|
جدلية الحرية والقانون
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 4701 - 2015 / 1 / 26 - 00:42
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
منذ احداث باريس الدموية جرت مناقشة لأكاديميين وكنت أحد المدعوين إلى ذلك عن جدلية - الحرية والقانون - ، وجرت المناقشات في مساحة واسعة عن الطبيعة الموضوعية لمعنى الحقوق المتبادلة بين الفرد والمجتمع ، وما هي الأولويات في ذلك حمايةً للمجتمع ؟ ، ولقد ركزت في بحثي على الحرية التي أؤمن بها كأسساس مفاهيمي موضوعي يُعرف الطبيعة المادية للفرد وللمجتمع ، كذلك ركزت على القانون بإعتباره المواد التي تسالم الأفراد على القبول بها حمايةً لهم ولحقوقهم مؤكداً على أن القانون في ذاته لا يكون كذلك من غير الحرية - أي إنها الأساس الموضوعي الذي يهب للقانون صفته القابلة للتطبيق والقبول - ، ولا يجب بل ولا يفترض أن نعتبر إن بينهما تصادم وتقابل يدعونا للفصل بينهما أو لفك الإرتباط . فالحرية : في التعريف هي القاعدة التي تؤوسس للقانون ، وبعبارة أدق هي القاعدة التي يُصاغ على أساسها و يكتب القانون ، وفقاً لقيمها ومعانيها ، والقانون : في طبيعتة الموضوعية ليس منفصلاً عنها ، ولا ينبغي له أن يكون كذلك ، كما لا ينبغي له ان يكون كابحاً للحرية ولا يجب له ذلك ، والقانون الذي يتصادم مع الحريات هو قانون مستبد لا يجوز الخضوع له أو الإلتزام به ، ولا يجوز أن يُكتب القانون وفقاً لمعاني الإعتقادات الدينية والحزبية ، وهنا تبرز عندنا قضية المقدس بالنسبة لبعض الأفراد ، التي جعل منها هذا البعض حجة ملزمة لجميع الأفراد في مسوغ يدخل في باب الجبر والإكراه ، مع إن المقدس مهما علا صفته الموضوعية صفة ذاتية لا يجوز تحميل الأخرين تبعاتها ، وهذا الذي أقوله ورد بحسب الديباجة القرآنية لمفهوم الإيمان والإعتقاد ، إذ إن القرآن يجعلهما شديدي الخصوصية ، يتحركان في دائرة المسائل الشديدة الخصوصية بالنسبة للفرد ، ولا يعمم القرآن هذا الإيمان أو هذا الإعتقاد إلاَّ من باب الكلمة الحسنة أو الكلمة السواء . إذن العلاقة مع المقدس هي علاقة أو قل هو صيغة لا يجوز فيها الإلزام أوالإكراه أوالجبر ، بإعتبار إن المُراد منها هو منع تحميل الأخرين في صيغة الممكن الوحيد وجعل ذلك ممتد تحت بند التلاقح الفكري ، وقد طُرحتها الفلسفة في صيغة ومعنى التبادل الذي يخضع العقيدة والإيمان لليقين الذي يحصل بالبحث والبرهان والإثبات ، وحصول هذا بالنسبة لشخص ما لا يعني بالضرورة حصوله لشخص أخر ، ولهذا تعدد المقدس لدى الأفراد البشريين ، وهذا التعدد صفة إيجاب يهب لمن يريد ملاحقة الحقيقة أن يستقرئها ويحقق فيها ويمحص الأدلة عنها ، وذلك الفعل جزء من حق الوجود المطلوب ، وحتى هذا الحق المطلوب جاء في صيغة التراخي ، وليس في صيغة الإلزام والجبر مع العلم ان ليس كل العقول تتمكن أو تتحصل على المقدمات نفسها التي يحصل عليها الغير وضمن الشروط الموضوعية التي تحقق القناعة واليقين المطلوب . ومن هنا تبدو عملية قتل الصحفيين في مجلة - شارلي أبيدو - جريمة منظمة بإمتياز ، جريمة يصح معها الوصف القائل : بانها جريمة مع سبق الإصرار والترصد ، وأنطلق هنا في وصفي لها من خلال السياقات الموضوعية العامة ، وإيضاً لما أطلعت عليه من النصوص القرآنية التي تُحرم قتل الإنسان لمجرد إعتقاده وإيمانه من قبيل - من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر - ومثلها كثير ، و لهذا حصر القتل ضمن بند - الظلم - أي إن جواز القتل والقتال المسموح فقط وفقط مع وجود الظلم ولرفعه ، وهذه المحدودية لا تُحاكي قضايا الإيمان وقضايا المعتقد فتلك تقع عنده ضمن ساحة الحرية المُصانة للجميع ، و هذه الصيغة يقع فيها حق النقض والإبرام المباح وفي قوله تعالى - حتى يأتيك اليقين - . وضمن ذلك لا نجد إن المسلم قد أستوعب ذلك ووعاه بعد في معنى ومفهوم الحرية ( في الدين وفي الحياة ) ، كما إن المسلم الذي يتلقى تعليمه من المنابر الجوالة لا يميز بين قضايا القانون ومواده وقضايا الحرية ومساحاتها ، وعدم الفهم هذا منشأه التلقين الديني المغلوط الذي يؤوسس في ذهن الفرد المسلم طبيعة الحق من وجهة نظر واحدة وإعتبار ذلك ملزماً للجميع ، وتلك هي مغالطة معرفية وبيانية ، إذ إن المسلم لا يميز بين حريته ضمن القانون وحرية الغير ضمن القانون إيضاً ، لأنه يجعل من حريته فوق القانون وإن مايؤمن به هو الحق ودونه الباطل ، وعلى ذلك أسس حركته وفهمه للأشياء ، وعلى ذلك إيضاً يريد إجبار الأخرين على القبول بها على النحو الذي يؤمن به هو . وهذه ليست المرة الأولى التي يوظف فيها المسلم معتقده الديني على أساس إنه الحق ومادونه الباطل ، ومعلوم إن تلك إشكالية مبنائية لأن الذي يؤمن به وما يقدسه ليس بالضرورة ما يؤمن به الأخر ويقدسه ، فالله المقدس عنده هو ليس الله المقدس عند الهنود والنبي المقدس عنده هو ليس النبي المقدس عند النصارى ، وحرية الإعتقاد لا تجيز جعل مايؤمن به حجة على الغير ، ناهيك عن إن أعمال جُل المسلمين تجعل من الأخرين يشككون في صدق وسلامة المعتقد . وذلك للتناقض بين المفاهيم والواقع ، فواقع المسلمين يحدثنا عن الصورة البشعة المكروهة عن الحياة ، وجرائم التنظيمات الإسلامية للقاعدة وداعش تعطي للجميع إنطباعاً ، بان الدين الإسلامي دين للعنف والجريمة والتخلف وقطع الأعناق وسبي النساء ، ولم نجد لذلك الحديث الطويل عندهم عن العدل والمساوات والمحبة والأخوة أية وجود ، بل إن جرائم تلك التنظيمات بحق المسلمين الشيعة ، والمخالفين لهم من أهل السنة ، أكبر وأفدح بكثير مما يناله أهل الديانات الأخرى ، ومن هنا نقول إن إسلام التنظيمات لا يشجع على تداعيات جدل إحترام المقدسات ، ذلك لأن المسلم نفسه لا يحترم دعوات وبيانات ما يقوله المقدس الإسلامي عنده ، ولهذا لا يجوز أن نُلزم الأخرين بما لا يلزم المسلمين به أنفسهم ، أعني إن كنت تدعوا للخير وللجنة فعليك أولاً أن تكون قدوة في هذا المجال لكي يقتدي بك الأخرون . نعم إن جدلية - الحرية والقانون - تستدعي شروحات مستفيضة من ذوي الإختصاص ، حتى لا يتندر علينا من يدعي إنه في ذلك يساوي بين الملزمات القانونية لدى الغربيين أنفسهم تجاه بعض المسميات ، مع إننا نعيد ونكرر إن التفريق بين ما يتعلق بحماية الإنسان وبين ما يعتقد به شيء مختلف والقانون ينظر إلى ذلك من خلال كون ذلك الشيء ذاتي وليس موضوعي ، والحماية القانونية تتركز على الأشياء الموضوعية وليس منها المعتقد الذاتي مهما أتسع وعظم ...
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عاشت فرسنا
-
كلمة في يوم الجيش العراقي
-
مقالات الليبراليين الديمقراطيين .المقالة الثانية : العقيدة ا
...
-
مقالات الليبراليين الديمقراطيين ... المقالة الثانية
-
مقالات الليبراليين الديمقراطيين
-
عام الأمل .... عام الرجاء
-
تهنئة للرئيس التونسي المنتخب السيد الباجي قائد السبسي
-
تكفير داعش
-
الأزهر وإشكالية التكفير
-
الدكتور العبادي والتحديات
-
الإسلام المتخلف
-
عقلانية الرئيس فؤاد معصوم
-
الحسين ثائراً
-
العلاقات العراقية السعودية
-
ستبدأ الحرب على داعش
-
تحرير المعنى
-
مؤتمر باريس
-
عن الغيير والديمقراطية
-
العيد في زمن الفتنة
-
الخلافة الإسلامية
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
-
غضب صارخ عند النواب اليساريين بعد تصريحات بايرو عن -إغراق- ف
...
-
النهج الديمقراطي العمالي يحيي انتصار المقاومة أمام مشروع الإ
...
-
أدلة جديدة على قصد شرطة ميلان قتل المواطن المصري رامي الجمل
...
-
احتفالات بتونس بذكرى فك حصار لينينغراد
-
فرنسا: رئيس الوزراء يغازل اليمين المتطرف بعد تصريحات عن -إغر
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|