عزمي موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 31 - 19:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مما لا شك فيه , أن السلطة ألابوية الطبقية قد نجحت ألى حد بعيد في أستثمار الخطاب الثقافي الديني والتناقضات ألاجتماعية في خدمة مصالحها الفئوية , وفي تكوين ركائز أجتماعية لها من مختلف الطبقات بما فيها شريحة من طبقة الفقراء الذين تعاملوا مع الدولة بوصفها مصدر رزق لهم عبر أنتساب أبنائهم لأجهزتها ألامنية ألمختلفة وبعض الوظائف الحكومية .
هذه السلطة الطبقية التي أستباحة شعوب وثروات الدول الافريقية والاتينية زمن الاستعمار القديم ولم تقدم لهم شيء سوى الانجيل , هي ذاتها التي أنتهجت سياسات معادية لمختلف القضايا العربيه والاسلاميه , ووقفت خلف ألانظمة الطبقية العشائرية وشبه الاقطاعية العربية وشجعتها على تبني خطابات سياسية تقليدية ترفض الحداثة وتسير بعكس أتجاه حركة التاريخ . مستخدمة العديد من النصوص وألامثال والمقولات , ذات جوهر تخديري أستسلامي , في بناء وعي شعبي عام قدري وتقليدي , يخاف من التغير ويستريح على ما هو قائم مثال ( الذي تعرفه أحسن من الذي لا تعرفه , الدنيا قسمة ونصيب , المكتوب على الجبين لازم تراه العين , لا عيش ألا عيش ألاخرة , وتغير الحال من المحال ... الخ ) . هذا ما قاله بصراحة ( حسني مبارك , ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح ... ) أثناء الموجة الاولى من الربيع العربي , أما نحن أو الفوضى . وهذا ما لجئت ألى أستخدامه بعض الدول الخليجية في الدفاع عن ذاتها, وفي مواحهة التغيرات ألاجتماعية الطبقية في بلدانها , من خلال دعمها للعمليات العسكرية بالسلاح والمال في ليبيا وسوريا واليمن والعراق أثناء الموجة الثانية من الربيع العربي , ولتبرير ممارساتها ألاستبدادية من جانب أخر .
هذا المناخ المشحون بكل هذه التناقضات المركبة , هو الذي وفر البيئة المناسبة لتشكيل وعي متمرد مهزوز , يحمل في ثناياه أزمته المتفاقمة . لكن هذا الوعي بقي في حدود بيئته التي أنتجته ولم يغادرها , فهو بذاته قاصر وغير قادر أن يصبح عالمياً , بينما هو ينتج فقط ما يمكن أن يستغله ألاخرون بأسماء وعناوين متعددة . بمعنى أنه لم يصبح وعياً عالمياً قادراً على أستقطاب الناس من مختلف الاجناس والبلدان حوله , ألا عندما توفرت له العوامل المادية المناسبة . فبدون مفكر أو فقيه صاحب خطاب وقادر على التأثير في وعي الناس ومزاجهم من خلال وسائل أعلام مكلفة بترويج ذلك , وغطاء مالي يوفر أطار ما في مكان ما لأهداف ما , يتم الحشد والتجيش أليه . لا يمكن أن يصل هذا الوعي ألى حدود العالمية . وهذا ما كان قد توفر للمجاهدين الذاهبين ألى أفغانستان , وألى سوريا ألآن .
هذا الوعي ألمأزوم بنى تصور ذهني مشوه غير دقيق للواقع , مشحون بمخاوف متعددة . وكأن كل مكونات الفرد العربي التراثية والدينية في خطر ومهددة بالزوال . ومن جانب أخر في قسم منه , أرجع سبب تخلف ألامة وأضطهادها الى غياب الدين عن حياتها وعدم أمتثالها لأوامر الله عزوجل . بدوره هذا التصور المرتبك هو الذي أنتج خطاب ألمظلومية بأطيافه المتعددة . خطاب مليء بالعنصرية والكراهية ليس ضد الغرب وألاجانب فقط , بل وضد أخوان لهم في اللون والدين أو في المذهب أو القومية . وما صور تعامل الشعوب العربية مع بعضها البعض أو مع الغير . ألا أنعكاس سيكولوجي في الواقع لهذا الخطاب . وألا ما معنى كل هذه الصراعات ألاثنية والعرقية القائمة في غير مكان , وبماذا يمكن أن يفسر حالة الفرح العربي الشبه عام عندما فجرت القاعدة في نيويورك ومدريد ولندن وفي أماكن أخرى رغم أدراك الجميع بأن ألمستهدفين كانوا مواطنين أبرياء غير مسؤولين عن سياسات بلدانهم الظالمة .
من بين ثنايا خطاب ألمظلومية هذا , نما وصعد الفكر الراديكالي بشقيه اليبرالي اليساري والتقليدي الديني . متخذاً موقفاَ نقديا من كل ما هو سائد في المجتمع . ووضع بديلاً ثورياً أما بمعنى العودة الى الوراء بأعادة أنتاج النموذج التاريخي وأستحضارة , أو بالتقدم الى الامام . شقين متصارعين حاول كل واحد منهما أن يلغي ألاخر .
شكلت هزيمة حرب حزيران عام 1967 في جوهرها هزيمة قاسية للفكر القومي العربي وتحدديداً للفكر الناصري مما ساهمت في أضعافه وتراجعه . ومن بعد ذلك أندحار الفكر الماركسي الكلاسيكي عام 1990 على أثر أنهيار منظومة الدول الاشتركية . مما هيأت ألمناخ المناسب بعد أن أفرغت الساحة أمام الفكر التقليدي الديني , كي ينمو ويتصاعد بذات الوتيرة , وخاصة ذاك المشدود بقوة الى الماضي الذي يحاول أن يستحضره . فهو يرفض الحاضر بكل مكوناته ويسعى ألى تغيره دون أن يقدم حلول منطقية علمية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعصف بالواقع .
في هذه الشروط الموضوعية , عملت الجماعات الاسلامية بأطيافها المختلفة في ألاوساط الاجتماعية على تشكيل مزاج شعبي مؤيد لها . حول الفقراء والمهمشين أما الى خزان صوتي أنتخابي أو الى مجموعة مجاهدين يجهلون أهداف ومصالح القوى التي تقف خلف دعوات الجهاد هذه . وذلك من خلال أطارين :
1-أطار الدعوة ونشرها بين الناس (السلفية التقليدية) التي قدمت مفهوم الدعوة وتربية الناس على العبادة الصحيحة وفق ما ورد من تقاليد السلف الصالح , على مفهوم الجهاد والدولة .
2- وأطار التعبئة والثورة كما هو حال ( ألسلفية الجهاديه ) التي قدمت مفهوم الجهاد والدولة على الدعوة . مستفيدة هذه الجماعات من قدراتها المالية ومن ألامكانيات المتاحة أمامها وأنشغال ألانظمة العربية المتحالفة معها بمحاربة الفكر القومي واليساري واليبرالي الديمقراطي . مستغلة دور العبادة والجمعيات الخيرية والجامعات والمدارس ومراكز الزكاة .
أستمرت هذه الجماعات بالتمدد وألأنتشار في المجتمع , وخاصة بين جموع الفقراء والمهمشين . وبالميل التدريجي نحو التطرف كلما أشتدت ألازمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأنقاطع ألامل بأمكانية تحسين الظروف الحياتية . لذا وفي هذا السياق التاريخي أخذت بعض المفاهيم وتحديداً تلك المتعلقة بثنائية , الايمان والكفر , الدولة والدين أضافة الى مفهوم الجهاد . تتقدم في الخطاب الدعوي وتحتل مكانة واسعة عند فقهاء ألافتاء . مستندين في ذلك على مجموعة واسعة من أراء ألعلماء السابقين وفي مقدمتهم ألأمام ( أبن تيمية ) الذي يعتبر بمثابة ألاب الروحي لكل الفكر ألاصولي المتطرف ألآن .
لقد شكل فكر الشيخ ( أبن تيمية ) ألذي عرف بتشدده . القاعدة الاساس التي أنطلق منها الفكر الجهادي المعاصر , وأعتبره الكثيرون ألمرجع ألاكثر تأثيراً في الحركات الجهادية المنتشرة في العالم العربي والاسلامي . فهو قد دعى الى ألأخذ بحرفية النص الثابت ( القرأن والسنة النبوية ) كما ورد عند أهل الجماعة , وأرجع الحاكمية له وحده , بوصفه مقياساً للواقع المتحرك . معتبراً أي أمر يخالف ذلك أو لا يستقيم مع النص بدعه يجب محاربتها . وعليه فقد أعلن الحرباً على الشيعة والصوفية والفلسفة ألاغريقية وبذلك تحول أبن تيمية من فقيه الى مجاهد في العقيدة . بدا هذا واضحاَ في تقديمه فريضة الجهاد والحرص عليها وتكريزه على ألاتباع لا ألابتداع , حيث لا قوة ولا وحدة ألا بالاتباع حسب مفهومه .
#عزمي_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟