أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - هاني عضاضة - واليسار يفتقد إلى اليسار















المزيد.....


واليسار يفتقد إلى اليسار


هاني عضاضة

الحوار المتمدن-العدد: 4708 - 2015 / 2 / 2 - 21:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يفتقد اللبنانيون اليوم إلى اليسار الحقيقي، الجدّي، الغائب بشكل شبه كلي عن الساحة السياسية اللبنانية التي يسيطر فيها اليمين واليمين المتطرف، في نظام محاصصاتي، يعتبره اليمين "ديمقراطياً تعددياً"، وفقاً لمفاهيمه الإيديولوجية الطائفية. ولكن هذا المظهر "التعددي" خارجي، يعكس اختلافات شكلية، لا تعبّر عن الحقيقة الموضوعية لهذا النظام، الرأسمالي التابع، المتميّز بالاحتكارات وسيطرة الرأسمال الأجنبي.
يفتقد اللبنانيون إلى اليسار القادر على صياغة الخطاب السياسي الثوري، وابتداع أسس الممارسة الثورية القادرة وحدها على انتشال اللبنانيين من واقعهم الرديء، الذي يبلغ حد الانفجار العشوائي من وقتٍ لآخر، ليتّخذ الانفجار أشكالاً رجعيةً وطائفية، ويزيد من تفتت وانقسام الطبقة العاملة، بدل أن يكون موجهاً نحو السلطة السياسية وأحزابها الحاكمة، المتحاصصة للسلطة السياسية والمتقاسمة للجزء الأكبر من الثروات والقيَم المنتَجة محلياً مع حفنة من "رجال الأعمال"، على حساب المنتجين الحقيقيين.
يفتقد اللبنانيون إلى اليسار القادر على إطلاق العد العكسي لنهاية الحكم الاستبدادي الطبقي، المتلطي خلف الشعارات والتقاليد الطائفية والعشائرية، والمنتج بدوره للإيديولوجيا الطائفية، الثقافة الرسمية للبرجوازية التابعة في لبنان، وسلاحها النظري لضرب الوحدة الطبقية للعمال والفلاحين وسائر المنتِجين والمتضررين من نظام الحكم القائم. يفتقد اللبنانيون إلى اليسار الذي يبيح ويشرّع كل وسائل النضال ضد القهر والظلم.
يفتقد اللبنانيون إلى اليسار القادر على تحويل الإنجازات النقابية والطلابية بالرغم من قلتها، إلى حراكٍ سياسي طبقي مستقل، كاسراً الانضباط الطبقي البرجوازي المقسّم للمجتمع بشكل عمودي، فارضاً شكلاً جديداً من الصراع الاجتماعي، نقيض الشكل الذي تفرضه ثقافة ومؤسسات الطبقة الحاكمة.
يفتقد اللبنانيون إلى التنظيم الثوري. أو قل التنظيمات الثورية، لكي نكون أكثر دقةً وتصويباً. فالحركة الثورية، هي نتاج الشروط الموضوعية والذاتية المعبّرة عن وضعٍ ثوري، وليست نتاج جماعةٍ من الأفراد المتمترسين حول أفكارٍ ثابتة، ربما تكون ثوريةً في لحظة زمانية محددة، قبل أن تتحول زائفة في معظم أو حتى كل اللحظات التي تليها. وليست النظرية الثورية، المتشكّلة في خضم الممارسة العملية، إلّا وسيلةً لعقلنة الصراع الطبقي وإدارته سياسياً. والتنظيم الثوري، أو التنظيمات الثورية، هي تلك التنظيمات القادرة على نقل الصراع الطبقي بعد توحيد الطبقات العاملة والمتضرّرة، من المستويين الاجتماعي والاقتصادي، إلى المستويين الثقافي والسياسي، لكي تتمكّن من صناعة معادلات جديدة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
لا يفتقد اللبنانيون إلى الحزب الشيوعي اللبناني فقط، ولا يفتقدون إلى اليسار الحقيقي فحسب، فالمشكلة أعظم بكثير، إنهم يفتقدون إلى اليسار، بكافة تلاوينه، الراديكالية، الفوضوية، الاشتراكية – الديمقراطية، وكل أطياف اليسار وأفكاره الإنسانية، والثورية، والتقدمية، والنهضوية، التي أنتجها خلال قرون من الصراع.
يفتقد اللبنانيون إلى اليسار ككلّ، فليس الصراع اليوم في المجال السياسي بين يسارٍ ويسار متطرّف، بل بين يمينٍ ويمينٍ متطرّف. اليمين يبتلع الطبقات العاملة والمتضرّرة، ويدجّنها لصالح أصحاب المؤسسات الاستثمارية المختلفة، عبر قنوات سياسية واجتماعية ودينية طائفية متعدّدة، تحلّ محل الدولة في تقديم الخدمات للـ "مواطنين"، بغية فصلهم عن الجهاز المركزي الذي يجعل منهم مواطنين لهم حقوق وواجبات، ويستطيعون إنشاء النقابات والتنظيمات السياسية التي تعبّر عن مصالحهم الطبقية المتماثلة أو المتباينة، وتجعل من ذاك الجهاز، أي الدولة، جهازاً لحماية مصالح الطبقة المسيطرة ودعم استثماراتها على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب.
ولكن اليسار في لبنان، بدوره، وخاصة الحزب الشيوعي اللبناني، يفتقد إلى اليسار! ولكن اليسار في لبنان، يفتقد إلى النضال الجماعي، والقيادة الجماعية، والانضباط والالتزام الجماعي، والقيَم الثورية للطبقة العاملة، التي لا يمكن أن تكون موجودةً، إذا لم تعِ الطبقات العاملة والمتضرّرة موقعها من صراع الطبقات الاجتماعية، ومن الصعوبة أن تعي شروط هذا الصراع دون تنظيماتها السياسية، التي بها توجد، وتكتشف هويتها، كطبقات ثورية، تسعى إلى التغيير السياسي والاقتصادي وتطوير ظروف الحياة. وهذا ما لا يفعله الحزب الشيوعي اللبناني، ليس لأنه عاجز، بل لأنه بعيدٌ في الخطاب والممارسة، عن مصالح الطبقات العاملة، ويكتفي برفع لواء بعض الطبقات المتضرّرة، تعبيراً عن تركيبته الطبقية الداخلية، وبخاصة تركيبته "القيادية"، البرجوازية الصغيرة، والتي تنادي بقيَم البرجوازية الصغيرة، وتجعل من البطولات الفردية نماذجاً للنضال الاجتماعي، والمزايدات الكلامية نماذجاً للنقاش والتثقيف الفكري بدل مدارس التكوين، والانتهازية السياسية وغياب الموقف السياسي، منذ حوالي عشرة أعوام، نموذجاً للعمل السياسي، العبثي، المنتظِر لأوضاع "أكثر تناسباً" في سوريا والمنطقة بغية "إعادة التموضع"، والذي تعاني شريحة لا بأس بها من قاعدته الشبابية، من فوبيا العمل السياسي الجبهوي، فنراهم يردّدون شعارات الاستقلالية – الأشبه بالانعزالية – عن ظهر قلب، في مناسبة وغير مناسبة، تعبيراً عن غياب الأهداف الاستراتيجية الثورية المتوسطة المدى لتنظيمهم – قبل أن نتكلم عن البعيدة المدى – والتي تميّز حزب الطبقة العاملة عن دونه من الأحزاب المحافظة واليمينية، وبالتالي غياب الأهداف التكتيكية المرحلية، ووسائل تحقيقها، والانفصال الواقعي عن الواقع المادي، والخوف من أو الجهل (وهما يتساويان) بضرورة التقدم إلى الأمام، وهذه خاصيةٌ أساسية من خواص اليمين في الممارسة السياسية. إنه الخوف السياسي الذي يحكم عقل القاعدة، مقابل العقلية البيروقراطية التي تحكم أداء القيادة، والاثنان يندمجان في عملية تشكيل الحركة المعادية للطبقة العاملة، من داخل حزب الطبقة العاملة، من حيث معاداة الخطاب والممارسة الثوريين، بحجة "عقلنة" الصراع. وهي الحركة نفسها، التي ترفع شعارات الطبقة العاملة وتدّعي تمثيلها، ولكنها تترفّع عن تشكيل رافعة سياسية لأي حراك نقابي جدي سواء في القطاعين العام أو الخاص لتكتفي بالترويج للبطولات الفردية، وتعجز عن إنتاج خطابٍ سياسي حقيقي يدعم حراكاً شبابياً واسعاً، ولا تكتفي بالتقوقع بعيداً عن نبض الشباب، بل تسعى إلى التدمير والتفتيت، بحجة "عشوائية" و"فوضوية" حراكهم، ويبدو أن هذه عقلنة ما بعدها عقلنة!
لا يفتقد اللبنانيون إلى الحزب الشيوعي اللبناني، بصيغته الحالية، وتركيبته المستجدّة، وخطابه وممارسته، خطاب اللاموقف والممارسة الانفعالية والعشوائية وردود الفعل المتسرّعة، والتبرير بغياب "الدعم المالي"... الخ الخ من الأفكار التبريرية التي ترعرعت في كنف الحقبة السوفييتية. لا يفتقد اللبنانيون إلى حزب اليوم، بل أصبحوا يفتقدون إلى حزب فرج الله الحلو، وفؤاد الشمالي، وفرج الله حنين، وحسين مروة، ومهدي عامل، أي حزب المثقفين الثوريين، والعمال الثوريين، والطلاب الثوريين، وكل الفقراء المناضلين. فحزب اليوم ليس حزب البارحة، حتى ولو رفعت صُوَر الشهداء والمناضلين الشيوعيين في كل شوارع وأزقّة بيروت، فلم تعد تضحيات الماضي، ضد القهر والظلم والاحتلال، تشفع لإخفاقات الحاضر، المختبئة خلف "سلطةٍ" أبويةٍ عاجزة ومتمرّسة في كتابة البيانات، الداعمة بالكلمة، لا بالفعل، لكل فعلٍ نقابيٍ وطلابيٍ ومقاومٍ.
ولا يفتقد اللبنانيون بالطبع، كي لا ننسى، إلى تنظيمات يساريي الفنادق خمس نجوم، والمواقف السياسية المقبوضة الثمن من دمشق والرياض، غير المبنية على رأي القاعدة، ولا على تحليل مادي واستراتيجي.
إن أزمة اليسار ليست أزمة اليسار، بل هي أزمة مدّعيه! فاللبنانيون يفتقدون إلى اليسار، واليسار يفتقد إلى اليسار. ومن هنا، تُصبحُ الأجوبة على السؤال التقليدي "ما العمل؟"، مختلفة، حتماً، عن الأجوبة الاعتيادية.



#هاني_عضاضة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة الاشتراكية والقيَم والحريات الديمقراطية
- في فشل تفسير سرّ الفشل - -وبهدوء-
- في الطريق إلى النهوض: نقاشٌ حول النظرية والممارسة
- اليمن.. بين الثورة والثورة المضادة
- عن -تراجع الإمبريالية- و-العالم المتعدد الأقطاب-
- الواقع الاقتصادي في لبنان


المزيد.....




- الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب ...
- منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي ...
- إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي ...
- ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد ...
- إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
- شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
- السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل ...
- الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين ...
- الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
- -حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - هاني عضاضة - واليسار يفتقد إلى اليسار