|
سد النهضة إلى أين؟
شوكت جميل
الحوار المتمدن-العدد: 4698 - 2015 / 1 / 23 - 14:50
المحور:
الصناعة والزراعة
يقول عمر الخيام: (إن تفصل القطرة عن بحرها...ففي مداه منتهى أمرها) .
كنت أتذكر، منذ عهد ليس بالقريب، هذه الكلمات و أبتسم،والمحاضر الكريم يستفيض في شرحه لنا ،عن الدورة الهيدرولوجية في درس هندسة الإمداد بالمياه؛فقد أوجز الشاعر المسألة بصورة مبسطة للغاية، وإن كان لغايةٍ أخرى :يتبخر الماء من البحار والمحيطات، ومن ثم يتكاثف هذا البخار بشكل أو بأخر ليكون ما يسمى بالسحب،التي ما تلبث أن تستحيل بدورها إلى تساقطاتٍ مائية أو هطول،يتبخر منه ما يتبخر في طريقه إلى سطح الأرض أو اليابسة،ويتساقط منه ما يتساقط فوق سطح البحار،ويصل الباقي منه إلى سطح الأرض،فيتسرب نصيبٌ إلى بطن الأرض كمياه جوفية،ويستقر منها نصيبٌ في شكل بحيراتٍ سطحية،ويجري منها نصيبٌ كأنهار،وتستمر المياه في الانطلاق في مجرى الوادي أو النهر حيث تصل أخيرا إلى" منتهى أمرها"، و تصب في مياه البحر أو المحيط؛ريثما تلتقط أنفاسها ،لتلهث من جديد في دورتها الأزلية.
ونيلنا العجوز الكريم ليس غريباً ولا عصياً على هذه السيرة؛يجري من الهضاب الجنوبية للقارة السمراء عفياً عنيفاً،حتى يصل شمالها،مكدوداً متقطعَ الأنفاسِ،فيلقي بذراعيه على دلتاه مفضياً للبحر.لكن نيلنا الشيخ_كأنهارٍ غيره_ ليس بنهر دولة وحدها،إذ تتشاطأ عليه دولٌ عدة وثقافات عدة،ولسببٍ وجيه وسمت باسمه"دول حوض النيل"،وهنا تكمن المشكلة،فلكلٍ مصالحه و لكلٍ أطماعه،ولطالما تعارضت المصالح و الأطماع،ومن هنا أيضا تنشأ الخصومات وتنشب النزاعات؛فليس عجيباً إذن،أن انتبهت القوى الاستعمارية لهذه الناحية ،وأبرمت اتفاقية "1929 "للتنسيق حول حقوق كل الأطراف و نصيب المياه لكل منها،جرى ذلك إبان الاحتلال البريطاني لمصر،ولقد مُنِحت لمصر والسودان ميزات نسبية كثيرة،وفي الحق أن نظام ثورة يوليو بعد التحرير و الاستقلال، لم يكن أقل باعا و لا قصر في هذا الشأن،وأبرمت اتفاقية 1959،لأن هذا النظام كان على وعيٍ تام بما للمسألة من خطرٍ و جسامة،فكرست الجهود للتواجد السياسي والاقتصادي والثقافي و المخابرتي أيضا بدول الحوض،فساعدت و أسهمت في تحرير هذه الدول.وان شئت الصدق،فلقد تنبه للأمر نفسه من هو أقدم بكثير من هذا وذاك؛ولعلنا نتذكر بعثات "حتشبسوت"ملكة مصر الفرعونية،لاستكشاف منابع النيل،و إجراء معاهدات اقتصادية وسياسية لتأمين هذا البعد الإفريقي،أما الأمر الذي في غنى عن الإبانة أو التدليل،فهو أهمية النيل كمصدر للحياة وما يتصل به من علاقات بدول حوض النيل؛هي إذن ليست مسألة أمن قومي وحسب؛ كلا بل هي مسألة وجود..حياة أو موت.
وأرى،كما يري غيري ،انه المشروع الأولى بالمضي فيه،هذا فقط إذا رغبنا في أي تقدم أو نهضة،أما المفارقة ففي كونه و منذ عقود أكثر المشاريع إهمالا و زراية؛فبعد رحيل"جمال عبد الناصر" انكمش التواجد المصري بحوض النيل وإفريقيا انكماشاً منكراً،و كان من حماقات "السادات" أن تدهورت العلاقات باثيوبيا،و وصل الأمر للتهديد العسكري لأثيوبيا،بعد دعمه الغير مبرر للصومال في مواجهتها، و بعهد النظام المباركي،الغير مبارك، كنا قد أدرنا الظهر تماماً عن الجنوب،و نفضنا أيدينا من القضية، وهجرنا النيل بمياهه وطميه وطينه، لنولى وجوهنا شطر الشمال البراق المبهر النظيف...فتركنا الساحة خاويةً؛واللاعبون كثر بسياسات وخطط محكمة،لدولٍ تعي و تقدر أزمة المياه القادمة الطاحنة،ليس على المستوى الإفريقي وحده،بل على المستوى العالمي،وحقيقة الأمر إن من يملك ولو قدراً يسيراً والماماً سطحياً للدراسات في هذا الشأن؛ لعلم أن أزمة المياه و التصحر قادمة لا محالة،وأنها الأزمة العالمية التي يستشرفها الباحثون.
ولنعرض المشكلة ببساطة:_ أولا :المعضلات الحالية:_ -;---;-----;-------;---- تمثل مياه النيل ما يربو على تسعة إعشار ما نستهلكه و نملكه من مياه(منزلي_زراعي_صناعي)،والباقي من المياه الجوفية،وأما مصادر الأمطار فتكاد تكون معدومة.
-;---;-----;-------;---- نصيبنا من مياه النيل طبقا لاتفاقية 1959" 55,5 مليار متر مكعب سنوياً"كان كافيا في حينها،و لم يعد كافيا الآن بسبب الزيادة السكانية،فوصل نصيب الفرد المصري من المياه حد الفقر المائي،ومن المتوقع أن يصل إلى حد القحط.
-;---;-----;-------;---- من المستبعد زيادة الحصة المائية لمصر، لأن حاجة دول حوض النيل الأخرى للمياه لا تقل عن حاجتنا.
-;---;-----;-------;---- وحتى هذي الاتفاقيات السابقة، لم تعد تلقى قبولا من دول حوض النيل،لأنها تمت آنذاك تحت الاحتلال طبقاً لرؤيتهم،و تمثل إهانة للسيادة الوطنية لتلك الدول، اإذ تنظر اليها كاتفاقيات غير عادلة تعطى لمصر اليد الطولي والقرار في تحديد ما تراه وحدها،ما قد يضر بمصالحهم المائية.
-;---;-----;-------;---- سد النهضة الإثيوبي،من السدود الضخمة،وليس صحيحا ما نسمعه بأن الهدف منه توليد الطاقة لا غير وليس صحيحا انه لن يؤثر على حصة المياه المصرية والسودانية،والواقع أن إقامة السد سوف يتسبب في نقص هذا المقنن بمقدار(18)مليار متر مكعب سنويا.ويقلص الطاقة المولدة من السد العالي بما يقرب من الخمس.
-;---;-----;-------;---- حدوث انخفاض مؤكد في مناسيب المياه في سطح النيل، والترع مما يسفر عن تبوير مساحات شاسعة يقدرها البعض ب(2)مليون فدان.ناهيك عما سيصيب النقل الملاحي والسياحة النيلية.
-;---;-----;-------;---- التواجد المصري في غاية الضعف و يكاد يكون معدوماً في دول حوض النيل كما قدمنا،فضلاً عن تدخل بعض دول الجوار للبحث عن أدوار ومصالح ،تتعارض مع مصالحنا الوطنية.
ثانيا:بارقات أمل:-
-;---;-----;-------;---- ما تستهلكه جميع دول حوض النيل لا يزيد عن خمسة بالمائة من أجمالي الإمطار المتساقطة، و الباقي فاقد في منطقة البحيرات والتسرب والبخر..إلخ.ويمكن تضافر الجهود على المستوى الدولي و التعاون التقني،ولكن قبل كل هذا و بعده ، نحتاج إلى التقاء سياسي على أعلى مستوى وتغيير البوصلة المصرية ناحية جذورها الإفريقية.
-;---;-----;-------;---- تستهلك مصر ما يقترب من تسعة أعشار نصيبها الإجمالي في الزراعة فقط والباقي في مناحي الحياة الأخرى،وما زالت شبكة الري و الصرف المصري بوجه عام تعتمد أكثر ما تعتمد على القنوات المفتوحة(الترع والمصارف)،والتي يصل بها فاقد المياه إلى الثلث نتيجة التسرب والبخر،وقد تصل في بعض الحالات إلى النصف !نتيجة لطبيعة الأرض أو الطقس الجاف في بعض المناطق. وطرق الري الحديث تمثل خطوة في غاية الأهمية لمنع هذا الإهدار غير المبرر.
-;---;-----;-------;---- الفاقد في شبكات تغذية المياه للاستخدام المنزلي والصناعي كسر كل حواجز المقننات العالمية؛ وأصبحت مصر تعوم على بحيرة من الماء السطحي الملوث في العادة، وهي تعاني من الفقر المائي!بعض هذه الشبكات تجاوز عمرها خمسين عاماً.والحل يكمن في إحلالها وتجديدها.
-;---;-----;-------;---- ترشيد الصناعات النوعية ذات الشراهة والاستهلاكية العالية للمياه،و فرض رقابة صارمة على مثل هذه المصانع حكومية كانت أو خاصة.
وما زال النيل النجاشي الطاعن يجري، فمدوا إليه أيديكم،يمدكم ... بالغذاء و الكساء.
.................................... ملحوظة:سقط سهواً الحديث عن الفترة القصيرة لحكم مرسي و عصابته،و الذي زاد الطين بله،بالمؤتمر الرئاسي المهزلة الذي أذيع على الهواء،و التي تعالت به الصيحات لتأديب الحبشة و إرسال الفرقاطات البحرية لضربها!.و قد تعرضت له من قبل في المقال على الرابط: www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=362882
#شوكت_جميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا لو عاد المسيح اليوم؟
-
دعوة الواجب
-
البؤساء تعيد نفسها في مصر،عبد المسيح مثالاً
-
كادر مشيدي الحضارة يا محلب
-
لمسة حياة
-
لهتلر نوبل للسلام و للغنوشي جائزة ابن رشد
-
مخطوطات العهد الجديد_دراسة نقدية_
-
إرحلْ!
-
ثورة البعير
-
المنهزم
-
نزاهة النقد الديني و توزيع الصفعات بالتساوي!
-
الذبيح:إسحاق أم إسماعيل؟!
-
الخِراف
-
أنا الشرقي
-
فطرة الذئاب
-
هيَ و الصاعق
-
صاحب الكَرْم
-
عاشَ حماراً و مضى حمارا(2)
-
عاشَ حماراً و مضى حمارا(1)
-
نضال و وحدة و فناء الأضداد(2)
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو
...
/ سناء عبد القادر مصطفى
-
مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس)
/ صديق عبد الهادي
-
الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي.
/ فخرالدين القاسمي
-
التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل
...
/ فخرالدين القاسمي
-
الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا
...
/ محمد مدحت مصطفى
-
الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال
...
/ محمد مدحت مصطفى
-
مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق
/ منتصر الحسناوي
-
حتمية التصنيع في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام
...
/ عبدالله بنسعد
-
تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا
...
/ احمد موكرياني
المزيد.....
|