|
الفرد الأيزيدي. وقفة، ومراجعة
مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)
الحوار المتمدن-العدد: 4696 - 2015 / 1 / 21 - 09:41
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
كان من الممكن أن ألحق هذا النص أيضا ب "رسالة إلى الشباب الأيزيدي" فهما بالتالي يصبّان في نفس المجرى، ولكن لضرورة فصل (الرسالة) كمطلب سريع التنفيذ، وبين هذا النص كورقة عمل و ك(أمل) وربما يأخذ وقتا أطول لذلك اختلفت العناوين، وتم تفرقتهما. يتصدر المشهد الأيزيدي قلق طاف على الوعي وحزن يتسرب رويدا إلى الأعماق (شبكات التواصل الاجتماعي، مثالا) والأمل فيه يشبه تلك القطرات التي كان يتوق لشربها طفل في رحلته عبر جبل (شنكال)، وربما يمكن ملاحظة ذلك في بعض القصائد والتي لا تتعد أصابع اليد الواحدة، وكأن الجميع اتفقوا على النفخ في بوق يقول: كنا ننشد السلام دائما؛ لذلك تمسكنا بإيماننا، وكان هذا سبب اندحارنا، ويوّضح هذا الانحدار الإيماني مراجعة سريعة لمّا ينشر في شبكات التواصل الاجتماعي، والتعليقات المرافقة لها، وممّا يؤسف له إن أغلب المحاولات الذهنية في وعي مغيب قصدا أو دون قصد هي محاولات لتثبيت وجهة النظر هذه ـ دون أن يمكن اعتبارها معادلة ـ ليستفاد منها في أطروحات ولو نظرية . لا شك إن إنكار الواقع وعدم تصديق ما جرى على أرضه يؤدي إلى الضبابية في الرؤى، وفقدان الرؤية الصحيحة لمعطيات الواقع الجديد يؤدي إلى الإخلال بميزان الحقوق والواجبات وهنا تكمن نقطة الانجراف نحو مستنقع السوداوية، ثم التقوقع وكلنا نعلم إن رسم الفرد إطاره الخاص (قوقعته) لا تفيد معه شيء، فكل معاول الثقافة والتنوير لا تجدي معه نفعا لأن تفتيت هذا الإطار يكون عادة من الداخل وبيد المتقوقع نفسه، وليس من الخارج، وبطبيعة الحال كل هذا يؤدي إلى تبني السوداوية كمرجع ذهني وعندها يكون الاستسلام أمر لا مفر منه وحينها يعيش الفرد بائسا بدلا من التنعم بالسعادة التي كان يتوقعها فيبدأ مدّ الجحيم يغمر حياته وتتضرر جراءها العائلة والمجتمع على السواء. من المعلوم إن فقدان الفرد إيمانه بشيء ـ أي شيء ـ يؤدي إلى خلق فراغ روحي وحينها يكون الفرد مستعدا لتقبل البديل وحتى وقت وصول أو العثور على البديل يبدأ الفرد بإفراغ طاقاته السلبية فتكون النتيجة تبني فكرة الاستسلام أو الإلحاد أو عدم الوثوق بالمجتمع نفسه كأقل ردّ فعل ناتج عن الفراغ الروحي نتيجة ما حصل له وفقدانه كل ما يملك. ولكن الحقيقة غير ما نراه على أرض الواقع، الواقع الذي كان من إفرازاته : فقدان الثقة ـ وهو الخيط الرفيع الذي يربط الإدراك مع محيطه وبقطعة ينهار عالم الفرد تدريجيا ـ الاستسلام ـ الذي يؤدي إلى التقوقع ـ . الإلحاد ـ رفض ما كان يؤمن به لانهيار أحلامه ـ وكذلك، فقدان القدرة على البحث عن الحقيقة من جديد ـ وهو أسوأ ما يحدث للفرد فكل شيء عنده حينها يكون سواء. نعم، الحقيقة هي غير ما نراه، ـ الحقيقة التي أتحدث عنها هي الذات البشرية وليس شيء آخر ـ يمكنك أنت أيضا أن ترى وجهها لو شحذت إرادتك فالإرادة نفسها هي أحدى أوجهها. ماء البحر أزرق لأن السماء تعكس لونها على البحر، والحقيقة السماء ليست زرقاء ولا يحزنون اللون الأزرق يتوّلد بسبب انكسارات الضوء بوجود الغلاف الغازي، وبعيدا عن الغلاف الغازي لا لون للسماء سوى الأسود ربما لهذا يلبس (الدواعش) الأسود، ولكن ليعلم أولئك الأوغاد إن جميع الألوان تخرج من الأبيض، لوننا المفضل الذي نلبسه. رضوخنا لواقع الأمر يجبرنا على تحمل الحياة وأعبائها دون أن نحرك ساكنا ويجعلنا نعزف على وتر مقطوع ونصدّق بأن البهجة والسعادة غادرتان لا محالة كيف لا وقد تركنا كل شيء ورائنا، ملذاتنا، ووسائلنا، رقصنا، وطربنا، مواعيدنا، وحدائقنا، حقولنا، وأراضينا ... ولكن فاتنا من جانب آخر بأن الناسك البوذي، والفقير الهندي، والمتسكع الغجري يرفض ما كنا نصبو إليه (الملذات) بكل تفاصيلها بل يتعمد إلى تعذيب جسده لينال بدوره شيئا من تلك السعادة التي كنّا ننشدها فهل السعادة التي يشعر بها الفقير الهندي وهو في صوم متواصل ويكبح جماح غرائزه تقل بهجة عن سعادتنا عندما كنا نملئ بطوننا ونربي كروشنا البارزة. هنالك في الطرف الآخر من يعذب نفسه ليحقق (النيرفانا) مثلما كنا ننشد الراحة لنحققها، ولكن لا نحن كنا على حق ولا الذي على النقيض منا على حق، ففي الحقيقة السعادة دائما نسبية وأعلى مستوى لها هي لحظة ما قبل الولادة وكذلك لحظة الموت، أي الغياب الكلّي عن الواقع، ولكن لنا طريقتنا ولنا قناعاتنا ولنكرر محاولة نيل السعادة علينا أن نمتلك شيئا من الأمل. هناك من يجاهر بأن لا أمل (لأي شيء) فأعلم بأن هذا قد دخل (قوقعته) ولن يتفاعل معك بسهولة، وما تغيّر هو المكان (ولو مؤقتا) أي الاحتلال، وبإزالة المكان وبقاء الإنسان يبقى الأمل (أمل كل شيء) قائما إذا أخذنا بنظر الاعتبار إن الإنسان هو المهم. الأمل موجود في أساطيرنا، فأحيوا معي الأساطير الأيزيدية. الأمل موجود في اسم طاووس ملك فاذكروه كثيرا، وأنصت إلى هذا الملاك الجميل، القوي، العظيم ماذا يقول لك؟ تمزّقنا، نعم، ولكن التمزّق لا يؤدي إلى الضعف إلا إذا رفضنا الحياة. سرّ باتجاه الأمل وإن فقدت المسارات المؤدية حينها أتبع الخطوات المثقلة بالعطاء، فلا أحد يفيض بالعطاء وهو بعيد عن نبع الأمل. فقط سرّ، فربما اكتشفت شيئا، نعم، الحقيقة بشعة الملامح، ولكن يجب أن تتعوّد النظر إليها، كما تنظر كل يوم إلى المرآة. الحقيقة ثقيلة، ولكن يجب أن تستعد لحملها على أكتافك أينما رحلت. الالتفات إلى الوراء لا يعني تحمّل عبء الماضي وترديد كل ما جرى فيه كالببغاء. لا شك إن الأفكار الجديدة ليس لها حظ الولوج بين تلك القديمة وبخاصة إن كانت راسخة في العقول، فالصحن المليء بطعام الأمس لا يمكنك أن تضع فيه طعام اليوم وإن جازفت وحاولت فسيندلق ويبقى القديم إلا إذا أفرغته ونظفته من بقايا طعام الأمس، هكذا كان دائما الصراع بين الأمس واليوم، والآن لست في صراع مع الأمس قي يومك بل في صراع مع نفسك من أجل الاستمرار والنهوض والحياة وإن تسنّت لك بعد ذلك فرصة لتصارع كل شيء رث وبالي فلا تتردد. لست بحاجة للتحليق فوق الزمان لتثبت لي بأنك مثالي وتتبع عقلك في تصرفاتك، كن كما أنت، متواضع وبسيط، وقابل على الإنصات دون أن تنتابك ثورات الغضب ثم تحرك ببطء أزحف إن تتطلب الأمر إلى أن تتمكن من الوثوب والتحليق عاليا. لا تستقم الأمور كما تهواها أبدا فلا تندهش من أوجه الحقيقة المتعددة لها آلاف الأوجه ومن يقول لك بأنها واحدة لا تتجزأ قل له لماذا أذن تختلف حقيقتي عن حقيقتك، ولا تجزع إن قلت لك إنها جميعا تنبع من الحقيقة الكبرى. البحث عن الحقيقة متعب فأعثر أولا على ذاتك وستعثر هي عليك. قرأت ترجمة لقصيدة عالمية فكانت قمة في الروعة، ثم فرأت ترجمة ثانية فلم تكن تقل روعة عن الأولى، فعلمت إن القصيدة بلغة الشاعر الأصلية هي أكثر روعة من الترجمتين. تلك كانت قصيدة واحدة، وحياتك قصائد لا تنتهي فدوّنها بلغتك الرائعة ليستمتع بقراءتها الناس، وليترجمها من يشاء بلغته هو . بوسعك أن تتغير نحو الأفضل، فقط أنصت إلى قلبك، إلى أعماق قلبك. أمنحه القوّة ليتحمّل أحزانك، أمنحه من قوّة إرادتك ليكون قادرا على الحبّ من جديد، أمنحه الأذن ليتعرّف على ذاتك، فمن لا يعرف ذاته ولا يحب نفسه كيف سيحبّ الآخرين؟ استثمر حبّك في خدمة البائسين! أمنح قلبك القوّة كي يتسامى على التافهات من الأمور اليومية. أمنح قلبك القوّة كي يسلّم نفسه إلى إرادتك؛ لأنك تظن إن الرحلة قد انتهت. وأنا أقول لك بأن الرحلة قد بدأت للتو .. فأستعد لها!.
#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)
Murad_Hakrash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هلوسات نازح 7
-
هلوسات نازح 6
-
هلوسات نازح 5
-
هلوسات نازح 4
-
بتلات منفردة
-
رسالة إلى الشباب الأيزيدي
-
نصوص خارج المدار
-
هلوسات نازح 3
-
هلوسات نازح 2
-
طبقة الجلد الثانية
-
بتلات الورد 60
-
في حضرة الأسد
-
هلوسات نازح 1
-
الأسيرة
-
يوم ما بعد الكارثة
-
في شوارع بابل من جديد
-
الزمن الجميل
-
ومضات من القرية
-
ذاكرة القرية
-
اليتيم
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|