مصطفى ملو
الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 30 - 08:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم أكن لأكتب هذا المقال لولا تمادي أحمد صدقي النائب البرلماني عن "حزب" العدالة و التنمية بتنغير في الدفاع عن السياسات اللاشعبية لحكومة بنكيران,فقد سبق لنائبنا أن وصف في تغريدة فايسبوكية ما يقدم عليه بنكيران من قرارات ب"الذكية و التي سيكون لها الفضل الكبير على المغاربة في مستقبل الأيام".
دفاع صدقي عن بنكيران الذي لا نعتقد أنه في حاجة إلى محامي يدافع عنه,لم يتوقف عند هذا الحد,بل كلف صديقنا كتابة مقال منشور في موقع هسبريس الموالي لحزب المصباح عنونه ب "بؤس خطاب المعارضة"و فيه عدد ما يظنه إنجازات حكومة العدالة و التنمية.فهل فعلا حققت حكومة بنكيران إنجازات تستحق عليها التشجيع؟
أحمد صدقي يرى بأن الحكومة نجحت و أن من يقول عكس ذلك,فهو من المبخسين,الساعين إلى نشر اليأس و إفقاد الثقة و إفشال التجربة...(يقصد تجربة حزبه الناجحة جدا),و هنا نرى بأن خطابه لا يخرج عن نظرية المؤامرة و تكالب الأعداء ضد هذه التجربة الفريدة من نوعها!!
لتأكيد نجاح التجربة البنكيرانية لمح أحمد صدقي في البداية إلى الإحصائيات الصادرة عن "مؤسسات وطنية و دولية لا يطعن في مصداقيتها" حسب قوله,و كأن ما يصدر عن هذه المؤسسات كتاب منزل من عند الله!!
و الواقع أن كلاما كهذا لا يصلح إلا لإقناع الذين لا يفهمون الطريقة التي تتعامل بها تلك المؤسسات من البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و غيرها,حيث تستعمل تقاريرها كسلاح بحدين,من جهة تساند و تجامل به الحكومات الخاضعة لإملاءتها و من جهة أخرى تهدد به تلك التي تحاول التمرد و الخروج عن طاعتها,و بالتالي فلا يمكن البتة الاعتداد بتلك التقارير التي يغلب عليها الطابع السياسي أكثر من الطابع الإحصائي المحايد,وذلك في إطار تكريس التبعية و الخضوع لهذه المؤسسات.
يتذكر الجميع تلك الحرب التي أقامها حزب بنكيران و حكومته ضد أحمد الحليمي و المندوبية السامية للتخطيط التي يرأسها,عندما أصدرت أرقاما محبطة و مؤشرات مقلقة بشأن الوضعية الاقتصادية بالمغرب و هو الأمر الذي دفع ببنكيران إلى حد التهديد بالاستقالة,و هو الأمر كذلك الذي أثار ثائرة وزيره في الحكامة السيد محمد الوفا,الذي أصدر اتهامات خطيرة في حق المندوبية السامية للتخطيط منها تهديد استقرار الوطن و "إخافة المستثمرين الأجانب الراغبين بتوظيف أموالهم في المغرب" و الإساءة إلى سمعة المغرب(1).فعن أي مؤسسات يتحدث أحمد صدقي مادام الأمر كما وضحنا؟
أورد كذلك مجموعة من الأمثلة,أهمها "الزيادة"في منحة الطلبة,و ليس صدقي وحده من يلجأ إلى هذا "الإنجاز التاريخي غير المسبوق",بل كل أنصار البيجيدي كلما حاصرهم السؤال:ماذا قدمتم للشعب؟
إن هذا الذي يعتبره أحمد صدقي و من معه من البيجيديين إنجازا عظيما ليس في الحقيقة سوى محاولة للضحك على الذقون,فحتى لو اعتبرنا هذه الزيادة في المنحة الجامعية إنجازا تاريخيا,فإنه يجب علينا في مقابل ذلك ألا نتغافل عن الزيادات المصاحبة لها,فهل ثمن الكراء في مدينة كمكناس أو فاس أو أكادير بقي هو هو منذ 1977,أي السنة التي اتخذها صدقي مرجعا له؟هل ثمن النقل لم يتغير؟ثمن المواد الغذائية؟هل تعني هذه الزيادة-إذن-شيئا أمام الزيادات الصاروخية للأسعار خاصة في عهد بنكيران؟
تحدث أحمد صدقي كذلك عن تخفيض أسعار بعض الأدوية و أورد مثالا لسيدة كانت تشتري دواء للمفاصل و قد وفر عليها هذا التخفيض مبلغا يكفيها لتسديد فاتورة الماء و الكهرباء حسب زعمه.
جميل أن يدافع صدقي عن إنجاز حكومة رئيسه المتمثل في تخفيض أسعار الأدوية و لكن أجمل منه أن يستغل الفرصة ليتطرق كذلك إلى التهاب أسعار الماء و الكهرباء التي يدعي بأن تخفيض أثمنة الأدوية وفر على المواطنين فواتيرها,وأن يتحدث أيضا عن هذه الأدوية نفسها التي تمتاز بجودة رديئة,و ألا يتناسى التذكير بموقف مجموعة من الأطباء من أبناء الشعب الذين لم يخفوا تخوفهم من أن يكون هذا التخفيض على حساب جودة الأدوية,و لكي يتأكد أحمد صدقي من صحة كلامنا,ندعوه إلى أن يجرب قرصا من أسبرو أو غيره من الأدوية التي يأتي بها عمالنا بالخارج بدواء شبيه له مصنوع بالمغرب,و يرد علينا الجواب.
إلى حدود سنة 2000 كان كيس الإسمنت مثلا لا يتعدى 45 درهما,و إلى 2006 لم يكن لتر من الزيت يتجاوز8 دراهم,في حين تضاعف اليوم ليصبح 15 درهما و أكثر في بعض المناطق,و قس على ذلك باقي المواد الغذائية و مواد البناء و الملابس...
تغيرت الأسعار إذن,بل تضاعفت في حين مازال أحمد صدقي يعتبر زيادة بعض الدريهمات في أجور المواطنين المكتوين بارتفاع الأسعار نصرا و فخرا لا يوصف,و الصحيح أن مضاعفة الأسعار يجب أن ترافقه مضاعفة الأجور,فهل حصل شيء من ذلك أم سيحصل؟مستحيل!!
ما قيل عن الزيادة في المنحة و تخفيض أسعار بعض الأدوية و الرفع من معاشات بعض الموظفين,التي صاغها أحمد صدقي كأمثلة للدفاع عن إنجازات حزبه,يقال عن نظام الراميد,و لا أجد هنا أحسن تعبير من الوصف الذي أعطاه أحد المعلقين على مقال أحمد صدقي في هسبريس لهذا النظام,حيث شبه أمره بالشخص الذي يقصد شباكا إلكترونيا و في يده بطاقة بنكية و لكنه لا يتوفر على رصيد مالي,وذلك في إشارة منه إلى غياب المستشفيات,وحتى المتوفر منها فهي أشبه بمقابر جماعية حيث انتشار الروائح الكريهة و الأسرة المهترئة و الرشوة و ابتزاز المرضى و التماطل...و لا أعتقد أن مستشفى تنغير التي ينحدر منها نائبنا المحترم تخرج عن هذا السياق,اللهم إذا كان صدقي يقصد المصحات الخاصة على علتها هي الأخرى,إذ تجد طبيبا متخصصا في جميع الأمراض يقوم بجميع العمليات الجراحية,فما فائدة راميد أمام هذه الوضعية الصحية الكارثية؟
لسنا عدميين يا أحمد صدقي كما يحلو لك أن تصفنا,و ليس هدفنا زرع اليأس و إفشال تجربتكم التي تعتقدون بأن خصومكم يسهرون الليالي للنيل منها,بل هدفنا هو ألا تغطوا شمس الحقيقة بغربال مقالات لا تغني و لا تسمن من جوع,و لا تسألنا عن البدائل فنحن لسنا سياسيين و لسنا من وعد المواطنين أول مرة بمحاربة الفساد و تحقيق حياة كريمة و عيش رغد وإخراجهم مما سببته لهم الحكومات السابقة من ويلات,لا من قال لهم بأننا نحن البديل المنتظر.
ما تتجاهله يا أحمد صدقي و ما تتحاشى الحديث عنه هو ما يعانيه الشعب بسبب السياسة الفاشلة لحكومتكم في شتى المجالات,أعطيت أمثلة لمواطنين قلت بأنهم استفادوا من نجاح تجربتكم و عمهم الخير و السرور بسبب قراراتكم,و هذا من حقك,لكن دعنا نعطيك أمثلة لمواطنين آخرين نلتقي بهم يوميا,لا بل نحن منهم,سببت لهم الويلات بسبب إجراءاتكم اللاشعبية:
*هذا مواطن اضطر لتوقيف ابنه عن الدراسة و الاحتفاظ بأخته(أي ابنته) لأن ثمن السكن بدار الطالب انتقل من 1200 درهم السنة الماضية إلى 1500 درهم هذه السنة,و بالتالي فهذا المواطن البسيط لم يستطع توفير 3000 درهم سنويا لقاء متابعة ابنيه لدراستهم(هذا دون احتساب المصاريف الأخرى),ستقول يا أحمد صدقي بأن حكومتكم ليست مسؤولة عن هذه الزيادة في حين أن المشرفين على دور الطلبة و الطالبات يرجعونها إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية,الذي هو بطبيعة الحال نتيجة لسياستكم.
*مواطن آخر أجبر على توقيف ابنه عن الدراسة لأن ثمن النقل المدرسي ارتفع بعشرين درهما عما كان عليه السنة الماضية,و المبرر دائما أن أسعار المحروقات ارتفع.
*آلاف الأساتذة مازالوا إلى اليوم يعانون من جراء اقتطاع آلاف الدراهم من رواتبهم الهزيلة لا لشيء سوى لأنهم صدحوا بالحق و أعلنوا الإضراب الذي تعتبره شريعة بنكيران جريمة تستحق العقاب,منهم من غرق في الديون و منهم من تخلى عن خطيبته في آخر لحظة,فكنتم السبب في عدم استكمال دينه...!!
*آلاف عمال النظافة و أعوان المؤسسات التعليمية قمتم بتسريحهم,منهم المتزوجون الذين لا دخل لهم و لا مورد دون أدنى مراعاة لظروفهم الاجتماعية.
*أم ربت و علمت و "كبرت" ابنها,الذي أصبح يحلم بوظيفة تضمن له الكرامة و العيش الكريم و معه الآلاف من رفاقه,فإذا بحكومتكم تضرب أحلامهم في الزيرو(عن معطلي 20 يوليوز أحكي).
*مئات الأساتذة تم تأجيل تقاعدهم لأشهر,منهم المريض بالسكري و الروماتيزم و القلب و شتى الأمراض المزمنة و غير المزمنة,تم تأجيل تقاعدهم فقط لأن بنكيران طلب منهم أن يصبروا معه,و لا نعرف لماذا لا يصبر هو و يحيلهم على التقاعد و يعلن عن مباريات لتوظيف الشباب لشغل مناصب هؤلاء الشيوخ الذين أرغموا إرغاما على مواصلة العمل؟
و الغريب أنك دافعت و تدافع عن هذه الفئات المظلومة من أساتذة و معطلين و أعوان,و لكن الأغرب أنك في نفس الوقت تدافع عن حكومة بنكيران و كأن المسؤول عن معاناة هذه الشرائح الاجتماعية الواسعة التي ليست سوى قطرة من بحر هو جدي أو جدتي و ليس بنكيران و حكومته!!
نفس الشيء كان يفعله من يسمون بصقور البيجيدي من أفتاتي و بوانو و حتى العثماني أيام الإضراب البطولي للأساتذة المقصيين من الترقية,حيث كانوا يقولون لنا,نحن نعرف بأن حقكم مسلوب,نعرف بأنكم على حق و مطالبكم مشروعة لا جدال في ذلك,ولكنهم إذا خلوا إلى بنكيران قالوا إنا نحن معك إنما نحن مستهزؤون.
إن مبدأ هؤلاء جميعا بمن فيهم صدقي هو أنت يا بنكيران اكوي و نحن نبخ.
الخلاصة أننا لسنا مندسين و لا خادمين لأجندة أجنبية كما يحلو لكم وصفنا,بل و ليس لنا أي انتماء سياسي,بل محركنا أننا لا نستطيع السكوت عن ظلمكم الذي ملأ الدنيا,لن نسكت عن ذلك و لو كلفنا الأمر حياتنا,فكن مطمئنا من هذه الناحية يا صدقي,كما نطئمنك كذلك أنت و من معك بأننا سنكون أول المدافعين عنكم و عن سياستكم,بل سنحترمكم و نقدسكم و نبوس الأرض من تحت أقدامكم عندما تبرهنون أنكم فعلا مع الشعب,أنكم فعلا خدامه و هو سيدكم,أما و العكس هو الصحيح,أما و أنكم أعلنتم عداءكم البغيض ضد المقهورين فسنكون لكم بالمرصاد.
1-لمشاهدة فيديو محمد الوفا متهما أحمد الحليمي و المندوبية السامية يرجى الضغط على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=7Jahls-ByDk
#مصطفى_ملو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟