|
قراءة في فقه المستفيدين من الاسلام سياسيا (5)
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 31 - 21:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العهود الجمهورية تولى الرئيس عبد الناصر الحكم بعد الرئيس محمد نجيب، وحل جميع الاحزاب والجمعيات الاهلية والمدنية، وترك الاخوان تحت بند انهم ليسوا حزبا أو جمعية لكن "جماعة دينية دعوية"، وقد فعل عبد الناصر ذلك لأنه لم يكن قد قبض على مقاليد السلطة بصورة تامة، وأراد استغلالهم سياسيا في دعمه، إضافة إلى انتماء بعض اعضاء مجلس قيادة الثورة للاخوان المسلمين، لكن في كانون الاول/يناير 1953 سأل عبد الناصر موفديهم عن المطلوب لاستمرار تأييدهم للثورة، أو بالأحرى تأييدهم له شخصيا لأن عينه أصحبت على الحكم، فقالوا: "اننا نطالب بعرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها. هذا هو سبيلنا لتأييدكم إذا أردتم التأييد". رفض جمال عبد الناصر الأمر قائلا: "لقد قلت للمرشد في وقت سابق إن الثورة لا تقبل أي وصاية من الكنيسة (؟!) أو ما شابهها.. وانني أكررها اليوم مرة اخرى"، وسرعان ما اصطدم الرئيس جمال عبد الناصر بالإخوان صداما شديدا نتيجة لمطالبتهم ضباط الثورة العودة للثكنات وإعادة الحياة النيابية للبلاد، وكان هذا المطلب تحديدا سبب تحديد إقامة الرئيس محمد نجيب ونفي أو تهميش بعض اعضاء مجلس قيادة الثورة، وتطور الصدام إلى اعتقال عدد كبير من الاخوان واعدام بعضهم بعد محاولة أحد المنتمين إلى الجماعة اغتيال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 تشرين اول/أكتوبر 1954 بعد وصوله للحكم، لكن هرب بعضهم الى دول الخليج والسعودية، وكمنوا ودُجنوا هناك للوقت المناسب لعودتهم المضادة. أعاد الرئيس أنور السادات الاخوان المسلمين إلى الحياة السياسية بصورة أكبر وأخطر، ودفع حياته يوم 6 تشرين الاول/اكتوبر 1981 ثمنا فادحا، لا يمكن وصف ما حدث فيه سوى بالكلمات التي قاله هو نفسه عندما رأى فرقة الموت امامه: "مش معقول.. إرجع يا ولد انا مش حسيبك"، وصراخ المتآمر الاول في وجهه: "ياكافر .. يافرعون .. يا ابن الكلب". سمح السادات لهم بالعودة واصدار مجلتهم وانتشارهم في الجامعات، واكدت جميع مذكرات قادة الأمن في عهده انهم غضوا البصر وقدموا تسهيلات سياسية لهم، باوامر من القيادة العليا، حتى يكونوا سنده في مواجهة خصومة السياسين من شيوعين وغيرهم، وكان خطأ رهيبا لأن المعارضين لم يكونوا بالقوة أو الحجم والأهمية، أو حتى المطامع في كرسي الحكم، إضافة إلى تصعيد تيار ثبتت خطورته على المجتمع بتكفير مسلميه وتفجير كنائس مسيحييه ونشر الفتنة الطائفية بينهما، وانتهت الامور باغتياله هو شخصيا، وطمر الذكرى اليتيمة للانتصار على اسرائيل في الوقت نفسه. دخل الاخوان المسلمون في عهد الرئيس حسني مبارك، لعبة في غاية الخطورة، قال عنها صفوة كتاب ومفكري مصر انها تمت باتفاق مع الحكومة، وهي ان يُترك لهم قيادة بعض النقابات مثل المحامين والصيادلة، كجزء من اللعبة السياسية، لكنهم سرعان ما قضموا باقي النقابات بفضل التمويل المالي الوهابي غير المتوقف في شراينهم. وقد بدّل الاخوان المسلمون قناعهم السياسي هذه المرة واعلنوا انهم ضد الجماعات الاصولية المتطرفة، التي قامت بعمليات ارهابية واغتيالات وحرق محلات وسرقتها، معظمها محلات ذهب لمسيحيي مصر، وتم هذا التراجع رغم ان هذه الجماعات خرجت من عبائتهم وفكرهم ومنهجهم العنيف الدموي، وبذلك اعطوا صورة جديدة مُخادعة عن أنفسهم، هي من يريد ان ينتهج العمل السياسي بالطرق الديموقراطية للوصول الى الحكم، عليه التنصل من الجماعات المتطرفة وادانتهم اذا دعت الضرورة السياسية، وكانت المكافأة دخول بعضهم إلى مجلس الشعب سنة 2005 بناء على نشر "الديموقراطية الاميريكية" في المنطقة، وخططوا بكل لؤم ليتمكنوا من حكم مصر حسب قضية "التمكين" الشهيرة، إلى ان ركبوا الثورة الشبابية الرقمية التي اطاحت بالرئيس مبارك، وغيره من الرؤساء ليصل الوجه المتزمت، الذي خرج من حدوده المصرية وأصبح دوليا، للحكم. منابع سياسية لا شك ان جماعة الاخوان المسلمين، خبرت كل تجارب وظواهر وتركمات تدّيين السياسة، من الاستفادة من فكرة "جماعة المسلمين" الى "اهل الحل والعقد" وما الى هنالك، واضافوا عليها بصمتهم الشخصية وهي مبدأ السمع والطاعة وازاحة خصومهم بالاغتيال، ومزجوا بين الدين كعقيدة دينية والفكر الديني، وخلطوا بين التنزيل الالهي والفكر الديني في منعطفاته الانسانية وتجلياتة العقلية التي يمكن أن تصيب وتخطىء، كما انهم بفضل التمويلات الاجنبية استطاعوا بناء تنظيم الاخوان الدولي، وهو احد التنظيمات التي تريد تقويض هيبة الدول وإنشاء إمارات اسلامية مستقلة داخلها إذا لم يتمكنوا من حكمها من خلال تأجيج الصراعات الدينية والمذهبية، كما هو واضح تماما، وبدأ الاوروبيون يتحدثون عنه ايضا بعدما بدأوا يشعرون به على الارض. اصول فقه هذه الجماعة، التي لا تؤمن بالتعددية الدينية أو السياسية، كحزب سياسي مستفيد من الاسلام سياسيا قدمه المؤسِس حسن البنا "عقيدة الجماعة" في المؤتمر الثالث للاخوان الذي عُقد في القاهرة سنة 1937 وختم كلمته بالقول: "على كل مسلم ان يعتقد ان هذا البرنامج كله من الاسلام. وان أي نقص منه نقص من الفكرة الاسلامية الصحيحة". "مذكرات الدعوة والداعية" لحسن البنا صفحة 183. تصدى المفكر الاسلامي باسلوبه غير الموارب عباس العقاد لهذا الفقه، وقال: كيف ان يكون برنامجه هو كله من الاسلام؟ و كيف عرف ذلك ومن قال ذلك؟ وما هو الموقف لو عارضه احد؟ هل يكون المعارض بذلك معارضا للاسلام أم معارضا لحسن البنا شخصيا وفكره ؟ علق المستشار طارق البشري في كتابه "الحركة السياسية في مصر 1945 / 1952 " طبعة اولى، بالقول "ان الجماعة بهذا البرنامج تصادر الدين لمصلحتها وبهذا لا تصبح جماعة تطبق الدين. انما تؤكد ان منهجها هو وحده الاسلام الصحيح. ومن ثم من يقف ضدها كجماعة يكون خارجا على الاسلام . انه مبدأ يسعى للسيطرة على الاسلام لا الالتصاق به". وبما ان السياسة لها قنابلها المدوية، بينما الدين نهر حياة ينساب بالوتيرة نفسها، بدّل المستشار البشري اراءه واحكامه في ما بعد، وأصدر كتابه في طبعة ثانية لا اثر فيها لشهاداته في الاولى، وهو الرجل الذي جلس على منصة القضاء ليحكم بين الناس بالعدل، ويعلم أكثر من غيره ماذا يؤدي تغيّر الاقوال والافادات في المحاكم، والمصطلح القانوني الذي يُطلق على هذا الامر. وهكذا اصبح قارىء المستشار حائرا: هل يأخذ بقديمه أم جديده؟ و ايهما أصدق "دينيا" ليعتمد المسلم عليه. ذكر صالح عشماوي، وهو احد قادة الاخوان في مجلة الدعوة 24-4-1951 "ان أي اضطهاد للاخوان هو اضطهاد للاسلام ذاته". وخطب عبد القادر عودة، بعد ان قبض عبد الناصر على بعض الاخوان في ازمة آذار/مارس الشهيرة، في المتظاهرين: "الاسلام سجين".
للموضوع صلة
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في فقه المستفيدين من الاسلام سياسيا (4)
-
قراءة في فقه المستفيدين من الاسلام سياسيا (3)
-
قراءات في فقه المستفيدين من الاسلام سياسيا (2)
-
قراءات في فقه المستفيدين من الاسلام سياسيا
-
التنويريون والمرأة اعداء المستفيدين من الاسلام سياسيا
-
إذا كان الله لا يخاف فالبشر يخافون
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|