|
ما بعد “شارلي أيبدو” . . الإسلاملوجيا والإسلامفوبيا!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 4703 - 2015 / 1 / 28 - 12:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أثارت جريمة قتل 12 صحفياً من محرري صحيفة "شارلي أيبدو" في باريس موجة من الغضب في الغرب، وخصوصاً إزاء الإسلام والمسلمين، لاسيّما وقد ارتبطت المسألة في العقود الأربعة الماضية بصعود تيار إسلاموي متعصب ولجوئه إلى الإرهاب والعنف، تارة باسم "الجهاد" وأخرى ضد الغرب باعتباره كافراً، وثالثة بزعم اغتصاب الحقوق، ورابعة لنشر راية الإسلام وفقاً لمنظور الجماعات الإرهابية، الأمر الذي ساعد في خلط الأوراق، بين المقاومة المشروعة والدفاع عن الحقوق وبين الإرهاب الأعمى والعنف المنفلت، الذي يلحق الأذى بالناس الأبرياء العزّل ويثير الرعب في النفوس . وسواءً كان الإرهاب فردياً أو تقوم به مجموعة أو دولة، وتحت مبررات وذرائع مختلفة، فإنه واحد، طالما تنطبق عليه المعايير التي اعتمدتها جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية، على الرغم من عدم التوصل إلى تعريف مانع جامع للارهاب، حتى بصدور نحو 20 إعلاناً واتفاقية دولية بشأنه، وآخرها ما صدر بحق تنظيم "داعش" وهو القرار 2170 في 15 أغسطس/آب 2014 ووالقرار 2178 في 24 سبتمبر/ايلول 2014 والقرار 2195 في 19 ديسمبر/كانون الأول 2014 . وكان من ردود الفعل إزاء جريمة "شارلي أيبدو" هو ارتفاع منسوب الموجات العنصرية الإقصائية على نحو شديد، حيث امتدّت من باريس إلى واشنطن، واجتاحت في طريقها العديد من العواصم الغربية على الرغم من محاولة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه إلى الأمة، التفريق بين الإسلام والعمل الإجرامي وبين المسلمين والإرهابيين، في محاولة للتخفيف من ردود الأفعال الكبيرة في العديد من بلدان أوروبا . إن الفعل الإرهابي الذي قامت به مجموعة إرهابية تنتمي إلى تنظيمات القاعدة في اليمن كما نسبته لنفسها، أيقظ الكثير من مشاعر العداء والكراهية والانتقام والثأر، التي ظلّت بعض القوى اليمينية والمتطرّفة تشحن الشارع بها باستمرار، ولذلك لم يكن مستغرباً الحراك الذي شهدته فرنسا وألمانيا والسويد وبريطانيا وغيرها، الأمر الذي يطرح السؤال مجدداً حول دعاوى التسامح وحوار الحضارات والتفاعل الثقافي، خصوصاً في ظل ردود أفعال واندفاعات يمكن أن تتطور، لاسيّما إذا عرفنا أن إجراءات حكومية وقوانين قد تؤدي إلى تضييق مساحة الحقوق المدنية، وهو ما أعقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية الإجرامية التي وقعت في الولايات المتحدة، بعد تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك وكذلك في واشنطن وبنسلفانيا . وتكمن أسباب النظرة المختلفة للآخر، في المتراكم السلبي والموروث اللامتسامح، التي تجري محاولات لاجتراره أو تكريس ما هو سلبي ويدعو إلى الاحتراب والإلغاء والإقصاء، تحت عناوين مختلفة، من التعصّب والتطرّف والغلو، سواءً كانت من جانب الغرب أو من جانب العرب والمسلمين، وإن اتخذت الحملة من الإسلام هدفاً، فإن لكل دوافعه، ففي حين يسعى الأول لتنكيس رايته تحت شعار رفض "أسلمة أوروبا" أما الثاني فهدفه تقديم الإسلام بالصورة الداعشية القاعدية، كما يريدها الإرهابيون، أو بعض من يريدون تشويه صورة الإسلام، وهي الوجه الآخر السلبي . إن قسماً غير قليل من جماعات مايسمى "الإسلام السياسي" سواء كانت تنظيمات القاعدة وربيبتها تنظيم "داعش" أو تنظيم النصرة أو غيرها من التنظيمات المتفرّعة والتي أخذ بيضها يفقّس وتتكاثر مثل الفِطْر في الساحتين العربية والإسلامية، بل وتنتقل مثل الوباء منذ احتلال العراق العام ،2003 نقول إن جزءًا من هذه الجماعات، يحاول توظيف تعاليم "الإسلام ضد الإسلام" ولأغراض سياسية ضيقة، لا علاقة لها بالدين وتعاليمه السمحاء، خصوصاً بما له صلة بعالم اليوم والقراءات الجديدة للتاريخ والتراث والحاضر والمستقبل . إن ذلك ما نطلق عليه الإسلاملوجيا، الذي يقابله في الغرب الإسلامفوبيا، حين يزداد التهويل بخطر الإسلام ويتم التحريض على المسلمين وإثارة المخاوف منه ومنهم، بل واعتبار كل عمل إرهابي يقوم به أحد من المنتمين إلى المنطقة، له علاقة بالإسلام، الذي هو دين يحض على الإرهاب والعنف حسب وجهة النظر السائدة، علماً أن الإرهاب لا دين له مثلما لا جنسية أو وطن أو لغة أو جغرافيا أو عرق أو أصل له، إذْ لا يمكن القول أن المسيحية متهمة بالارهاب، لوجود منظمة بايدر ماينهوف أو الألوية الحمراء أو إياتا أو الجيش الإيرلندي، وهو الحال الذي ينطبق على معتقدات أخرى في اليابان (الجيش الأحمر الياباني) أو غيره من دول جنوب شرقي آسيا، وكذلك في أمريكا اللاتينية، كما لا يمكن احتساب كل ما قامت به "إسرائيل" من ممارسات عنصرية وأعمال إرهاب وعدوان واحتلال طيلة ستة عقود ونيّف من الزمان، على الدين اليهودي، وتوصيفه بالدين الإرهابي. إن الرهاب من الإسلام أو الإسلامفوبيا، هو جزء من الرهاب من الأجانب بشكل عام، ونعني به الزينافوبيا، وهو الأمر الذي أدانه مؤتمر ديربن (جنوب افريقيا) حول العنصرية في العام ،2001 مثلما أدان الممارسات "الإسرائيلية" ودمغها بالعنصرية، ويقابل ذلك لدينا العداء لكل ما هو غربي وهو ما ندعوه ب"الويستفوبيا"، حيث تستمر الجماعات الإرهابية المتطرّفة في العزف على أوتاره ، باعتباره غريباً وكل غريب وأجنبي مريب، وبالتالي يدخل في خانة الخصم أو العدو، وهو ما كانت تنظيمات القاعدة تعلنه وتتصرّف على أساسه، كما اتخذته (داعش) مبرّراً لترحيل المسيحيين بعد "تخييرهم" بين الإسلام الداعشي أو دفع الجزية أو الرحيل، وإلاّ فإن المقابر تنتظرهم، وهو ما حصل للإيزيديين وغيرهم على نحو شديد البشاعة والهمجية . وإذا كان الغرب مستودعاً كبيراً للثقافة والعلوم والتكنولوجيا والجمال والعمران والفن والأدب، فإنه يحتوي في الوقت نفسه على الكثير من النزعات العنصرية الاستعلائية والفاشية الاستئصالية الجديدة ومحاولات التسيّد وفرض الهيمنة، بزعم فلسفات خاصة وآيديولوجيات شاذة، ولاسيّما فيما يتعلق بالآخر، وخصوصاً إزاء البلدان النامية، والهدف هو الاستحواذ على الثروات والموارد والخيرات، التي تغذّى عليها الغرب لقرون من الزمان في إطار سياسة امبريالية وعولمة متوحشة . ولكن الغرب ليس كلّه استكباراً وهيمنة واحتلالاً وعدواناً وعنصرية، مثلما ليس كل العرب والمسلمين "أبالسة" أو "شياطين" أو "إرهابيين"، وهنا وهناك توجد قيم حضارية وثقافية وإنسانية وجمالية، مثلما يوجد متطرفون ومتعصبون وإرهابيون . وهنا وهناك تستخدم الأديان على نحو سلبي بما يسيء إلى جوهرها . للأسف الشديد فما إن تحدث حادثة إرهابية في الغرب، حتى تتردّد على الألسن وفي وسائل الإعلام المختلفة، فكرة "تنميط الإسلام" ويتم العزف على معاداة قيم الحداثة وحقوق الإنسان، وهو كلام حق يُراد به باطل، والهدف ليس تعزيز هذه القيم، بل لفرض الهيمنة والاستتباع، وإذا كان يجري اليوم العزف على الخطر الإسلامي "الأخضر" مصدر الشرور والإرهاب، فقد كانت الشيوعية تمثل امبراطورية للشر "والإرهاب الأحمر" أيام الصراع الايديولوجي والحرب الباردة . إن الأجواء التي أعقبت حادث شارلي إيبدو هي ذاتها التي سادت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، حين وضع الإسلام كهدف يتم إلصاق جميع ممارسات العنف والإرهاب به . ومثل هذه الأطروحات تشكل خطراً على المجتمع الدولي وعلى قيم السلام والتسامح والعقلانية وعلى أي تفكير منطقي، ولهذا يتم تسويغ فكرة "حق التدخل" والحرب الاستباقية أو الوقائية باسم مكافحة الارهاب والحق في احتكار العدالة، وللأسف فإن بعض المثقفين الفرنسيين والغربيين بشكل عام إنساق وراء مثل هذه المسوّغات، مثلما ذهب إلى ذلك بيان المثقفين الأمريكان الستين بعد أحداث 11 سبتمبر . إن العودة إلى مصطلحات محور الشر والحرب المقدسة، ومن ليس معنا فهو ضدنا والفاشية الإسلامية كما عبّر عنها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، لا تعني سوى الإقصاء والإلغاء والعزل، وهي تعبير عن فكر تبسيطي أحادي يقسم العالم إلى خير وشر، ويفرض نمطاً من الصراع للهيمنة والسيادة المطلقة، ومثل ذلك هو الذي قاد إلى احتلال أفغانستان 2001 والعراق 2003 وجعل المنطقة تحترب وتتقاتل وتتكاثر فيها القوى الإرهابية، ولا يستطيع أحد التكهن بمدى تأثيرات انفجارها، وهي اليوم تضجّ بالعنف والإرهاب، الذي شمل بلداناً جديدة مثل سوريا وقد يمتد إلى بلدان أخرى، وليس شارلي ايبدو سوى رذاذ للإرهاب الأعمى . هناك بعض الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية التي تقف خلف تفشي الظاهرة الإرهابية، سواءً في الغرب أو في العالمين العربي والإسلامي، فمثلما لا تميّز بعض الأطروحات الإسلاموية ، بين الغرب السياسي الذي لديه مصالح ومطامع يحاول تأمينها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وبين الغرب الثقافي المناصر لقضايا الشعوب وحقوق الإنسان، فإن النظرة السطحية السائدة في الغرب هي الأخرى لا تميّز في الكثير من الأحيان بين القوى الإسلاموية المتطرفة وبين الإسلام، في حين إن الفارق شاسع والهوة عميقة بين الاثنين، وقد ذهب المفكر البريطاني الفريد هوليداي إلى التمييز بين النظرتين في كتابه الذي صدر بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول والموسوم "ساعتان هزّتا العالم" وقبل ذلك في كتابه "الإسلام والغرب" .
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في بعض إشكاليات العدالة الانتقالية
-
واشنطن - هافانا ونظرية بناء الجسور
-
زياد أبو عين وثلاثيته الأثيرة
-
عبد الرحمن النعيمي: في مسألة الهوّية وتوابعها
-
شاكر السماوي والعقل النقدي
-
داعش.. المشكلة في الإستراتيجية
-
الأطفال على مأدبة الشياطين
-
المهدي بن بركة ودائرة الضوء
-
حقوق الإنسان . . بين الواقع والمفترض
-
عن أية نخب عربية نتحدث؟
-
زياد أبو عين.. إدوارد سعيد داخل المكان .. خارج المكان
-
هل أصبحت أم الربيعين رهينة المحبسين؟
-
عن الطائفية وتوابعها!!
-
جيوبوليتك العلاقات العربية – الكردية
-
المجتمع المدني: أزمة هوّية
-
الشاعر السيّاب في اغترابه
-
حقوق الإنسان .. مفاهيم خاطئة
-
الفجوة بين المثقف وصاحب القرار
-
ثنائية الأمن والكرامة
-
اغتيال الأدمغة العربية
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|