|
ردود فعل غير مسؤولة على جريمة باريس
حسين عبدالله نورالدين
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 18:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مثلما هي عادتهم في كل مرة، يصاب المسلمون عند أي حادث إرهابي يقترفه سفهاؤهم بحالة من الانكار لما حدث ويبدأ سيل الدفاع عن الإسلام، وعندما لا تجدي الحيلة ينكرون ان يكون الفاعلون مسلمين. فهم كزبائن دائمين لعقلية نظرية المؤامرة، يخترعون القصص والاخبار التي تحاول ان تظهر الأمر وكأنه مؤامرة لإلصاق التهمة بالمسلمين والإسلام. هم يعرفون ان هذا الأسلوب لا يجدي لكنهم في العادة يراهنون على ان الأمر سرعان ما ينسى وينشغل العالم بما هو أهم. كما انهم في الأحوال العادية يقومون بالممارسة نفسها. فعندما تطرح على أحدهم أمرا مثل رضاعة الكبير أو شرب بول الإبل أو ما يعرف بحديث الذبابة مثلا، فإنه يستنكر في البداية ويقول لك: من أين تأتي بمثل هذا؟ وتقول له ان هذا في البخاري فيقول لا مش معقول فتفحمه بالنص والرقم والصفحة فيقول هذا ان ثبت فهو من الضعيف أو الاحاد الذي لا يعتد به. من الغريب أيضا انهم يأتون هم أنفسهم بأحاديث موصوفة بالضعف ليدلسوا بها على البسطاء من غير المسلمين لإظهار ما يريدون تسميته بالإسلام المعتدل. فيأتون بقصة اليهودي الذي أسلم لان النبي زاره بعد ان امتنع يومين عن رمي القمامة على باب بيت النبي. أو يأتون بحديث وقوف النبي لجنازة يهودي. وهاتان القصتان ثابت قطعيا انها من القصص الضعيف الذي لا يوجد ما يؤكدهما. في قصة برجي نيويورك كما في قصة مجلة شارلي الفرنسية، يستخدمون التكتيك نفسه والأسلوب نفسه لتبرئة الإسلام ومحاولة اتهام الغرب بأنه وراء تلك العمليات لتشويه صورة الإسلام وطرد المسلمين. وما يثير الاستغراب، هو انهم لو كانوا فعلا يؤمنون ان تلك العمليات من صنيع الغرب الكافر لتشويه الإسلام، فلماذا لا يدينون تلك العمليات ويصفونها بأنها إرهابية ويعلنون تضامنهم مع الضحايا ويساعدون في التنديد بالمعتدين ويطلبون اجراء تحقيقات لكشف الحقيقة؟ للأسف لا شيء من هذا. مجرد إنكار واستنكار وتدليس وانغماس أكبر في مستنقع نظرية المؤامرة، بل يزيدون على الأمر بالادعاء ان الحادث كشف طبيعة الإسلام الرحيم المسالم وان العشرات دخلوا ما يسمونه دين الله. في رصد لما تم تداوله على صفحات الفيسبوك خلال الأيام التي تلت عملية شارل ايبدو نجد العجب وكأن المسلمين في حرب حقيقية. ينتظرون حدثا مثل هذا ليستحضروا الفظائع التي ارتكبت بحق مسلمين، سوءا صدقا أو كذبا، ليبرروا العملية الإرهابية. فتراهم يتحدثون مثلا عن فظائع الجيش الفرنسي في الجزائر أو فظائع المستعمرين في الاميركيتين. مع ان الحقيقة هي ان الفرنسيين في الجزائر وان فعلوا ما فعلوا وهو مرفوض ومستهجن ومدان فانهم لم يفعلوه لنصرة دين المسيح ولم يستندوا في القيام به إلى نصوص مقدسة تدعوهم لفعل ذلك على العكس تماما مما يجري على ايدي الإرهابيين المسلمين الذين يفعلون ارهابهم لنصرة دينهم واستنادا إلى نصو مقدسة منسوبة لهذا الدين. يضاف إلى هذا شيء مهم جدا يغفله المسلمون ولا يستطيعون تقليده وهو ان الفرنسيين مثلا اعتذروا عما فعلوه في البلاد التي استعمروها وكذلك فعل غيرهم من القوى الغربية التي اساءت في الماضي إلى الشعوب الأخرى. على أي حال، بالعودة إلى صفحات الفيسبوك ومراجعة ما كتب المتحمسون على تلك الصفحات نرى الغريب والعجيب وما يثير السخرية وما يثير الضحك لكنه ضحك كالبكاء. أحدهم ينشر مقالا منقولا من مكان ما على الانترنت ويعطيه عنوان: حادثة باريس ليس لمسلم يد فيها قط. يحاول كاتب النص أن يوحي ان كل شيء كان مرتبا. وان موظفة الاستقبال خرجت قبيل العملية بلحظات لتفتح الباب الالكتروني وتبقيه مفتوحا وهي تختبىء تحت طاولة الاستقبال. وأنها قالت في التحقيق ان المهاجمين كانوا يتحدثون بلغة فرنسية صافية وقالوا لها انهم من القاعدة. ويقول النص ان القاعدة نفت علاقتها بالحادث برمته. وكلنا يعلم ان القاعدة أعلنت بافتخار انها وراء العملية. نسب النص أيضا إلى اعلاميين قولهم ان سيارة الحراسة اختفت من امام مبنى المجلة قبل اسبوع من الحادث. مع ان سيارة الشرطة واضحة في كل الأفلام الإخبارية. وان ثلاثة من القتلى لا يعملون في مقر الصحيفة وان وجودهم يوم الحادث كان لاستدعائهم لحضور اجتماع هام في المقر. المهاجمون اتجهوا مباشرة لغرفة الاجتماعات ونفذوا العملية. ويشير النص أيضا إلى ان المهاجمين محترفين يحملون السلاح بخفة، متناسيا انهم من الإرهابيين المدربين عند القاعدة في اليمن كما ثبت فيما بعد. ويستنكر النص عدم ظهور الدم في عملية قتل الشرطي على الرصيف وكأنه يريد القول انه لم يقتل أحد على الرصيف. النص طويل وذروته ان ضابط التحقيق في القضية انتحر بعد لقائه اسر الضحايا وقبل ان يكتب تقريره للسلطات. يشير النص إلى ان فرنسا صوتت لصالح قرار في مجلس الامن يتعلق بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وكأنه يريد القول ان العملية لإحراج فرنسا. وهذه الإشارة من كاتب النص تؤكد غباؤه أو استهباله. فهل يمكن خلال أسبوع واحد مثلا ان يتم التخطيط والتحضير والتنفيذ لعملية بهذا المستوى وهذا الحجم؟ وقد كشف التحقيقات الأولية ما كشفته عن تفاصيل التخطيط والتحضير والتنفيذ؟ من التعليقات التي اعجبتني في الفيسبوك ما كتبه مجدي خليل على صفحته بعنوان قمة العنصرية والتبجح منتقدا الكلام العنصري الذي أطلقه كثير من المعلقين على الفيس بوك منتقدين المسيرة المنددة بالإرهاب التي ملأت شوارع باريس بحضور بعض الزعماء. مجدي خليل ختم تعليقه بالقول ان الثقافة الإسلامية حقا دمرت تماما إنسانية الشرق الأوسط. بالفعل ان الثقافة الإنسانية في الشرق الأوسط بل في العالم الإسلامي تكاد تتلاشى. فسيل التعليقات في وسائل الاتصال الاجتماعي والاعلام المرئي والمسموع والصحافة يكشف عن كثير وكثير مما تخفيه صدور الذين اتبعوا الإسلام. فمن حالات التشفي بالضحايا إلى حالات الحض على مزيد من الكراهية ومزيد من الإرهاب. وفي خضم هذا البحر الهائج من البغضاء والتعطش للدماء تخرج أصوات تشعر بإحساسها بالخزي والعار مما حدث باسم الدين الذي ظنت انه دين رحمة وسلام فتحاول تصحيح الصورة بادعاء ان العملية من تدبير مخابرات محترفة وأنها مجرد ترتيب مسبق لترويج مقولة الإرهاب الإسلامي وتخويف الأوروبيين من الإسلام بعد ان كان الخوف منه مجرد مشاعر وقلق وصف مرارا بانه وهمي. أحدهم يتساءل بعد ان انتقد مشاركة نتنياهو بتظاهرة باريس وطرح سؤالا يبدو لي انه سؤال مشروع: ليش بس دمنا الرخيص؟ والجواب على سؤال هذا المسكين سهل وبسيط. دم العرب والمسلمين رخيص لان العرب والمسلمين لا يهتمون بإراقة هذ الدم. لا ينتفض أحد من العرب عندما يكون القاتل والقتيل من المسلمين أنفسهم. الجزائر نزفت من الارهاب عشر سنوات ولم ترف عين أحد من العرب. الشيعة في العراق قتلوا بالمئات والالوف لم يهتز أي شارب عربي. الاكراد قصفوا بالطائرات طوال عشرات السنين من قبل الأنظمة العراقية المتلاحقة ولم يعترض أحد من العرب أو المسلمين. العشرات من الاقباط قتلوا في مصر والعشرات من السياح كذلك على يد الجماعات الإسلامية الإرهابية ولم نسمع أحدا يقول ان القتل حرام أو حتى مكروه. مما نشر في الفيسبوك مثلا انتقادات للغرب بانه لم يلتفت للضحايا الذين يقتلون في الشرق الأوسط. وانصب الغضب كثيرا على نتنياهو واتهامه بمجازر غزة. للأسف ما حصل في غزة لم يكن عملا إرهابيا بل كان حربا ومع ذلك لا تبرئة لنتنياهو مما اقترف جيشه في غزة. ولكن هل هذا يعفي الزعماء العرب الذين قتلوا شعوبهم ولم ينتفض قلم عربي للتنديد أو الاستنكار أو الاستهجان أو المطالبة بوقف سفك الدماء؟ فكم قتل حافظ الأسد في حماة وتدمر وصيدنايا؟ وكم قتل ابنه وخليفته من بعده؟ كم قتل صدام حسين في الدجيل؟ في كردستان؟ في الجنوب العراقي؟ كم قتل معمر القذافي؟ كم قتل الارهاب في الجزائر؟ كم قتل الارهاب في اليمن؟ كم قتل الرئيس السوداني في الجنوب؟ في دارفور؟ في كردفان؟ هل سمعنا اي ادانة؟ لم نسمع اي ادانة ولا استنكار ولا حتى مجرد شجب، هل شجبت الصحافة العربية قتل الابرياء من زوار الشيعة في العراق؟ هل شجب أحد التفجيرات الارهابية في العراق التي حصدت عشرات الالوف؟ ينقل شخص آخر تعليقا من صحيفة بوسطن غلوب تتساءل فيه، وبدا لي انه يتبنى تساؤلها، ... بينما كان الغرب، يستعد للاحتفال بعيد الميلاد، اقتحم إرهابيون مدرسةً في بيشاور، وقتلوا مئة وأربعين شخصا أغلبهم من الأطفال، ومع ذلك لم تشهد الاحتفالات أي اضطراب وأقيمت في موعدها. وتطرح الصحيفة السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا تسببت عملية باريس في هذه الصدمة، مقابل صمت مطلق بعد عمليات باكستان أو العراق؟ عملية بيشاور لم تلقى أصلا أي تنديد عربي أو إسلامي سوى برقية عزاء بروتوكولية من بعض الزعماء إلى قادة باكستان من دون أي ادانات شعبية لا من نقابات ولا جمعيات ولا مؤسسات ولا حتى من أي صحيفة عربية أو وسيلة اعلام أو منبر إسلامي أو أكاديمي. فهل نلوم الغرب بعد ذلك على صمته وتجاهله الإرهاب الذي يقع في البلاد الإسلامية أو يكون ضحاياه من المسلمين؟ أحدهم يتساءل ببراءة كاذبة: كم من مجزرة ارتكبها دعاة حقوق الانسان والتنوير، فرنسا قتلت مليون ونصف مليون جزائري ومليوني فيتنامي. امريكا قتلت ثلاثة ملايين فيتنامي ومثل هذا الرقم في امريكا الوسطى والجنوبية، فهل هؤلاء هم دعاة حقوق الانسان وأسياد الحضارة الحديثة؟ مسكين آخر من هواة الكتابة على الفيسبوك وضع تحليلا ساذجا تناول ما سماه سياسة فرنسا في تطفيش الأجانب من المدارس العمومية لكي تجعلهم يلجأون إلى مدارس الطوائف التي ينتمون إليها لكي تكسب هذه المدارس وتحول الأموال إلى الاخوان في سوريا أو دواعش الكاثوليك في أوكرانيا أو الصهاينة في إسرائيل. يريد ان يقول ان تلك المدارس تدرس الإرهاب ولكن حكومة فرنسا تدفعا إلى ذلك دفعا. أي سذاجة أتفه من ذلك؟ أحدهم نشر على الفيسبوك تحليلا لا يقل سذاجة لكنه غارق في نظرية المؤامرة. نسبه إلى الكاتب البريطاني ديفيد آيك. وقال ان آيك اكتشف العيب الإخراجي في الفيديو الذي تم تصويره لحادث المجلة ويشير إلى عدم وجود الدم نازفا من ضحية الرصيف الذي قتل عن قرب. المهم ان التحليل يقول ان العملية يقصد بها تهيئة العالم لما هو قادم بحق المسلمين في أوروبا والشرق الأوسط. احدى السيدات كتبت على الفيسبوك قصة كانت هي بطلتها خلال احدى الرحلات السياحية وكيف ان الأجانب حاولوا تفاديها واسرتها كونها محجبة. ولكن عند انتهاء الرحلة صاروا أصدقاء لان أولادها ساعدوا عجوزا في استخدام الآيباد، وساعدت هي أو زوجها رجلا مسنا في نزول الدرجات.... وتقول انها تفعل ما تفعله بشكل روتيني. وتختم بحديث منسوب للنبي بقوله انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق. تبدو هذه السيدة معذورة فهي تلقت تربية إنسانية في بيت أهلها ولم تتلقى تربية اسلامية صحيحة على ما يبدو. ولذلك تعتقد انها تدافع عن الإسلام وتجمله وكأن الناس لا يعرفون الحقيقة. امرأة أخرى نشرت على صفحتها في تويتر وفيسبوك خبر قيام بوكو كرام بتوريط طفلة في العاشرة من العمر لتفجير أحد الأسواق في نيجيريا لتقتل ستة عشر شخصا على الأقل. وقالت ان طفلتين أخريين فجرتا نفسيهما في سوق آخر. المهم ان هذه السيدة تعترض على العالم الذي لم ينفجر حزنا ولا تضامنا مع الطفولة المقتولة من قبل متطرفين مسلمين. وتختم تعليقها بانه لا قيمة لحياة من لا يمكن استغلاله مادة دعائية وسياسية. وكأنها تريد القول ان تعاطف العالم مع ضحايا المجلة الفرنسية مجرد دعاية كاذبة واستغلال سياسي كونهم فرنسيين. لكنها نست ان العالم تعاطف مع ضحايا بوكو حرام ومع كل الضحايا في افريقيا وغير افريقيا. لكن المشكلة هنا ان العرب والمسلمين لم ينبسوا بكلمة في مواجهة هذا الشر الذي تقوم به بوكو حرام في نيجيريا. لقد قتلت بوكو حرام في الأسبوع الأول من السنة الجديدة أكثر من الفي شخص، وقبلها خطفت مئتي فتاة لبيعهن بافتخار من قبل مقاتلي الجماعة، ولم نسمع أي ادانة أو استنكار من العالم العربي أو العالم الإسلامي أو من شيوخ الازهر أو من ادعياء اتيت لأتمم مكارم الاخلاق. هناك على الفيسبوك من يكتب كلاما مرسلا، مجرد خواطر قد تكون غير مفهومه له نفسه أحيانا. ولكنها تعبر عن حال الاستنكار من ثبوت التهمة على امته ومحاولة منه للتجميل والتزيين وارضاء غروره، كونه متعلما في بريطانيا ويحمل جنسية بريطانية ومن عائلة معروفة بانها مثقفة ومتعلمة وتحمل شهادات عليا. يقول أحدهم ان فيلم باريس من انتاج وإخراج الاتحاد الأوروبي وبطولة المخابرات الفرنسية. ويفسر بان أوروبا شاخت وارتفعت اعداد المسلمين فيها وزاد اقبال الفرنسيين على الإسلام فصرخت الكنيسة من اجل وقف المد الإسلامي لأنه يهدد مستقبل فرنسا. فكانت الجريمة البشعة بدون محاكمات، يقصد بالجريمة قتل الإرهابيين من قبل الأمن الفرنسي، وكانت التظاهرة الكبرى في باريس لكي يجتمع الاتحاد الأوروبي ويصدر تشريعات لمحاربة الإرهاب ويشرح ان المقصود بالإرهاب هو الإسلام. أي سخف أكثر من هذا؟ وان انحطاط في التفكير بهذه الطريقة؟ وتحت عنوان نقاط على الحروف كتب آخر يتساءل لماذا لم تعلن التظاهرة الكبرى في باريس، وهو يسميها القطيع، رفضها للمس بكرامات الأديان واتباعها. فهو يتحدث وكأنه يحترم اديان الاخرين أو اتباعها. ويسترسل ليقول ان الحادث سيجر إلى قوانين تعسفية جديدة وحزمة تمييزية وعنصرية جديدة بحق العرب والمسلمين. ويشترط ان تتضمن تلك القوانين تجريم المس بالرموز والمعتقدات الدينية وخاصة الإسلام والا، وهذه المرة بجد، ستتكرر مسرحية شارلي إيبدو. اغرب ما في ردود الفعل على العملية الارهابية بحق المجلة الفرنسية استغلال البعض من السذج والجهلاء وربما الماكرين أيضا، لصور قديمة من الانترنت لإعادة نشرها والقول انها لضحايا مسلمين في نيجيريا أو بورما. احدى المشاركات نشرت صورة لضحايا بوكو حرام في نيجيريا من المسيحيين الذين احرقوا احياء في العام ألفين واحد عشر وقالت انهم مسلمي بورما. أي جهل واي تدليس هذا الذي ينتشر من خير امة أخرجت للناس؟ الشخص نفسه الذي نقل عن صحيفة بوسطن غلوب كتب في اليوم التالي مستجديا تعاطف القراء معه، ان ما يجري من احداث سببها قوة شريرة جهنمية التفكير والتخطيط واخرها ما حصل في جبل محسن في لبنان وقبلها في باريس. ويقول مستهجنا ان كل ذلك يجري باسم الإسلام ويورد بعض الآيات القرآنية. ويستذكر هذا الشخص انه في بداية الربيع العربي لم نسمع عن جماعات تدعي الإسلام وتقتل الناس الأبرياء من مسلمين وغير مسلمين. ويسترسل بكلام ينم إما عن جهل أو سذاجة لكنه بالتأكيد ينم عن محاولة تجميلية مكشوفة. وهذا الشخص يعرف قبل غيره ان الجماعات الإسلامية ليست وليدة الزمن الحاضر وأنها كعادتها دوما تركب الموجة وتلجأ إلى الإرهاب في أي وقت يتاح لها ذلك. ويبدو ان هذا الشخص استهواه القلم فراح يخط آراءه بأريحية ويوزع الاتهامات يمنة ويسرى. وراح يذكر بأخطر جهازين للاستخبارات في إسرائيل. ويعرب عن استغرابه الشديد من الصحافة العالمية التي استثنت هذين الجهازين فاخذ يقدم شرحا عنهما. ثم يتحدث عن تنظيم داعش ويصف اعمالها بانها بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام بغرض الإساءة له. ويكتشف ان عملية باريس هدفها الإساءة للعلاقات الفرنسية مع العالم العربي وخصوصا فلسطين. والغريب انه يربط الأمر بقيام إسرائيل بتجنيد العملاء في غزة والضفة وجنوب لبنان. ويتساءل هل يصعب عليها ان تجند عملاء جزائريين أو غيرهم؟ ويورد قصة هجمات سبتمبر في نيويورك. ويدعي انه تم توثيق ذلك بالفيلم الأميركي الوثائقي Loose Change والذي يوضح العلاقة بتفجيرات 11 سبتمبر بشكل مصور ومدعوم بالوثائق الرسمية والمقابلات الشخصية والتحليل العلمي. أكثر ما كان مضحكا هو ما ورد في مقال نشرته احدى مذيعات الجزيرة على صفحتها وكان عنوانه الإسلام المشوه بأيدي معتنقيه لكاتب يدعى محمد يعقوب يعيش في النمسا، اعتقد انه مصري، ونشره في شهر سبتمبر عام ألفين واثني عشر. عندما يجد المرء المقال على صفحة تلك المذيعة يشعر وكأنها مبتهجة جدا بالمقال الذي وجدته بعد تفتيش وبحث في الانترنت عن فكرة ابتعاد المسلمين عن دينهم. وكأنها تريد القول مع الكاتب ان ابتعاد المسلمين عن دينهم أوصلهم إلى ما هم عليه الآن. يقول النص ان الإسلام الذي يعيشه أكثر المسلمين الأن ليس هو الإسلام الذي جاء به محمد وإن ادّعوا ذلك قرونا طويلة وأزمنة مديدة. فمسلمو اليوم بانحرافهم عن النهج وبجهلهم وبابتعادهم عن روح دينهم واختزاله في شكل طقوس لا منهج حياة هم السبب في إساءة غير المسلمين للإسلام ... ويضيف ان هذه حقيقة راسخة لديه وأي طريقة لحل هذه المشكلة تغفل هذا الأمر لن تُجدي وستكون بمثابة عملية دفن لرؤوسنا في الرمال وهروب من الاعتراف بالخطأ ومن المسؤولية. ويسهب فيقول ان ما يقدمه المسلمون للعالم هو إسلام معيب ومشوه، إسلام ينقصه الكثير من أركانه التي بدونها يصبح دينا مبتورا، من الطبيعي أن يرفضه كل عقل سليم وليس بمثل هذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم. وينتقد الكاتب المسلمين بالقول ان اسلام اليوم ينقصه الضمير والأمانة والنظافة والانضباط والوفاء واحترام الكلمة. والحل الوحيد من وجهة نظر الكاتب هو أن على المسلمين أن يعودوا ويعيشوا الإسلام واقعا في حياتهم أولا. انتهى الاقتباس من المقال الذي أعجب تلك المذيعة المشهورة. لكنها نسيت ان تعلق على المقال بتذكير الكاتب بالمصادر والاركان التي يعتمد عليها اتباع التنظيمات الإرهابية سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا. وكأن الإرهابيين تركوا الإسلام والتزموا ديانة هابطة من المريخ ونفذوا أعمالهم الإرهابية. المضحك ان احدى المعلقات على المشاركة تتساءل هل تركونا نطبق ديننا؟ ومعلقة أخرى لديها حس شاعري مرهف كتبت تقول: تمثيلية ولا تمثيليات هوليوود، مدروسة ومعالجة كاليود، دبرها النصارى واليهود، كي يصبح المسلم هناك في حكم الموؤود. أضحكني أيضا تعليق كتبه شخص بلغة انجليزية سليمة، يقول في تعليقه: البعض يظن ان السلام سيسود فقط لو ان المسلمين سكتوا على الاساءات لقيمهم وفسروا الدين وفقا لأهواء الاخرين. تعليق رايته غريبا جدا. فمن قال له ان الغرب ينظر إلى الإسلام والمسلمين بهذه الطريقة؟ اعرف أنى أطلت الحديث. لكن الاحداث وتتابعها وذيولها تجعل المرء يخرج من ثيابه لما يراه ويسمعه ويعيشه جراء ما يجري حواليه. من قال ان المسلمين ابتعدوا عن الإسلام؟ اما زالوا يزيدون اقترابا منه منذ أربعين عاما وأكثر؟ اما زادت قوة مكبرات الصوت على المآذن؟ بل صرنا نسمع وصلة من الترتيل القرآني قبل بدء الاذان وبعد الآذان؟ الم تنتشر مدارس تحفيظ القران طولا وعرضا في مختلف البلدان الإسلامية؟ الم تصبح البسملة واجبة في كل المراسلات الحكومية والرسمية؟ الم تلتزم المحطات التلفزيونية الخاصة والرسمية بنقل الاذان خمس مرات في اليوم؟ الم ينتشر الحجاب والنقاب في كل مكان؟ حتى أسماء المواليد أصبحت إسلامية؟ أسماء المدارس والمحلات والمشروعات كلها صارت تنسب إلى الإسلام؟ ما هي معايير الذين يقولون ان الامة ابتعدت عن الإسلام؟ إذا كان كل هذا الالتزام بالإسلام والتمسك فيه في كل نواحي الحياة ابتعادا عن الإسلام فكيف هو الاقتراب منه والعودة إليه؟
#حسين_عبدالله_نورالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عملية حرية المشرق
-
في ذكرى تفجيرات فنادق عمان
-
ما هو الاسلام الحقيقي
-
خطاب الاستقلال
-
مجتمع الكراهية والتدليس (مهداة الى الاستاذ جهاد علاونة)
-
المجتمع الاسلامي وعيد الحب
-
مزيد من الاسئلة حول مسلسل عمر والاسباب الحقيقية لرفضه
-
ئلة عميقة حول مسلسل عمر بن الخطاب
-
اسئلة عميقة يثيرها مسلسل عمر بن الخطاب
-
الخطاب الحلم
-
اسطول الحرية والحقيقة الغائبة
-
غزوة منهاتن ذكرى وعبرة: هل تعلمنا؟
-
المرجعية الفلسطينية واللعب بالنار
-
دمار غزة والانقلاب الثاني
-
ربنا موجود
-
لبنان ينتظر المجهول المعلوم
-
امارة غزة الظلامية والتباهي بسفك الدماء
-
انقلاب حماس ومستقبل غزة
-
خلط الاوراق والأدوار المشبوهة
-
المسيحيون في العراق والصمت الاسلامي المريب
المزيد.....
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|