|
(شارلي إيبدو) تدفع فاتورة تطرف الحريات وتطرف الارهاب !
رشا فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 19 - 16:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لايمكن حصر تداعيات الحادث الاجرامي الذي تعرضت له صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية على يد عدد من الارهابيين وراح ضحيته اثناعشرشخصا من العاملين في الصحيفة من بينهم رئيس التحرير واختطاف رهينة بفرنسا وحدها ، فقد تعدّى تأثير هذا العمل الاجرامي المدبّر الحدود الفرنسية ليصبح من ابشع الجرائم في تاريخ الصحافة العالمية وأكثرها تهديدا لحرية الرأي والتعبير في كل البلدان ، ويعدّ محاولة اخرى تضاف للكثير من محاولات تكميم الافواه . وعلى الرغم من ان تاريخ هذه الصحيفة حافل بالاساءات والتجاوزات على المقدسات والكثير من الشخصيات ، واشتهار خطها التحريري بتجاوز كل الخطوط الحمراء واعتبار جميع المشاهير والرؤساء والمقدسات والانبياء مادة دسمة لها الا ان تسليط الضوء على اساءاتها المتكررة للنبي محمد (ص) قد اتخذت الحيّز الأكبر من الاعلام في حين ان الصحيفة لم تستثنِ دينا او مقدسا في اساءاتها المتكررة فقد اساءت في اعداد وسنوات سابقة للنبي عيسى عليه السلام وللراهبات والقسيسين برسومات بذيئة ايضا وعبارات ساخرة ومشاهد كاريكاتورية اكثر اساءة ! لابد من الاشارة هنا الى ان مفهوم الحرية في إطاره العام لايزال مفهوما بدائيا غير قابل للتطبيق بشكل فعلي او حتى على صفحات الورق ، او الكترونيا ولعل ماحدث الجمعة الماضية للمدون السعودي رائف بدوي الذي جُلد في الساحات العامة في السعودية واحتمالية الحكم عليه بالسجن مالايقل عن عشرة سنوات لتجاوزه على هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمطالبته الغائها والغاء المحاكم الشرعية في مدونته الالكترونية، خير دليل على محدودية حيّز الحرية المتاحة في البلدان العربية حيث لا تزال خطواتها متعثرة في حرية التعبير وحقوق الانسان ، لهذا السبب واسباب اخرى لاحقة نجد تفاقم ردود الافعال تجاه ما انتجته صحيفة (شارل ايبدو) على مرّ السنوات إذ إن الاحتقان الحاصل بين الكثير من المسلمين في داخل فرنسا او خارجها و هذه الصحيفة لم يكن وليد اللحظة بل هو امتداد لمواقف سابقة فالمتتبع لتاريخ ومسيرة هذه الصحيفة سيجد انها تناولت في اكثر من اصدار اساءات متكررة للاسلام وللنبي محمد (ص) وللمسلمين لكنها في نفس الوقت لم تتبنى الدفاع عن أي معتقد او مقدس آخر فموقفها واحد من كل المقدسات والمعتقدات . اعادت الصحيفة نشر الرسوم الدنماركية المسيئة في صفحتها عام 2006 وعززت بذلك مواقفها المضادة للفكر الديني بمفهومه العام مستفيدة من الحماية التي يوفرها القانون الفرنسي فحين تقدمت بعض المنظمات الإسلامية في فرنسا بشكوى ضد الصحيفة كان قرار المحكمة لصالح الصحيفة وفقا لمانصّ عليه الدستور الفرنسي من وجوب توفير الحماية لحرية الرأي ، و على الرغم من ان سياسة الصحيفة قد تجاوزت مفهوم الحريات بل دمجته مع مفهوم النيل من المقدسات والاستهزاء بها واتخاذ مبدأ التشهير والقذف طريقا سهلة للانتشار والشهرة خصوصا بعد ان مرت بعدة ضائقات مالية جعلتها تتوقف لعدة اعوام عن الصدور ، والمعروف انها كلما نشرت رسوما مسيئة للانبياء فأن مبيعاتها تزداد لدرجة ان اعدادها في ذلك اليوم تنفد خلال ساعات ! اية تجارة اربح من ان تسب نبيا (لست مجبرا على احترامه) كما صرّح رئيس تحريرها (ستيفان شاربونييه ) حيث اشار الى انه ليس مجبرا على احترام محمد وانه لايعمل وفقا للقانون القرآني بل وفقا للقانون الفرنسي الذي يوفر له الحماية والحرية لابداء رأيه وقول كلمته ! الامر الذي لم يتفهمه المتشددون الذين ظهروا بأحزاب ومسميات شتى الى الحدّ الذي ادرجت فيه اسم رئيس التحرير (شارب) على قائمة مطلوبيها كما اعلنت في احد مواقعها على تويتر ! على الرغم من ان القذف والسب هو أحد اسوأ انواع الحريات بل هو الحرية المتطرفة اذا جاز التعبير الا ان حرية الرأي مكفولة في المجتمعات الغربية التي تحترم الانسانية وتعتبر الانسان فيها قيمة عليا مقدسة بغض النظر عن انتمائه ، على عكس البلدان العربية التي لاتزال تضع الخطوط الحمراء أمام حرية التعبير واختلاف الرأي خصوصا في ظل ظهور الجماعات الاسلامية المتشددة التي تكفّر حتى المسلمين المخالفين لهم في الرأي وتستبيح دماءهم فكيف الحال بصحيفة فرنسية (كافرة) برأيهم تتسلى بقذف مقدساتهم وتجعل منها مادة سخرية تروج من خلالها لمبيعاتها ! هي حرب بين تطرفين احدهما تطرف في حرية لم تحترم المقدسات، والاخر الهمجي المتطرف في القمع لدرجة القتل والانتقام ولعل ماقاله القاتلان الجزائريان اللذان يحملان الجنسية الفرنسية حين ارتكبا جريمتهما (انتقمنا لرسول الله .. الله اكبر) يبرر من وجهة نظر كل المتشددين ماقاما به من وجهة نظرهما وهنالك من سيعتبرهما بطلان قوميان ثأرا للنبي في حين ان قراءة سريعة للتاريخ الاسلامي سيجدون ان النبي محمد (ص) لم يثأر يوما لنفسه بل انه حين عاد لمكة التي رفضته وطردته وآذته وقتلت اصحابه و اتباعه في بداية دعوته عفى عن كل الذين كانوا يتوقعون انتقامه قائلا لهم ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) ، وكان قادرا على الانتقام منهم واخذ الثأر ، هذه الاعتبارات الاخلاقية في التسامح الانساني التي تعطي درسا مهما في العفو وقبول الاخر وقبول حتى اساءاته والترفع عنها لاتدخل ضمن حسابات الارهابيين مهما كانت مسوغاتهم الظاهرية فقد اعلوا صوت الاجرام على صوت الرحمة والبسوه ثوب الدين وهذا نتاج التعبئة القتالية الانتقامية التي لها جذور نفسية عميقة وجدت مايغذيها من مسوغات ودوافع لاعلاقة لها بالاديان. تزامن هذا الحادث الاجرامي مع قرب صدور رواية ( الخضوع) للروائي الفرنسي المعروف ميشيل ويلبيك والتي تدور احداثها حول تغيّر هيكلية المجتمع الفرنسي واجتياحه من قبل المسلمين الفرنسيين مما سيؤدي ذلك الى أسلمة المجتمع الفرنسي وبالتالي انتكاس فرنسا ووقوعها تحت الاحتلال (الاسلاموي) لتعيش حياتا مظلمة حيث سيفرض الحجاب في المدارس ويتاح تعدد الزوجات! وفقا لهذه الثيمة الروائية يمكن استشفاف المخاوف الكامنة لدى المجتمع الفرنسي المنقسم الى اليسار الفرنسي الذي ينتمي له الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند والمعروف بحياديته وعدم معاداة المسلمين على عكس اليمين الفرنسي الذي مافتيء يطالب بترحيل المسلمين مؤكدين على خطورة تواجدهم في المجتمع الفرنسي . لم تعتبِر صحيفة (شارل إيبدو) من اغلاقها عام 1970 بسبب اساءتها للذوق العام ونشرها رسوما كاريكاتيرية للرئيس والجنرال الفرنسي شارل ديغول ، بل مضت في سياستها الساخرة التي اوصلتها ليد الارهابيين الذين لايعرفون معنى الحريات ولا احترام الاخر او تقبله ، فجاءوا مدججين بمتاريس الموت ودفوفه الهمجية الى قلب الصحيفة لتستيقظ فرنسا الحرة على صوت الكلاشنكوف .. في محاولة همجية لاغتيال حرية الرأي والكلمة في بلد ناضل لأجل الحرية وسيناضل اكثر لأجل الحفاظ عليها لكن بلغة انسانية متحضرة بعيدة عن الرصاص و رائحة البارود والدم .
#رشا_فاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاكاديمية العربية لحقوق الانسان في المملكة المتحدة تمنح جائ
...
-
- أحبّيه كما لم تحبّ امرأة .. و انسيه كما ينسى الرجال -
-
مسرحية - سياط تحت وطأة الأنخاب-
-
-الذي أكلت القوافي لسانه وآخرون- للدكتور عبد الرضا علي
-
رنا جعفر ياسين .. من البكاء على الحجر الى اسطرة الخراب بمسام
...
-
في اعالي الفردوس
-
صلاة الريح
-
تعويذه بابليه
-
خشخة الحصى ..وشاطيء الحلم
-
مدينة البقاء
-
صلاة عراقيه
-
الى عباس خضر ...الى مدافن الورد
-
حين بكى فوق ظلاله
-
حين نضيء العالم ...وننطفيء
-
الى (رفقه دودين) على جناح وطن يحترق
-
قاسم مطرود . . والنص الخارج عن النص
-
التحف بكفك . . لأدثّر عراء روحي
-
ما ارخص الروح والدمع فيك يا عراق
-
بين نونه وحمودي والجواسيس weekend
-
زهرة امتنان ومحبه ..للشاعر محمد صابر عبيد
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|