أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نورس كرزم - الكذب بوصفه أداةً للصدق














المزيد.....

الكذب بوصفه أداةً للصدق


نورس كرزم
باحث وموسيقي متخصص في علم الدماغ والأعصاب

(Dr. Nawras Kurzom)


الحوار المتمدن-العدد: 4708 - 2015 / 2 / 2 - 23:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الكذب بوصفه أداةً للصدق
2-1-2015
لعلّ العديد منا يعتقد بأن الصدق مفتاح النجاح، وأن تبسيط الأمور وكشف النوايا يقودان بالضرورة إلى نتائج فيزيقية ونفسية محمودة. سأحاول هنا أن أُعاين هذا الزعم، في ضوء استعراضي لبعض النماذج والحالات التي أثارت فيّ الفضول والتساؤل.
بدايةً، وانطلاقاً من المبدأ الديالاكتيكي في تفسير الظواهر الاجتماعية والمادية، نُذكّر بأن الشيء يحمل نقيضه، وأنهما يشكلان معاً وحدةً واحدة تؤدي إلى محصلة إيجابية بالمعنى التطوري، أي التقدّم والتحوّل من الحالة القديمة إلى الحالة الجديدة. وفي الواقع، أعانني هذا المبدأ على فهم عدة مسائل اجتماعية من حولي على اختلاف تجلّياتها وتمظهُراتها. ولاحظتُ من خلال مراقبتي واطلاعي على بعض الحالات، أن عديداً ممن أضحوا نماذجاً في الفكر، السياسة والعلم، اتبعوا درب المواربة والتضليل، وقد أثمرت هذه الطريقة إلى أن وصلوا إلى مُرادهم وإلى شغف الجمهور بهم. وحتى وإن عاينّا حالات تحظى بشهرة أقل، نرى أن ذات الأمر ينطبق عليهم بطريقة تدعو فعلاً إلى الدهشة.
تنتشر نظرية النسبية بشقيها العام والخاص بين أوساط الناس على أنها من عمل الألماني آينشتاين، وتُنسب على أنها من ابتكاره بنسبة تامة. لكن التاريخ يخالف هذا الزعم، إذ أنّ عدداً من المعادلات المركزية التي وظفها آينشتاين هي من ابتكار علماءٍ سابقين، دون أن يشير (أي آينشتاين) إلى المصادر التي استقى منها أفكاره ومعادلاته، وهو صاحب القول الشهير: "تكمن مهارة الإبداع في كيفية إخفاء مصادرك".
يُعد قانون الجاذبية من أشهر القوانين الدارجة في مضمار الفيزياء الكلاسيكية، ويُنسب بشكل تام إلى الفيزيائي نيوتن. لكن قلة منا تعلم بأن الفيزيائي روبيرت هوك قد رفع دعوى قضائية ضد نيوتن، حيث أوضح أنه نشر كتاباً سابقاً على وضع نيوتن لنظريته، وأنه (أي هوك) قد أوجد قانوناً يكاد يتطابق مع قانون الجاذبية العام الذي ينسبه نيوتن لنفسه.
أثناء إعدادي لبحث التخرج في علم النفس، وقع بين يدي كتاب (الموسيقى الكبير) للفارابي. وأثناء قراءتي للكتاب (الضخم) شعرتُ بأنني أقرأ عباراتٍ مرت على أنظاري سابقاً. نبّشتُ في مكتبتي، وفي مواقع الانترنت، فوجدتُ تطابقاً يكاد يكون تاماً بين نظرية الفارابي حول الموسيقى وتوصيفه الدقيق لها، وبين نظرية الاستطيقا الفلسفية حول الموسيقى لدى كل من نيتشه، شوبنهاور وهيغل، دون أية إشارة منهم إلى الفارابي الذي سبقهم بكثير، فأصابني الذهول.
وأستطيع أن أتابع في سرد مثل هذه الشواهد إلى ما لانهاية، ولكني سأقتصر بما ذكرتُ إلى الآن، كي أَخرُج بالخلاصة التي استنتجتها. ففي الأمثلة التي عرضتُها، نرى أن الأمر نفسه يتكرر باستمرار. فالشخص يلقى شُهرةً ورواجاً بفضل براعته في الكذب على العامة، إضافة إلى تحايله بمهارة في إخفاء المصادر التي ارتكز عليه لدى بناء نتاجه الفكري أو العلمي. والغريب في الأمر، أن أغلبية النتاجات الفكرية والعلمية المذكورة آنفاً، تُعدّ –وإلى وقتنا الراهن- نظرياتٍ (صادقة) بين الأوساط العلمية والفلسفية، وإن طالها النقد. فهل الكذب يؤدي حتماً إلى نتيجة صادقة (إذا ما اعتبرنا أن الصدق هو كسب إجماع الأغلبية في وسطٍ ما؟).
إجابتي على التساؤل السابق هي: كلا، ليس دائماً. فآلية الكذب والتحايل تحتاج إلى موهبة وبراعة في الترويج وتهميش المصادر الأصلية. فالكذب لوحده لا يُثمر بالنتيجة المبتغاة، وإنما يحتاج إلى توافر عناصر معينة (صادقة) بدرجة معينة. فكما ذكرنا سابقاً، لا بد للشيء أن يجتمع مع نقيضه كي يحصل تطور أو تقدم ما. وهنا أخرج بنتيجة مفادها أن الكذب الذي يحتوي لبناتٍ جوهرية صادقة، يعدّ أداة فعالة للوصول إلى الصدق.
ولكن تبقى هذه النتيجة نسبية وقابلة للنقاش، فتعريفنا لمفهومي الصدق والكذب قد يختلف باختلاف الخلفيات والغايات وطُرق التفكير. فما يُعدّ صادقاً بنظرِ جماعة ما، قد يكون كاذباً تماماً بنظر جماعة أخرى. فقد يكون الصدق لدى شخص مُعيّن هو كل ما يُنسب إلى الإله، بوصفه طاقةَ ميتافيزيقية عصيّة على الخطأ. فمن وجهة النظر هذه، حتى وإن أجمع الأغلبية على أن أمراً ما هو خاطىء، فإنه يبقى صحيحاً طالما أنه منوطٌ بالإله. وبالنسبة لفرد آخر، فقد يكون الصدق هو ما يجتمع الأغلبية في سياق ما على أنه صائب، ثم يتم تهميش آراء الأقليات رغم فرادة طرحها. وبالنسبة لشخص آخر، فالصادق هو ما يتوافق مع "الضمير" الفردي الداخلي، رغم مخالفته لإجماع الأغلبية. أما بالنسبة لفريق آخر، فلا وجود لما هو صادق أو كاذب، فكلاهما أمران نسبيان لا يخضعان بالضرورة لأحكام المنطق البشرية والتي يصفونها بالعوجاء والمتحيزة. وبأية حال، تبقى هذه المُعضلة مفتوحة للتأمل، ومن ثم للنقاش، وذلك نظراً للخلاصات الفريدة التي قد تلوحُ بُعيد هكذا تأمل.



#نورس_كرزم (هاشتاغ)       Dr._Nawras_Kurzom#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات نهاية العام 2014- نورس كرزم
- السيد المسيح- التعاليم الثورية المُغيّبة (1)
- نبضُ المساء
- خليل السكاكيني: إطلالة على أبرز محطات حياته
- كيف تتشكل نظرتنا تجاه العالم؟ (من وجهة نظر ديالاكتيكية)
- هل تظهَر؟
- تأملات في فلسفة الزواج
- ورطة غرامية: ما بين العشق والاحتلال


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نورس كرزم - الكذب بوصفه أداةً للصدق