Denis Paillard
"التحرير والابادة”. يلخص عنوان "فلاست” (١) هذا جيدا السياسة التي اعتمدتها السلطات الروسية في معالجة خطف مئات الرهائن المدنيين في موسكو على أيدي مجموعة من المسلحين الشيشان يوم 23 تشرين الاول/اكتوبر 2002. وكانت المحصلة 128 قتيلا بين الرهائن، خمسة منهم بالرصاص والبقية اختناقاً بالغاز الذي استخدم لحظة الاقتحام. اما من جهة الشيشان فهناك 41 قتيلا (بينهم 19 امرأة) غالبيتهم العظمى دون سن الثلاثين وقد تمت تصفيتهم "بطلقة تأمين”.
وقد اثارت الطريقة التي اجريت فيها المفاوضات والهجوم العديد من الاسئلة. السلطات فضلت الصمت ورفض مجلس الدوما اقتراحين بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية. وحول سبب عدم قيام افراد الكومندوس بتفجير حمولتهم من المتفجرات، تنقل صحيفة "كومرسانت" في عددها الصادر في اول تشرين الثاني/نوفمبر آراء عدد من الخبراء وعناصر الاجهزة الخاصة: الاجهزة المعدة لتفجير القنبلتين الرئيسيتين وسط المسرح لم تكن في وضع التشغيل على ما يبدو. وتضيف الصحيفة انه في لحظة الهجوم كانت النساء فقط من عناصر الكومندوس موجودات في الصالة بينما كان الرجال ومنهم المسؤولان موسفار باراييف وابوبكر في قاعة جانبية. وهذا ما تؤكده الصور المرعبة التي بثتها جميع محطات التلفزة الروسية صباح 26 تشرين الاول/اكتوبر.
اما السؤال الآخر الذي يخشى ان يبقى من دون جواب فيتعلق بمصير الخاطفين. في كل الاحوال، فإن تصفية جميع الشيشانيين (٢) في مسرح العملية تعبّر عن رغبة السلطات الروسية بعدم تحمل وزر السجناء الذين قد يتبين خلال المحكمة انهم سيدلون بشهادات مزعجة. فالعديد من الشهادات توحي ان العملية لم تكن في الضرورة انتحارية وان الكوماندوس كان يسعى الى التفاوض. في مطلق الاحوال اعادت هذه الاحداث المأسوية التذكير بشكل مفاجئ بحرب الشيشان المنسية. واول من تذكرها هو المجتمع الروسي الذي يبدي لامبالاة كاملة تجاهها بالرغم من انه غير مندفع لدعم الحرب هناك. غير انه لا يبدو ان الظروف التي اوجدتها عملية احتجاز الرهائن تشجع على بروز مشاعر معادية لهذه الحرب. والمثال على ذلك ان المؤتمر من اجل السلام في الشيشان انعقد في موسكو مطلع تشرين الثاني/نوفمبر وسط مقاطعة قسم كبير ممن كانوا قد ابدوا رغبة في المشاركة فيه.
وتشير الحرب التي حطت رحالها فجأة في موسكو الى تطور عميق في الوضع الشيشاني حيث يقوم الجيش الروسي بأعمال النهب والسرقة وابتزاز المدنيين. فعمليات "التنظيف" اليومية تطاول اولا الشبان وقد اعلن احد المسؤولين الروس منذ تشرين الاول/اكتوبر ان كل صبي يتجاوز الثانية عشرة من عمره هو ارهابي محتمل... وكما اشار بعض المراقبين ومن بينهم السيد رسلان حزبواللاتوف الرئيس السابق لمجلس السوفيات الاعلى في روسيا عام 1993، والمعارض الثابت للحرب (٣)، فإن هذه الاعتداءات المستمرة تحول الشباب الى معين لتخريج المقاتلين الاستقلاليين فيما باتت الاحزاب الاسلامية المتطرفة تمثل الاكثرية في الشيشان.
شكلت عملية خطف الرهائن في موسكو منعطفا اذ اشار العديد من الصحافيين ومنهم أنّا بوليتكوفسكايا ان المواطنين الشيشان المقيمين في روسيا باتوا عاجزين عن منع قيام العمليات فوق الاراضي الروسية. وفي 26 تشرين الاول/اكتوبر نشرت صحيفة "ازفستيا" تحقيقا بعنوان "ثورة الارامل" حيث ابدى رجال ونساء في مختلف قرى الشيشان من الذين فقدوا جميع اقربائهم استعدادهم لاكمال نشاطات مجموعة باراييف.
بيد انه وفي مواجهة صعود التيارات الاسلامية الراديكالية في المعسكر الاستقلالي، يلاحظ بروز "معسكر للسلام”. فالمؤتمر العالمي الشيشاني المنعقد في كوبنهاغن في 30 و31 تشرين الاول/اكتوبر جمع ممثلين للانتشار الشيشاني قدموا من الدول الغربية وايضا من روسيا ـ ولوجود السيد حزبواللاتوف المتميز باستمرار عن الاستقلالين اكثر من معنى ـ اضافة الى مبعوثين من الرئيس اصلان مسخادوف. وكان الاصوليون المسلمون هم الغائبين الوحيدين.
في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر استقبل الرئيس بوتين اعضاء بارزين في الانتشار الشيشاني وذلك بناء على طلبهم وبغية التشديد على ضرورة الاستعجال في اطلاق مباحثات سلام. اخيرا، نشرت مجلة "نوفايا غازيتا" في 12 تشرين الثاني/نوفمبر صورة عن وثيقة موقعة من السيد اصلان مسخادوف يجدد فيها ادانته لعملية خطف الرهائن ويعلن القطيعة مع السيد شامل باسايف ويعلن عن قراره بمحاكمته امام محكمة تابعة لجمهورية "اتشكيريا".
اما الحكم الروسي فيكرر بلا ملل الخط المتشدد الذي اعتمده خلال احداث نهاية تشرين الاول/اكتوبر. وقد تبنت الدوما ومن بعدها مجلس الشيوخ تعديلات على قانون الصحافة تحد من الحريات وعلى مكافحة الارهاب وتطلق يد السلطات التي يمكن ان تحدد اهدافها بطريقة استنسابية.
في موسكو تتعرض الجالية الشيشانية لاعمال التفتيش والتوقيف الاعتباطي. في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر استنكرت السيدة سفيتلانا غانوشكينا، العضو في جمعية مساعدة اللاجئين Grajdanskoe sodejstvie والعضو في لجنة حقوق الانسان لدى رئيس الاتحاد الروسي، استنكرت تزايد الاجراءات التي تطاول الشيشانيين المقيمين في موسكو: طرد الاولاد من المدارس والعائلات من المساكن والصرف من الخدمة. وقد تعرضت هذه السياسة للانتقاد حتى داخل الطبقة السياسية الروسية الحاكمة. فالسيد الكسي ارباتوف، النائب ورئيس لجنة الدفاع في الدوما (٤)، يقر بأن غالبية الشيشانيين باتت تتعاطف مع الاستقلاليين ويضيف: "علينا اعادة تقويم السياسة التي انتهجناها في الشيشان على المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية خلال السنوات الثلاث الماضية. في كل حال، حتى وزير الدفاع سيرغي ايفانوف وصف مؤخرا ما يحدث في الشيشان بأنه حرب بينما التعبير الرسمي هو عملية لمكافحة الارهاب. هذا يعني ان الاحداث تفلت من اي سيطرة”.
--------------------------------------------------------------------------------
١ ملحق صحيفة "كومرسانت" اليومية، في ٥/١١/٢٠٠٢.
2 يمكن ايضا التساؤل حول العدد الفعلي لعناصر المجموعة والقرار بحرق جثثهم والعدد الكبير من "المفقودين”. هناك على الاقل رهينة واحدة وهو طالب في مدرسة عسكرية اطلق عليه الرصاص من طريق الخطأ وقد وجدت جثته في مشرحة سجن ليفورتويو من بين جثث اخرى معدة للحرق.
3 راجع
Le Monde du 4 novembre 2002.
4 مقابلة مع صحيفة
Komsomolskaïa Pravda, 9 novembre 2002.
جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم