أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - أنسنة الدين أم أنسنة الأخلاق ح2















المزيد.....

أنسنة الدين أم أنسنة الأخلاق ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4701 - 2015 / 1 / 26 - 22:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إذا كان المقصود بالأنسنة هو أضافة صفة الإنسان للمعرفة فكل المعرفة إنسانية من حيث مصدرها ومن حيث الفاعل ولأثر المنتج لها فهي لم تكن في يوم من الأيام مجردة من أثرها ومؤثرها على الإنسان ومنه , حتى المعرفة التي تصنف على أنها معرفة دينية أو غيبية فهي بالأول والأخر منتج عرفي بشري إنساني بملامحه وأهدافه ووسائله ,لم تكن المعرفة الدينية منعزلة عن الإنسان ولا يمكن تصورها كذلك .
إذن هناك حيرة في فهم مقاصد أنسنة المعرفة والعلم والدين إلا إذا كان المقصود بها ربط قياسات الإنسان الكلية التي تعني فيما تعني فصل الوجود المعرفي عن إطاره الطبيعة والبيئة والغيب وقوانين العلم وجعل مدارها أو معياريتها الإنسان المجرد ,لكن هنا تثور مسألة أخرى من يحدد لنا معنى الإنسان المجرد وما هي المقاسات العملية التي يتفق عليها الإنسان لتكون معيارا وقانونا شاملا ,هل الإنسان خارج التجربة أو الإنسان صاحب التاريخ والقيم , هنا نعود للمربع الأول في مفهومنا أو تبيان مفهوم الأنسنة.
إذا كان الإنسان الكائن الذي صاغ وعبر الزمن التاريخي له في الوجود عشرات القيم النظرية ومثلها ممارسات قيمية وتلقى الكثير من الرسالات من السماء وأنتج كعقل معرفي العديد من الرؤى الكونية ولم يستع عبر هذا التاريخ أن يجد نفسه وخياره الحقيق في واحدة أو مجموعة من هذا الإرث ليعبر عن إنسانيته الكاملة , هل من الممكن أن يعود من جديد ليبحث عن أنسنة معاصرة تستطيع أن تحميه من ميوله الطبيعية وإحساسه الطبيعي من الضيق من حدود الأنا ليعود مرة أخرى ويبحث عن عنوان ثان لعله يستطيع أن يجد شيء.
ما لم يضبط الإنسان الأنا في حدود الطبيعي المتناسق بين وجودها ووجود الأخر على قاعدة لا ضرر ولا ضرار ومحاولة لجم التطلعات الغير قابلة للتأقلم مع هذه القاعدة ومن ثم التعاط مع اقسى القواعد الضبطية لا يشعر الإنسان أنه غريب وأنه محتاج لقواعد تصيغ له أنسنة الوجود بل سيكون أمام صورة لم يألفها من قبل تتمثل في محاولة البحث عن قيم أخرى ليتسلك بها ويضبط خط السيرورة الإنسانية بموجبها طالما أستطاع أن يتغلب على وهم الخروج بالأنا فوق مدارها ليدرك إنسانيته الضائعة كما يتصور .
الأنسنة إذا بهذا التصور أن تدع الأخر أيضا يشعر بإنسانيته وبالتالي جعل قاعدة التناظر والتماثل الإنساني بين البشر أهم ركيزة وأساس عندما تتحرك المعرفة في كل صنوفها وأشكالها ومداراتها لتكون في خدمة الإنسان وأن تتلائم مع سعيه وشعوره المميز والفردي من بين الموجودات وبالتالي جعل الهدف النهائي للمعرفة والوجود هو أنها لا تتعدى فكرة الإنسان الطبيعي المجرد ,مثلا بدل أن يكون الدين علاقة تسلط بين الغيب والإنسان تتحول إلى علاقة تخدم الإنسان ويكون الغيب أصلا عامل مساعد لبلوغ الإنسان إنسانيته .
الدين كما الأخلاق والمعرفة سلاح يمكن استخدامه وفقا لما تميله القراءة الإنسانية وما تعكسه هذه القراءة من سلوكيات فردية تؤدي بالمجتمع أن يتخذ صورة من هذه السلوكيات توحي أن الدين والأخلاق إنما يتمثلان بها , الأنبياء والرسل والقادة والمصلحين طرحوا نموذجا مثاليا إنسانيا لهذه المفاهيم على أرض الواقع أولا باعتبارهما معلمين وثانيا باعتبارهما إنسان وترك كل منهم خلفه تراث فكري وممارسات عملية .
لكن النتيجة أن تضاءل الأثر أكل كل الفكرة وتطبيقاتها لأن الإنسان أختار فقط النماذج التي تتناسب مع قراءته وأعاد صياغتها مرة أخرى , فخرجت للواقع غير مطابقة للأساس وأحيانا متناقضة معه ليصل بالأخر للكارثة الأخلاقية, وبدل أن يمارس النقد الذاتي أشترط على الأخر قبول فكرته عن الدين وعن الأخلاق بمعزل عن واقعها وجذرها وهنا حول الدين والأخلاق إلى عبء مضاف للفشل المتوالي له وجير الخطيئة البشرية باسم السماء والقيم وبرأ نفسه ليعلن أنه بصدد البحث عن جديد .
النتيجة التي نتكلم عنا يتمسك بها البعض ويناهضها البعض وكلا منهم له أسبابه ومبرراته وله دعوى يحاول الدفاع عنها وعن مبرراتها ,من يؤمن أن القيم الدينية والأخلاقية فاشلة أصلا في إدراك إنسانوية الإنسان وهي السبب في ما يشهده من عذابات وجوديه أما أنه أساسا منحاز لاعتباطية الإنسان ومبرر للعبث الذي يمارسه في الوجود لأن يريد أن تكون الأنا عنده حرة مطلقة وخارج موضوع المسائلة ,ولأنه يرى في ذلك النموذج الأمثل للحرية وهنا يلقي كل تناقض بين الأنا والأخر ليس على خطيئة الأنا بتضخمها وتجاوزها للحيز الوجودي الطبيعي وعدم أتساقها مع قاعدة لا ضرر ولا ضرار ولكن يرى أن الوجود أساسا متضايق وغير قادر هو أن يستوعب طموح الأنا .
هذا النموذج العبثي الفوضوي عندما يمارس السلطة تجده أكثر حدة في ضبط حركة الأخر بالنسبة لحدود الأنا عنده وبالتالي سيكون ديكتاتوريا فضا ولا أباليا في رسم حدود الحرية , هذا النموذج هو الأكثر خطرا على المجتمع , إنه نتاج مرض الأنا ونتاج تمددها خارج القواعد التي تعط للوجود مفهوم وحدود الطبيعي وبالتالي لا يمكن أن يكون إنسانويا ولا أخلاقيا فضلا عن فشله في إستيعاب فكرة الدين أساسا .
هناك نموذج أخر وهو قريب من الفكرة الأولى ولكن يقترب بعض الأحيان من الطوباوية حينما ينادي بترك الوجود أن يمارس وجوده كما في الطبيعة خارج حدود القانون والنظام ,إنها نوع من الهيبيزية والإنحلال والفوضى التي يرى أن في شكل الطبيعة ما يوحي بالفكرة وعلينا أن نخرج العقل من معادلة التوازن ,الأصل ترك الإنسان حرا لقوانين الطبيعة التي تتكفل هي بفرض ما تريد دون أن تتقيد بقيم أخلاقية أو دينية ,هنا يسعى هذا الفريق إلى العودة بالإنسان للغابة للحيوانية الطبيعية وليس للإنسانية الطبيعية ,هذا المفهوم يقود إلى فرض الأنا القوية بدل الأنا المتناظرة والمتماثلة كي يشعر القوي بحريته ويسحق الضعيف تحت عناوين شتى باسم الحرية والطبيعة .
أما الأفكار التي تقف في الواجهة المعاكسة فهي ترى أن تدخل الإنسان في فرض قيم الأخلاق والدين ليس مصدرها الطبيعة بل مصدرها الضرورة لأن تجري الأمور بسيالة تاريخية تؤمن الأستمرار ,وسواء أكانت هذه القيم عادلة أو متناسبة مع الواقع فهي بالتالي خيار الإنسان وخيار التجربة ونتاج تاريخه ,فكل صورة من هذه القيم عندما لا تتلائم مع خيارات فرد أو مجموعة أفراد لا يعني أنها غير صالحة وغير قابلة لأن تتحكم بالوجود , ولكن على الإنسان أن يتفهم أنه جزء من منظومة لا يمكن إخضاعها لمزاجه لمجرد أنها لا تلائمه ولا تستطيع أن تلبي جزء من طموح الأنا لديه .
هناك أيضا فكرة أشد قتامة وهي فكرة نيابة المصلح وهي من الأفكار القديمة والتي تتخذ عادة من القيم الدينية مبررا لها , وهي تسرد قضية الحرية على أنها خلاصة الصورة بما يمكن أن يطرحه المصلح من قراءة ومن رؤية درسها وعقلها وبالتالي خياره هذا يمثل قريبا من حدود خيار المطلق وعلى المجتمع أن يتقيد بهذا الخيار لأن الواقع لا يشير إلى خلاصة أفضل منه والدليل أن كثيرا من الناس تؤمن بهذا المنطق .
إن هذه الصور التي سطرها الإنسان في تعامله مع فكرة القيم الدينية والأخلاقية هناك بينها الكثير من الرؤى الفرعية التي تقترب من حدود الرفض أو حدود القبول بالنماذج التي طرحناها ,ولكن يبقى في رأينا المتواضع أن أصل الإشكالية الإنسانية ليست في القيم بل بالوعي الإنساني الطبيعي بحدود الأنا ومقدار النجاح الذي يحرزه الإنسان في السيطرة على قوتها الفاعلة وتسخير السلوك البشري ليكون طبيعيا متوازنا إيجابيا يبني العلاقات على قاعدة التنافس الموجب وليس التنافس الذي يزيح الأخر من محله كلا أو جزءا لثبت لنفسه القدرة على التحكم .
إن نجاح القيم الإنسانوية سواء أكان مصدرها الأخلاق أو الدين أو المعرفة المجردة وحتى العلم يعتمد على تحقيق فكرة الإنسان الإيجابي الذي يتوسط بين حد الحرية المطلقة وعدم الخضوع لعبودية الأنا من جهة وحد قدرته على تسوية مشكل التناقض بينه وبين الأخر مع قدرته على فهم الأسباب والعلل التي أوجدت التناقض ومن ثم الخروج بمعادلة الأنسنة التي تمنح الطرفين حقوق وألتزامات متساوية بمعنى تناسب المسئولية مع الحق والخروج بطاقة إيجابية تساهم في دفع الإنسان خطوة يسبق بها الزمن ليصل لمرحلة الكمال البشري النسبي متقدما على الواقع وعلى الطبيعة أيضا .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طيران بلا أجنحة _ قصة قصيرة
- الوفاق الاسلامي في ضيافة................. الاديب الدكتور عبا ...
- أنعام في عراضة ترحل للسماء
- المطلوب ....قرار وطني عراقي
- أنسنة الدين أم أنسنة الأخلاق
- اللحظة الحاسمة
- التسنن العربي والتشيع الصفوي .... فكر الإنحراف العنصري
- سيد الماء .... والمجهول _ قصة قصيرة
- وصايا الأب لأبن
- شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح3
- شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح1
- شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح2
- من يحمي الدين من سطوة التاريخ
- أنتظار المنقذ التاريخي شكية الصورة أو شكية الإمكان
- الإنسان وعالم يعيش واقع مخيف
- على وقع ما جرى في فرنسا
- الحروف التي حللها الرب
- عن الثقافة والمثقفين وأزمة الهوية
- رواية الغريب _ الجزء الرابع , ح1
- رواية الغريب _ الجزء الرابع , ح2


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - أنسنة الدين أم أنسنة الأخلاق ح2