يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 19 - 08:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أستهلال :
الجهاد كان في بواكير الرسالة المحمدية وسيلة وطريقة لنشر الدين من ناحية وتوسيع الرقعة الجغرافية و نطاق الحكم الأسلامي من ناحية أخرى ، وكانت كل الظروف و المعطيات و الوضع المجتمعي والذهنية الفكرية لأهل البداوة متقبلة لهذا الفعل ، وذلك لتعود المجتمع القبلي على الغزوات وما يتبعها من قتل و سبي وغنائم و نهب ..، وهذا الزمن ولى ، فأرى الأن أن الوضع السياسي المتأزم حتى لو أحتاج الى تغيير ، فذلك التغيير يجب أن يتم بحراك سياسي وطني ، ولو لزم الحراك الى القوة فيجب أن تكون القوة وطنية ، من أجل أن تتكلل بعد حين الى وضعية ديمقراطية وليدة حراك أبناء الوطن ، لأن الأوطان لا تستورد ديمقراطية أنظمتها من الخارج !!
المقدمة :
لا بد لنا في أول الأمر أن نعرف " الجهاد " ، فالجهاد في لغة العرب معناه المشقة ، يقال : جهدت أي بلغت المشقة ، أما تعريفه شرعاً ، فهو بذل الجهد في قتال الكفار ، ويطلق أيضاً على مجاهدة النفس والشيطان والفساق قال الحافظ في الفتح : " فأما "مجاهدة النفس" فعلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على تعليمها , وأما "مجاهدة الشيطان" فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات , وأما "مجاهدة الكفار" فتقع باليد والمال واللسان والقلب , وأما مجاهدة الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب " ، وأعلى أنواع الجهاد هو الجهاد بالنفس على حد قول الشاعر:
يجود بالنفس أن ظن البخيل به
والجود بالنفس أسمى غاية الجود
( نقل بتصرف من موقع / موسوعة الاخوان المسلمين ) .
والجهاد في سبيل الله فرض ، لقوله تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) [البقرة: 216] ، وقوله سبحانه : ( انفروا خفافا وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) [التوبة: 41] . وهو فرض كفاية : إذا جاهد بعض المسلمين وكان عددهم كافياً لملاقاة العدو ، فيسقط الإثم عن الباقين ، قال تعالى : ( فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى.. ) [النساء: 95] . وقال عز وجل : (وما كان المؤمنون لينفروا كافة.. ) [التوبة: 122] . ( نقل بتصرف من مقال بعنوان / شروط الجهاد في سبيل الله و من يسقط عنهم الجهاد - موقع أسلام ويب ) .
أما مصطلح" الديمقراطية" فهو مشتق من المصطلح اليوناني δ-;-η-;-μ-;-ο-;-κ-;-ρ-;-α-;-τ-;-ί-;-α-;- باللاتينية: dē-;-mokratí-;-a و يعنى "حكم الشعب" لنفسه ، وهو مصطلح قد تمت صياغته من شقين δ-;-ῆ-;-μ-;-ο-;-ς-;- ديموس " الشعب" و κ-;-ρ-;-ά-;-τ-;-ο-;-ς-;- كراتوس "السلطة" أو " الحكم " وعرف في القرن الخامس قبل الميلاد ، ويطلق على النظم السياسية الموجودة آنذاك في ولايات المدن اليونانية ، وخاصة أثينا ؛ والمصطلح مناقض ل ἀ-;-ρ-;-ι-;-σ-;-τ-;-ο-;-κ-;-ρ-;-α-;-τ-;-ί-;-α-;- أرستقراطية وتعنى " حكم نخبة " .
والديمقراطية ، هي شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين منتخبين عنهم - في اقتراح ، وتطوير ، واستحداث القوانين. وهي تشمل الأوضاع الأجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي للبلد .. ( نقل بتصرف من موقع / pages.videotron.com/moubayed/chap1.html ) .
النص :
1. أما جهاد النفس / تعلم أمور الدين وتعليمها للأخرين ، و مجاهدة الشيطان / أبعاد الشهوات التي يزينها الشيطان للنفس البشرية ، وجهاد الفسق / باليد أو اللسان وأخيرا بالقلب فالهدف هو تقويم الفساق وتوجيههم الى الطريق الصحيح ، كل هذه الأمور أراها نهجا يمكن أن يكون مقبولا لأن الهدف و الغاية هو تقويم عمل وفعل الأنسان ..
2. ولكن حالات الجهاد بالنفس ، حسب الأية : ( انفروا خفافا وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) [التوبة: 41] . فهو موضوع أخر لأنه عابر للحدود ، وقد وضعت / مبادئه وتطبيقاته وتفاصيله ، كنصوص مقدسة ، قبل أكثر من 14 قرنا ، حيث وجدت حالات الجهاد بالنفس في ذلك التأريخ والمكان والزمان و ما يتعلق به من مجريات أمور وأحداث ووقائع ، أصبحت الأن هذه النصوص خارج نطاق الحقبة الزمنية التي وجدت من أجلها ، فالغاية كانت بشكل أو بأخر تجييش الجيوش من أجل فتح البلدان و نشر الدين الأسلامي وتوصيل الرسالة المحمدية الى أبعد بقاع الأرض ، أما الأن الدين منتشر شرقا وغربا .. فلم يأتون مجاهدين / مقاتلين من أوربا أو أميركا .. وباقي أرجاء الدنيا ليحاربوا في سوريا ، العراق أو ليبيا مثلا ، هل النصوص ملزمة الى هذا الحد ، أو هناك عوامل ساعدت وفعلت على ظهورها خاصة في القرنين العشرين و الحادي والعشرين ، فمنذ ظهور المجاهدين الأفغان الى الأن ، والجهاد وحطبه / المجاهدون ، يظهرون في كل بلد ، يشعر به شيوخ وعلماء الجهاد / وقد أسميتهم في مقال سابق بشيوخ ودعاة الفتنة ( وهم العوامل المحرضة على الجهاد ) من حاجة للمقاتلين لرفع الضرر عن الأمة حسب رأيهم وتماشيا مع تفكيرهم ونهجهم السلفي المتزمت / ولكنه بواقع الأمر فتكا بالأمة ، ، فالدعاة والشيوخ بفتاوى الجهاد ، يسلخون شبابا وفتيانا عن مجتمعهم ، ويدمرون أسرا بكاملها هذا من جانب ، ويحيلون البلد المجاهد به الى حطام كما حدث في سوريا من جانب أخر . أذن النواحي السلبية تنعكس على المجتمعات التي أنبثق منها المجاهدين وعلى المجتمعات التي يجاهد بها على حد سواء .
3. الشيوخ والدعاة يوعدون المجاهدين بحور العين أستنادا لحديث النبي ، روى الترمذي (1663) وابن ماجة (2799) وأحمد (16730) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِه ) ، لذا المجاهدون يأتون وفي مخيلتهم لقاء حور العين ، التي أكد بعض الدارسين بأن الجنة كلها روحانيات ولا توجد هناك أي علاقات حميمية لا مع حور عين و لا مع أي فعل مادي أخر !! وفي مدونة أم صده / هناك مقال بعنوان هل هناك جنس في الجنة / 11.06.2010 - للدكتور أنور بن ماجد عشقي / نقل بتصرف ، يبين الأتي :
الجنة تنعدم فيها الدواعي الجنسية لهذا فإن الأعضاء التناسلية سوف تختفي عند الإنسان في الدار الآخرة لأن الله عز وجل وصفها بالسوأة ، فقال تعالى : « فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة » . ولو رجعنا إلى القرآن الكريم لوجدنا أول سورة جاء فيها ذكر حور العين هي سورة الدخان ، وهي سورة مكية يقول فيها سبحانه وتعالى ( كذلك وزوجناهم بحور عين ) فكانت في وصف ما أنعم الله به على المتقين قال يونس بن حبيب في تفسير هذه الآية : إن ذلك لا يعني النكاح بل المقارنة ، والعرب لا تقول تزوجت بها ، بل تقول تزوجتها ، واتفق معه الواحدي والفراء في ذلك ، إن التنزيل يدل على ماذهب إليه يونس فقد قال سبحانه وتعالى (فلما قضى زيد منها وطراً زوجناهما) ، وإذا قيل زوجته بفلان ولم يقل زوجته لفلان فهذا يعني أني شفعته به أي جعلته مرافقا معه ، وقد قال سبحانه وتعالى ( قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين ) وقد قال تعالى ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ).
- من الأيات السابقة وتفاسيرها ، يتأكد لنا من خلو الجنة الموعود بها المجاهدون من أي علاقات جنسية ، لذا فقد خاب ظن المجاهدون !!
4. ومن معنى وتفسير الأية ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) [البقرة: 216] ، يبان لنا أن القتال غير محبب وغير مقبول ، فلم الشيوخ و الدعاة و العلماء يدعون أليه ما دام أنه " كره " ، ولم لا نلجأ الى أمور أخرى عدا القتال و الخراب و الذبح ، وتماشيا مع الأية : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .( سورة النحل : 125 ) ، التي تشير الى طرق سلمية للتفاهم و التواصل غير القتال وأنما بالجدال و النقاش الحسن .
5. السؤال هنا هل الديمقراطية هي الحل ، فلو أخذنا سوريا كمثال ، أن حكم الأسد أمتد لأكثر من 45 عاما حيث أن حافظ الأسد (6 تشرين الأول 1930 - 10 حزيران 2000 ) شغل منصب رئاسة الجمهورية في سوريا ما بين العامين 1971-2000 ، و منصب رئاسة الوزراء ما بين العامين 1970-1971 ، كما أنه شغل منصب أمين سر القيادة القطرية السورية والأمانة العامة للقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ما بين العامين 1971-2000، و منصب وزير الدفاع ما بين العامين 1966-1972 . التزم الأسد بالإديولوجيا البعثية. شهدت سوريا في عهده ازدياداً في الاستقرار باتجاه نحو العلمانية والصناعة ، لتعزيز البلاد باعتبارها قوة إقليمية . أعقبه بشار الأسد منذ عام 2000 ولحد الأن ( نقل بتصرف من موقع الويكيبيديا ) ، الحكم سلطوي ديكتاتوري ، ولكن هذا لا يستوجب الجهاد عليه من كل بقاع الدنيا من أجل أسقاطه وبأي ثمن !! ، فلو أعدنا النظر بسوريا قبل الحراك وقارناه بما يحدث الأن ، لرأينا سابقا كان هناك دولة ، مستقرة أمنة لديها الكثير من عوامل الأكتفاء الذاتي صناعيا وزراعيا ، أما الأن البلد / سوريا ، كله خراب ودمار وقتل ..
6. الحراك الثوري في سوريا كانت نتائجه سلبية ، و الجهاد كانت أنعكاساته على المجتمع تدميرية ، حيث كانت هناك دولة أما الأن الدولة مفككة و المليشيات الجهادية تعبث بالأرض فسادا ، و المعارضة منقسمين على بعضهم ، والدول الأقليمية والقوى العظمى ، تمارس سياساتها ومصالحها ، على أنقاض الدولة السورية المنهارة ، فالجهاد ليس حلا ، و أنما الحل هو تقويم نظام الحكم ، من حكم فردي سلطوي ديكتاتوري / سمه ما شئت الى حكم ديمقراطي برلماني .
7. ماذا لو طبقت الديمقراطية في سوريا ، ماذا لو كانت رئاسة الجمهورية فقط 4- 8 سنوات مثلا ، ماذا لو لم يكن حزب البعث هو المنفرد بالحكم ، ماذا لو كان البرلمان منتخبا أنتخابا شعبيا ، ماذا لو كان مجلس الوزراء قد شكل على أساس الكفاءة و المؤهلات بعيدا عن الحزبية ، ماذا وماذا و ماذا !!! فالديمقراطية في حال تطبيقها ستكون هي الحل لأنها المتنفس الوحيد لأنظمة شمولية لها ديمومية مستقرة ، أنظمة لا تستبدل بالأنقلابات و بالمؤامرات الداخلية و الخارجية ، أنظمة الشعب بفئاته هو المغيير لنوعية الحكم ، أنظمة الأنتخابات هو الفيصل و الحكم بها ، وليس البندقية والمدفع والخنجر ، أنظمة تتغير بالطرق السلمية و ليس بالقتل و الأنفجارات و التفخيخ و الاغتيالات ، أنظمة تتغير بعملية حضارية وليس بالمجهادين الذين جاءووا من أوربا وأميريكا والشيشان و أفغانستان ..
كلمة :
الجهاد ليس لتحرير الأوطان بل أنه وسيلة لهوانها وأنتكاستها ، لما يرافقه من قتل وخراب وفرقة وطائفية ودمار وتكفير وسبي وأغتصاب ، الجهاد ليس لتحرير الأوطان بل لهدمها ، وأعادة بنائها وفق حياة البداوة التي كانت سائدة قبل 1400 سنة ، تحرير الأوطان يجب أن يكون عن طريق الحراك الوطني لأبناء الوطن أنفسهم ، فلا حرية بأبناء مستوردين ، يحلمون بحور العين يسبون ويغتصبون ويمارسون جهاد النكاح ، أذن هذا ليس تحرير وطن بل أنه نكاح نساء الوطن ، ولأن زمن الحروب الدينية قد أنتهى وولى ، فيجب الأيمان بالمقاومة الوطنية التي يسير نضالها خدمة الوطن ، مقاومة لا يحركها دول الجوار ، ولا تغذيها الدول العظمى ، وبعد كل هذا الحراك الوطني تبدأ عملية التحول الديمقراطي السلمي ، بعيدا عن أي عنف ، فالديمقراطية هي الحل الأمثل بعيدا عن أفكار نهاية الجاهلية وبواكير ظهور دولة الأسلام .
#يوسف_يوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟