أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد رفعت سرحت - عودة المؤلّف















المزيد.....

عودة المؤلّف


سعد رفعت سرحت

الحوار المتمدن-العدد: 4709 - 2015 / 2 / 3 - 21:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم أكَدْ أكمل قراءة السطر الافتتاحي الذي يستهلّ به ميشيل فوكو مقاله(ما معنى مؤلف) حتى انصرف خاطري، فجأةً، الى (توماس كارليل) و(آرنولد توينبي )،قبل أن يستقرّ - أخيراً- على ثانيهما. إذ يستهلّ فوكو مقاله بهذا السطر: ((يمثّل مجيء مقولة المؤلف الى الوجود لحظة إضفاء الطابع الفردي الحاسمة في تاريخ الأفكار....)).(1)
والذي صرف الذهنَ هذا المنصرف، هو أنَّ توينبي يقفْ - كسابقه توماس كارليل - بوصفه أحدَ أبرز المدافعين عن مركزية المؤلف (=المشرِّع المبدع ) وحقوقه وامتيازاته الطبيعية في التاريخ الإنسانيّ، وذلك حين أكّد - خلافاً لهربرت سبنسر وأوزفلد شبنغلر- على إمكانيّة الفرد المبدع الاستثنائية ،وعلى شرعيّته ومكانته المحورية في بناء التاريخ و المجتمع ، عَبْرَ مقولته الشهيرة "الاعتزال (=الاعتكاف) والعودة" هذه المقولة التي تلخّص أمكر الطرق في شرعنة مركزية الذات الفردية. وهي طريقة سلكها - حسب توينبي- أعظم صنّاع التاريخ في مسيرتهم نحو الخلود ، بالاستناد الى أنّ الاعتكاف نهجٌ يسلكه المبدع لكي يحقق لنفسه طاقاته الداخلية، ويعيد به صفاءَهُ الإلهي ،حين يطاله الضيق ،و تعتريه المعكِّرات ، جرّاء الاضطرابات المرحلية، ليعود بعد هذه الغيبة أشدّ قوّة وبأساً، وأكثر توافقاً وانسجاماً مع ذاته ، ومع عالمه الذي سيغدو مع عودته طوع يده المباركة.(2)
...كلٌّنا يعرف أنّ المتغيّرات والأحداث الأخيرة ،التي شهدها العالم على وجه العموم والشرق الأوسط على الوجه الخاص، شهدت تراجعاً مرحلياً واضحاً لمركزية الذات الفردية المشرّعة ، و قد فُسِّر هذا التراجع بأنّه انعكاس واضح لانحسار دورها الفاعل في المجتمعات المعاصرة ،ولعلّ هذا التراجع تجسيد لما عُرف في الأدبيّات المعاصرة ب(موت المؤلف ) فهذه المتغيرات- في رأي المفسرين- قد زعزعت جملة من مرتكزات الحداثة ،وعلى رأسها مركزيّة الذات الكارزميّة التي تتمثّل بمفهوم القيادة أو المبدع الذي أجهز عليه رولان بارت حين أعلن عن تشييع جثمانه، فالرّهان البارتيّ ،عند هؤلاء، ينسحب على مبدع أو مدبّر هذه المتغيِّرات التي لا تكشف في الغالب عن مبدعيها ،فكما أنّ الكتابة، عند بارت ، هدم لكلّ صوت ،وأنّ اللغة هي التي تتحدّث وليس المؤلّف، بل إنّ إعطاءَ نصٍّ من النصوص مؤلّفاً يعني فرضَ قيدٍ على ذلك النص وتزويده بمدلول نهائيّ واحد، به تغلق الكتابة (3).كذلك الأمر في أحداث هذه الزلازل والمتغيّرات، إذ الأحداث ،التي تسيِّر هذه المتغيّرات ،هي التي تتحدّث ،وليس ثمةَ مؤلفٌ أو قائد ملهم أو مبدع فكريّ ،لأن كلّ هؤلاء انتهى عصرهم وساروا نحو حتوفهم ،بحيث كان موتهم ثمناً لولادة عصر المهمّشين ، ثمناً لبروز صوت من لم يكن لهم صوت أو رِكْزٌ في الأمس القريب ،أولئك الذين اكتشفوا ألاعيب الاستبداد وخططه ،بما يمكّنهم من أنْ يقودوا أنفسهم بأنفسهم !!.

إلّا أنّ ظهور هذه الذات ،بشكل مفاجئ ،على مسارح الأحداث يخيّب مثل هذه القراءات ،ويدفعنا الى التماس تفسير آخر ،ولا سيّما وأنّ هذه الذات لا تظهر ولا تعرب عن وجودها إلّا في الّلحظات الحاسمة المتأخّرة من عمر هذه المتغيرات والأحداث، وكأنّك بهذه الذات ذلك البطل التاريخي الذي يتكلّم عنه توينبي ، ذلك البطل الذي تضطرّه الأوضاع الى عزلة روحية مرحلية يعيد فيها ترتيب أوراقه ،عزلة تقوده الى اتخاذ موقف سليم واضح من العالم بحيث تكون عودته حلّاً خالصاً لتلك الأوضاع المضطربة. ولعلَّ هذا ،تقريباً، ما يحدث ،حين تكشف هذه المتغيرات والأحداث عن أبطال ومبدعين في الأوقات بدل الضائعة !!.
وهكذا ،فإنّ أغلب المتغيرات التي تعتري واقع الشرق الأوسط وتزلزله ، تتّخذ عند انطلاقها - ولاسيَّما عند انطلاقها - مساراً ما بعد حداثيّاً، ويُنظر إليها على أنّها تقف على درجة كبيرة من الوفاء والولاء لرهانات هذا المسار، بحيث تضرب عند ثلّة من المفسِّرين - على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم - نماذجَ حيّة تجسِّد بقوّتها أخطر إفرازات ما بعد الحداثة ،ونتيجة لذلك يكون تفسير نجاحاتها - أو لنقل الحلم اليوتوبي بنجاحاتها - وكذا تبرير اخفاقاتها بالاستناد الى النظريّة الثقافيّة لما بعد الحداثة من المنطقيّة بمكان.
بيدَ أنّ الرِّهان البارتيّ لكل هذه المتغيرات سرعان ما ينقلب على نفسه ، حين يغدو إعلان بارت ، الذي أريد منه القضاء على مركزية المبدع ،الى أن يكون صَوْناً لمكانته وحفاظاً على جلالته وتعاليه ،على ما أشار الى ذلك ميشيل فوكو، حين تنبّأ ،في وقت مبكّرٍ، بهذه العودة المباركة لجلالته ، إذ رأى (( أنّ عدداً من المقولات التي قُصِدَ منها أن تحلّ محل الموقع الجليل للمؤلف ،بدا في الواقع أنّها تحافظ على جلاله ،وتعطّل المعنى الحقيقي لاختفائه...)).(4)وحقّاً، فقد ظهر أخيراً أنّ أغلب هذه المتغيرات لم تكن إلّا طرقاً وتقنيّاتٍ جديدة لصياغة مفهوم المبدع (=رجل المرحلة) صياغة عصرية مقنّنة ، فميادين الثورات والانتفاضات والاستنكارات، بعد أن كانت فضاءات بلاغيّة تتجسّد فيها أصوات المقموعين- على اختلاف أصولهم وثقافاتهم وخطاباتهم- ممّن لم يكن لهم صوت من قبل ،وبعد أن كانت هذه الفضاءات خير تجسيد لانقلاب الهامش على المركز، أمست فضاءاتٍ تعكس مدلولاً واحداً لا يقبل القسمة على اثنين ، فضاءاتٍ تنقل صوتاً واحداً فقط ،صوت رجل المرحلة، و تصوغه - على أروع ما يكون- بطلاً لعصر الهامش، بحيث اتّضح- أخيراً- أنّه ليس ثمة انقلاب ،وإنْ يكن، فإنّه لم يكن إلّا انقلاب الهامش على الهامش لصالح المركز الذي غاب مدّة ثمّ عاد !!.
....كلّ شيء يدعونا الى أنّ المؤلف لم يمتْ ... كلّ شيء يدعونا الى أنّه ما زال حيّاً يُرزقُ بالخطط الجهنمية...لم يمت ،بل اختفى اختفاء الناسكين المتعبّدين ، الذين يقضون مدّة اعتزال في صوامع الزعامة ،كما يصوِّرهم توينبي . اعتكف مدّة يعيد فيها ترتيب أوراقه.
لم يكن موتاً ،كان اعتكافاً اتّجه اليه ، لشدّة ما تركته الزلازل والمتغيرات الأخيرة على ملكته الإبداعية مرحلياً، فاضطرته الى أن يأخذ منحًى صوفيّاً ،منحًى قوامه تنقية الذات وتحقيق (أصالتها).
وها هو المبدع الناسك يعود بعد أن أعاد الى جلالته الأنوار الإلهية التي أودعت فيه قوّةً كفيلة بحمل أعباء المرحلة ،عاد - وبقوة - الى فردوسه (=الوسط الاجتماعي) ، ليقفَ في صفوف الجماهير ، و يشحنَ النفوس ، لكسبها الى صفِّه ، بشتَّى الأمراض وبأخبث وباءات الزّعامة المعاصرة ،عاد فكلّ الأقدار والآجال تؤازر قدومه.
الإحالات.
1- ما معنى مؤلف ،مقال لميشيل فوكو، ضمن: القصة الرواية المؤلف دراسات في نظرية الأنواع الأدبية المعاصرة ،ترجمة د- خيري دومة :202.
2- و ما قيل عن الفرد المبدع ينطبق على الأمم والحضارات والمجتمعات المبدعة. ينظر: مختصر دراسة التاريخ ،آرنولد توينبي، ترجمة فؤاد محمد شبل: 1/الصفحات353الى 364.
3- ينظر: موت المؤلف ،مقال لرولان بارت ،ضمن :اتجاهات في النقد الأدبي الحديث، ترجمة د- محمد درويش :387 -391. 4- ما معنى مؤلف:202.



#سعد_رفعت_سرحت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما يتحدّد به النص عن اللانص... وقفة مع اعتبارات ومعايير شائع ...
- ((الربيع))حلم يطاردني في سبات الشتاء
- مصير فتاة راديكالية...أخرى وأخرى يا هزائمي
- عصرنة الأبويّة وتلفيق خطاب (ما بعد بطرياحداثوي )...على خطي ا ...
- النص يفسر بعضه بعضا التناص ( الاصولي ! ) عند الدكتور تمام حس ...


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد رفعت سرحت - عودة المؤلّف