|
الحزب الشيوعي اليوناني في ضلالة ظلماء
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 4696 - 2015 / 1 / 21 - 14:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحزب الشيوعي اليوناني في ضلالة ظلماء
ليس الحزب الشيوعي اليوناني وحده في ضلالة ظلماء، بل هناك أيضاً سائر الأحزاب الشيوعية التي تنتهج فكرياً النهج اليوناني دون أن تتعرف على عدوها الذي تعلن جنديتها لمقاتلته . ولكي نؤكد أن الحزب الشيوعي اليوناني وسائر الأحزاب المثيلة هم في ضلالة ظلماء بل ولم يعودوا شيوعيين، تتوجب الإجابة على السؤال التالي .. ما هو الحزب الشيوعي ؟ الحزب الشيوعي هو جماعة من الشعب، أو الأحرى من الطبقة العاملة، أخذت على عاتقها تقويض النظام الرأسمالي ليس في بلادها فقط بل وفي سائر أنحاء العالم أيضاً. حسناً يعلنون أنهم مجندون لمحاربة النظام الرأسمالي وتقويضه كنظام موغل في استغلال الإنسانية، غير أن الإعلان وحده لا يكفي إذ يتوجب أن يسبق الإعلان المعرفة الدقيقة والشاملة للعدو وهو هنا النظام الرأسمالي وإلا فالإعلان ليس إلا كذباً وخداعا . كيف يمكن أن يُؤخذ على محمل الجد محارب لا يعرف العدو الذي سيحاربه !؟ مثل هذا المحارب إنما يحارب نفسه ؛ وهكذا فالحزب الشيوعي الذي لا يعرف النظام الرأسمالي حق المعرفة إنما هو بالنتيجة يحارب الشيوعية !! معرفة النظام الرأسمالي حق المعرفة هو الشرط الأولي المسبق كي يكون المرء شيوعياً حقيقياً وصادقاً ؛ ولا مشاحة في ذلك فكارل ماركس ورفيقه فردريك إنجلز تبيّن حال إعلان نفسيهما شيوعيين بانضمامهما إلى عصبة الشيوعيين في بروكسل في العام 1847 أنهما كانا على علم واسع وشامل بالنظام الرأسمالي الوليد آنذاك وهو ما تبدّى بصورة جليّة في الوثيقة التاريخية " البيان الشيوعي ـ المانيفستو " وقد صاغاه حال انضمامها لعصبة الشيوعيين . وتجلي ذلك أيضاً في كتاب ماركس " العمل المأجور والرأسمالية " وفيه التشريح الدقيق للنظام الرأسمالي وقد أنجزه قبل نهاية 1847 .
نستذكر كل هذا توطئة للدخول على مقالة للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني نشرت في "الحوار المتمدن" بتاريخ 15/1/2015 باسم عضو اللجنة المركزية مسؤول العلاقات الخارجية السيد إليسيوس فاغيناس تحت عنوان " عدسات تشويه قراءة العلاقات الدولية المعاصرة " . ما يفجؤنا حد الاستهجان هو أن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني لم تستطع أن تفهم أن بعض الدول تتخذ قرارات سياسية لا تتناسب مع النظام الرأسمالي فيها . ولما كان لينين قد أكد " أن السياسة هي التعبير المكثف للإقتصاد" فليس هناك من شك في أن قراءة العامة ـ غير المتفقهة في العلوم الماركسية كالحزب الشيوعي اليوناني ـ للعلاقات الدولية المعاصرة تتم أحياناً من خلال عدسات تشويه فتُرى على غير حقيقتها . ثم تعود اللجنة المركزية لترى أن مثل هذه القرارات التي لا تنسجم مع النظام الرأسمالي إنما تُتخذ بالتناغم مع السياسات الأميركية حفاظاً على النظام الرأسمالي ومصالح البورجوازية في البلدان المعنية . الذكرى الطيبة لرفيقنا العبقري وليم شكسبير الذي كتب لنا مسرحية " جهد الحب الضائع (Love s Labour s Lost) للتمييز ما بين الأوهام والحقائق . كيف لنا أن نتأكد من أن العامة تقرأ العلاقات الدولية المعاصرة من خلال عدسات تشويه وليس الحزب الشيوعي اليوناني خاصة وأنه يرى أن القرارات السياسية لبعض الدول تتعارض مع نظامها الإقتصادي ولا يجد تفسيراً لهذا التعارص غير التبعية لجبروت الولايات المتحدة للحفاظ على التظام الرأسمالي في العالم . نعود نستذكر هنا أيضاً رفيقنا العبقري شكسبير في مسرحيته (حلم ليلة في أعالي الصيف / Midsummer Night s Dream) وكيف أن الحب يفسد العقل . الرفاق في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني يتركوننا نحلم بأن الثورة الإشتراكية العالمية على الأبواب، ولذلك تتوحد الدول الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة للحفاظ على أنظمتها الرأسمالية !! الوله في حب الثورة الاشتراكية خرّب عقول رفاقنا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني فباتوا يرون ألمانيا تصدع لأوامر الولايات المتحدة كيلا تنقضّ بروليتاريا ألمانيا على السلطة وتقيم دولتها الدكتاتورية ونظامها الاشتراكي . نحن نرثي حقاً لحال العقول الخربة في اليونان ولنا أن نفجأهم بالحقيقة التي تقول أن الولايات التحدة اليوم تقاوم الرأسمالية أكثر مما يقاومها الحزب الشيوعي اليوناني، ولدينا أكثر من دليل على ذلك ,
الحزب الشيوعي اليوناني الذي تجند لمقاتلة وتقويض الرأسمالية لا يعرف ماهية الرأسمالية، لا يعرف العدو الذي تجند لمقاتلته !! الرأسمالية وكما عرفناها من ماركس هي نظام الإنتاج الذي يوفر فائض القيمة وكل نظام لا يوفر هذا الفائض ليس تظاماً رأسمالياً على الإطلاق . ولا يتوفر فائض القيمة إلا من العمال البروليتاريا إذ يتم تشغيلهم بأجور أقل من قيمة إنتاجهم والفرق وهو فائض القيمة يعود للرأسمالي الذي كان قد وظف رأسماله لجني تلك الفوائض التي هي وحدها المحرك الوحيد للنظام الرأسمالي وسبب استمراره في الحياة . الولايات المتحدة الأميركية التي يراها الحزب الشيوعي اليوناني قلعة الرأسمالية الأولى والأقوى لم يعد يعمل فيها أكثر من 32 مليون بروليتارياً من مجموع سكانها الذي يزيد على 320 مليون نسمة وهو مايعني أن كل عامل بروليتاري عليه أن يعيل عشرة أشخاص حيث أن البروليتاريا وحدها فقط هي من يخلق الثروة ويضيف قيمة للموجودات القومية ؛ وهذا قبل أن يتحقق أي فائض للإنتاج يمكّن وحده الولايات المتحدة لأن تكون دولة رأسمالية يتحقق فيها فائض إنتاج وهو التجسيد لمجمل فائض القيمة . مثل هذه الصورة إن هي إلا خيال مريض لرجل لا صلة له بعالم اليوم . مقارنة سريعة لحال الولايات المتحدة في بداية النصف الثاني من القرن العشرين حين كان عدد سكان الولايا المتحدة لا يتجاوز 150 مليوناً وكان نصف هذا العدد تقريباً أو 72 مليونا يعملون كبروليتاريا في الصناعة هوّذاك ما يجعلنا نعرف النظام الرأسمالي على حقيقته . أما أن تساهم الصناعة، حتى وإن كانت جميعها تتم على الطريقة الرأسمالية، بنسبة 17% فقط من مجمل الانتاج القومي للولايات المتحدة فذلك يقطع كل ادعاء يقول برأسمالية النظام طالما أن 83% من مجمل الإنتاج القومي لا تتم وفق الطريقة الرأسمالية ـ هذه هي الحقيقة الصلدة التي تفري عيون القائلين برأسمالية وإمبريالية الولايات المتحدة الأميركية . تقول الإحصاءات الأخيرة أن مجمل الإنتاج القومي الأمريكي يصل إلى 14 ترليون دولاراً وهو ما يدل على أن مساهمة الصناعات الرأسمالية في مجمل الإنتاج القومي هي فقط 2.38 ترليون دولارا . ولما كان فائض القيمة من مجمل قيمة الصناعات الرأسمالية ليس أكثر من 10% مقابل ما يشاع عن يسر معاش البروليتاريا الأمريكية فإن الرأسماليين في عموم الولايات المتحدة يحققون 238 مليار دولارا فقط كفائض للقيمة ينفقون 30 ـ 40% منها لتوفير الخدمات اللازمة للإنتاج والتسويق فبالكاد يتبقّى للرأسماليين 140 مليار دولارا . ليس إلا خَرِفاً من يدّعي أن إنتاج 140 مليار دولارا يستدعي بالضرورة مسبقاً إنتاج 14 ترليون دولارا، وأن الرأسماليين الإمريكان باتوا البلهاء الذين يوظفون أموالهم بفائدة 1.0% فقط رغم كل المخاطر التي يكتنفها النظام الرأسمالي ويعزفون عن الإنتقال بأموالهم إلى المضاربة في البورصة !! هل يحتمل أن يكون الجزب حزباً شيوعياً بدون ماركس !!؟ ماركس عاش عمره وهو يشرح نظام الإنتاج الرأسمالي كونه تحويل قوة العمل البشرية(Labour Power) إلى بضاعة . نحن اليوم نشهد الدول الرأسمالية الكلاسيكية من كبراها وهي الولايات المتحدة إلى صغراها كهولندا تعاني من نقص في البضاعة وتضطر لتلبية احتياجات سكانها لاستيراد البضائع من الخارج، من الصين وبلدان جنوب شرق آسيا، الأمر الذي يعني دون شك أن قوى العمل المتوفرة في تلك البلدان لم تعد تتحول إلى بضاعة، أي أن نظام الانتاج الرأسمالي لم يعد يعمل في تلك البلدان الرأسمالية سابقاً ـ هل لدى المشككين في انهيار النظام الرأسمالي العالمي تفسير آخر؟ بعض الذين يصعب عليهم الإعتراف بالحقيقة بعد أن غابت عنهم، يدعون أن النظام الرأسمالي انتقل من الغرب إلى شرق آسيا . مثل هذا البعض لا يدرك أن نظام الإنتاج هو نظام اجتماعي يقرر بنى المجتمع المختلفة ولا يمكن بناؤه غب الطلب وفي سنوات قليلة ونحن نعلم أن أنظمة الإنتاج في الصين وفي جنوب شرق آسيا هي أنظمة مصطنعة بنتها الولايات المتحدة لمقاومة الشيوعية، وإذاً فهي ليست أنظمة طبيعية قابلة للحياة جاءت وفق التطور الطبيعي لتلك المجتمعات. بفعل العطل الذي أصاب نظام الإنتاج الرأسمالي، جراء المشروع اللينيني للثورة الاشتراكية العالمية وما استدعاه من ثورة تحرر وطني عالمية 1946 ـ 1972 أدّت إلى انسلاخ المحيطات عن مراكزها الرأسمالية، وقعت سائر الدول الرأسمالية الكلاسيكية تحت غائلة مديونية هائلة لا تقوى على خدمتها، وهي لذلك تصطف متوالية اليوم بانتظار الانهيار التام . انهارت ايرلندة واليونان واسبانيا والبرتغال حتى اليوم وغداً ستنهار بريطانيا ومعها مباشرة الولايات المتحدة الأميركية لتنتهي بذلك أنظمة الهروب من الاشتراكية التي كانت سائدة في الدول الرأسمالية سابقاً منذ مؤتمر رامبوييه في العام 1975، وفي الدول الاشتراكية سابقاً منذ العام 1953 . وستتعلم البورجوازية الوضيعة الروسية أن انقلابها على الإشتراكية السوفياتية في العام 1953 لا مستقبل له . سيتعلم الجميع أن أمر ديالكتيك الطبيعة لا رادّ له ومستوجب الصدوع فليس من مهرب سوى الإنتقال إلى الإشتراكية، الإشتراكية العلمية التي استشرفها ماركس وإنجلز في " البيان الشيوعي " قبل مائة وثمانية وستين عاماً .
الشيوعيون من شاكلة الحزب الشيوعي اليوناني، الذين لا يقرون بانهيار النظام الرأسمالي في سبعينيات القرن الماضي وأن نظام الإقتصاد الاستهلاكي الذي بني حالتئذ في سائر الدول الرأسمالية المنهارة وهو نظام يتعارض أساساً مع النظام الرأسمالي إنما بني هرباً من الاستحقاق الإشتراكي، الشيوعيون الذين لا يقرّون بهذه الحقائق القائمة على الأرض هم ليسوا شيوعيين قطعاً، بل هم ضالون ومضلِلون أعداء الشيوعية .
ملاحظة .. يرجى ممن يترجم وينشر بيانات الحزب الشيوعي اليوناني أن يترجم المقالة ويرسلها لنفس الحزب مع خالص الشكر
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإشتباك مع الماركسي العتيد الدكتور حسين علوان حسين
-
الشيوعيون المنتصرون أبداً
-
الحزب الشيوعي العراقي ينقلب ضد الشيوعية
-
كيف يستكلب أعداء الشيوعية!
-
رسالة توجيهية من الرفيق علي الأسدي
-
أزاهير الربيع العربي لن تثمر
-
عبد الرزاق عيد يهرف بما لا يعرف
-
فؤاد النمري - الكاتب الماركسي - في حوار مفتوح مع القارئات وا
...
-
الرفيق سابقاً عبد الرزاق عيد !
-
نمط الإنتاج الرأسمالي
-
البورجوازية في التاريخ
-
رسالة مفتوحة ثانية إلى سعد الحريري
-
في السياسة والاقتصاد
-
في بيتنا تروتسكيُ
-
الشيوعيون ليسوا وطنيين
-
برهان غليون يرثي انحلال الطوائف
-
رسالة مفتوحة إلى سعد الحريري
-
الماركسية والخارجون على القانون (تابع 5)
-
الماركسية والخارجون على القانون (تابع 4)
-
الماركسية والخارجون على القانون (تابع 3)
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|