طه رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 31 - 10:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتفنن الشعوب في اختراع مناسبات لتضيف رونقا جديدا ومسحة فرح على حياتها .. وبالنسبة للعراقيين بشكل خاص، والمسلمين بشكل عام، فان عيدي الفطر والاضحى، هما اهم الاعياد التي ينتظرها الكبار والصغار، الاغنياء والفقراء، حيث يتم قبل هذين العيدين تنظيف البيوت وتحضير الحلوى «الكليجة» كما يتم شراء الملابس الجديدة خاصة للاطفال، ويستعد الجميع لاستقبال الاقارب والجيران.
غالبا ما تكون هاتان المناسبتان فرصة للتصالح بين من اختلفوا داخل العائلة الواحدة او مع الاقارب. والعيدان في محصلتهما النهائية تجديد للحياة شكلا ومضمونا. ويمكن ان نضيف لهما اعياد السنة الميلادية والتي لم تعد تخص المسيحيين بل تعدت إلى معظم الناس الذين يتبادلون التهاني بمناسبة العام الجديد .
الدول المتقدمة تفعل كل ما بوسعها من اجل تقديم الخدمات للمواطن ماديا ومعنويا. واذا فهمنا البعد المادي للخدمات، فان البعد المعنوي يشمل ابتكار المناسبات من اجل اشاعة الفرح والبهجة . واغرب ما لاحظنا في فرنسا مثلا من الاعياد هو «عيد الجيران La Fete de voisins «، حيث تقوم وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بالترويج لهذه المناسبة، ويتم اجراء لقاءات مع المواطنين لمعرفة طريقة احتفالهم بهذا العيد، كما تقوم البلديات بتنظيم سفرات سياحية مجانية للعديد من العوائل التي ترغب بقضاء نهار سعيد خارج نطاق الروتين اليومي وتستطيع ان ترى الفرح الذي يتألق في عيون الاطفال وهم يمرحون في الحدائق بينما الكبار منهمكون باعداد موائد الطعام والشراب ..
في احد تلك الايام نظمنا غداء جماعيا لسكنة البناية ، التي ما زالت عائلتي تقطنها في باريس. كان عددنا ثمانية عوائل ولكن الحضور ازداد إلى احدى عشرة عائلة . و جاءت الاضافة من بعض ساكني البناية المجاورة الذين ارتأوا قضاء تلك الظهيرة معنا .. كنا من جنسيات مختلفة : فرنسيون وآسيويون وأفارقة وعرب من اقطار مختلفة. كان بيننا المسيحي والمسلم واليهودي والبوذي. وكان مأكلنا ومشربنا مشتركا، كل يأكل حسب رغبته وما يسمح به لنفسه. وكانت اطراف الحديث تتنوع بين شرح عادات هذا الشعب او ذاك .. كانت فرصة لمعرفة ثقافة الآخر، كانت وجبة غداء يلونها التسامح والمحبة والصفاء. طالما ذكرتني بكرم ايام العراق الخوالي. حين كنا صغارا ويصادف أن ينتقل للحي جار جديد، كان الجيران يهتمون بمأكل الضيف الجديد لايام عديدة، ومن هنا جاء تأكيد العراقي بقوله الجميل: جارك ثم جارك ثم اخاك.
لنجعل لنا عيدا للجيران كي يحتفي بعضنا بالبعض الآخر دون النظر إلى عرق او طائفة او دين. فكلنا ابناء العراق الواحد الملون.
#طه_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟