عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4703 - 2015 / 1 / 28 - 16:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اليقين هو أن الله لا يعيش الآن، في العصر الحاضر، بيننا. إذا كان يعيش في عصر ما ماضي بين ناس آخرين، وشعوب وأقوام أخرى، يكلمهم ويناجيهم ويوحي لهم، فذلك كان شأنهم وكان عصرهم ليعيشوه كيفما شاءوا، أو كيفما شاءت لهم آلهتهم. كانوا دائماً يسألونه في أمور حياتهم وآخرتهم: ’ماذا أنت فاعل بنا؟‘ وكان دائماً يجيبهم بالتفصيل الممل: ’كذا وكذا وكذا...الخ‘، إلى حد ما يشبعون. ذلك لأنه كان موجود بينهم، يعيش معهم حياتهم بكل تفاصيلها، يكلمهم ويكلمونه، يناجيهم ويناجونه، يشتكون إليه فيوحي إليهم، ويدعونه ويجيب لهم.
أين هو الله الآن، في الزمن الحاضر، إلا أن يكون في مساحة بضع سنتيمترات داخل جمجمة كل واحد منا؟! عدا ذلك لن يجد أحد لله وجوداً مستقلاً. قد أصبح الله يعيش داخلنا لا نحن داخله، يستمد منا كيانه وشخصيته لا نستمدها نحن منه. الآن إذا كلمنا الله أو ناجيناه أو دعوناه نكتشف أننا فقط نكلم ونناجي وندعو أنفسنا؛ لم يعد لله بيت خارج بيتنا، كما لم تعد له كلمة بمعزل عن كلامنا. قد أصبح كل واحد منه إله نفسه، في نفسه؛ أو قد تعددت الآلهة بمقدار تعداد البشرية نفسها.
الآن أصبح السؤال: ’ماذا أنت فاعل بنا‘ في غير محله وغير مفهومه. لم يعد الإله واحد أحد كيفما اعتاد أن يكون، أو كيفما اعتاد أن يصوره الأقدمون. أصبح كل واحد منا يستشعر دونية ومساس مهين بالكرامة بمجرد أن يسأل آخر: ’ماذا أنت فاعل بي؟‘. هل بعد ذلك من سلب ونهب لكيانه واستقلاله الفردي؟! لأننا قد أصبحنا أفراد أحرار، مسؤولون، مستقلون فقد أصبحنا نترفع عن أن نسأل أحد من خارجنا: ’ماذا أنت فاعل بنا؟‘. فبعدما أصبحنا أصحاب القرار فيما يخصنا وأصحاب الحق في تقرير مصائرنا بأنفسنا، لم يعد للسؤال ’ماذا أنت فاعل بنا؟‘ محل من احتياج أو معنى، باستثناء ما يوحي من استبداد وتعدي جائر وفاضح على حقوق الأفراد وحرياتهم.
هكذا، في العصر الحاضر، قد أصبح السؤال الحقيقي المطروح هو: ’ماذا نحن فاعلون بأنفسنا‘ بدلاً من ’ماذا أنت فاعل بنا‘، حيث الضمير ’أنت‘ ينسب دائماً وأبداً إلى- "المجهول".
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟