أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - محمد الحمّار - تونس: ما معنى أن يشنّ أساتذة الثانوي إضرابهم لآن؟















المزيد.....

تونس: ما معنى أن يشنّ أساتذة الثانوي إضرابهم لآن؟


محمد الحمّار

الحوار المتمدن-العدد: 4697 - 2015 / 1 / 22 - 23:15
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


من السهل - لكن من المؤسف والمؤلم أيضا- أن يموت مخرج سينمائي (الأمريكي دايفد كراولي، 29 سنة) بمعية زوجته وابنتهما الصغيرة وأن تكون الميتة مشبوهة بسبب تنديد شريطه بالنظام العالمي الجديد (الشريط بعنوان "جراي ستايت"- "الدولة الرمادية" ، وقد تمّ اكتشاف العائلة الميّتة بتاريخ 18-1-2015 بمنطقة آبل فالي بولاية مينسوتا). لكن من المستحيل أن يغتال 80,000 أستاذ تعليم ثانوي تونسي (ومعهم 20,000 أستاذ تربية بدنية) بسبب تنديدهم - مهما كان ضمنيا- بنفس النظام العالمي الجديد (إضراب يومي 21 و 22 من الشهر الجاري) مطالبين بتحسين وضعهم المادي المهين حقا.

قد تكون إذن أهمّ وأعمّ الدلالات لإضراب الأساتذة هي أنّه يمثل حملة استباقية ورسالة إلى كل جهة محلية تسوّل لها نفسها بأن تقصي القوّة القاعدية و النقابية الأستاذية من حسابات السياسة الاجتماعية والاقتصادية لتونس مستقبلا، لا سيما أنّ كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ الحكومة الرسمية الأولى- التي هي قيد التشكّل لتكون قائمةُ أعضائِها جاهزة في الأسبوع المقبل- ستكون ليبرالية التوجّه من الناحية الاقتصادية أي تابعة للمركز الرأسمالي العالمي المهيمن.

بالتالي فإنّ مطالبة أساتذة الثانوي بالزيادات في أجورهم يعَدّ أضعف الإيمان في بلاد فيها قلة قليلة تعتاش على حساب قوت الأغلبية وهي أقلية طامعة لا محالة في أن تكون الحكومة القادمة خير ممثل لها وأفضل مدافع عن مصالحها الحيوية. واستطرادا، لعل هذه الشريحة الاجتماعية التي تتمثل في أساتذة الثانوي أن تكون، بفضل حركتها النقابية، بصدد بناء اللبنات الأولى لمشروعٍ تحرري يهدف في الآن ذاته إلى مناهضة نظامٍ عالمي حالي يتسم بفلسفة التوحش الاقتصادي وإلى التصدي لمحاولة النظام العالمي الجديد اقتفاءَ أثر النظام الحالي أو ربما الإتيان بسياسات تتصف بأكثر تفقيرٍ للشعوب وبأكثر حيفٍ لفائدة رأس المال وأصحابه وعلى حساب العقل والأخلاق والقيم النبيلة.

من جهة أخرى، لئن كانت المجتمعات المتقدمة مستفيدة من النظام الرأسمالي ومعدّلة لتوحّشه الاقتصادي بفضل سياسات اجتماعية ناجعة في كافة القطاعات من بينها قطاع التعليم، فإنّ المجتمعات التابعة على غرار تونس باتت متضررة منه بشكل رهيب. لنقم بمقارنة عسانا نلمس مدى الضرر الحاصل للأستاذ التونسي. عالميا، يتقاضى أستاذ الثانوية شهريا مبلغ 7,000 د.ت (4,000 دولارا تقريبا) حسب دراسة تمّت مؤخرا في 36 بلد. وثبت أنّ الراتب المتوسط (بعد 15 سنة عمل) لأستاذ الثانوية في فرنسا قيمته 4,500 د.ت، و في المانيا قيمته 9,000 د.ت، وفي سويسرا قيمته 11,500 د.ت، و في الليكسمبورغ قيمته 18,000 د.ت. وحتى لا يقال إنه لا يجوز مقارنة تونس النامية ببلدان متقدمة، نكتفي بالتصريح بأجر الأستاذ في المغرب الشقيق، ألا وهو المقدر بقيمة 2,100 د.ت، بينما في تونس فيُقدّر الراتب المتوسط للأستاذ بزهاء 900 د.ت والأستاذ الأول المميز (أعلى رتبة في السلّم) لا يتلقى شهريا أكثر من 1,300 د.ت (تشتمل القسط الأكبر من منحة الإنتاج).

يعني هذا مما يعنيه أن بلدا مثل تونس أين مستوى العيش بلغ غلاءً أشدّ مما بلغه مستوى العيش في ألمانيا أو في فرنسا - في مجالات كثيرة- ومع هذا فإنّ الأستاذ التونسي يتقاضى عُشر الدخل الذي يتقاضاه نظيره الألماني، وخُمُس ما يتقاضاه نظيره الفرنسي، ناهيك أن نشبهه بنظيره السويسري أو الليكسمبورغي. كما أنّ ذلك يعني أنّ تونس، أين الدخل الفردي الخام أعلى مما هو عليه في المغرب الأقصى، هي بلد ينتفع فيه الأستاذ بأقل من نصف الراتب الذي ينتفع به نظيره المغربي.

في ضوء هذا نفهم أنّ وضع الأستاذ - في أيّ بلد في العالم- ليس مرتبطا بمطلبية مالية دون سواها وإنما هو رهنٌ بوجود خيارات اجتماعية شاملة ومتكاملة، وإرادة سياسية لتنفيذها، من عدمه. ويتضح أنّ مثل هذه الآليات غير متوفرة في تونس. وهذا ما يتجلّى من خلال الإيديولوجيا التي يعتنقها عامة الناس حول مطالب القطاع. فالناس مسكونون بمجموعة من الأفكار المسبقة تتلخص في عبارات مثل "ماذا يريدون؟!" و "ألم يَشبعواعطلا وراحة أموالا تدرّها عليهم الدروس الخصوصية؟!" كما ليس الإعلام براءً بشأن تكريس هذه الإيديولوجيا المتعاكسة مع المصلحة العليا للبلاد.

هكذا يكون الشارع والعائلة والطبقة السياسية والإعلام في تونس مخطئين في حق أستاذ الثانوي والمدرّس عموما. و مَن يتحدث عن الدروس الخصوصية ما عليه إلا أن يسائل نفسه من المسؤول عن استشرائها، وسوف يدرك أنّ المجتمع هو الذي يمارس ما يكفي من الضغط لإرغام الأستاذ -والمعلم في الابتدائية- على التنازل على كل القيم التي من المفترض أن يؤمن بها ويمررها للمتعلم من أجل إشباع رغبة أولياء التلاميذ في رؤية أبنائهم وبناتهم يجتازون الامتحانات بامتياز ثم يتسلقون السلّم الاجتماعي بجشع كبير، وإشباع رغباته المالية تباعا. هكذا يكون الطرفان الاثنان للصفقة من خيرة المنخرطين في المشروع الكمبرادوري العالمي المسقط.

كما أنّ كل مَن يجرؤ على محاسبة الأستاذ المادي مطالب بإلقاء نظرة على ما يسمى بالضوارب المعتمدة في احتساب الأعداد للتأكد من تغوّل مادتي الرياضيات والفيزياء/الكيمياء في مناهج التعليم وذلك على حساب المواد الأساسية مثل اللغات والاجتماعيات والإنسانيات والأخلاق والروحانيات. إنّ مجتمعنا أضحى للأسف مجتمعا يعبد المادة عبادة فينطبق عليه المثل الشعبي القائل "يأكل الدنيا ويتسحر الآخرة"، وإلا ما معنى أن يتقاضى مدير عام للبنك في تونس مبلغ 80 أو 100 ألف دينار شهريا؟!

بالنهاية، لعلّ إضراب أساتذة الثانوي في تونس مناسبة لتذكير الشعب ما قاله كبار القادة والتربويين في العالم على غرار الرسول الأعظم، محمد صلى الله عليه وسلم، ومارتن لوثر كنغ، ونلسون ماندلا، ولويس فاراخان، وكان روبنسن، ونعوم تشومسكي، ما قالوه حول مكانة المعلم، عساه أن يتبيّن أنّ رفاهية المجتمع رهنٌ برفاهية هذا الذي كاد أن يكون رسولا، وبالتالي أنّ كل إصلاح للمنظومة التعليمية رهنٌ بردّ الاعتبار للمدرّس وذلك طبعا من خلال متطلبات إصلاح المشروع المجتمعي العام، لا بمعزل عنه.



#محمد_الحمّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أية مقاربة لاقتصادٍ تونسي ديمقراطي؟
- متى يعيد التونسيون قراءة التاريخ؟
- السِّبْسُوقِيّة التونسية أم الطريق إلى الميتا- ديمقراطية؟
- الشباب التونسي والسبسية/المرزوقية والطريق الثالث
- تونس تستعيد مكانتها بين الكبار
- الشباب التونسي لم يقم بثورة، فما العمل؟
- تونس: الناخبون بين تقدمية القرآن ورجعية السياسة
- تونس الانتخابات، إما الكفاءات وإما الفضلات
- تونس: البُعد المفقود في انتخابات 26 أكتوبر
- أليس النموذج التونسي بحاجة إلى نموذج آخر؟
- تونس: هل ينفع تعلم اللغات الأجنبية في سن مبكرة؟
- هل ستكون انتخابات تونس حقا انتخابات؟
- هل تصبح تونس وليبيا بلدا واحدا؟
- حين تكون اللغة أفضل من الناطقين بها
- في الاختلاف الإسلامي المسيحي ومستقبل العالم
- في الرد على طرح سامي ذويب: حتى نتطور مع إتباع ملتنا
- إعادة تأسيس اليسار التونسي؟
- اليهود يحجون إلى تونس والتونسيون يدفعون الضريبة
- لو نعيش يوما واحدا بلا عقلية المؤامرة
- إذا التقى الانحراف العقائدي مع الانحراف اللغوي!


المزيد.....




- “وزارة المالية العراقية”.. استعلام رواتب المتقاعدين شهر ديسم ...
- السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام ...
- السيد الحوثي: السجل الاجرامي الامريكي واسع جدا وليس لغيره مث ...
- Greece: Great Strike Action all Over Greece November 20
- 25 November, International Day for the Elimination of Violen ...
- 25 تشرين الثاني، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
- استلم 200000 دينار في حسابك الان.. هام للموظفين والمتقاعدين ...
- هل تم صرف رواتب موظفي العراق؟.. وزارة المالية تُجيب
- متى صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 وطريقة الإستعلام ع ...
- استعد وجهز محفظتك من دلوقتي “كم يوم باقي على صرف رواتب الموظ ...


المزيد.....

- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - محمد الحمّار - تونس: ما معنى أن يشنّ أساتذة الثانوي إضرابهم لآن؟