محمد فتاتي
الحوار المتمدن-العدد: 4699 - 2015 / 1 / 24 - 00:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المؤكد أن القوى الديمقراطية والثورية وفي مقدمتها الجبهة الشعبية أضاعت وقتا ثمينا منذ انتهاء مرحلة الانتخابات النيابية والرئاسية , إذ كان عليها أن تنكب مباشرة على تقييم مجمل أوضاعها الداخلية السياسية منها والتنظيمية لتستخلص الدروس وتعيد على أساس ذلك بناء ذاتها بما يؤهلها فعليا الى مواجهة استحقاقات المرحلة الموالية. ولكن شيئا من ذك لم يحصل , وظل الجميع , وظل الجميع في حالة من الغيبوبة و الانتظارية , بينما كان الخصوم السياسيين وفي مقدمتهم النداء والنهضة يعدان العدة ويضعان مختلف السيناريوهات السياسية لادارة استحقاقات المرحلة.
على القوى الديمقراطية والثورية وفي مقدمتها الجبهة أن تقطع مع الانتظارية,فلا احد سيتكرم عليها بشيء بل إن العكس هو الصحيح,فالجميع يحاول عزلها وتقزيمها وخلق الفراغ من حولها,وهذا أمرا طبيعيا اذا ما اعتبرنا تناقض الرؤى والمصالح والبرامج المقترحة لمعالجة ازمة البلاد الخانقة وتداعياتها. ولكن المؤلم والمفزع حقا هو سلوك هذه القوى مجمعة ,الباهت , وروح الاستكانة والخضوع للامر الواقع,وكان مصيرنا ليس بأيدينا,او لسنا اصحاب مشروع مجتمعي جديد ولسنا من المؤمنين على هذا البلد واهداف وتطلعات شعبنا.
امامنا ثلاثة اهداف اساسية:
1) في مستوى الجبهة الشعبية:
الجبهة مدعوة الى كسر حاجز"الخوف"من العملية التقييمية والتقويمية ,اذ من المفروض أننا جميعا قيادة واطارات وقواعد,معنيون بهذه المهمة,ويجب ان نكون شديدي الحرص على تقييم المشوار الذي قطعته الجبهة لتشخيص اوضاعها والوقوف على مكاسبها واخطائها مهما كان حجمها وعمقها.ولن يتسنى لنا ذلك الا متى اقلع مجلس الامناء على التذرعات الواهية للتنصل من انجاز هذه المهمة,ومارست اطارات الجبهة وكل مناضليها وانصارها حقهم في فرض هذه المهمة كأولوية الأولويات لتخليص الجبهة من امراض واخطاء عرقلت تقدمها واشعاعها وانتشارها وجعلتها فريسة للتجاذبات والمحاصصات بين مكوناتها,وافقدها انعدام هيكلتها والتسيير الديمقراطي داخلها طاقاتا بشرية ونضالية كانت تشكل اهم خزاناتها البشرية.
فانجاز التقييم اذا مهمة اكيدة ومباشرة لا يمكن تجاهلها او القفز عليها مهما بدت التبريرات "وجيهة",وهي مفتاح تجاوز حالة العجز والانحصاروالمحاصصات والضبابية في الاداء السياسي,والتشتت وانعدام الهيكلة التنظيمية والمؤسساتية,وهيمنة السلوك البيرقراطي.
وفي النهاية اعتقد ان مسالة "التصور التنظيمي"الذي تم اعتماده منذ ندوة سوسة الوطنية (وان كان ظروريا في تلك المرحلة) مطروح علينا اليوم مراجعته بصورة جذرية حتى تكون الجبهة بحق جبهة كل منخرطيها,وان نقطع مع تصور "الجبهة جبهة احزاب مع مستقلين".فهذا التصور قضى عهده وولى واصبح اليوم سبب "البلاوي"التي نتخبط فيها,من تجاذبات ومحاصصات حزبية,راينا اوجها ونتائجها اثاناء وضع القائمات الانتخابية وما صاحبها من اقصاء متعمد للمستقلين,الى تسيير بيروقراطي وتهميش للمناضلين ومصادرة لحقهم الطبيعي في وضع سياسات الجبهة واختياراتها.
ان اعادة العافية للجبهة سياسيا يقتضي فتح باب الانخراط الحر لكل من يقبل ببرنامجها ويدفع انخراطه ليتمتع بحقه في التنظم والترشح لاي مستوى من المسؤولية فيها ,وينتخب من يراه كفئا للمسؤوليات القيادية محليا وجهويا ووطنيا.هذا هو المدخل الاصح للتسييرالديمقراطي ولعودة الثقة في صفوف مناضليها وانصارها ويجعلها بحق قادرة على لعب دور القاطرة لتوحيد القوى الديمقراطية والثورية في اطار تنظيمي لا يمكن ان يكون بالضرورة الجبهة الشعبية.وهي المهمة التي تحشد كل يوم اعدادا متزايدة من الداعين والداعمين لها.
2) مستى الحركة الديمقراطية والثورية:
هذه الحركة وبكل مكوناتها مدعوة اليوم اكثر من اي وقت مضى الى الجلوس مع بعضها بعد الخيبات المتكررة التي اصيبت بها منذ 14 جانفي 2011 بسبب القصر السياسي ومراهنة كل حزب منها على ذاته,الى جانب قواسم مرضية مشتركة اخرى تشمل مجالات الفكر والسياسة والتنظيم والممارسة.فالحركة مدعوة اليوم الى تشخيص امراضها واخطائها بعيدا على كل نفس تبريري وروح استعلائية هدامة.فهي مدعوة الى التسلح بالجراة والنزاهة للاقدام على حركة تصحيحية شاملة وعميقة في ابعادها الفكرية والسياسية والتنظيمية للوقوف على الثوابت والقواسم المشتركة فيما بينها حتى تخلص الى وضع برنامجا سياسيا عاما مشتركا وايطارا تنظيميا موحدا يقطع مع التشتت وعقلية الحوانيت المصخرة احيانا في خدمة كيانات ضعيفة مهمشة وعلى قياس بعض "الزعامات"التي اثبتت محدوديتها في التعاطي مع اهم المحطات السياسية التي عاشتها البلاد منذ 14 جانفي 2011 .
ان موضوع وحدة القوى الديمقراطية والثورية يجب ان يتصدر اهتماماتنا جميعا,اذ لا مخرج لنا ولا بصمة لنا في الحياة السياسية والفعل فيها ومواجهة التحديات القادمة,ما دمنا شتاتا وما دمنا ندير ظهورنا –تحت تبريرات واهية وهي نفسها من عناوين الفشل-لمطلب الوحدة والتنظيم الموحد,مما يؤهلنا ان نطمح بحق لنكون صوت الشعب وعنوان ارادته واداته في قيادة المعارك المقبلة من اجل استكمال مهام الثورة بوضوح ونضج وكفائة عالية.هذا اذا هو التحدي الاكبرالمطروح اليوم رفعه,وهذه هي الحلقة المركزية التي يجب المسك بها لجر بقية حلقات السلسلة.وعلينا ان نبحث بجدية في آليات التجسيد من خلال التوافق على هيئة (يتم الاتفاق على شروط ومقاييس تشكلها) تتولى الاتصالات بجميع الاطراف المعنية تنظيماتا وافرادا لوضع التصورالاولي لهذا المشروع ثم تتلوه محطات انجازية اخرى.
3) في تاطير الحركة الشعبية:
الانتخابات النيابية والرئاسية هي بمثابة تجاوزا للمرحلة الانتقالية,غير ان البلاد مازالت تعيش على وقع تداعياتها الأخذة في التوسع والتعمق.وهذه الاوضاع تطرح على الحركة الديمقراطية والثورية جملة من المهام والالتزامات لتكون في مستوى مؤازرة الحركة الشعبية ,العمالية والطلابية والتلمذية والنسائية وغيرها في نضالاتها المطلبية والسياسية عبر اطرها وهياكلها المهنية الممثلة ,من اجل برنامج اقتصادي واجتماعي يحمي ويدعم استقلال البلاد من النهب الخارجي واملاءات الصناديق الدولية,ويؤسس الى نمط تنموي شامل وعادل ,يحد من الفقر والبطالة ويرسي دعائم اقتصادا وطنيا يعتمد اساسا على قدرات وامكانيات البلاد الذاتية.
وتعد حماية الحركة النقابية العمالية من مخاطر التقزيم والتهميش وحياكة المؤامرات والدسائس ضدها من اوكد مهام الحركة الديمقراطية والثورية,الى جانب الحرص الشديد على اعادة الاعتبارلقيمة العمل وحماية الحركة الشعبية من مزالق التشتت والفوضوية في ظل اوضاع داخلية وخارجية تدفع في اتجاه تقويض اي استقرارواي عمل يخرج البلاد من حالة الانكسار والتجاذبات والركود الاقتصادي,ويوفر عوامل النجاعة في مقاومة الارهاب وحاضنيه وتجفيف منابعه.
ان نجاح الجبهة الشعبية في تشخيص ومعالجة اخطائها ونقائص عملها من خلال ضمان تشريك كل مناضليها بقطع النظر عن "هياكلها"الحالية هو السبيل الاقوم للقطع مع المراوحة وروح الرضاء الذاتي التي ميزت سلوك القيادة,وهي الخطوة الواجب قطعها لانقاذ الجبهة من خطر التكلس والانحسار والسلبية في التعامل مع المخاطر الجدية المحدقة بالبلاد,وهي بهذا السلوك الايجابي اضافة الى ما حضيت به من ثقة لدى شرائح واسعة من الناخبين,لقادرة لا فقط على احتضان كل ابنائها ومؤيديها بل سيساعد هذا المنحى الايجابي بقية مكونات الحركة الديمقراطية والثورية على اذابة الجليد فيما بينها والتعاطي بروح بناءة ومسؤولة مع النداءات المتطلعة للوحدة السياسية والتنظيمية للقوى الديمقراطية واليسارية.
محمد فتاتي.
#محمد_فتاتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟