أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نبيل عودة - فلسفة مبسطة: مفهوم العقلانية















المزيد.....

فلسفة مبسطة: مفهوم العقلانية


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 4708 - 2015 / 2 / 2 - 14:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فلسفة مبسطة: مفهوم العقلانية
(كيف نميز بين المتشائم، المتفائل والعقلاني؟)
نبيل عودة

اصل التعبير من (RATIO) وتعني "عقل، بصيرة" والاصطلاح هو RATIONALISM) - راتسيوناليزم) ويعني حرفيا اسلوب التفكير او التفلسف. لكن الفلسفة الحديثة والعلوم بتطورهما تجاوزا هذا التفسير الكلاسيكي الضيق وجعلته أكثر اتساعا خاصة في مجال العلوم.
ترجمة "راتسيوناليزم" باصطلاع "العقلانية" لا يفسر المعنى الفلسفي الكامل. هذا المفهوم في الفلسفة يعني أيضا التصرفات التي تخدم أهداف الآنسان. تعني سلطة العقل بالتوافق مع المنطق، حسب فلسفة المنطق كل المعلومات التي مصدرها الأحاسيس وليس العقل هي غير قائمة. ايضا تفسر العقلانية على انها رؤية اساسية يجب ان يكون المنطق الفعلي وليس مجال الاحاسيس هو العامل النافذ- المقرر. كذلك يعني اصطلاح العقلانية الفلسفي بأنه صفة لمن يفكر ان للذكاء توجد أسبقة عن الطرق الأخرى بتحصيل المعرفة.
تعني العقلانية قدرة الانسان في حياته اليومية وممارسته المعرفية على اجراء محاكمات واعية بعيدا قدر الامكان عن تسلط المشاعر والعواطف او أي اعتبار شخصي آخر مع او ضد.
تنفي العقلانية المعرفة الحسية التجريبية التي تدعي امكانية الفهم عن طريق الاحساس الشخصي ، الإدراك والتصور، اي القناعات الموروثة التي تصبح جزءا من عقل الانسان وتفكيره الخيالي(الميتافيزيائي). العقلانية تعتبر هذه الظاهر غير كاملة ولا تنطلق من أي معرفة يقينية. فقط العقل لوحده قادر على التوصل الى المعرفة الصحيحة الشاملة والضرورية.
تبرز النزعة العقلانية في العلوم اكثر من أي مجال آخر. العلوم تعتمد على حقائق وليس احاسيس وتخيلات. أكثر من ذلك يجري تطور العلوم بناء على نقدها ونقضها العلمي المعرفي . بينما التخيلات والأحاسيس لا يمكن ادراكها بادوات علمية.. ولا علاقة لها بتطور المعرفة العلمية للإنسانية. ونقدها لا يعطي أي نتيجة لمن صيغت عقولهم واغلقت عن أي رؤية مناقضة لما نشأوا عليه.
لفهم الموضوع في جانبه الانساني تروي احدى القصص حادثة شارك فيها ثلاثة أشخاص، متشائم ، متفائل وعقلاني وكيف يكون تصرفهم امام حادث ما؟ المتفائل يعتقد ان ما هو قائم هو الأفضل اطلاقا، بينما المتشائم يخاف ان يكون ذلك صحيحا. العقلاني له موازين أخرى نسبية يقيس فيها الواقع .. لفهم أسهل اقدم لكم احدى قصصي الفلسفية حول نفس الموضوع:
متشائم، متفائل وواقعي
اختلف أساتذة علم النفس في إيجاد تفسير واضح، يعتمد رؤية متكاملة دقيقة للتمييز بين المتشائم والمتفائل والواقعي.
طرحوا تفسيرات مختلفة، لا شك أنها تفسر بشكل صحيح المعنى المعتمد علمياً، لكنها تفسيرات متوقعة، يمكن القول أنها من النمط المعروف والتقليدي الذي لا تجديد فيه، لا يعطي مقارنات عملية، تشبه تفسير الطب لتكاثر الخلايا السرطانية، الظاهرة معروفة، لكن لا أحد يعرف سبب خروج الخلية عن اتزانها واختلال نشاطها الذي يقود إلى النمو السرطاني المنفلت، هناك تفسيرات بلا نهاية، كل تفسير يعبّر عن اجتهاد صاحبه، قد تجد ألف تفسير وألف سبب.. كلها صحيحة وكلها لا تكفي لفهم الظاهرة وحصرها بنقاط متفق عليها من الجميع.. لأن فهم الظاهرة يقود إلى معرفة علاجها وبالتالي تلاشيها أو صدها.
أحد الطلاب أصرّ أن يحصل على نموذج ملموس للمفاهيم الثلاثة المذكورة... بينما أستاذه يصر أن التفسيرات المقدمة كافية وصحيحة في تفسير الظاهرة، الطلاب وجدوها فرصة للتخلص من الدرس الجاف، الأمر الذي فتح حواراً واسعاً لم يتوقعه المحاضر وشعر بنفسه ينجرف مع طلابه.
- مسألة بسيطة...
قال المحاضر، لكنه عاد لتفسيرات لا جديد فيها. قال:
- المتشائم لا شيء يعجبه، دائماً يرى الشيء الناقص، مهما اكتملت حياته وتحسن وضعه، إلا انه يظل متمسكاً بالنواقص، لا يرى غيرها وتصبح هي العنصر الأساس. يعتبر كل نجاحاته وتطور مكانته ناقصة وغير مكتملة، كل شيء حوله ناقص وكئيب من وجهة نظره، كل ما يحصل عليه هو دائما أقل مما يستحقه، دائم الانتقاد، لا شيء يراه كاملاً، إن وقف أمام المرآة هجا نفسه وهو سريع الغضب أو يائس من مجرد وجوده.
بعد تأمل لم يطل لوجوه الطلاب لفحص تأثير شرحه عليهم واصل:
- أما المتفائل، فهو إنسان مختلف بجوهره، ونقيض تماماً للمتشائم. يرى بكل خطوة تقدماً إلى الأمام.. في كل يوم جديد مكسباً كبيراً، الأمر الذي يجعله دائم الإبتسام سعيداً بما يحصل عليه، مهما كان صغيراً وغير ملموس، حتى لو واجهته أزمة ما، نجده يميل إلى الثقة بأنها عابرة، غداً سيكون أفضل بالتأكيد.. وإذا ليس غدا فبعد غد... أو بعد بعد..
وأضاف بعد أن قطع المسافة بعرض الصف وطوله وهو يشعر بتجليه وإصابته الهدف بدقة:
- أما الواقعي فهو الذي يبرر النجاح والفشل بعوامل موضوعية. كل ما يحدث له تفسيره. لا شيء يحدث بالصدفة. دائماً يرى الواقع في إطار من المعطيات وليس حسب أطماعه وميوله.
شعر المحاضر انه أوفى الموضوع حقه، نظر الى عيون الطلاب بنوع من التحدي والإفحام. لكن طالبة تتميز عادة بقلة المشاركة، رغم تميزها التعليمي، اعترضت بالقول أن الموضوع الذي طرحه الأستاذ المحاضر هو تفسير أقرب للأنماط التعليمية التقليدية غير المبنية على رؤية عملية، أن موضوع التشاؤم والتفاؤل والواقعية لا يمكن تفسيرها فقط بخصائص اتَّفق عليها علماء النفس، لأن النفس البشرية أكثر تعقيداً واتساعاً من كل عالَم أطباء النفس.
نظر المحاضر إلى محياها الجميل وقال:
- قبل أن أسمع صوتك كنت متشائماً بأني سأنهي الفصل الدراسي دون أن أسمعك مرة واحدة، لكن تشاؤمي لم يكن بمكانه والآن أنا متفائل أن أسمعك أكثر من مرة قبل انتهاء الفصل التعليمي.
أضاف وكأنه يبرر أقواله:
- في الواقع ممنوع أن يلجأ المرء إلى التشاؤم أو التفاؤل قبل أن يدرك الحالة الموضوعية للشيء.. ان الواقعية أيضا أن لا يبني الإنسان توقعاته حسب الشيء الظاهر لعينيه.
ضحك طلاب الصف وقال أحدهم:
- أجدتَ يا أستاذ...
لكن عيون طلابه تقول: لا شيء جديد في قولك!!
الطالبة عبست ولم تتحرك قسمات وجهها. كانت تقف أشبه باللبؤة. قالت بعد ان ساد الهدوء:
- لا جديد فيما تقوله أستاذي، اسمح لي ان أعارضك. انت زرعت فينا عنصر الشك في قبول الشيء قبل إثبات صحته، رغم اعترافي انك أستاذ بارع وسريع البديهة، دروسك شيقة وتعبّئ دماغنا بمعلومات تنويرية رائعة، الا اننا نتوقع نموذجاً عملياً لثلاثة أشخاص، متشائم ومتفائل وواقعي سوية ورد فعلهم المختلف على ظاهرة مشتركة شاركوا فيها بالتساوي.
كاد المحاضر يرد بعصبية لأن الموضوع حسب اعتباره تافه من أن يضيع عليه حصة كاملة مليئة بنقاش استفزازي يظهره عاجزاً عن التفسير بما يرضي ميول طلابه وعنجهيتهم وغرورهم ومحاولتهم إرباكه، ظنّاً منهم انه غافل عن ميولهم.
كان على قناعة أن المسألة لا تستحق أكثر مما قدمه حتى الآن. لكن وقفة الطالبة، صوتها الواثق القوي، الضوء الذي يتلألأ في عينيها، أفهمه أنها ليست كما يظن، او انها صامتة من ضعف معرفتها... بل لأن عقلها هو الفعال، تشتري ولا تبيع، عندما لمست أن المحاضر والطلاب يدورون في حلقة مفرغة وقفت تتحدى، يبدو أنها أذكى مما كان انطباعه عنها حتى الآن، لا بد أنها تملك تفسيراً ملموساً، سيرفع أسهمها بين الطلاب وعند أستاذها بالتأكيد والا ما تجرأت على تحديه السافر. قال لنفسه: "المكتوب يقرأ من عنوانه".
هذه الأفكار أعادت للمحاضر هدوءه ورغبته في سماع تعليلها.. قال بعد تفكير وعيناه لا تفارقان وجه طالبته العابس:
- أعتقد أن تفسيراتنا، رغم صحتها، تفتقر إلى نماذج تطبيقية. أعترف أني لا أتذكر حادثة واحدة شارك بها النماذج الثلاثة وكيف تصرف كل واحد منهم. لكن يبدو أن زميلتنا الطالبة (وشدد نظراته اليها فاحصاً رد فعلها) لديها إجابة عملية ملموسة، قد تضيف أمراً أكثر وضوحاً لما فسرناه نظرياً.. تفضلي.
ابتسمت الطالبة ابتسامة عريضة، مزيلة عبوسها مؤكدة فوزها بالجولة الأولى (قال المحاضر لنفسه: "عبوسها من باب التمثيل ويبدو ان صمتها من عمق معرفتها") وقالت وهي ترسم ابتسامة ذكرته بابتسامة الموناليزا الغامضة:
- سافرت مع والدي في أسبوع نقاهة إلى تركيا. أثناء استراحتنا في مطعم جبلي، قدمت لنا ثلاث كؤوس كبيرة من الماء البارد، كان حجم الكأس أكبر من الكأس العادية بالضعف او أكثر، وربما لهذا السبب لم تُملأ بالماء حتى حدها الأعلى وفقط لنصفها أو أكثر قليلاً.
صمتت لتتمتع بصمت القاعة كما يبدو والإنصات الكامل لكلماتها:
- والدتي المتشائمة دائماً، عبست وهي تنظر لكأس الماء وقالت: "كيف يقدمون كؤوساً نصف فارغة، يتباخلون علينا بكاس مليئة بالماء؟" أرادت أن تستدعي الجرسون لتغسله بكلامها العصبي، كما تفعل عادة وتسبب لنا الإرباك. إلا أن والدي المتفائل دائماً سارع إلى مقاطعتها وتهدئتها بالقول: "انظري جيداً يا عزيزتي.. الكأس كبيرة جداً وهي نصف ممتلئة، لا ضرورة لبهدلة الجرسون، فلن تستطيعي شرب كل هذه الكمية من الماء.."
واصلت بعد ان تمهلت "لتنظم بقية روايتها في دماغها" كما ظن المحاضر بينه وبين نفسه:
- كنت أعلم أن الصدام بين والدي المتفائل دائماً ووالدتي المتشائمة سيحتد أن لم أسارع بالتدخل، كالعادة.. لوضع الأمور في مكانها الصحيح، قلت بسرعة، بواقعيتي التي تعلمتها من النقيضين أمي وأبي: "اعتقد أن المشكلة يا أمي حجم الكأس، الكأس أكبر من الحجم الذي نستعمله لشرب الماء، لذلك كمية الماء لا غبار عليها.. حجم هذه الكأس ضعفا الحجم العادي".
فأضحكتها ضحكة سوداوية تعني أنها ستصمت رغم أنها لم تقتنع..
ضج الصف بالتصفيق والضحك، والمعلم يصيح: "اعترف انك فاجأتِني، ببساطة، تفسير رائع!"
[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة مبسطة: المضمون والشكل
- واقع جديد: مغامرات نتنياهو لا تمر بدون ثمن
- فلسفة مبسطة: الأبدية (اللانهاية) ما هي؟
- السقوط المتواصل للسياسة العربية في إسرائيل
- عجيبةعربية: قائمة مشتركة
- هل من شخص آخر ..؟!
- يوميات نصراوي: ما تبقى من التاريخ
- ما قل ودل عن مغامرة نتنياهو الأخيرة
- فلسفة مبسطة: قانون نفي النفي
- العرب في اسرائيل: قائمة مشتركة للعشائر العربية؟
- الو جهنم... مكالمة محلية؟!
- الموجات الثلاث، نصف البحر وحبيبتي
- ثقافتنا الغائبة او مثقفنا الغائب؟!
- فلسفة مبسطة: وحدة وصراع الأضداد
- فلسفة مبسطة: الديالكتيك
- فلسفة مبسطة:نظرية المعرفة
- انتخابات: من يقرر مصير الجماهير العربية؟!
- الإختبار ..!
- يوميات نصراوي: حكايتي مع الفلسفة
- حتى ابن الله ...!!


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نبيل عودة - فلسفة مبسطة: مفهوم العقلانية