|
الفهم الفيبري للاسلام -4الاسلام و العلمانية -
محمد البكوري
الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 31 - 05:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ماهو موقف فيبر من العلمانية؟Secularizationو كيف ربطها بالاسلام؟ هذا، ماسنحاول الاجابة عليه من خلال القراءة المتمعنة و المتفحصة لاحدى فصول الدراسة النقدية "فيبر و الاسلام" السالفة الذكر لصاحبها بريان .س تارنر.قبل الخوض في مسالة العلمانية من وجهة نظر فيبر ،عمل تارنر في اطار توفير الارضيات العلمية و المنهجية الموطدة لتدقيق التحليل و تعميق الفهم ،على الحديث عن الشروط السابقة للراسمالية في اوربا و الاشكاليات العويصة المرتبطة بالبيروقراطيات البتريمونيالية في الاسلام Patrimonial Bureaucracies In Islam،مع الاحاطة الشبه شمولية بالمضمون السوسيولوجي للراسمالية الحديثة .على ضوء هذا الاطار الفهمي المرجعي ، تناول فيبر الادوار الريادية لكل من العقلانيةRationalityو التنظيم البيروقراطيBureaucratie Organizationبخصوص مساهمتهما الفعالة في الرفع من الامكانيات المتاحة للمراقبة الصارمة للطبيعة و المجتمع ، وتمكنهما عبر ذلك من تحرير الانسان الحديث وضمان انعتاقه من سيطرة القوى الغيبية و السحرية و تخليصه من تحكمها .ان العالم الحديث ،الناجم عن هذا التحرير والمبلور للمكننة و المجسد لانبثاق الالة ، يظل مع ذلك غير قادر على ترسيخ اسس الحرية السياسيةPolitical Freedom .من جهة اخرى، رفض فيبر وبقوة الاعتقاد اليوتوبيWtopianالسائد لدى الكثير من الفلسفات و الافكار الاشتراكية حول الملكية العامة لوسائل الانتاج، حيث ان الاوضاع الاشتراكية ، مافتئت تعمق من حدة مسلسل التحول نحو البيروقراطية او البرقرطةBureaucratization،كما ان الحرية الفردية ،الدمقرطة و بروز احزاب الكتل ...حفزت كلها على تقوية التنظيم العقلاني . وفيما يخص الاحزاب السياسية ،اتى صديق فيبر، روبرت ميتشلزRobert Michels باحدى الصيغ الجديدة ،لتفسير تبلورها ،وهي صيغة القانون الحديدي للاوليغارشية،The Iron Law Of Oligarchyحيث تحتكر الكتلة السياسية الموجودة حزب الالة عن طريق النخبة ...و بالنسبة لفيبر لا ينجم عن الحساب العقلاني للحياة الحديثة الحرية... بقدر ما ينجم عنه "القفص الحديديIron Cage. لتعميق النقاش اكثر واحيانا لتبسيطه، سعى تارنر الى طرح السؤال التالي:لماذا اعتقد فيبر بان المجتمعات الحديثة Modern Societiesعممت المشاكل الخاصة بكل ما له علاقة بالمعنى؟ الجواب على هاته الصعوبة هو تحديد الوصف الفيبري لمضمون العلمانية .فالمجتمع العلماني Society Seculer ،عند فيبر هو عالم لاسحري و لا خارق . ان مناقشة فيبر عن العلمانية، ترتكز على الفكرة القائلة ، بان المجتمع الحديث يتحدد كمجتمع للانتاجات الضخمة ،والتي ترفض بطبيعتها الالهة الذين لايتوفرون من وجهة نظرها على اية سلطة سواء كانت فردية او جماعية . وفي المستويات العامة تركت العلمانية الاخلاق و التي لم تستطع ان تترسخ بقوة بسبب التقدم العلمي . ومن اجل توضيح اكثر للفهم الفيبري بخصوص العلمانية، سيركز تارنر حديثه ،بعد ذلك على الاخلاق البروتستانتية عند فيبر، خاصة على ضوء تحليل ابرز مؤلفيه في هذا الصدد ،"العلم و السياسة"1919"و "الاخلاق البروتستانتية و روح الراسمالية1905".حيث راى فيبر، ان الاخلاق البروتستانتية كانت ضرورية لنمو الراسمالية العقلانية وايجاد وضعية ملائمة لروح الراسمالية ،ذات العلاقة بنماذج الانتاج .فالبروتستانتية، عملت على تدمير العديد من فضاءات المقدس القديم، عن طريق السحر، وعبر تحديد اهمية الطقوس الرمزية وعلاقة المقدس بالعلماني .هكذا نجد انه، ووفق الفهم العلماني ،فالمجال الوحيد للدين و المكان الارحب له هو الفضاء الاكثر شخصية، و ذلك اكثر بالمقارنة حتى مع العلاقات العامة.عموما، في اطروحات فيبر، نجد ان العلمانية تشمل القيم المتنازعة جماعيا و مؤسساتيا .من جهة ،لان العلمانية كانت نتاجا اجتماعيا للراسمالية و البروتستانتية ،ومن جهة اخرى لكونها، اصبحت منطلقا في العديد من الابحاث السوسيولوجية المعاصرة .في هذا السياق الاخير، عملPeter Bergerعلى القبول بالمقاربة الخارجية التي قدمت في سوسيولوجيا الاديان لفيبر. اذ حاول تركيب المفهوم الدوركهايمي للمقدس من وجهة نظر ماركسية بحتة ،فيما يخص التحالف التركيبي مع النظرية العامة للعلمانية ،ومن ثم ميز " Berger" بين العلمانية الموضوعية Objective Secularization-الفصل البنيوي- و العلمانية الذاتيةSubjective Secularization-اقل عجائبية من الدين على مستوى التجربة الانسانية. وقد لاحظ Bergerان العلمانية هي صيرورة مستمرة لحركيات البروتستانتية و الراسمالية .و في مقاربة Mac Intyresفالعلمانية من وجهة نظره نتجت عن مسلسلين "توامين": التحضرUrbanizationو التصنيعIndustrializations ،و اللذان عملا على تعطيل الاخلاق الجماعية للارياف الانجليزية .ان كل من فيبر و بيرجير وماك انتيريز راوا ان العلمانية هي شمولية وليست ظاهرة غربية صرفة .اننا بالنظر الى مسالة العلمانية كمسلسل شمولي يمكن الوقوف على المنفذ الخاص "للعلمانية" الاسلامية. وعبره ، سنجد ان هناك اشكاليتيتن عميقتين على مستوى التحليل :تتمثل الاولى في كون العلمانية الغربية ،هي مسلسل متجانس ، يمتلك القدرة على التفرقة بين التغيرات المستمرة .اما الثانية ،فتتجسد في السؤال التالي :هل نقدر حقيقة على تمييز المجتمع الديني، الذي اصبح في اكثر حالاته علمانيا ؟ومن ثم ،هل نقدرعلى التمييز بين العلمانية، كخارج اطار التغيرات الاقتصادية المركزية في اوروبا الغربية و العلمانية كبرنامج سياسي تمت تقويته عن طريق الدولة في اوروبا الغربية و روسيا ؟و بذلك ،فالعلمانية في الاسلام تصبح مختلفة تماما عن العلمانية في المسيحية . من هذا المنطلق التبايني يبرز تارنر ان العلمانية و التصنيع ،ياخذان اشكالا مختلفة في العديد من دول العالم الاسلامي . فالعلمانية التركيةTurkish Secularization في نظره ،لاتقصي الاسلام لكنها تمنحه وظيفة اجتماعيةSocial --function--،و التي عليها في اطار المواءمات الضرورية، ان تكون متلائمة مع الديمقراطية ،خاصة على مستويين اثنين : الثقافة الوطنية و الانذماج الاجتماعي .ولقد تاثرت في هذا الصدد، الاصلاحات التربوية التركية -في اطار علماني-بالتجارب الفرنسية التي لعبت دورا هاما في تطورها. ان المراقبة العلمانية للتربية الدينية ،لم تكن اطلاقا بمثابة محاولة حثيثة لاقصاء الاسلام .لقد ابرز تارنر بعد ذلك، بان العلمانية التركية كنموذج مثال للربط بين الاسلام و العلمانية ، اختلفت عن نظيرتها الاوربية من زاويتين: اولها ،كون العلمانية تقوت كمعيار سياسي تحت مراقبة الحكومة الاوتوقراطية .فالعلمانية ،هنا لم تحرق المراحل ولم تقفز لوحدها بشكل اوتوماتيكي عبر مسارات التحديث الاقتصادي، وانما تبلورت كنتاج لسلسلة متواصلة من الاختيارات السياسية الصعبة . اما ثانيها، كون العلمانية التركية ،اخذت من اوروبا كنموذج للملاءمة ولا ينبغي النظر اليها على انها مجرد خطا او عبارة عن ديمقراطية سطحية .هكذا، نجد ان الحديث عن العلمانية هو حديث عن وجه اخر للتحديث. وجه يتعرض احيانا لانتقادات لاذعة ، وقد حاول تارنر ابراز ملامح هذا الوجه بنوع من الدقة و الصرامة ،خاصة من وجهة نظر فيبرية ،مستوحيا النموذج التركي الفريد في الربط بين الاسلام والعلمانية.
#محمد_البكوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الو...83مكالمة للحاسة السادسة
-
باب الوراء
-
رجال تحت البحر
-
جسد.. سابع
-
الاسم بين الماكرو استيطيقي و الميكرو استيطيقي
-
سيدي الذئب
-
جمعيات القروض الصغرى بالمغرب - او ازمة -ابناك الفقراء- -
-
-عين الله - !
-
الحكامة -الانتقالية -بالمغرب
-
الفهم الفيبري للاسلام -3القديس و الشيخ-
-
قميص الملثمين او شغب المسافة
-
دروب
-
مغرب الحكامة -الانتقالية -والسلطة الخامسة -الصاعدة-
-
باريس قلبي
-
الفهم الفيبري للاسلام 2- الاسلام و القانون-
-
ملحمة الصمت
-
استراتيجية مواجهة اثار موجة البرد بالمغرب - في افق ترسيخ -حك
...
-
اوهام السر
-
الفهم الفيبري للاسلام 1)- الاسلام و المدينة (
-
لعبة صغرى لعبة كبرى
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|