أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد شوكات - تونس التي تحتقر السياسة















المزيد.....

تونس التي تحتقر السياسة


خالد شوكات

الحوار المتمدن-العدد: 1315 - 2005 / 9 / 12 - 10:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


إنني من أشد المعجبين بآداء الحكومة التونسية، خصوصا فيما يتعلق بطريقة التعامل مع المعارضين، ومع القوى الخارجية أيضا، فعندما يتوقع جميع الناس من هذه الحكومة مثلا معالجة ملفات داخلية ملحة ذات صلة بموضوع حقوق الإنسان والحريات العامة، وذلك توفيرا لأجواء مناسبة لانعقاد القمة الدولية لمجتمع المعلومات، فإنها تبادر مسرعة إلى اتيان أفعال مخالفة تماما للتوقعات، تريد من خلالها القول حتما، بأنها حكومة لا تخشى أحدا، لا في الداخل ولا في الخارج، ولا حتى خارج المنظومة الشمسية.
في لقاء جمعني قبل سنوات قليلة بزعيم سياسي تونسي بارز، يقود أحد أحزاب المعارضة المغضوب عليها، وجهت لي نصيحة ما فتئت الحكومة التونسية – والحق يقال- تؤكد بسلوكها وجاهتها، مفادها " أن أنسى قواعد التحليل السياسي التي تعلمتها في التعاطي مع الشأن التونسي، لأن نظام الحكم في بلدي السعيد بكل بساطة، لا يحب الخضوع لمثل هذه القواعد، وهو مولع دائما بتكذيب المحللين السياسيين".
ثمة قصة أيضا يصلح التعلم منها في النظر إلى الشؤون التونسية، فقد قيل أن إمرأة فرنسية عرفت بدقة نبوءاتها في معرفة حالة الطقس، فلما سئلت عن سر ذلك، أجابت بأنها تتابع نشرات الأحوال الجوية في قنوات التلفزيون، ثم لا تفعل شيئا غير قول نقيضها للناس، وكذا الحال في تقدير سلوك الحكومة التونسية، فإذا تحدثت وسائل الإعلام مثلا عن إفراج قريب عن السجناء السياسيين، فإعلم أن ما سيحدث هو خلاف ذلك، وإذا جرت ألسنة النخب والمثقفين بقرب إقدام النظام على تنفيس الأجواء السياسية، فإن الثابت هو أنه سيقع الضرب بشدة على أيدي أولئك الذين يوسوس لهم شيطانهم بأن السياسة مسألة متاحة لكل من هب ودب من الحاقدين والمغرضين، وخصوصا منهم المعارضين.
ولعل الأسابيع الأخيرة مثلت خير دليل على ما ذكر من قاعدة " اللاقاعدة"، فعلى بعد أسابيع قليلة من قمة الأمم المتحدة لمجتمع المعلومات، التي ستحتضنها العاصمة التونسية في الفترة بين 16 و18 نوفمبر القادم، اختارت الحكومة التونسية أسلوب العنف السياسي في التعامل مع ثلاث منظمات غير حكومية، ذات صلة وثيقة جدا بموضوع القمة الدولية، وهي جمعية القضاة التونسيين ونقابة الصحافيين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وقد أثار هذا الأسلوب العنيف المتمثل في تجريد جمعية القضاة من مقرها – ولهذا المقر قصة طريفة ليس المجال لذكرها-، وفي الامتناع عن الترخيص لنقابة الصحافيين، ومنع الرابطة الحقوقية من عقد مؤتمرها، ردود فعل سلبية واسعة في الأوساط الحقوقية والإعلامية الدولية، وكتبت أهم الصحف الفرنسية – مثل لوموند ولوفيغارو- مشنعة بسلوكيات الحكومة التونسية، لكن هذه الأخيرة – ولله الحمد- لا تعبأ أبدا بردود الأفعال الحاقدة على الإنجازات التونسية، سواء أكانت داخلية أو خارجية، وما على الأمم المتحدة إلا أن تعقد قمتها صاغرة، ووفقا للشروط التونسية!
قبل هذه الأحداث، وخلال أشهر الصيف القائضة، بدد العديد من الناشطين السياسيين التونسيين وقتهم في الحديث عن المصالحة الوطنية، على غرار ما يجري في المنطقة المغاربية والعربية، وتنبأ كثيرون بقرب الاستجابة الرسمية، بل وتطوعوا إلى تعبئة الأنصار للبرهنة على مصداقية المبادرة، لكن خطاب رئيس الدولة التونسية في ذكرى تأسيس الجمهورية الموافق ل25 يوليو من كل سنة، ذكر هؤلاء مجددا بأنه لا أحد في تونس من حقه التنبؤ أو الاعتقاد أو التحليل، فالحكم يعرف مصلحة المواطنين، وهو وحده الذي يقرر ما يجب فعله ومتى، لا كمشة المشتغلين بالسياسة دون إذن رسمي.
من الأمثلة الخاصة – وهي في الواقع أقرب إلى الطرائف المرة- التي تصلح كذلك لإعطاء فكرة عن مفارقات السياسة التونسية، أن أحد معارفي قد قال لي مرة معلقا على حدث آداء الرئيس التونسي فريضة الحج قبل سنوات قليلة: "لقد ذهب الرئيس زين العابدين بن علي إلى العمرة سنة أو سنتين بعد وصوله إلى الحكم سنة 1987، فعاد منها ليضع عشرات الآلاف من أنصار حركة النهضة الإسلامية في السجن، فماذا تراه سيفعل بعد عودته من الحج؟ "، وكان قصد صاحبي – على سبيل النكتة- أن الناس قد فهموا أن العمرة ستجعل قلب الرئيس رقيقا حيال المتدينين، لكنه كذب الأفهام وسلك مسلكا آخر، فماذا عساهم ينتظرون من الحج وهو أعظم شأنا؟..
التحليل السياسي إذا، ليس الفعل الذي يرفع من شأن صاحبه في تونس، أو الموهبة التي يمكن أن يرحب بها، وقد تكون الحقيقة أقرب إلى العكس، فالتحليل السياسي عادة ما يقود ممارسيه إلى خسارة مصالحهم أو مواقعهم أو حتى حريتهم، ولعل أكثر من فهم هذا الدرس الحكومي، وسائل الإعلام التونسية، الرسمية وشبه الرسمية، التي أعفت نفسها من هذه الوظيفة، مكتفية بنشر أخبار وكالة الأنباء الرسمية الموثوقة، والنأي بنفسها عن "اللت والعجن" الفارغ الذي يفسد عقول ونفوس المواطنين.
والحق أن تونس التي تحتقر السياسة، بلد فريد من نوعه في عدم وجود محفزات على ممارسة التحليل السياسي فيه، ناهيك عن الفكر السياسي، فالأحداث السياسية تكاد تكون غير موجودة من الأساس، فلا وزير يمكن أن يستقيل، ولا وزارة يمكن أن تسقط، ولا جدل في البرلمان – بغرفتيه العظيمتين- يمكن أن يثور، أما الثرثرة التي يمارسها المعارضون التونسيون في الخارج، فليس من الوارد إيلاءها أي عناية، باعتبارها صادرة عن أحزاب غير معترف بها، في حين أن الحوار – المنتظر- لا يمكن أن يتم إلا مع الأحزاب المعترف بها قانونيا.
تونس الرسمية أيضا، لا تعبأ بما تقوله الجماعات والأطراف الحاقدة والناكرة للجميل في الخارج، فنواب مجلس المستشارين – الغرفة الجديدة في البرلمان- قد اختاروا بكل فخر إحدى الشخصيات المتهمة في الدولة التي استضافت القمة الدولية الأولى لمجتمع المعلومات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، دون أي خوف من احتجاجات خارجية أو داخلية، أو حتى دون أن يكون القصد توجيه رسالة تحد لمورث العاصمة التونسية قمة الأمم المتحدة، أو للمنظمات الحقوقية و غير الحكومية التي ستشارك في القمة.
الذين يدققون في سيرة أعضاء الحكومة التونسية، وتاريخ رجال النظام البارزين، يعلمون أكثر من غيرهم أن ثمة حساسية إزاء الذين لديهم اهتمام بالفكر السياسي أو التحليل السياسي، فقد كان المطلوب منذ بداية التسعينيات تقريبا، وبالتحديد منذ إقالة السيد الهادي البكوش آخر وزير أول من طينة سياسية، بعد بضعة أشهر من توليه لمهامه، شخصيات ليس من مواصفاتها الإكثار من الحديث في السياسة أو التفكير فيها، إنما غاية طموحها تنفيذ الأوامر بدقة متناهية و التشرف بممارسة الوظيفة السامية.
السياسة في تونس فعل دنيء لا يمارسه غير المغضوب عليهم والضالين، ولهذا فإن الحكومة في تونس قد نأت بنفسها عن السياسة والسياسيين، وإختارت بدلا عنها ممارسة "الإدارة"، والإدارة بحسب التعريف الرسمي التونسي غير السياسة، والوزراء عليهم أن يكونوا إداريين لا سياسيين، والإدارة عمل وتنفيذ لكن السياسة كلام وثرثرة وتسويف، والإداريون موظفون سامون متخصصون مخلصون في ولائهم وتنفيذهم للأوامر، أما سياسيون فمتآمرون وثرثارون وطماعون وشكاكون وخونة وعملاء.
وقد أثبتت التحقيقات التونسية الرسمية باستمرار وبما لايدع مجالا للشك، أن لكل سياسي تونسي ملف مشين لدى وزارة الداخلية، يضم في أحيان كثيرة وثائق مكتوبة ومصورة تثبت تورط صاحبه في جريمة أخلاقية، سرقة أو خيانة أو تعامل مع أطراف خارجية ضد المصالح العليا للبلاد أو شذوذ جنسي أو خيانة زوجية، ولهذا فقد كان من الطبيعي أن تعمل الأجهزة المختصة في توفير الأمن والأمان، على حماية المواطنين من هذه الشريحة الفاسدة التي لا يخسر الوطن شيئا عندما يقصيها ويهمشها ويكويها.
وإذا ما نسي سياسي – قبع في السجن خمسة عشرة عاما مثلا- نفسه، وأخذ يدلي بتصريحات لوسائل الإعلام الأجنبية، ويتحدث في القضايا الوطنية، فإن الأجهزة المختصة ستقوم بواجبها في التنبيه عليه، وتذكيره بالقواعد الجديدة العظيمة التي طورتها البلاد خلال غيبته الصغرى، حتى وإن كانت هذه التصريحات غاية في الاعتدال والسلمية وإبداء الرغبة في الاندماج فيما هو مسموح ومتاح.
خلاصة القول، أن السياسة في تونس لا تتفق مع هيبة الدولة، التي هي من هيبة نظامها، وأن التحليل السياسي والفكر السياسي والحوار السياسي هي عادات قبيحة تضر بهيبة الدولة، وأن المقصود بالحوار السياسي مع الأحزاب المعترف بها قانونيا، لا يعني نسيان المقامات وحديث الند للند، إنما المعنى المطلوب منه أن لا تسير هذه الأحزاب في ركاب السياسيين البائسة، وأن تعتنق بصدق المفهوم الإداري للحكم الرشيد، وأن تلعن السياسة والسياسيين وتحتقرهم ذلك أن تونس الرسمية لا تخشى أحدا، والذين يخشون بطشها كثر، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.#



#خالد_شوكات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبيا الطرزانية
- ليبرالية استيعاب لا إقصاء
- تونس بدون حركة إسلامية؟
- استكمال الاستقلال..من تحرير الأرض إلى تحرير الانسان
- شهادة يابانية في الديمقراطية العربية
- إعـــــلان تأسيس قناة -العفــو- الفضائية
- الليبراليون الجدد.. أو الليبرالية كما أفهمها
- لبنـان..حيث -الاستثناء الفاسد- يطرد -الاستثناء الصالح-
- أليست الدولة العلمانية ضرورة دينية؟
- الدولة العلمانية


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد شوكات - تونس التي تحتقر السياسة