أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - روكش محمد - صباح في استضافة بيتي














المزيد.....

صباح في استضافة بيتي


روكش محمد

الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 17:52
المحور: سيرة ذاتية
    


ذاكرتي بحر هائج ,متلاطم الأمواج ,يعلوها زبد أبيض صاف كقلب صغير يحبو
تارةً تثور فتقذف بقوة آلاف الأفكار المجنونة والتنهيدات عالياً نحو السحاب ,وأخرى
تهدأ فتُغرق عميقاً أفكاراً ولحظات ,لتركد بسلام في القاع .لكن في الكثير من الأحيان
تنثر أفكاراً وكماً هائلاً من الذكريات على رمال الشاطئ ,وبين جنبات الصخور.
اليوم وأنا أتمشى على شاطئ ذاكرتي الضحل بالآلام والأنات ,صادفتني فكرة جميلة غافية بين شقوق
صخرة على يمين ذاكرتي نكزتها برفقٍ , حتى استفاقت . فجأة وجدت نفسي واقفة في وسط
زقاقٍ صغيرٍ ,موحلٍ ,تزينه بعض الحصى ,وأكياس القمامة الموزعة قرب الأبواب المنتشرة
على طرفيه ...
أسرعت الخطى نحو باب أسودٍ كبيرٍ ,تظلله شجرة سروٍ كبيرةٍ ,وأمامه رصيف صغير يكاد يكون
موطئ بضعة أقدام . وقفت عليه محتارة مترددة وأنا أمسك بقوة على سلسلة مفاتيح صغيرةٍ في
قبضتي المتعرقة . فتحت أصابعي بروية كمن يسترق النظر إلى شيءٍ عزيزٍ , ويريد الاطمئنان على
سلامته ,فرحت لأنها لا تزال في قبضتي بأمانٍ . يا إلهي هذه مفاتيح بيتي ,الذي فقدته في خضم موجة
النزوح والأوجاع . أدخلت أحد المفاتيح برفقٍ في القفل و أدرته ,وكم كانت فرحتي عظيمة حين انفتح الباب
الأسود الكبير ,إذاً هذا بيتي ومهد أمنياتي . من جديد أمسكت بقوة سلسلة المفاتيح وأخفيتها في راحتي خوفاً
عليها من الضياع كسنوات عمري .
اجتزت عتبة الباب ,ومشيت برويةٍ على الرصيف الاسمنتي , وأنا أتنقل بنظراتي الحائرة بحثاً عن عمرٍ
مضى وذكرياتٍ سُلِبت .
هذه نرجستي ملوية العنق ,لي معها حديث مطول ولعبيرها في فؤادي شوقٌ وحنين , وتلك الشجيرة المكتئبة
ضاع منها طوق الياسمين الذي طالما أحببته بشغف كل المحبين فيما مضى .كثيرة كانت تلك اللحظات التي تأملتها
,ناجيتها , وبثثتها شكواي .ابتلعت ريقي بصعوبة وكان طعمه مالحاً يبدو أنه امتزج بدمعتي ,أكملت بحثي بخطى
متثاقلة ومع كل خطوة ألف دمعة وغصة ,صدمني مشهد شجيرة التين الصغيرة _كم قصدتها في صباحات الصيف
الحارة وعشقت ثمرها الطازج والتمرغ بظلها المقتصد _ إنها اليوم عارية تماماً متعطشة للحياة وقد تراكمت تحتها
أوراق صفراء , في أسفل كل منها قصة عشقٍ وحنين لا تنتهي .
تابعت المسير نحو دالية العنب ,معشوقة حبيبي , مددت عنقي عالياً ونظرت ,آلمني مشهدها الحزين ,حاولت
الإمساك بعنقود ٍ لكني فشلت وعادت أصابعي خائبة ,فقد تكسر قبل أن تحظى به ,وتناثرت حباتها اللؤلؤية على الأرض .
بعد أن اجتزت الحديقة ,وقفت أمام بابٍ متوسط الحجم بلون أوراق النرجس ,أخرجت سلسلة المفاتيح من جديد ,فتحت
الباب وبنفس الحيطة والحذر أعدت السلسلة إلى راحتي المشدودة .لا أدري كم من الوقت وقفت مشدوهة ,مصدومة ,
متيبسة الأطراف ,وكأن الدماء تجمدت في عروقي ,وتحجرت الدمعة في محاجري ..يا إله السموات هذا بيتي الذي
في استضافته أحس بأني في غنىً عن العالم وأحلق عالياً في سماء الحرية والحب .
بادئ الأمر ترددت في الدخول ,لكن ما لبثت الحرارة أن عادت إلى جسدي المنهك ,وتحركت أطرافي بتثاقلٍ لكني
دخلت بعد أن قبَلت عتبة الباب .
على يميني كانت مرآتي الكبيرة لا تزال منتصبة تنتظر قامتي وعلى رفها فرشاة شعرٍ علاها الغبار في شوقٍ إلى
خصلات شعري لتعيد إليها الحياة . باب المطبخ مفتوحٌ ,أسرعت الخطى نحوه ,كان كل شيءٍ مرتباً كما تركته ,غير
أن الغبار أضفى عليه لوناً منفراً .لم أتجرأ على لمس شيءٍ ,تراجعت نحو باب غرفتي ,كان السرير مرتباً ,والخزائن
مغلقة ,أما أشيائي الصغيرة لا تزال على الرف تنتظرني بلهفة وحب .بعض الملابس معلقة على المشجب وفي طرف كل
منها لوعةٌ وذكرى ,لم ولن تنال منها سنوات الضياع والشتات .تأملت أشيائي قطعةً ,قطعة ومع كل نظرةٍ ألف غصةٍ وغصة.
تركت غرفتي دون المساس بطهر وعذرية ذكرياتي ولحظاتي عمري المقدسة .قصدت الغرفة الثانية ,هذه ألعاب صغاري
قصصهم ,حاجياتهم الصغيرة ,وكتبهم التي طوت بين صفحاتها أحلامهم وأمانيهم .تجولت بنظراتي الحزينة مطولاً في
الغرفة ,ثم خرجت منها ,ودخلت الغرفة الثالثة ,أسعدني مشهد المكتبة وزخم الكتب وأفكار (جبران _ غابرييل _عزيز نيسن ....وغيرهم )
التي فتحت الباب على مصراعيه أمامنا ومنحتنا فرصةً للانطلاق نحو الحياة والانتماء للإنسان روحاً طاهرةً ,فكراً نيراً , وقوة لا تقهر .
إنها لا تزال على حالها ,تزينها حبيبيات الغبار المنثور عليها ,حتى أنها بدت لي بادئ الأمر مكتبة عريقة في
التاريخ .مددت يدي لأستعير منها فكرة وحفنة من الحب والحنين .لكن أصابعي المرتعدة خانتني .
تراجعت خطواتٍ إلى الوراء وأكملت نظراتي جولتها في البحث ,لكن هذه المرة عن منسوجاتي اليدوية
الموشاة بدموعي وأحلامي _كانت ولا تزال عزيزةً عليَ, فهي نتاج أناملي أنا وإخوتي _
لا تزال مرتبة مطويةً بعناية فائقة ,تخفي بين طياتها عمراً من الحب والوجد ,مذ تركتها في تلك اللحظة الغادرة .
فجأة أحسست بألم شديد في رأسي ,عبثاً مددت إحدى يدي علَي أخفف من شدته , فالأخرى كانت منقبضة بقوة
على سلسلة المفاتيح.اشتد الألم رويداً ,رويداً يبدو أن بحري قد هاج وأمواجه عادت إلى التلاطم من جديد وكأن
ريحاً قويةٌ عصفت بي وأيقظتني من حلمي السعيد , حينها فقط اكتشفت أني لم أكن أحمل في قبضتي سوى بقايا
أمنياتي وأحلام صغار المحطمة ,وحفنةً صغيرة من حب الحياة ,أخشى أن تزروها الرياح هي الأخرى بعيداً
في الصحارى القاحلة . 18-1-2015



#روكش_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ظل راية الحرية وكنفها المشوب
- صديقي
- ثلاثة أشهر
- للنزوح حكاية ألم
- حبك فضيلة ٌ كبرى
- ألا ليت
- حياتنا ضاعت ..وتآكلت
- هذا المساء..كوباني غابت عنها الحياة
- الوصول إلى الحرية مرهق ومؤلم
- كوباني.. يا وجعي الأبدي
- أنا وأنت
- ذاكرتي حبلى بالأمنيات
- في الحياة خطب ما
- أستميحك عذراً يا وطني ...يا وطن النور والنار
- رفقاً ... وطني وقع في براثن الغدر والموت
- أيتها الارض المتخمة بالألام والاوجاع متى المخاض؟؟
- في وطني


المزيد.....




- التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف ...
- جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا ...
- قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل ...
- مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي ...
- مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار ...
- السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
- ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال ...
- واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي ...
- هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
- تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - روكش محمد - صباح في استضافة بيتي