أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لميس كاظم - عثمان حاضر في دستور العراق















المزيد.....

عثمان حاضر في دستور العراق


لميس كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 1314 - 2005 / 9 / 11 - 05:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في القرن الماضي ، وفي عام 1948 تحديدا، تقدمت المراة العراقية جموع المتظاهرين لتتحدى رصاص المحتلين، والمحريين وشرطة الحكومة العميلة، في مظاهرة نظمت أحتجاجا على معاهدة بورتسموث المشؤمة. سارت المراة العراقية، فوق جسر السراي سابقا، وفي الصفوف الأولى من المتظاهرين محتجة، غاضبة، شجاعة لتتهتف يسقط الأستعمار... يسقط معاهدة بورتسموث ..يسقط عملاء الاستعمار ...يسقط ازلام المحتلين ...تسقط حكومة الأحتلال ...لكنها سقطت قبل الجميع... سقطت بهيجة مضرجة بدمائها على جسر السراي دفاعا عن شرف العراق... وتساقطت الأجساد العراقية الوطنية تباعا. أغتسل دم المراة العراقية ودماء الأبرار أرض الجسر وسالت دمائهم الساخنة، البرئية، الطاهرة، من بين قضبان أسوار الجسر لتسقط فوق وجه نهر دجلة. بكى نهر دجلة وهو يغتسل بتلك الدماء وفاض ماءه حزنا لكنه عاهدهم أن يكحل ضفافه بدمائهم ويزفهم بين حارات بغداد ومناطقها ومن ثم ينقلهم معه الى باقي المدن العراقية الباقية أحتفاءا بيوم عرسهم الوطني. تلك المأثرة وغيرها من البطولات التي أجترحها العراقيون أجبرت الحكومات اللاحقة تغيير أسم جسر السراي الى جسر الشهداء وجسر الجنرال مود الى جسر الاحرار.

وقد دارت عجلة التأريخ أكثر من خمسة عقود من الزمن ليشهد جسر الأئمة واقعة غريبة وفريدة من نوعها. فوجه الغرابة يكمن في أن من بين العراقيين، الخائنين، المأجورين السائرين على جسر الأئمة، يحرضون ابناء ملتهم على الموت وقتلهم المتعمد ويسترخصون دمائهم للغرباء المحللين دم العراقي بكل طوائفه وأديانه.
أما وجه الفرادة في الفاجعة هو أن الجسر لم يغتسل بدمائهن الزكية، ولم تسقط دمائهن على ارضه، كما في المرات السابقة وإنما سقطت أسوار الجسر نفسه احتجاجا على الفاجعة. فأنتحر الجسر قبل النسوة وسقطت أسواره في النهر قبل سقوط أجساد النسوة. لقد صرخ الجسر محتجا لكنه بصمت حديدي معتقدا انه سيخلص النسوة من الموت الجماعي. فلم تجد النسوة سوى نهر دجلة ملاذا أمنا يخفن أجسادهن الطاهرة من فتك التفجيرات التي قد تقطعهن الى اشلاء مبعثرة.

سارت النساء من فوق جسر الأئمة، مقدامات محتفيات ، مبتهجات، متحديات كل التهديدات التي اطلقت سابقا. وهن يمسكن بأطفالهن ليقضن زيارة مباركة على روح أحد الأئمة المظلومين. وإذا بواحد أو مجموعة عراقية حاقدة ، منتقمة ، كارهة لكل من يحاول ان يحتفل أو يبتهج في العراق. توسط الجموع وهتف بسقوط الجسد العراقي والموت لكل عراقي معادي للكفرة. لم يهتفوا علنا كرجال، شجعان، مقاومين لزيارة النساء الى العتبات المقدسة، بل أختفوا تحت عبائات النساء وحثوا الأطفال بدلا عنهم لأن يهتفوا وهم خائفين، متسترين بين النسوة.

أية مقاومة تستبيح قتل النساء والاطفال والعزل. فكل قوانين الحروب الأسلامية والدولية تؤمن السلام للنسوة والاطفال والشيوخ. وهذا تأكيد قوي أنكم لاتعملون بقانون سماوي او ديني او سياسي وإنما بقانون تكفيري ظلامي يحلل قتل أخوة المسلم وكل عراقي.

أهذه هي المقاومة الشريفة؟؟؟ لقد قتلتم شرفكم أن كنتم تملكون شرف أو ضمير. فأمهاتنا ونسائنا هم شرف و ضمير هذه الائمة وأطفالها هم مستقبلها. فأي ذنب أرتكبوه لتنتقموا من أرواحمهم البرئية؟ فهذه هي مقاومتكم!!! وضد من!!


لقد سقطت النسوة وأياديهن ماسكة بيد اطفالهن خوفا من أن تفجهر بقنابل الأرهابين. فضلن أن يضمن أطفالهن تحت عبائاتهن خوفا من الهلع لكنهن لم يعرفن ان جسر الائمة سيهرب معهن خوفا من الموت ويسقطهن من بين اسواره هذا اليوم.

تسارع أهل بغداد الى ضفة النهر وهم يحملون ما تسير لهم من عدة بسيطة ينقذون نسائهم وأمهاتهم واخواتهم المتساقطات، الهاربات من الموت الى الغرق في نهر دجلة، ذلك النهر الذي أعتاد أن يحمم المرأة البغدادية بمائه الدافئة لكن لم يعتد أن يستقبلها غريقة. أعدتن الفيتات البغداديات ، في السابق، أن يسبحن في نهر دجلة بكامل ثيابهن، إذ يعملن من دشاديشهن، قبة، فارغة من الهواء، فوق سطح ماء النهر ويسبحن فوقها الى مسافات بعيدة ثم يعودن الى ضفاف النهر. كان نهر دجلة يلاعبهن ويدغدغ أجسادهن بمائه العذبة ويحميهن من الموج المتسبب من الماطورات والقوارب القادمة من بعيد.

تعالت اصوات الأستغاثة والنجدة فسمع أهل الأعظمية نداء الاستغاثة وهبوا لانقاذ اهلهم من الغرق الطائفي. ترك الشاب الجميل، عثمان، عمله في المخبز، كغيرة من الشباب وركض الى جهة النهر. رمى عثمان جسده، الساخن من حرارة التنور، القوي، المفتول، في النهر بعد ان شاهد منظر لم يألفة من قبل. فقد شاهد نساء سابحات في عمق النهر وهن لايعرفن ابسط قواعد السباحة والنهر يلتهمهن كالتنور الملتهم للحطب. قفز الشاب المصارع، الشهم، البغدادي،عثمان علي العبيدي، في عمق النهر ليلبي نداء النسوة الصارخات، المستغيثات، لأنقاذهن وأنقاذ اطفالهن. تصرف بأخلاقه البغدادية النيبلة التي لاتمّيز بين أهله بطائفتهم أو أنتمائهم وأنما بأخلاقهم. تسارعت يد المصارع عثمان لتضرب ماء دجلة بقوة وتمنعه من التهام أهله فمسك بالغريقات الواحدة بعد الاخرى وما أن يوصل احداهن الى الضفة حتى يرجع مسرعا نحو هذا المخبز المائي المتقد. لم يسترح عثمان لحظة واحدة وهو يسارع ويسبح ضد التيار لينقذ ما امكن أنقاذه من الأمهات والنسوة الطائفات فوق وتحت الماء. وبعد ان أنقذ المراة السادسة قفز من جديد في النهر ليتقابل مع امرة كبيرة في السن، لم تتحمم من قبل في نهر دجلة. مسكت به من عنقه وهي تحلّفه بشبابه ان ينقذها. حاول عثمان ان يفلت منها ليتسنى إنقاذها لكنها لم تفهم حركته وتعليماته فتمسكت به وأنزلته الى قاع النهر معها معتذرة منه بأنها لاتجيد قوانين السبح ولا حتى المسيرة على الجسر.
تعارفت وتعانقت وتصالحت الاجساد العراقية في قاع نهر دجلة وهم لايعرفوا سبب موتهم لكنهم كانوا متيقنين أنهم كانوا ضحية لأيادي ارادت ان تعبث بهم وبأخوتهم وسلامهم الأجتماعي.

هكذا يثبت الشهيد عثمان علي العبيدي مرة ثانية أن البغداديين هم بيت واحد وعائلة واحدة في الشدائد والمحن وما يطلقه الخائبون من نعرات وثقافات طائفية أنما هي بالونات فارغة، تطير في الهواء بلا أساس وجذور، يتففن في صنعها رجال الطوائف والأرهاب والأغراب.
جائت كارثة الجسر الأئمة لتؤكد ان العراقيين ينبذون الطائفية والتفرقة البغيضة وبالرغم من انها فاجعة كبرى ودرس قاسي في خسارته لكنه سيبقى حاضرا، يدّرس في كل مدن ومدارس العراق، وسيتعلم منه الجميع بأن العراقيين هم شعب واحد.

فهذه الكارثة الشعبية أثبتت أن بغداد كانت وستبقى أم المدن العراقية التي أرضعت أبنائها حليبا طاهرا خالي من العرقية والطائفية والقومية ومهما حاول بائعي الجمل الطنانة والشعارات المفبركة من جهد فلن يغيروا من سلوك المواطن العراقي . فنحن العراقيون ابناء دجلة والفرات، النهران العظيمان، المتفارقان من أعالي جبال العراق لكنهما يعودان يتزاوجان، يتحابان، يجتمعان في شط العرب في أرض الجنوب الطيبة.
فأهل بغداد يفتخرون بأنهم مقتوا الطائفية البغيضة والقومية الضيقة وقد عاشوا وسيعيشون متأخين، متسامحين، متوحدين فيما بينهم. فأن كانت القاهرة تسمى أم الدنيا فبغداد هي أم المحبة والسلام الاجتماعي.

سيتوارى جثمانك الثرى أيها البغدادي الجميل، عثمان علي. لكنك لم تمت وستبقى حاضرا في ضمير الأمة وشاخصا في جسور وشوارع ومدن العراق.
الصبر والسلوان لأهل الفقيد الحاضر، الغائب، عثمان الذي سيغتسل بجسده كل مشاكل النعرات الطائفية وسيجمع شمل العراقين من كل الطوائف والأديان والقوميات.
عزائي لكل أهل وذوي الشهداء والشهيدات وأتمنى لهم الصبر والسلوان.



#لميس_كاظم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقط جسر الأئمة وسقط جسد المواطن وستبقى حكومتنا صامته
- التهديد والتفجير يتقاطعا مع ديمقراطية الدستور
- دستور بلا ثقافة وفنون وأدب... كجسد جاف بلا روح
- حرية المواطنة في مسودة الدستور
- علم العراق رمزا لتأريخ وحضارة العراق
- حق الضمان الأجتماعي المتساوي في الدستور
- مسودة الدستور لايجوز التعديل عليها.
- أسقطت مسودة الدستور من فقراتها جدولة انسحاب القوات الاجنبية
- جلسة ساخنة للجمعية الوطنية العراقية
- الدستور الجديد سيكتب في الأنبار
- الدستور الديني الجديد سيسجن ديمقراطيا الحرية المدنية
- جمهورية الأقاليم العراقية الاسلامية المتحدة
- غابت حقوق الوطن في مسودة الدستور الجديد
- مقترحات عامة لمسودة الدستور العراقي
- ضعفت سياسة محاربة الارهاب فقط من العراق
- احتفالات ارهابية في لندن
- عفوا ايها النواب... نقطة نظام
- المفاوضات الخجولة
- وطنية الدستور الجديد
- مقابلة مع القاص والناقد الدكتور زهير شليبة


المزيد.....




- سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص ...
- السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
- النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا ...
- لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت ...
- فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
- -حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م ...
- -الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في ...
- -حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد ...
- اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا ...
- روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لميس كاظم - عثمان حاضر في دستور العراق