|
الخصخصة الصندوق الاسود المحرم في تونس بقلم محجوب النصيبي سيدي بوزيد
محجوب النصيبي
الحوار المتمدن-العدد: 4707 - 2015 / 2 / 1 - 16:18
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كثيرة هي “الطابوهات” في تونس 17 ديسمبر وكثيرة هي الاستار والحصون التي شيّدت حول الفساد الذي لامس كل مناحي الحياة في تونس ورغم ان الثورة كانت سعيا لتفكيك الصندوق الاسود لحقبة الاستبداد بفترتيها البورقيبية والنوفمبرية وسيطرة العائلات (ومنها عائلة بن علي )ومن سار في ركبها على دواليب الاقتصاد وتحديد وكشف من استعمل كل الوسائل حتى القانون ليسرق ويفتك ويستولي على ارزاق الناس واملاك المجموعة الوطنية باسم القانون فان شيئا من ذلك لم يتحقق ولم يزد الامر عن لجان واقوال بحق الشعب في ان يعرف ماله وما عليه واختصر “الحق على ما يخوله القانون للفرد من مكسب مادي أو معنوي يمكنه الدفاع عنه أو المطالبة به” في مقولات للاستهلاك اليومي تستدعى عند الحاجة لنصر سياسي سرعان ما يتم تسييجها بجملة من التوافقات وحوارات تُلبَس صفة الوطنية بين اصحاب الياقات الفاخرة والعطور من ارقى الماركات العالمية في المكاتب فخمة بعيدا عن عرق العاملين بالفكر والساعد وفي غيبة الماسكين على الجمر المعطلين عن العمل والمطرودين والمسرحين من وظائفهم بسبب سياسات النهب ومنها الخصخصة التي لم يتم الى جد اليوم فتح ملفها بل ان المستفيدين منها بعضهم ربما يشارك في كتابة مستقبل تونس…ربما.. وملف الارهاب الاقتصادي الذي موريس على التونسيين لاكثر من نصف قرن واوله الخصخصة ضارب طويلا في تاريخ تونس… الخصخصة في تونس ليست وليدة الحقبة النوفمبرية بل هي مشروع متكامل بدأ منذ سنة 1970-1971 منذ شهد الاقتصاد توجها ليبراليا لتنخرط تونس في البرنامج العالمي لإعادة الهيكلة (P.A.S) الذي وقع ارساؤه سنة 1986، وتدعّم ذلك التوجه بالتوقيع على اتفاقية مراكش سنة 1994 تاريخ الانخراط نهائيا في منظمة التجارة العالمية وقد ساعد الاطار التشريعي سنة 1985 عبر إحداث صندوق إعادة هيكلة رأس مال المؤسسات العمومية لتطلق تونس موجة خصخصة مؤسساتها في نهاية عام 1987 فتطال العملية المؤسسات التجارية والسياحية ثم قطاعات الصناعة الكهربائية والميكانيكية والبناء (قطاع الاسمنت تمت خصخصة جبل الوسط« و»النفيضة« و»قابس« و»جبل الجلود ) ليتجاوز العدد 217مؤسسة عمومية وشبه عمومية في موفى سنة 2010 بين خصخصة كلية( 114) وجزئية( 29)، وبيع العمومي للأسهم ( 10) وتصفية (41) وإسناد (5 لزمات) وعمليات أخرى( 18) و الخصخصة نقل ملكية مؤسسة والتصرف فيها من القطاع العام إلى القطاع الخاص. وهي ايضا فتح قطاع أو نشاط تابع للقطاع العام أمام الخواص بذريعة عدم جدوى القطاع العام وضعف مردوديته التي تجعل منه عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة يستوجب تغيير المعايير الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تحكم القطاع العام بمعايير جديدة تعتمد على السوق وعلى منطق الربح ولتمرير مشروع النهب المقنن تسترت الدولة بادعاء تحقيق - الرفع من أداء القطاع الخاص وتدعيم الاستثمار الخاص من خلال تحسين القدرة التنافسية للمؤسسات وتعبئة رؤوس الأموال وتسهيل نقل التكنولوجيا - جلب الاستثمارات المباشرة الأجنبية. - التخفيف من الأعباء المالية التي تتحمّلها الدولة وفي الآن نفسه توفير موارد مالية اضافية من شأنها أن تساعد الدولة على تمويل نفقاتها. - تنشيط السوق الماليّة لتقوم بدورها المتمثّل في تعبئة المدخرات المالية لفائدة الاستثمار. و قد عملت الدولة ضمن رؤية واضحة على تطبيق سايكس بيكو اقتصادي جديد وفق خارطة طريق واضحة على مراحل: - المرحلة الاولى (1987/1991) حيث كانت الخصخصة تشمل أجزاء من المؤسسة وبيع بالجملة للأسهم وفتح رأس المال للعموم. واقتصر التفويت على قطاعات التجارة والفلاحة والسياحة ونقل البضائع. - المرحلة الثانية فقد انطلقت بداية المخطّط الثامن (1992 1995) خوصصة نشاطات تعتبر عادة استراتيجية بواسطة اللزمة وكرّاس الشروط وطالت ميادين إنتاج الكهرباء والتطهير والإسمنت والبنوك والتأمين والسوق الحرّة في المطارات - المرحلة الثالثة بدأت منذ 1996 الى 2011 وربما الى اليوم؟؟؟ وهي خصخصة بنسق سريع تشمل المؤسسات الرابحة . كل هذه الاجراءات تمت بعيدا عن الشعب ودون الرجوع اليه واستفتائه خاصة وان الخصخصة شملت القطاعات الحساسة والاستراتيجية في البلاد ولم تكن تصب في مصلحة المواطن بل كانت اعلانا صريحا من الدولة بالتملص من مسؤولياتها عمليات الخصخصة التي طالت المؤسسات التجارية والسياحية ثم قطاعات الصناعة الكهربائية والميكانيكية والبناء لم تتوقف بتهريب بن علي ففي سنة 2011؟؟تم التفويت في: - 35 في المائة من رأسمال الشركة التونسية لتوزيع البترول( سادس أهم مؤسسة تونسية من حيث حجم المعاملات) - 35 في المائة من شركة اتصالات تونس لخدمات الهاتف(مؤسسة تحقق ارباحا وايرادات عالية وتشغل عددا كبيرا من العمال والفنيين) - 10المائة من مساهمة الدولة في الشركة الوطنية للاتصالات - 51 بالمائة من رأسمال الشركة التونسية للتنقيب - كتلة الأسهم بالبنك التونسي الفرنسي بقيمة 78 بالمائة - 50 بالمائة من رأسمال شركة الفولاذ - 20 بالمائة من رأسمال الشركة الوطنية لتوزيع البترول -الشركة التونسية للسكر كل هذا في اطار ضمان تعهدات الدولة والمحافظة على صورتها في العالم حتى وان ادى الامر الى تدمير البنى الاقتصادية واستنزاف المقدرات والخيرات الوطنية وذبح التونسيين سواء العاملين في القطاعات المخصخصة ممن تم تسريحهم او من كان جزءا من دورة اقتصادية صغرى ترتبط بتلك المؤسسة بشكل مباشر او غير مباشر و رغم ان الخصخصة فضحت ما يجري من استباحة للاقتصاد التونسي غير القادر على المنافسة وغير المتمتع باليات حمائية من الاسواق الاجنبية ومن رأس المال الاجنبي وعرّت بعض العائلات المرتبطة بعلاقات مصلحية بالنافذين بالنظام الذين متّعهم النظام القائم بشركات ذات مردودية ربحية عالية عبر صفقات “تحت الطاولة” ودون تبتيت فان الصمت عن هذه المؤسسات لازال مخيما ولا أحد طرح الحل الملائم لاستعاد المال المنهوب ولانهاء اكبر سرقة مقننة في تونس …و لعل كشفا لطريقة التفويت في ثلاث شركات كبيرة بعد اخضاعها لإعادة هيكلة بغرض بيعها إلى القطاع الخاص يقرب الصورة 1) الشركة العامة لصناعة النسيج SOCITEY : تمت تجزئتها إلى عدة وحدات متخصصة لها أنشطة متجانسة وتحولت إلى شركة أم هي SOGITEY، وشركة متخصصة في النسيج SITEX وانتاجها مخصص للسوق المحلية إلى SITER لإتمام المنسوجات للسوق المحلية تمت إعادة الهيكلة تسهيلا لعملية التفويت لتكون وحدات صغيرة في متناول امكانيات القطاع الخاص. ونالت الشركات الاجنبية نصيبها من المساهمة ( شركة SITEX مثلا مؤسسة التمويل الدولية IFC ولمستثمرين آخرين) 2) الشركة التونسية لمواد البناء SOTIMACO: التي أنشئت سنة 1960، وتم التفويت في عناصر أصولها بعد إعادة هيكلتها وتحويلها إلى شركة أم تباشر التسيير المركزي على وحدات المجموعة 3) الشركة التونسية للنزل والسياحة: التي خضعت لعمليات متكررة من التصحيح الهيكلي وحضيت بدعم كبير ليتم في (1983) بيع الوحدات الفندقية للشركة التونسية للنزل والسياحة على ثلاثة مراحل نظريا الهدف المعلن دعم الاستثمارات الخاصة المحلية وجلب المستثمرين الأجانب والتفريط في المؤسسات العمومية لفائدة القطاع الخاص وفعليا كان المطلوب من الماليات العالمية أ- انسحاب الدولة من النشاطات التنافسية ب- افقاد الدولة الركائز التي يقوم عليها دورها التعديلي في النشاط الاقتصادي ت- تقليص هامش تحرك الدولة وإضعافها لفتح ابواب الاقتصاد التونسي على مصراعيه للمتاجرين بقوت الناس و كانت التكلفة اقتصادية واجتماعية فوق كل التوقعات ودفعت المجموعة الوطنية للحاكمين الفعليين الجدد بطالة ابنائها وتسريح الاف العمّال وافلاس شركات ولم يتوقف الامر عند ذلك بل تجاوزه الى امتيازات تقدمها الدولة بالالف الدينارات دعما ومساعدة واعادة هيكلة وهذا ليس غريبا اذ الحقيقة التي كانت عليها الخصخصة ليس نقلا للملكية من الدولة الى قطاع خاص بل تفويتا لبعض المقربين من النظام القائم الذين استفادوا مرتين مرة حين اقتنوا المؤسسة دون سعرها الحقيقي ومرة ثانية حين استحوذوا دون سواهم على جميع المنافع المتأتيّة من الخصخصة. لقد كانت الخصخصة هجوما ممنهجا على القطاع العام لانهائه في اطار المنظومة الدولية الجديدة لتقسيم الاسواق وبتعلة غياب التصرف المجدي في القطاع العام والترهل الذي اصبح عليه وضعف الجدوى الاقتصادية للمؤسسات العمومية وهي تعلاّت تستند الى المردودية المالية للمؤسسات وتلغي دورها الاجتماعي كالمحافظة على الأجراء ومقاومة البطالة ودفع الأجور وسياسة أسعار منخفضة، وغيرها… لقد استفاد من الخصخصة المقربون للسلطة الذين لم يستلموا مؤسسات حكومية عاجزة ماليا او خاسرة بل استلموا مؤسسات تدر ارباحا طائلة ولان همهم الأكبر تعظيم الربح قاموا بتسريح عدد كبير من العمال وساهموا في زيادة البطالة، وزاد من تفاقم النهب فسح المجال للاجانب الشيء الذي ادى الى انتقال الأموال المستثمرة الى خارج البلاد عن طريق الدخول الأجنبية لأصحاب المؤسسات الخاصة ولم يميز بين المؤسسات ذات البعد الإستراتيجي للإقتصاد وبين غيرها في الوقت الذي كان قطاع الاسمنت مثلا مرشحا لمنافسة معامل الاسمنت الأوروبية التي أصبحت عجوزا واصبحت كلفة تعويضها أعلى بكثير من شراء معاملنا.و في الوقت الذي كانت الشركات الاستراتيجية (الشركة الوطنية لتوزيع النفط عجيل والشركة التونسية للتنقيب) قادرة على حفظ التوازنات المالية للدولة بمزيد دعمها من طرف الدولة وترشيد التصرف فيها و وسط كل هذا الخراب وبعد تهريب بن علي لا يزال ضباب كثيف يلف هذه الشركات ومصيرها ولا زال صمت السياسيين عنها متواصلا ولازالت الدول تسعى الى مزيد تحميل المواطنين اخطاء سياسات نصف قرن واختيارات “متخارجة” تخدم مصالح الشركات العابرة للقارات ورأس المال العالمي وتدوس ارادة الشعب في ادارة شؤونه بنفسه ولا يزال الاقتصاد التونسي يقوم على ثنائية حسن الاداء الاقتصادي واستراتيجية الاستقرار في غياب أي مشروع اقتصادي جماعي للدولة اعادة النظر في الخصخصة وفي الشركات المخصخصة واستعادتها من طرف الدولة احد اهم الحلول التي تمكن تونس تخفيف العبء على التونسيين وايجاد موارد مالية قد تغير كثيرا في خارطة المشهد الاقتصادي
#محجوب_النصيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
-
البنك الأوروبي: التوترات التجارية تهدد الاستقرار المالي لمنط
...
-
مصر.. الكشف عن خطط لمشروع ضخم لإنتاج الطاقة الهجينة
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|