتماعي، ويساهم في تفكيك القطاع العمومي في غياب تام لأي حضور للمضامين الاجتماعية ، تنفيدا لبرامج التقويم الهيكلي المملاة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وخدمة لمصالح الشركات المتعددة الجنسيات ، ولعل ما يؤكد ذلك هو تأمل تجارب مريرة لدول أخرى لا تزال تعاني من تداعيات خوصصة قطاع التعدين ، فدولة زامبيا على سبيل المثال ، التي رغم توفرها على احتياطي مهم من النحاس ، ورغم ارتفاع أسعار النحاس منذ سنة 2005 ، إلا أن المستفيد الأكبر من هذه الوضعية هو جشع الشركات متعددة الجنسيات المستوطنة.، بدليل المعدلات المرتفعة للبطالة ، ومؤشرات عديدة تؤكد تدهور قطاعات حيوية من قبيل التعليم والصحة بزامبيا ، ناهيك عن الأضرار الاجتماعية والبيئية الكارثية التي يخلفها الاستغلال البشع لهذه الثروة المعدنية ، والمؤدية لا محالة إلى استنفاد كل المخزون المعدني، وبالتالي إغلاق المناجم ، وتسريح الآلاف من العمال وتشريد عائلاتهم .
وعلى سبيل الختم ، يمكن القول أن القضايا التي من أجلها دخلت حكومات الدول العربية في تطبيق ما سمي "برامج الإصلاح الاقتصادي" ما زالت قائمة، فالمديونية الخارجية في ارتفاع مستمر ، ووضعية القطاعات العمومية في تدهور متواصل ، وواقع التشغيل يؤكد استمرار انخفاض مناصب الشغل مما يزيد من تضخم عدد العاطلين ويساهم في استشراء البطالة والفقر ، ناهيك عن الشروط القاسية التي يشتغل في ظلها عمال مؤسسات القطاع الخاص، ومختلف أشكال التضييقات وحملة طرد العمال والتسريحات المتفشية بهذه المؤسسات، كل ذلك يعبر حقيقة عن عمق وحدة المشاكل التي يواجهها عمال وشعوب كل الدول ، مما يستدعي ضرورة توحيد الصفوف لتحصين المكاسب العمالية عبرالنضال المستمر لأجل وقف استهداف القطاعات والمؤسسات العمومية ، واستمرار تنفيذ خوصصتها.
#محمد_بلغيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسباب الاجتماعية الكامنة وراء الاحتجاجات الشعبية بتالسينت
المزيد.....
-
“سجل هُنـــا minha.anem.dz“ كيفية التسجيل في منحة البطالة 20
...
-
البطالة بالمغرب تصل 21.3% والهرم السكاني يتجه للشيخوخة
-
تجدد الاشتباكات في جنين وإضراب تجاري للمطالبة بوقف الاقتتال
...
-
“أهم التعديلات”.. زيادة رواتب المتقاعدين في العراق وحقيقة رف
...
-
إضراب لـ -الدفاع المدني السوري- بدمشق بسبب -الخوذ البيضاء-
-
الحكومة توضح.. رفع الحد الأدنى للأجور إلى 300 دينار فى الأرد
...
-
100 ألف دينار عراقي في حســابك!!.. وزارة المالية عن زيادة رو
...
-
موعـد صرف رواتب المتقاعدين شهر يناير.. وزارة المالية توضح هل
...
-
“200.000 زيــادة وزارة المالية“!! زيادة رواتب المتقاعدين 202
...
-
وزارة المالية توضح/ موعد زيادة أجور المتقاعدين في المغرب 202
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|