|
من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (4) دروس الثورات
عمرو محمد عباس محجوب
الحوار المتمدن-العدد: 4697 - 2015 / 1 / 22 - 11:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الكتابة عن احداث بضخامة الثورات العربية مسئولية جسيمة. يزيد من جسامة المهمة، أن الذين قاموا بالثورة لم يصلوا للحكم، وبالتالي لم يكتبوا تاريخها، على العكس فقد قامت الثورة المضادة وبقايا الانظمة بالتصدي لتشويهها والانتقاص منها. الامر الاخر أن هذه الدول لم تشكل لجان تحقيق معتبرة، أو الكتابة بواسطة أكاديميين موضوعيين، لذلك فكل الأحداث لها عدة قراءات متباينة ومتفارقة، حتى من قادتها الحقيقيين. بل أن بعض الثورات لم تنته بعد. الثورات العربية تنظبق عليها ما قالته الكاتبة الفرنسية جورج صاند "لا أحد يقوم بثورة بنفسه؛ وهناك بعض الثورات الإنسانية التي تنجز دون أن يعرف الناس تماماً كيف حدثت، لأن الجميع شاركوا فيها"
. سمات الثورات العربية
لخصت شعارات الثورة التونسية ومن بعدها المصرية كل مطامح الشعوب العربية وثوراتها، لكنها اكثر من ذلك تشابهت في مسيرتها العامة ومآلاتها. فى كافة دول الثورات العربية، تواجدت قوتان متجاورتان، النخبة السياسية المعارضة، خاصة الشباب، والتى كانت بعد يأسها من الاصلاحات من داخل النظام، ان اقتنعت ان حل الازمة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية الشاملة هو فى تغيير النظام كليا.
القوة الاخرى كانت معارضة، شملت اغلب الشعب، ذات جذر اقتصادي واجتماعي وعبرت عن نفسها فى النقد القاسى للنظام، العزوف عن المشاركة فى النشاط السياسى والحركات الاحتجاجية. ادى عدم قدرة النخبة السياسية المعارضة الرسمية فى تنظيم هذه الجماهير، أن حدث تلاق بين القطاع الشبابى وبين المعارضة الجماهيرية فحدث انفجار شعبى مدوى لاسقاط النظام وعيبها الاساسى، الذى ظهر جليا فى كافة الثورات، انها بلا قيادة سياسية.
إرادة الثورة
سوف اتناول الوضع عبر مفهومي الارادة والارادة. ارادة الثورة طريق طويل تم بنائه عبر الحراك الشعبي المستمر والرغبة في التغيير، شمل ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي ونقابي ومهني، حيث يتمظهر ثم يخبو، حتى يكاد يقترب من الانطفاء، بسبب عوامل موضوعية وأخرى ذاتية، لكنه لا ينقطع، وظلّ مستمراً ومتواصلاً على الرغم من الصعود والنزول، إلى أن حان موعد اللحظة الثورية المثيرة للدهشة حد المفاجأة، فتنتقل الشرارة وتسرى مثل النار في الهشيم، وكما يقول ماوتسي تونغ: "يكفي شرارة واحدة لكي يشتعل السهل كلّه".
في كل دول الثورات العربية سادت منذ فترة طويلة دول ضعيفة، مفككة ومنقسمة وغير قادرة على الحكم بالاسلوب الذى تعودت علية (القمع الحكومي المكثف، تكسير كل أدوات وآليات العمل السياسي المدني المعارض بإستغلال إمكانات الدولة (الأمن والاقتصاد والإعلام، اختراق الأحزاب والمجتمع وغيرها). هذا الى جانب الضائقة الاقتصادية الطاحنة واثارها الاجتماعية المدمرة. توفرت ارادة الثورة والقيادة الميدانية التى اخرجت الجماهير الساحطة والمحبطة، في مشاهد بطولية ومذهلة إلى جميع الساحات والميادين واستطاعت انجاز ثورتها.
عشية الثورات العربية
كانت الثورات العالمية التي نشدت التحولات الديمقراطي، الحرية والمطامح الاجتماعية الاقتصادية، والتي عمت اطراف عديدة في العالم من دول شرق ووسط اوربا، امريكا اللاتينية وافريقيا قد اختطت النموذج الاسترشادي العام لمسيرة الثورات. تركز النموذج على فترة انتقالية تتراوح في مدتها، تعالج في اغلبها اعادة ترتيب القوى الصاعدة الجديدة، تفاهمات حول وضع الجيش في الحياة العامة، وضع الدستور وتحديد نظام الحكم. شهدت هذه الفترة تدخلات تراوحت من التدخل العسكري المباشر، لكن اغلبها كانت تدخلات استخباراتية واسعة. انتهت هذه الفترة باتتخابات عامة تعدديه، تحت اشراف دولي كثيف. احتاجت اغلب الدول لحوالي العشر اعوام لاستقرار الامور ودخولها مرحلة الدولة المستقرة.
لم تختلف الامور في الثورات العربية، وأن كانت لم تحسم امور كثير منها حنى الان. فقد استمرت الفترة الانتقالية حوالي ثلاث سنوات في تونس ومصر، اجيز فيها الدستور الدائم، تمت بعدها انتخابات عامة في تونس ولم تكتمل في مصر حتى الان. ليبيا اليمن لازالتا حتى الان في هذه الفترة. شهدت كل الدول تدخلات استخباراتية واسعة، من اطراف اقليمية ودولية. التدخل كان مباشراً في ليبيا عن طريق تحالف غربي وعربي، وفي اليمن عن طريق المبادرة الخليجية والتي اكتسبت تأييداً دولياً.
إدارة الثورة
عندما خرجت الجماهير في كافة الساحات وطالبت بإسقاط النظام، كانت تقوم بمهماتها الكلاسيكية في تقرير مصيرها، ظلت صامدة في الميادين وساحات القتال حتى اسقطت الانظمة، صاغت شعاراتها الواضحة، ودفعت من دم شهدائها. الذين اداروا ارادة الثورة. القطاعات الشبابية، وقود الثورة وقادتها الميدانيين، لم تكن تملك الخبرة الكافية بحكم السن والتجربة، لم يكونوا مؤهلين لإدارة ما بعد نجاح الثورة. كان الدور اللاحق من مهام النخبة السياسية والفكرية. هذه النخب كانت لاتقرأ تجارب غيرها، منغلقة في شوفينيتها ونتاج عقود طويلة من العمل التحتي، الاتصالات الجانبية والاتفاقات الامبدأئية. الارادة التي حققت الثورات فشلت في إدارة الثورة.
كان امام نخب العالم العربي تجارب ماثلة، في السودان، من ثورة وانتفاضة، كانت كتاباً مفتوحاً لفشل الثورات وعوامل انجاحها. كانت تجربة سودان الانقاذ كتاباً حول سياسات وتوجهات الاسلام السياسي وملخصاً محزناً واليماً عن "التمكين" وتدمير الدولة. بشكل عام سيطر علي النخب المدنية المصرية التوجه إلى الغرب وامريكا والاحتفاء بتجاربها، وعدم الاهتمام بالتجارب خارج هذه المنظومة، وكان هذا اشد بالنسبة لتجارب السودان. ساهم كثير من الكتاب والمفكرين المصريين في التقليل من التجارب السودانية والاستهانة بها، مما قلل من الانتباه لها من النخب السياسية، وعدم الاحتفاء بها.
تميز الصديق عبد الرحمن المهدي إمام أنصارالمهدي، في معارضته للنظام العسكري السوداني الاول (1985-1964) بتطور خطابه، وسوف يصل هذا التطور ذروته في مخاطبة برنامجية في الاحتفال بعيد الهجرة 1961 ، والتي تمثلت بالدعوة "قيام حكم ديمقراطي منبثق من مبادئ الإسلام والواقع السوداني مستمد من تجارب الماضي". كان هذا اول طرح سياسي يدعو لاعتماد مبادئ الإسلام وليس الشريعة كمرجعية. دعوة سوف تشكل اساس المناقشات المعمقة في دول الثورات جميعها، وتصبح الصيغة التي سوف تتجه لها كل الدول (الوثيقة رقم 3: جهاد في سبيل الديمقراطية: مطلب الامة: اشرف على اعداده الصادق المهدي،www.umma.org ).
عندما خرجت الجماهير في نهاية مارس 1985، في كافة مدن السودان، كانت هذه آخر أنفاس القطاعات المدينية المتعلمة المنتمية للطبقة الوسطي، قاطرة الثورات، التي كانت إما في المهاجر المختلفة، أو دمرها النظام المايوي إفقاراً وسلباً لحقوق التنظيم. لم تستطع الانتفاضة أن تنجز ما وصلته أكتوبر 1964 من مجد، تغيير النظام بالكامل، عودة العسكر لثكناتهم فاكتفت ببرنامج صيغ على عجل: مجلس عسكري من قادة العهد البائد، ومجلس وزراء بلا صلاحيات سيدشن ما عرف في الأدبيات السياسية بحكومة تسيير الأعمال، سقط النميري في 6 ابريل 1985 ولم يسقط النظام!! هذه الفترة الإنتقالية هي التي وضعت الأساس لصعود تيار الدولة الدينية عن طريق تحالف متنوع.
لكن التيارات المدنية المصرية اضطرت لاول مرة أن تمعن النظر وبشكل عميق ومتآن لجارهم الجنوبى – السودان- فى تجربتة البائسة مع تيار الاسلام السياسى، ودراسة تكتيكات اخوانهم وتاريخها لفهم طبيعة القوة التى خرجت عليهم من غياهب السجون والقرى الفقيرة والحارات العشوائية. ليس هذا فقط فقد اضطرتهم الحاجة الملحة الى التبحر والبحث العميق فى التجارب الدستورية لجنوب افريقيا، البرازيل، اندونيسيا وغيرها. ربما كانت التجربة "الاسلامية السودانية"، درساً قاسياً استوعبه الشيخ الغنوشي (عاش في السودان لفترة وتابعها في كافة منحنياتها)، ومن نقد التجربة استطاع أن يعبر لرحاب التوافق والتسامح الفكري.
لقد ساهم الإسلام السياسي المصري وبشكل فعال، في دفع الشباب، والتيارات المدنية إلي الخروج من النخبوية والأكاديمية والوصول إلي الشارع في عمق قراه، التفاعل معه، واجبرهم على البحث والتنقيب في كافة التجارب الإقليمية والعالمية، والتي كان يستنكف عن الخوض فيها إما تكبراً عليها او لعدم الحاجة اليها.
دروس الثورات العربية
سوف تحذو الثورات العربية النموذج السوداني حذو النعل بالنعل في مساراتها وأن اختلفت التفاصيل. في تونس تدخل الجيش ولكنه سرعان ما عاد للثكنات وسارت الامور كما في السودان وأن اختلفت النهايات لنوع من التسوية التأريخية والتعايش بين التيارات المختلفة في الدولة. كانت مصر المعمل الذي تمت فيه كافة مراحل النموذج.، وسوف تمثل مسارها، تعرجاتها ودروسها تلخيصاً مقطراً لكافة نمادجها الماثلة في ليبيا واليمن ومناطق اخري مثل سوريا والثورات المتوقعة خاصة في السودان.
عندما اعلن الجنرال عمر سليمان تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن الحكم وتحويل سلطاته لمجلس عسكري انتقالي، عم ميدان التحرير الفرح والابتهاج. رغم أن هذه كانت مطالب الميادين، وكان متوقعاً، فقد وضح جلياً أن كل الذين قادوا النضال البطولي الجبار طوال 18 يوماً لم يكونوا جاهزين لهذا الموقف. خلال اسابيع الاحتجاجات والاعتصامات، كان يتم نزع الشرعية عن نظام الحكم بالكامل. المعضلة الحقيقية أن الدولة كانت تديرها اجهزة الامن وليس السياسين المدنيين وعند سقوطها سواء بالاخراج من الساحة كما حدث للشرطة، او بحل جهاز مباحث امن الدولة. حدث هذا في كل الثورات، وأن بشكل اقل في تونس، واخراجها تماماً من الساحة في ليبيا.
ادى هذا لخلق فراغ سياسي واداري في كافة الدول، ملأته القوى الاكثر تنظيماً، إداريا ومالياً، تيارات الاسلام السياسي المختلفة. هذه القوى المنظمة كانت مثل الانظمة التي سقطت، تعتمد على الطاعة المطلقة داخل التنظيم، والفاشية الدينية في الحكم. كان الجيش هو القوة الوحيدة من اجهزة الدولة التي حافظت على تماسكها، وفي نفس الوقت، لأنها كانت الحاكم الفعلي طوال عقود، كان الافتراض أن لديها الخبرات والكفاءات المطلوبة لادارة البلاد. كان هذا هو المشهد الذي سوف نحاول ان نستقي منه بعض الدروس الممكنة. الدرس الاول: عندما تنجز ثورة لابد أن يصل الذين قاموا بها، قبل فض الاعتصامات في الميادين، الاتفاق على برنامج واضح للفترة الانتقالية، قضاياها، طاقمها القائد وخريطة طريق واضحة للمسار المفروض.
في كل الثورات كانت السمة البارزه امتلاك الجماهير القوة والقدرة لانجاز الانتفاض، اسقاط رؤوس الانظمة، ابداع الشعارات وغيرها. برغم هذا فقد طاردتها الامراض التي ورثتها النخب من تجاربها التاريخية وكان اخطرها واكثرها ضرراً: الانشقاقات والانقسامات. هذا الميراث الاليم في مصر، ليبيا التي وقعتا تحت الاستعمار البريطاني والايطالي، وحافظت فيه المجتمعات على مكوناتها الاجتماعية التقليدية والفكر الابوي، واليمن ذات التكوينات القبلية والطائفية، وبدرجة اقل في دول الاستعمار الفرتسي التي عملت على تحديث الموروثات الثقافية ونشر فكر التنوير الفرنسي، وإن حاولت تذويب ثقافاتها، سوف يقود لعجز النخب على الوصول لأي اتفاقات ذات بال. لقد كان من المذهل أن ثورة ضخمة بحجم الثورة المصرية لم تستطع قوى ميادينه المتراصة، لاكثر من اسبوعين، الاتفاق على مجلس رئاسي للحكم.
كل الثورات العربية مضت في طريق ميثولوجيا "الدولة العاقرة" التي اعتبرت الطاقم الحاكم من الانظمة القديمة مستودع الحكمة، الكفاءة والنزاهة، ومن ثم اعادتهم إلى الحكم. كل الحكومات التي شكلتها الثورات العربية كانت مكونة من هذه الطواقم، وتحمل سنوات ما بعد السبعين. رغم مناداة كل النخب المختلفة بإيصال الشباب "ويعنى بها رجال بين الخمسين والستين"، والمرأة والاقليات، فعند اختيارها اتجهت لتدوير النخبة الحاكمة، ابعاد النساء إلا باقل قدر واقصاء الاقليات. الدرس الثاني: عندما تنجز ثورة لابد أن يصل الذين قاموا بها للسلطة، أي تنتقل من ارادة تحقيق الثورة إلى تحقيق ادارة الثورة، لانجاز عودة الجيش لمهامه وهيكلة اجهزة الامن، اسعاف اقتصادي واجتثاث الفساد، وضع دستور مدني ديمقراطي وانهائها بانتخابات عامة.
عندما تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة القائد العام للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوى سدة الحكم ، وقبل به الميدان وتفرق كانت الثورة قد فقدت المبادأة في تنفيذ ما نادت به. برغم المهابة، البطولة والمشهد الانساني الرائع في الميادين العربية المختلفة، فقد توقفت عند الشعارات، وعجزت النخب التي كان عليها فرض ارادة الثوار عن الاتفاق على أي برنامج. بعد أن كانت القوى المدنية الديمقراطية سيدة الميادين والساحات، وشعاراتها هي السائدة وهي التي تقدم الشهداء، سوف تبدأ قوى التيارات الدينية (الاخوان المسلمين، السلفيين، الجماعة الاسلامية وغيرها) في ملء الفراغ وتبدأ في استغلال الحماس الشعبي لتنظيم جمعاتها المنفصلة مثل "جمعة قندهار" وغيرها.
سوف تتواجد هذه الثلاث قوى في الساحة ومنها سوف تتشكل نتائج الثورة المصرية. رغم أن الجيوش في دول الثورات العربية اعتبرت أنها كانت في الحكم لمدة طويلة، لكنها كانت خارج السلطة، وقد اثبت الاداء السيء والضعيف للمجلس الأعلى للقوات المسلحة خاصة، والجيوش في الدول الاخرة هذه الاطروحة. وقدم تنازلات كبرى أدت لوقوع السلطة في براثن الاسلام السياسي في تونس، مصر وليبيا والحوثيين في اليمن.
عندما انفضت الجموع الثائره من الميادين، وذهب الشباب للراحة من اسابيع الارهاق الطويل، وكانوا قد حققوا ارادة الثورة ولكنهم كانوا قد غادروا محطة ادارة الثورة تماماً. سوف يعود هؤلاء لمحاولة استعادة ثورتهم ولكن سوف يقودهم ذلك للتنبه لما اخطأوا فيه عندما قبلوا بانصاف الحلول وسوف يبدأون بالمناداة بعودة العسكر إلى الثكنات وهيكلة اجهزة الامن. وسوف تدفعهم نتائج التفاهمات التي حطت بالقوى الدينية في السلطة، إلى تفجير الموجات الثانية للثورة في تونس، مصر وليبيا والتي انتهت بالتراضى في تونس، 30 يونيو 2013 قي مصر والكرامة في ليبيا.
الدرس الثالث: عندما تنجز ثورة لابد من البعد بها عن التدخلات الاقليمية والدولية.
واجهت الثورات العربية، غير الانظمة الحاكمة قوى عديدة، اتاحت التجارب المختلفة والاحداث امكانية تصنيفها الاولي، هناك القوى الدولية ولها محورين أساسين: الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة ولها امتدادات محلية واقليمية، ومحور روسيا والصين وكانت اما منحازة للدولة الحاكمة كما في موقفها في ليبيا وسوريا، اومحايدة في الدول الاخرى وتحاول كسب حلفاء جدد. وتحالفت الدولتان في سوريا مع ايران. تراوحت الدول الاقليمية من دول عربية محافظة تكتلت في جامعة الدول الغربية وخرجت منها قطر وتركيا حيث ايدت قوى الاسلام السياسي.
ادت التدخلات الاقليمية والدولية في شئون الثورات بشكل عام، منذ الثورة الفرنسية، إلى وقوف هذه القوى مع اكثر القوى اليمينية في المجتمع، وصدق هذا على موقف الدول من الثورات العربية. في هذه الثورات ساندت الدول الغربية قوى الاسلام السياسي ولعبت دوراً في وصولها للحكم في مصر، سلمتها مفاتيح طرابلس، اما في اليمن فقد لعبت المبادرة الخايجية على ازاحة على صالح من الحكم والسيطرة فعلياً على السلطة. سوف نؤدي المبادرة الخايجية لاحتفاظ صالح بالجيش ومن ثم تسليم اليمن للحوثي لتصبح شوكة في خاصرة السعودية.
لم تسمح الثورتان التونسية والمصرية لأي من هذه القوى بالتدخل المباشر، وحافظت على محلية القرار. سوف تستدعي احداث ثورة 30 يونيو 2013 ، التدخل الفظ والسافر للغرب، قطر وتركيا لاعادة عقارب الساعة للوراء. ثورة يونيو كانت موجة من ثورة يناير 2011 ، وانجزها شبان كانوا محبطين من الفاشية الدينية التي حاول التيار الديني فرضها، وغاضبين من الغرب الذي يدعي الديمقراطية في شعاراته ويقتلها بافعاله. عندما دعت الجامعة العربية، للتدخل الدولي كانت تعطي روشتة الذهاب إلى المجهول. انتهى القذافي، تشتت نظامه وعندما دخل بلحاج طرابلس، كانت ليبيا تدخل غياهب الفوضي والسياسات العشوائية والفساد.
الدرس الرابع: اتفاق برنامج الفترة الانتقالية وخريطة الطريق جزء من رؤية بناء الدولة المستقبلية. رغم اعتراف كل الذين ملأوا الفضائيات، الصحف ومقالات المواقع الالكترونية، بغياب الرؤية في كل بلاد الثورات العربية، فقد عد من سقط الحديث. فكل النخب انشغلت عن التفكير في الرؤية، صياغة البرامج وخلق الاتفاقات بينها، إلى قضايا هامشية، وتمادت في نزاعاتها وانشقاقاتها. هناك اعتقاد من الصعب تتبع مصدره، تفصل بين مهام مابعد الثورات، أي الفترة الانتقالية، وبين مفهوم الرؤية.
في سنوت الانتقال اتيح للتوانسة والمصريين، الوصول لاهمية الرؤية في بناء اوطان المستقبل، وحدث تفرس شديد في كيفية التحضير لرسم الرؤية، ممهداتها، آلياتها والتجارب الناجحة في الدول التي سبقتنا مثل الهند، ماليزيا، الصين، كوريا، جنوب إفريقيا، عمان، دبي، البرازيل واندونيسيا. قام كتاب ومفكرين بعرض هذه التجارب، زيارات للبلدان المعنيه، استضافة مفكرين عملوا عليها ونفذوها وغيرها.
سوف تدفع النخب المدنية الديمقراطية ثمناً غالياً لعدم ترجمة احاديث تلفزيوناتها، صالوناتها، مقالاتها وغيرها، إلى برامج تمس حياة الملايين الذين فاضوا على الساحات والميادين، واعطاء الملامح الاساسية للمستقبل الذي تتطلع إلى تحقيقه وتتفوق بها على الأوضاع السائدة. لم ترسم الصورة الذهنية لما ينتظر في نهاية طريق لم تسلكه من قبل، تصبغ الأوضاع المستقبلية في نهاية هذا الطريق من مكونات وعناصر هذه الصورة. لقد كان تلهف الشعوب واضحة، خاصة في المشهد المصري التي ارتفعت فيه اخر تجاربها في مشروع وطني، صور الزعيم عبد الناصر.
#عمرو_محمد_عباس_محجوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (3) مطالب الثورات
-
من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (2) صناعة الثورات
-
من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (1) الطريق إلى ثورات الربيع
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|