تحليلات سايكولوجية مُتفرقة(1)...اسطورتا التنين و الفردوس المفقود

يوسف شوقى مجدى

الحوار المتمدن-العدد: 4696 - 2015 / 1 / 21 - 21:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

فى البداية أحب ان اوضح شيئا هاما للقراء الكِرام ، فى هذا المقال سنقدم بعض التحليلات السايكولوجية الغير مُتصلة مع بعضها البعض فلا يوجد ادنى رابط بين المواضيع المُتناوَلة الا اول موضوعين فمن المُمكن وضعهم تحت عنوان الاساطير القديمة و من الممكن ايضا اعتبارهما استكمالا للمقالة التى كتبناها سابقا بعنوان "التحليل السايكولوجى للأساطير القديمة" ..فى علم الفيزياء الكلاسيكى ، من الممكن تحليل كل حركة لأى جسم من خلال سلسلة من المعادلات و الرسوم البيانية فالتحليلات ليست للأشياء العامة فقط بل لأى حركة لكل جسم هكذا ايضا التحليل النفسى فهو ليس فقط للموضوعات الكبيرة و المعقدة بل كل فعل انسانى ، كل كلمة تخرج من فم الانسان من الممكن ان نقدم لها تحليلا نفسيا و نعرف اسباب كل شىء و ذلك مُمكن من خلال بعض الاشياء اهمها معرفة تاريخ مُصغَر لسلوك الانسان المقصود بالتحليل لنخرج بنتائج دقيقة بدون نقصان او مبالغة .. سأبدأ بتحليل روايتين اسطوريتين تم ذكرهم فى معظم او كل الثقافات و الحضارات فيوجد حضارات مُتأخرة "نسبياً" نقلت هذه الروايات الاسطورية من الحضارات القديمة كاليهودية و اليونانية ..و لكن نحن نحتاج ان نعرف كيف وصلت الحضارات القديمة لتلك الاساطير؟! .. اولا.. اسطورة التنين و قد يختلف قالب الاسطورة حسب كل حضارة و لكن الجميع يتفق على وجود تنين خرج من العالم الاسفل بعد ما تم خلق العالم و انتهت الالهة من تنظيم العالم و كان هذا التنين - حَسب الاساطير – مبعوث من قوة العدم و العَبث(التى هزمها الالهة عند الخلق) لكى يدمروا العالم و ينتقموا و لكن فى النهاية سيهزمه اله و كتب البشر المَلحمات التى تُمجد .. و بعد ان عَرضت الاسطورة امامكم .. سأبدا بشرح التفاسير النفسية المُتعددة لها .. يقول "يونج" .. ان التنين يُمثل قوة الابوين و سُلطتهم و تربيتهم للأبناء و هزيمة التنين فى النهاية تُعتبر نُضج الابناء و عدم احتياجهم للوالدين و التمرد على سُلطتِهم و لكن أرى ان هذا التفسير يتسم بشىءٍ من السطحية ، فأساطير التمرد على سلطة الابوين تم تمثيلها قديما فى اساطير خلق العالم فلا يوجد اى مُبرر من اعادة القصة مرة ثانية مُتأخرة فى تاريخ الاسطورة العام .. و لكن يوجد تفسير اخر ، أرى انه اكثر نُضجاً عن الذى قبله و هو تفسير عالم النفس "فرويد" .. يقول فرويد ان التنين يُمثل قوة الشر داخل الانسان ، و شهواته التدميرية التى كانت ظاهرة قبل وجود الحضارة التى حَكمت الانسان و قيدته و كل ذلك لكى تُهذب سلوكه الحيوانى و كل تلك الاشياء قابعة فى لاوعى الانسان و خروج التنين يُمثل غضب الانسان و تخليه عن القيم الحضارية عندما يُحكِم شهواته بدلا من عقله فى لحظات الجوع الشديد و الاحتياج الزائد للجنس و هزيمة التنين تُمثل رجوع الانسان عن شره و تدميره و تحكيم عقله و هزيمة النفس الشريرة الموجودة فى لاوعيه .. لننتقل الان لرواية اخرى ..ثانيا .. الفردوس المفقود او للشرح ..هى اسطورة من الممكن ان نجدها عند معظم الشعوب تقريبا و هذه الاسطورة لديها اهمية كبيرة و ذلك يرجع لانها تُمثل حقيقة واقعة فى بعض الديانات مثل المسيحية و يُبنى هلى تلك الاسطورة عقائد مهمة جدا مثل عقيدة الفداء و التى بُنيت فى الاصل على فكرة سقوط "ادم و حواء" و هذا نَتج عنه الحاجة للفداء و الخلاص ..و نلاحظ هنا التشابه بين اسطورة الفردوس المفقود و بين اسطورة الطوفان و لكن الفرق هنا ان اسطورة الطوفان لا يُبنى عليها عقائد اساسية فى المسيحية و يجب ان نذكر ايضا ان القران تشابه مع التوراة فى هاتين الاسطورتين و لكن مع اختلافات صغيرة فى القالب الذى وُضعت فيه الاسطورة ..تقول الاسطورة ان كان هناك رجلا و امرأة يعيشون فى نعيم و راحة (فردوس) و بعد ذلك تم خروجهم من الفردوس و اختلفت الحضارات فى اسباب الخروج فقيل ان الالهة قد غضبت عليهم و اخرجتهم و قيل ايضا انهم عصوا الله فاخرجهم الله ..و لكن الجميع يتفق على شيئين هما وجود الراحة و الفرحة قبل الخروج و وجود التعب و الشقاء بعد الخروج !.. ومن الممكن لنا معرفة الاسباب النفسية لتأليف الاسطورة اذا نظرنا لسلوك الانسان فى مرحلتين قبل الحضارة و بعد الحضارة .. قبل الحضارة كان يعيش الانسان فى حالة من الفوضى و عدم النظام و فى نفس الوقت الراحة و الرخاء فكان يقطف الثمار و يصطاد الحيوانات و يأكل و يمارس الجنس بحرية شديدة و كان كل ذلك يصُب فى مصلحة نفسه و لكن بعد قيام الحضارة بدأ الانسان يعمل بجهد كبير و بنظام فلم يكن الطعام الذى يزرعه و يجنيه او الحيوانات التى يصطادها لم تكن له او لعائلته بل كان للسيد او الملك فقد جاء النظام ليطوق روحه و انعدمت الفوضى لكى تقضى على راحته فكانت هذه الاسطورة تعبيرا رائعا من الانسان القديم على التحول العظيم الذى حدث لحياته و لمصيره فحالة ما قبل الحضارة تُمثل الحياه فى الفردوس و حالة ما بعد الحضارة تُمثل الخروج من الفردوس .. و بعد ان انتهيت من التحليل لهذه الاساطير الرائعة سأنتقل الى تحليل بعض الامور و لكنها فى عصرنا هذا (الحديث) و لكن فى مقال اخر.

#يوسف_شوقى_مجدى (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات