|
نقاش على أرضية كتاب -الأنتربولوجيا- لمؤلفه مارك أوجي
ابراهيم فيلالي
الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 30 - 00:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نقاش على أرضية كتاب "الأنتربولوجيا" لمؤلفه " مارك أوجي" - كل الفقرات المحصورة بين المزدوجتين هي اقتباس من الكتاب-
يميز الكاتب بين الاثنولوجيا الوصفية (الاثنوغرافيا)، الاثنولوجيا و الانثربوبلوجيا ، على اعتبار أن الأولى وصفا لتقاليد و عادات الشعوب "البدائية" و الثانية كمجموعة معارف مستخلصة من ذلك و الثالثة كدراسة للإنسان. غير أن كل واحدة تمثل مرحلة من مراحل البحث و الدراسة للإنسان. و هي في تداخل من حيث الموضوع و المنهج. فالإنسان و ثقافاته هي الموضوع المشترك، غير أن التخصص لا يعكس سوى الطبيعة المعقدة للإنسان و للظاهرة الإنسانية. فالذي يصف لا يتناقض مع الذي يحلل و ينظم و يعيد بناء الموضوع نظريا ، ليشتغل عليه ، و لا يتناقض مع الذي يبحث عن معنى لكل هذه المواضيع و الأوضاع و يبحث في التناقض بين ماهية الإنسان و بين واقعه التاريخي. موضوع الفلسفة والانثربولوجيا هو الإنسان و المعنى و العلاقة بينهما. كيف تدرك الأشياء؟ الإدراك مفهوم فلسفي و سيكولوجي و انثر بولوجي و تربوي. لأن هناك علاقة بالآخر . وهذه العلاقة متعددة الأبعاد و تتحدد بالسياق الذي ولدها. في السياق التربوي و التعليمي يلتقي التلميذ بالمعلم ، و هذه العلاقة هي علاقة تربوية لأنها مؤطرة بسياق التربية والتعليم. و لا يمكن الحديث عن الإنسان المتحرر في إطار علاقة سلطوية . حين تكون العلاقة سلطوية يتحدد طرف بآخر في إطار علاقة قوة تجسدها السلطة و العنف بحكم عدم التكافؤ و اللاتوازن في بنية العلاقة ، و من ثمة الهيمنة و" ابتلاع " الآخر و نفيه و تسخيره لأغراض خاصة و محددة. من هنا فالآخر لا يتخذه كفاعل تربطه به علاقة متساوية و أفقية قصد المشاركة في التفكير و الفعل، و لكن كموضوع لغاية محددة. كيف يدرك الواحد الآخر في إطار العلاقة بينهما ؟ إن العلاقة هي التي تحدد كيفية الإدراك و تطرح سؤال الماهية و الوجود و الغير. من هنا فبين الممكن ومحاولة تحقيق المستحيل أي الغير الممكن ملامح ما يميزنا عن الأشياء، الوجه و العينين. الأشياء لا تنظر ولا تلاحظ و لا ترى و ليست ذكية. الإنسان هو الذي يشكل النظر فيه بعدا لشخصيته و لتمثلاته . قد ننظر إلى نفس الشيء و لا نراه بنفس الطريقة . فالتمثلات و كيفية بناء معارفنا وتصورنا الخاص هي التي تحدد طريقة نظرنا و رؤيتنا و المجتمع هو الذي يعطي المادة لخلق الرؤية و بناء النظر. يخضع الإنسان منذ البداية لعملية التنشئة الاجتماعية في وسط اجتماعي و ثقافي، و يتم تلقينه لغة وقيما و عادات و تقاليد وأدوار كي يعيد إنتاج القيم من خلال ما تعلمه و تربى عليه ، ومن ثمة يعيد المجتمع إنتاج نفسه. فالقول بأن "الإنسان لا يفكر إلا بصيغة الجمع " يعني أن التفكير هو تفكير اجتماعي بالضرورة و لا يمكن للإنسان أن يفكر خارج المجتمع، إذ كيف سيكتسب لغة و كيف سيعطي المعنى للأشياء و لنفسه وللوجود؟ كيف و هل يمكن أن يفكر الفرد خارج لغة هي بالضرورة اجتماعية؟ في البدء كانت العلاقة . العلاقة هي كل شيء، لأن لا وجود للإنسان خارج العلاقة التي تربطه بالوجود والطبيعة و المجتمع والأشياء. الإنسان ولد في إطار علاقة ولا يمكن أن يتصور خارجها. و العلاقات الاجتماعية الإنسانية تتميز ببناء المعنى. الإنسان يعطي الدلالة للأشياء و يعطي الرموز و يفكك و يجسد معنى فكرة ترمز إلى شيء ما. " تعتبر العلاقة بالآخر مركز اهتمام الانثربولوجيا والمعنى أفقا لمسيرتها. الانثربولوجي حين يقارن بين ثقافة و أخرى بحثا عن الانتظام، أي الكلي الذي هو نفسه هنا و هناك رغم تباعد السياقات والمجالات، فانه يمارس "دهشة منسقة ليسائل الأحداث الاجتماعية" ، بمحاولة تفسيرها دون أحكام مسبقة وبدون "قبلياته الخاصة". على هذا الأساس فان اختلاف اللغات و العادات و التقاليد و الثقافات لا يجب أن ينظر إليه من منظور المركزية الثقافية الغربية التي ترى من منظور التفوق و الهيمنة و التعالي و الاحتقار و النعت بالمتوحش و البربري كل من لا ينتمي للثقافة الغربية. ساهمت الاثنوغرافيا و الاثنولوجيا في معرفة طبيعة المجتمع المزمع احتلاله، لتسهيل عملية الإخضاع و فهم نقاط قوة و نقاط ضعف الشعوب و كيف تفكر. كل هذه الأشياء كانت وسائل معرفية لخوض الحرب و احتلال الأرض. هكذا فان العلم و النتائج العلمية يمكن أن تستغل هنا و هناك، و لكن استقلالية العلم تكمن في أسئلته. هل طرحت الأنثربولوجيا الأسئلة خارج خلفية إيديولوجية و سياسية ، خارج مشروع شامل؟ "لم يعد الاهتمام منصب حول اختلافات اللغة و الممارسات و العادات و الأعراف ، بل أصبح إنتاج لأنثربولوجيا عفوية، أي الانتقال من معرفة الاختلافات ...إلى بناء الهوية." مسألة الهوية طرحت بشكل لافت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي و بداية الهيمنة الأمريكية على العالم والدخول في العولمة ، فأصبح سكان الكرة الأرضية متقاربين و أصبح العالم قرية صغيرة مترابطة ، و انفجرت قضية الهويات خوفا من ابتلاعها من قبل الهوية الأمريكية الغربية ، حيث ستمتد هيمنتها إلى كل الميادين. هل تستطيع العولمة أن تقضي على هويات ثقافية و أنماط حياة و عيش؟ و هل تستطيع قرارات تؤخذ بعيدا أن تغير قيما و تدمر ثقافات و تخلق أنماط عيش و أسلوب حياة موحد ؟ هل يخضع منطق التاريخ للنمذجة ؟ هل باستطاعتنا أن نوقف الزمن و المجتمع حتى نلتقط صورة لما سيكون عليه حين نوقفه؟ من الإغريق مرورا بالرومان فالكنيسة إلى عصر الأنوار وصولا إلى عصرنا الحالي، كل حضارة تريد أو تطمح أن تخضع الجميع لها و لمنطق فهمها و تصورها. تعترف انثربولوجيا العوالم المعاصرة بتعددية الثقافات ، كما تعترف بمعاييرها المشتركة و باختلافاتها الداخلية في ثقافة بعينها." و ليست الثقافات و حدات متجانسة و على علاقة خارجية فيما بينها بحيث تحدث الصدمة في تلاقيها، انها في إطار مجتمع متعدد ومختلف . فالمجتمع هو الذي يحوي الثقافات و مختلف باختلاف ثقافاته و متعدد بتعددها و هو غير متجانس. لا يمكن في عصرنا الحالي فهم ثقافة ما أو مجتمع معين في عدم ترابطه مع باقي المجتمعات التي تشكل العالم و ثقافاته المتعددة و المختلفة. فالثقافة نسبية وتاريخية و اجتماعية. كل مجتمع إن لم نقل كل جماعة اجتماعية كبرى لها ثقافتها المؤسسة على قيم، بدورها مؤسسة على المعنى الذي يعطي للحياة بشكل عام . إذ نترجم من خلال اللغة ثقافة هي ما تربطنا بوجودنا و هي ما يؤسس لأية علاقة محتملة أو/و قائمة مع ما يحيط بنا. نحن جزء من الطبيعة و جزء من المجتمع الإنساني. إذا كانت الحضارات القديمة ، من اليونان إلى الرومان فالمسيحية إلى وقتنا الحالي، تعتبر الآخر المختلف بربريا فقط لأنه لا ينتمي لبوليس ، للمدينة و لأن حياته اليومية لا تخضع للقوانين و ليس للسياسة مكانا ، أي غير منظمة، فان حضارة عصرنا الحالي لا تختلف في العمق عن هذا التصنيف . فالاستعمار الغربي بنا عملياته على أساس أنه يمثل المدنية و الحضارة و التقدم و الحرية ... في مواجهة الآخر المتخلف، المتوحش. إذن فتبرير احتلاله لأراضي الغير واستعباده و استئصاله من جذوره و استعماله في بناء المدن والمنشآت الاقتصادية و نهب خيرات أرضه، إلى غير ذلك من ممارسات لا زالت مستمرة و متواصلة إلى حد الآن. تقول حنا أرندت بأن التقليد الفلسفي السياسي الغربي ابتدأ مع أفلاطون لينتهي مع ماركس، فعند أفلاطون ( في أسطورة الكهف) التي لا تمثل سوى الحياة اليومية للناس التي يسميها ماركس المجتمع ، ينسحب الفرد بكسر الأغلال ليعتنق عالم الأفكار المطلقة كي يرجع الى الكهف (المجتمع) لينظمه وفق الأفكار الفلسفية . على هذا الأساس نقول إن الفيلسوف هو الذي يجب أن يحكم ، نظرا لاتساع آفاق تفكيره ... ومع ماركس تنتهي الفلسفة حين تتحقق في السياسة ، أي حين تسعى إلى تغيير العالم و تغيير وعي الناس. فهل غيرت الفلسفة وجه الممارسة السياسية منذ البدايات الأولى إلى الآن؟ حاولت الفلسفة قبل ولادة العلوم الإنسانية و الاجتماعية من رحمها أن تفك رموز المجتمعات بدراسة ثقافتها بهذا الشكل أو ذاك، غير أن الأنثربولوجيا كعلم يبحث في الحياة الاجتماعية و الثقافية للحضارات القديمة و المعاصرة، أسست لنفسها مفاهيم خاصة هي مفتاح الفهم و التفسير. لنأخذ مفهوم القرابة و الهبة و الشرف، فالقرابة تكون إما أبوية أو أمومية . و المجتمعات الأبوية هي المجتمعات التي يملك فيها الرجل وسائل الإنتاج و يتحكم فيها و يخضع منطق التقسيم الاجتماعي للعمل و مرتبة المرأة و طبيعة الثقافة السائدة لمنطقه الخاص. إذن، هي المجتمعات التي فقدت فيها المرأة السيطرة على إنتاج و إعادة إنتاج الحياة اليومية. كيف إذن يتم تنظيم الاقتصاد في المجتمعات البدائية ؟ سنكون لاتاريخيين إن حللنا هذه المجتمعات و كيفية اشتغالها بمنطق الاقتصاد الرأسمالي المبني على السوق و التراكم و الإنتاجية و الاستثمار... فإذا كانت المؤسسات المالية العالمية المانحة للقروض تحت يافطة التنمية و محاربة الفقر ... تفعل ذلك ، فليس لأن لها ضمير ، أي أن فعلها مؤسس على الأخلاق و القيم الإنسانية . لا، بالعكس هي مؤسسات أنشأتها الدول الاستعمارية . و بما أن الاستعمار ليس ثابتا، فانه خاضع لمنطق التاريخ. بدأ بالدراسات الاستكشافية لفهم المجتمعات الأخرى حتى يتسنى له إخضاعها، و استعمل الاثنوغرافيا والانثربولوجيا لذلك. ثم انتقل إلى الفعل المباشر ، حيث اجتاح أراضي الغير و دمر بنياته الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و جعل من منطق التطور الغربي الرأسمالي منطقا كونيا ، و أعطى للاستعمار صفة الرسالة الحضارية والحماية . كأن المجتمعات المختلفة عنها متوحشة و غير ناضجة و غير مؤهلة لتنظيم نفسها ... هذا الخطاب الإيديولوجي هو الذي مهد لاحتلال أراضي الغير ... و مع نهاية مرحلة التوسع و البحث عن الأسواق الخارجية و مع خلق كل قوة امبريالية لخلفية – المستعمرات- تمدها بما يحرك آليات اقتصادها ، انتقلت إلى مرحلة الاستعمار غير المباشر و الذي تميزه علاقة التبعية و هي التي تعززها المؤسسات المالية : البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و غيرها كثير. و ما سياسة التقويم الهيكلي، مع بداية الثمانينيات و الذي أتى بنتائج كارثية لازلنا نعاني منها، سوى تكريس لعلاقة التبعية . هكذا ، فالمجتمعات "البدائية" لا يتحكم فيها هذا المنطق بالذات و لا تصلح مفاهيم عصرنا لتحليلها. ف "التبادل و التحالف و السلطة، هي ثلاثية مؤسسة على ما هو ثقافي وليس اقتصادي. فالهبة و المغامرة و المنافسة ترتبط بما هو رمزي و ليس ربحي. فقد يتم تدمير ثروات هائلة بمجرد الدخول في هذه العلاقات الرمزية. و في نفس الآن فالهبة هي بمثابة نظام تبادل . و هذا الأخير مفروض ، بل يعاقب على عدم ممارسته، لأنه فوق ما هو اقتصادي يؤدي إلى خلق وتعزيز التحالفات." يلعب الرمزي إذن في المجتمعات "البدائية" دورا أساسيا في تنظيم الحياة الاجتماعية. إذا كان ضروريا لأي مجتمع، كي لا ينقرض، من تنظيم لحياته اليومية ، فهل يرتبط التنظيم السياسي بالدولة؟ هل عرفت كل المجتمعات الدولة كتصور للتنظيم الاجتماعي؟ فالدولة الحديثة هي التعبير السياسي لطبقة اجتماعية –البرجوازية- في ظل النظام الرأسمالي و هي الأداة التي تحافظ بها على مصالحها داخل المجتمع و من خلاها تشرعن ممارساتها و تقنن نشاطاتها و تنظم المجتمع حسب تصورها. " غير أنه يمكن أن توجد مجتمعات لا تحتكر فيها طبقة بعينها السلطة و لا تمارس سيادة حقيقية بواسطة حكومة مركزية..." يمكن أن نقول إن ظهور الملكية الخاصة هو الذي مهد لظهور السلطة. أما السياسة فهي تكون ملازمة للمجتمع الإنساني دون تدخل السلطة. في إطار المجتمعات التعادلية التي يتساوى فيها أفرادها من حيث الملكية، أي حين تكون الملكية جماعية، لا نلاحظ تكون سلطة ظاهرة، بل يكون التنظيم أفقيا، و لا يكون للتمثيلية مكانا، بل الانتداب في تنفيذ القرارات المتخذة جماعيا هو السائد. و الفرق بين الرأسمالية و الشيوعية التحررية هو في طبيعة الملكية و ممارسة السياسة . الشيوعية التحررية هي محاولة الرجوع إلى جوهر المجتمعات التعادلية و لكن مسلحة بما قدمته الإنسانية من انجازات في وجهها المشرق ، كي يعتنق الإنسان ماهيته و يفك الناقض بينها و بين واقعه و حياته اليومية كما هي الآن. تقول الرأسمالية إن الدولة فوق المجتمع و إن القانون فوق الجميع ، كي تغطي البرجوازية بذلك طبيعتها الهيمنية و الاستغلالية ،و تعتبر الدولة جزءا من النظام الطبيعي و ليس حالة تاريخية . لقد نظمت المجتمعات الإنسانية نفسها خارج تصور الدولة و يمكن لها ذلك أيضا في المستقبل ، لأن الدولة ليست حتمية طبيعية . و لكن " في المجتمعات " البدائية " يمكن للقرابة أن تتداخل مع شكل ممارسة السلطة، حتى لا نقول الدولة لأن هذه الأخيرة حديثة، و لا يقتصر الزواج داخل نفس القبيلة. بل يمتد إلى قبيلة أخرى حيث يمكن لزعيم القبيلة أن يتزوج من قبيلة أخرى و يكون ذلك ملازما لطقوس و تمثلات كوسمولوجية. هذه الطقوس هي التي تعطي المشروعية لسلطة الزعيم خارج قبيلته ، وتضفي عليها طابع الديمومة ، نظرا لطبيعتها فوق اجتماعية . من هنا يقبلها الجميع و يخضع لها بحكم انتمائها للنظام الطبيعي و ليس الاجتماعي". المشترك بين الدولة الحديثة و السلطة في القبيلة "البدائية " هو إخفاؤها و طمسها لطبيعتها الحقيقية. بالرغم من تلاشي محددات ممارسة السلطة و ظهور محددات أخرى تستند إليها لشرعنة اعتمالها ، إلا أن السلطة و ما يستتبع ذلك ، لازالت من اهتمامات الانثربولوجيا المعاصرة. فالدولة تمارس العنف المنظم من خلال بنية العقاب و التهديد و تستقي مشروعيتها من التمثيلية الشعبية المزعومة. كما توزع السلطة على كل المؤسسات الاجتماعية حسب سيرورة التنشئة الاجتماعية داخل نظام عام. هكذا انتقل اشتغال الانثربولوجيا من الوقائع و البنى إلى و الأعراف إلى علم السيرورات ، لأن المجتمعات والثقافات و الاثنيات ليست عوالم مغلقة على ذاتها بل هي نتاجات تاريخية في صيرورة دائمة ... و بهذا انتقل كذلك شكل التعاطي مع المواضيع و منهجياته ليشمل كل الانتاجات التي عرفتها المجتمعات المعاصرة، من مسرح و سينما وما إلى ذلك ". يعني أن الواقع الاجتماعي ليس معطى ولا يدرك في امبريقيته ، بل يعتبر الباحث جزء منه. لذا فعليه ممارسة مسافة نقدية تسمح له بإعادة تنظيم و تركيب الوقائع و بناء خطاب هو بمثابة واقع موضوعي ثاني. إن السينما و الراديو و التلفاز و أشرطة الفيديو ... و كل الوسائل و التقنيات التي يتم بها إنتاج الوثائقي يضعنا أمام معضلة حقيقية. فما حدود المتخيل و الوثائقي ؟ المتخيل هو نتيجة لتمثلاتنا ولإعادة صياغتنا و تركيبنا للواقع ، و لكن حسب استعدادات اكتسبناها من المجتمع أو ما يسميه بورديو بالهابيتوس. و المتخيل ليس له وجود مادي ملموس، بل نحن من نبنيه. ثم هل الوثائقي يمكن عزله عن الايدولوجيا العامة لنظام ما ؟ إن الشكل الذي يتم به تقديم الآخر و ثقافته ... سواء في السينما أو في التلفاز ... هو الشكل الذي أريد له أن يرى. فمكافحة الإرهاب هو تعبير عن الدور الذي تعطيه أمريكا لنفسها، باعتبارها حامية الأمن و السلم والحرية وما إلى ذلك من شعارات مستغلة من أجل أهداف لا علاقة لها بما يروج له. إن أمريكا، كاليونان و روما قديما، هي إمبراطورية تصنف الآخر حسب تصورها و فهمها للثقافة و الحضارة الإنسانيتين. كأن أمريكا تمثل العالم، و قد أسست لذلك بقوتها الاقتصادية و العسكرية ... و هيمنتها الثقافية. وكل من لا يفكر على الطريقة الأمريكية فهو خطر عليها وعلى أمنها القومي الذي ليس سوى العالم كله، ما دامت مصالحها منتشرة على الكوكب. و لكنها حضارة تحمل بذور نهايتها في ذاتها. لذا فالتناقض البنيوي في الرأسمالية يجعل منها نظام حرب بامتياز. لا يمكن لأمريكا، و معها الغرب الرأسمالي الذي يدور في فلكها، أن تكون هي نهاية التاريخ و ليس محكوما على كل المجتمعات الإنسانية المرور بشكل طبيعي بالرأسمالية . ليس التاريخ خطيا وليست الرأسمالية حتمية طبيعية. فعلا قد تكون النهاية إذا استمر النظام الرأسمالي في مواجهة الطبيعة و الإنسان باسم التقدم و الفعالية والإنتاجية و تنوع المنتوجات و تراكم الرساميل ، فإننا سنكون أمام وضع لا يطاق ، و نحن الآن في بدايته . و ما ارتفاع حرارة الأرض والتصحر و الهجرات و النزوح الجماعي إلا نتائج حضارة لا إنسانية و تتشدق بالدفاع عن الحرية. و ما الحرية في دوامة الحروب ة التهجير و النهب...؟؟؟
#ابراهيم_فيلالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خصائص الكتابة المعاصرة
-
الابداع و الكتابة
-
حمار القرية و حمار المدينة
-
أنت
-
عقلية المقاول الأمي
-
مآل الثورات العربية بين الإرهاب الإسلامي و الإرهاب العسكري
-
الزواج القسري للقاصرات بامسمرير اقليم تنغير- البيدوفيليا
-
الغش في الامتحانات
-
ما الهوية؟
-
الأمازيغ و ليس البربر
-
أموتل
-
السلطة و التربية و الحرية
-
بيان الى الرأي العام الوطني و الدولي
-
المشعوذون
-
حوار مع محمد شمي النائب الاقليمي للتربية و التعليم تنغير - ا
...
-
بيان إلى الرأي العام الوطني و الدولي
-
بعض التوضيحات
-
-فيلالي راه براني و ماخصكومش تخليوه ابقى يهدر مع العيالات-
-
تقرير- موجه الى وزير التربية و التعليم المغربي-
-
تسمية وضع
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|