أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تفروت لحسن - الفلسفة والتربية : الإبهام المزدوج















المزيد.....

الفلسفة والتربية : الإبهام المزدوج


تفروت لحسن

الحوار المتمدن-العدد: 4699 - 2015 / 1 / 24 - 20:53
المحور: الادب والفن
    


إن استحضار الزوج ( فلسفة، تربية) متحاورين في مقام تخاطبي موحد، يوحي في الذهن إلى افتراض وجود علاقة. هذه العلاقة أو العلاقات المقدرة يستعصي تقريبها بمقتضى المقدمتين التاليتين :
v إن الحديث عن مسألة ازدواج الفلسفة والتربية بلسان المطلقات لا يتولد عنه إلا الغموض، ذلك أن الزعم بحضور الفلسفة في التربية والإدعاء بأن شكل هذا الحضور يتمثل في إنتاج خطاب فلسفي عن التربية أو ما شابه ذلك من مثل هذه الأساليب، يوجهنا من المشكل إلى ما هو أشكل. ذلك أننا ننطلق من مشكل البث في طبيعة العلاقة بين طرفين ( الفلسفة والتربية) إلى طرح مسائل جديدة أكثر التباسا من حد العلاقة ذاتها. والحق أننا نجد اليوم كثيرا من الدراسات والتناولات، التي عوض أن تحد طرفي العلاقة وطبيعة ازدواج طرفيها، تقر دفعة واحدة، بلغة مطلقة، بأن العلاقة هي خطاب فلسفي، أو تصور فلسفي أو تفلسف حول التربية. علما أن محاولات رد العلاقة إلى هذه الإمكانيات الدلالية يقود إلى تساؤلات تنتج فقط الدور والتسلل لحد اللانهاية.
v تشهد الفلسفة، بنصوصها وتاريخها، على نفسها بلبس في الدلالة وغموض في التعريف. بل تقدم نفسها إلينا في صورة الاختلاف والمغايرة، بدءا من مدلولها إلى مبادئ الفلسفة ذاتها ؛ فنحن لا نستطيع أن نرسم للمفاهيم الفلسفية حدودا صارمة أو وظائف إجرائية مطردة، فهي نوعا ما مفاهيم غامضة، مع العلم أنه لا ينبغي أن نفهم من هذا اللفظ دلالته القدحية، فغموض المفاهيم الفلسفية ليس عيبا يجب إلصاقه بها، بل هو دليل على غناها.
وهاتان المقدمتان متلازمتان، بحيث أن رد التربية إلى الفلسفة كمجال مطلق لن يرشد إلى تحديد العلاقة بقدر ما سيدفعنا إلى الخوض في العموميات التي لا تخدم الطرفين معا.
واستنادا لهذا الحاصل الأول، يمكن القول أن النظر في الزوج ( فلسفة – تربية ) يستدعي طرح سؤال يبدو سهلا، لكنه ممتنع، ويتعلق بالحد الثاني من الزوج، أي ما هي التربية ؟
الحديث عن التربية، أو بالأصح عن ماهية التربية يعتبر طرحا فلسفيا لا يخرج عن إشكالية الحد. فالحد في الفلسفة هو المعرف للماهيات أو للذوات. كما أن الجواب الصحيح عن سؤال ما هو يستدعي الإحاطة بالمسؤول عنه، أي أنه القول المفصل الذي هو جامع مانع يتميز به المسؤول عن غيره. وبما أن التساؤل عن ماهية التربية يعتبر تساؤلا فلسفيا إن لم يكن في صلب الاهتمام الفلسفي، فإن حد التربية وتعريفها باعتبارها لفظا مجملا يطغى عليه الاختلاف والتنوع، سواء تعلق الأمر بموضوعها او منهجها، أو من حيث كونها مقصودة بالذات أو فقط طريق يحقق مقاصد أخرى كالتنشئة الاجتماعية مثلا. والظاهر أن تعدد تعاريف التربية واختلاف تلك المعايير يضفي على التربية باعتبارها لفظا مشتركا إبهاما لا يقل عن الغموض الذي يميز تعريف الفلسفة.
ولذا فنحن نجد أنفسنا منذ أول وهلة أمام لفظين يعتريهما الغموض من حيث التعريف. فالمفهومان مبهمان من حيث دلالتهما. فالزوج ( فلسفة، تربية ) يشتركان في الغموض. ولذلك اصطلحنا على علاقتهما الظاهرة في هذا المقال بالإبهام المزدوج، وهو إبهام لا يزداد إلا لبسا كلما ازداد اقتران الحدين، أي الفلسفة والتربية.
لتجاوز هذا الإبهام، سننظر في الزوج المبهم من زاويتين : من منظور الفلسفة ومن موقع التربية. وانطلاقا من المعيار الأول نطرح هذا الافتراض : هل تؤسس الفلسفة التربية ؟ وتقريب هذا التقدير والافتراض سوف يتم انطلاقا من الملاحظات التالية :
- لما كانت الفلسفة تهتم بالإنسان وقضاياه، وكانت التعاريف المتباينة للتربية ( سواء أخذت بالمعنى الأخص، أي كمادة دراسية أو بالمعنى الأعم كممارسة وتطبيق ) تشترك في الادعاء بكون موضوعها هو الإنسان وتكوينه من الطفولة ألي الرشد، أي نقله من حالة الطبيعة إلى المجتمع، فان الاثنان يلتقيان في السعي نحو مطلوب واحد هو الإنسان. فالفلسفة تتناوله بصورة عامة، أي جنس الإنسان، والثانية تتعامل معه بتصور خاص، أي أنواع الإنسان. لذلك يصح طبقا لمبدأ التداخل الاستدلالي بين الأعم والأخص إدراج التربية في الفلسفة ولزومها عنها. ويؤكد هذا الاستنتاج الحقيقة التاريخية التالية :
- من بين المشاغل الكبرى للفلسفة نجد مفهوم الأخلاق، أي الأفعال الراسخة في النفس رسوخ طبع أو رسوخ تعود، والتي تتصف بالخير أو بالشر. ويشهد تاريخ الفلسفة على التناول المختلف لقضايا أخلاقية كبرى، إن طرحا مقصودا أو عارضا. فنصادف مثلا الفضيلة، الحكمة، العدل، الصداقة، الشجاعة...وباقي الفضائل العامة والخاصة. وإذا صح أن الأخلاق هي اكتساب الفضائل بالتعود، وكان الاكتساب والتعود آليات تعتمد في الممارسة التربوية التي تسمى أحيانا التهذيب أو التأدب أو الاعتياد والتعليم، صح القول بإسناد التربية إلى الفلسفة. وتتجلى استفادة التربية من الفلسفة من حيث كون الأولى تهتم بالطرح الإشكالي لقضايا تربوية تهم الإنسان وأصوله الأخلاقية. وإضافة إلى هذا الطرح الاستشكالي نجد مقتضيات منهجية تتأصل في الفلسفة وتعتمد كمسالك في التربية لإثبات مبادئها وبلوغ مقاصدها. ويتضح ذلك من خلال هذه الملاحظات :
- إن المثال أو النموذج الذي تهدف له التربية يتأسس وفق منهج الازدواج الفلسفي، أي وفق منهج التقابل أو القسمة الثنائية بين قيمتي الإيجاب والسلب، الخير والشر، ذلك أن قيم التربية تندرج على سلم تراتبي لا يكون فيه النموذج المطلوب واللانموذج المرفوض الطرفين أقصى و أدنى تندرج بينهما مراتب تقترب من هذا الطرف أو ذاك ؛ إذ التربية تتحدد خاصيات الطرف الأقصى – أي المثال – وتدعو للاقتداء به والتماهي معه. وتضبط خاصيات الطرف الأدنى أي النموذج المضاد وتدعو للابتعاد عنه، فنجد مثلا تربية حسنة وتربية رديئة.
- إن التنظير للنماذج التربوية كصناعات بتحديد مبادئها ومصادرها ومنطلقاتها يتأسس على منطق الفلسفة والدراسات التي تهتم بالتمثلات الذهنية والعقلية والنفسية للأطفال ذات دلالة في هذا الاتجاه. فنقد أسس الصناعة التربوية لا يخرج عن المنهج الفلسفي، أي ما يعرف بالمقاربة الابستمولوجية. حيث نجد مفاهيم تأصلت في هذا الميدان وتطبق على مواضيع التربية. وهذا ما يصطلح عليه بفلسفة التربية التي تعتبر مصفاة ضرورية للاشتقاق المناسب للأهداف وتخصيصها وتعيينها بما يستجيب وحاجيات الفرد والمجتمع وخصوصية المواد الدراسية فضلا عن أنها تنتقد المثل والسياسات التربوية القائمة, وتقترح سياسات جيدة.
- إن الممارسة التربوية توظف تقنيات فلسفية، ذلك أن المربي – وفي الغالب عن غير وعي – يعمد إلى توظيف تقنيات استدلالية ذات أصول فلسفية مثل اعتماده على الاستقراء في تحقيق مقاصد دروسه، او قياس التمثيل في بناء كفايات التلاميذ.
يتضح أن الفلسفة خادمة للتربية، والمقصود بالخدمة صفة الشيء الذي يقوم بما تحصل به المنفعة لشيء آخر، فالخادم هو ما كان مفيد ا للغير في تحصيل مبادئه وتحقيق مقاصده. والفلسفة خدمت وأفادت التربية – بمعناه الخاص والعام- سواء تعلق الأمر بالاستشكال الفلسفي أو المنهجي. لكن إذا كانت المنطلقات الفلسفية تعد العقل المحرك للنظام التربوي عامة وللمنهاج التربوي خاصة، من حيث اهتمامها بالقيم وكيفية اشتقاقها والنظر في الأسس التي تقوم عليها ودورها في تنظيم الخبرات إلى جانب تحرير العقول من التحيزات الشخصية وتوسيع النظرة إلى العالم. فكيف تتعامل التربية مع هذا الاحتضان الفلسفي ؟ وهل العلاقة تبادلية ؟ هذا ما سنقربه من موقع التربية.
لما كنا نعلم ولدت وتولدت في عمومها خارج المؤسسة، إن لم يكن على نقدها وأنقاضها، وكانت التربية تتمكن وتتوطن في المؤسسة، مؤسسة الدولة، أي المؤسسات المدنية الإيديولوجية حسب تعبير التوسير، فانه من الابتذال اعتماد نفس المعايير، أي الحكم بالقبول والقرابة، لان الجمع بين الفلسفة والمؤسسة سينتج عنه التناقض، بين الفلسفة التي تسعى إلى الحرية والتحرر وبين التربية الساعية لترسيخ الإيديولوجية بمبرر التنشئة الاجتماعية لحد يصل إلى الترويض والتدجين. وإذا كنا نعلم أن الفيلسوف لم يوجد إلا مربيا، ومنهم اسم المعلم الأول والثاني، فإننا نعتقد أن الموقف التاريخي المناهض للفلسفة من طرف المؤسسة ليس راجعا للفلسفة في حد ذاتها ولكن للتدخل الفلسفي في ممارسة التربية التي تحتكرها المؤسسة أو على الأقل تدعي أن لها الحق في احتكارها. وما محاكمة سقراط إلا علامة شاهدة على هذا القول، ذلك أن محاكمة سقراط وان كانت تبدو في الظاهر بسبب مواقفه الفلسفية ففي العمق يتضح انه حوكم بسبب تدخله المباشر في شان التربية، في تعليم وتربية شباب أثينا، فمن بين التهم الموجهة إليه انه يفسد عقول الشباب، علما أن إصلاح العقل أو إفساده آمران راجعان ألي التربية كممارسة عملية، والأكثر من هذا أن الموقف العدائي من الفلسفة راجع إلى أنها، أي الفلسفة، تقدم مواقف عن التربية تناقض التربية المؤسساتية التي ترتكز عليها الدولة.
تتحول العلاقة إذن إلى مسالة التربية والسلطة مقابل التربية الفلسفية، التربية على الفكر النقدي وعلى الحرية، أي الأنوار بما هي استخدام للعقل. والحق أن اغلب الفلسفات ظهرت في التاريخ كمعارض للسلطة والمؤسسة. وحتى التربية في الفلسفة لها هدف البحث عن الحقيقة، وكل تربية ليس لها نفس الهدف تصبح متجاوزة. وهكذا تعني التربية كما تصورتها الفلسفة قلب السلطة الأبوية والسلطة الأستاذية التي تخلق اتباعا ومؤمنين. ففي الفلسفة تكون آسوا مكافأة يقدمها المتعلم للأستاذ هو أن يظل تابعا. فالتربية الفلسفية تكون العقول الحرة والمحررة من الخوف ومن الاوهام.



#تفروت_لحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحاجة الى -الفلسفة التطبيقية-
- الفلسفة في متناول الجمهور : انتعاش أم انكماش
- درس الفلسفة بين : - الأستاذ - الطبيب - و - الأستاذ - الكناشي ...
- بعض مفارقات - مفهوم العقل - عند عبد الله العروي
- في التربية على حقوق الإنسان


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تفروت لحسن - الفلسفة والتربية : الإبهام المزدوج