|
مكونات الحكامة وادوارها في المشاركة السياسية بالمغرب: التسجيل في اللوائح الانتخابية نموذجا
محمد البكوري
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحكامة هي منظومة متكاملة من العمليات و الصيرورات و الهياكل و الاجراءات ، التي يتم توظيفها و استخدامها من طرف المؤسسات لتوجه- وفق منطق استرشادي- انشطتها العامة وتدير -وفق تصور برغماتي- خططها الاستراتيجية. وحتى تترسخ هذه المنظومة الحكاماتية المتراصة البنيان ويتوطد صرحها، يبدو من اللازم ارتكازها على اسس متينة ،من قبيل :العالمية، الشمولية او الكلية ،المواطنة والديمقراطية وكذا استنادها على مبادئ قويمة، من ابرزها: المشاركة ،الشفافية، المحاسبة ،المساواة، الفعالية و الرؤية الاستشرافية ...و ايضا تبلورها عبر عدة مكونات وعناصر تسير دواليبها: الدولة، المجتمع المدني، القطاع الخاص ،المواطن ووسائل الاعلام... ومن ثم يمكننا الحديث عن التجليات الحقيقية لنشاة وميلاد الحكامة، ككائن تدبيري جديد يعري عن تواجداته في سائر مجالات الحياة ويخترق بابعاده الايجابية كل مناحي الوجود. ان مختلف مكونات الحكامة -ومن منظور انها اجزاء جوهرية من هذا الكائن الهلامي الضبابي -تعتبر عناصر لامحيد عنها لبناء وتشييد اسس الحكامة وتعزيز وتكريس مبادئها ، بغية ايجاد الارضيات الصلبة لغائيتها . ولن يتاتى كل دلك الابالحرص الاكيد و الايمان العميق بتكامل الادوار وتفاعلها المستمر بين مختلف هده المكونات ،وارساء عوامل انصهارها في بوتقة واحدة، تضمن فرص النماء للجميع وتجعل الجهود تتضافر في مصير واحد ومسار موحد. ورغم خصائص، التكامل، الانصهار،التفاعل ،التداخل ...التي تتسم بها هذه المكونات ، فاننا نجد ان هناك معايير سياسية واقتصادية و اجتماعية وادارية ،مختلفة ومتابينة ،تشمل الدولة و مؤسساتها و المجتمع المدني و هيئاته و القطاع الخاص و مجالاته ووسائل الاعلام بمختلف مشاربها و المواطنين كفاعلين ديناميين. وبعبارة مختصرة ،انه الائتلاف في اطار الاختلاف .ان هذه الملاحظة الاخيرة ،هي التي يمكن الوقوف عليها عند دراستنا لاية ظاهرة من الظواهر، التي يمكن للحكامة ان تسبر اغوارها ،سواء كانت ظاهرة اجتماعية او سياسية او ادارية او غيرها ،فالمهم هنا ان لكل مكون من مكونات الحكامة وجهة نظره الخاصة به وزاوية تحليله المرتبطة به وادوات اشتغاله المتوسل بها من طرفه اثناء تعامله مع هذه الظواهر. وهي المسالة التي يمكن رصدها على مستوى احدى انماط الحكامة ،وهو نمط الحكامة السياسية ،واحدى اهم مظهر من مظاهر هذه الاخيرة ،وهو المتعلق بحكامة الشان السياسي - الانتخابي او بالحكامة الانتخابية . ان المقصود بهذه الاخيرة ، كابرز تجلي من تجليات الحكامة السياسية ،هي القدرة الشجاعة والخطوة الجبارة على او لارساء اللبنات الاولى لبناء اللحظات الانتخابية الرائدة المفعمة بالديمقراطية الحقة والغير المشوبة بالرجات التي يمكن ان تعكرصفوها .انها اللحظات المعلن عنها كسياسة عمومية لاتخاد القرار المرتبط بالشان الانتخابي ،بداية مع توفير المناخ السياسي الملائم لانبثاقه و تطوره كمدخلات للحظة انتخابية مامولة، مرورا الى التاكيد على سلامة الزمن الانتخابي الاني المرتبط بالعملية الانتخابية الكائنة كتغذية ارجاعية ،ووصولا الي التمثيليات و الانتدابات المنتظرة من الاستحقاق الانتخابي او ما يفرزه من مؤسسات كمخرجات مطلوبة ، كل ذلك في اطار سياقات تشاركية بين مختلف مكونات الحكامة عموما والحكامة السياسية خصوصا . حيث ان الوجه الديمقراطي الاكثر بروزا في ملامح هذه الاخيرة ،يظل هو اشراك كل الفاعلين من مجتمع مدني وقطاع خاص و دولة مواطن في عملية اتخاد القرار ،والسياسي منه على وجه الخصوص . وعلى ضوء ذلك تنبثق الحكامة بشكل عام كموجة ثالثة لتحديث السياسة ،اذ ان تعقد الشؤون السياسية يفرض اشكالا جديدة على مستوى اتخاد القرار 2000 "JEAN PIERRE B GUY PETERS .وهنا نجد انفسنا نتحدث عن مزيج من القيم الجديدة في القطاع العام و المجتمع كما تبرز الحاجة الى توفير مصادر جديدة للخبرة وخلق شبكات تبادل مستمر للمعلومات وتقارب وتجاور جميع الفاعلين في اتخاد القرارJEAN FRANCOIS PRUD HOMME2005 .فكيف يمكن الحديث عن هذا التصور الجديد و الريادي فيما يخص الشان الانتخابي ببلادنا؟ خاصة ،و اننا سنعيش تجارب انتخابية جديدة بعد التجربة الانتخابية الاولى لما بعد تبني دستور 2011 ،وهي التجارب التي يمكن ان تكون غنية ديمقراطيا وثرية سياسيا ، مقارنة مع الاولى ،بحكم سمو درجة الاختمار و النضج في اطار التعامل مع المكتسبات و الرهانات الدستورية الجديدة ،وخاصة كذلك لكون المغرب مازال يعيش نمط حكامة في حالة انتقال على جميع الاصعدة ،ومنها الصعيد الانتخابي .ذلك ماسنحاول ان نجيب عنه في دراستنا هاته ،التي نعتبرها جزء من منظومة بحثية يمكن ان تواكب تطلعات المغرب الصاعد، المغرب الاستشرافي ،و القادر على ربح رهانات المستقبل ،ان هو تمكن من ارساء الاسس الاولى لهذه الحكامة الانتقالية ، وعلى راسها الاسس المرتبطة بتدبير الشان السياسي عموما و الشان الانتخابي خصوصا ،تدبيرا يتسم بالنجاعة والكفاية اللازمتين ،مع التركيز على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة . بداية، يمكن النظر الى المشاركة السياسية، باعتبارها منظومة متداخلة تشمل في طياتها مجمل النشاطات و الممارسات، التي يقوم بها كل من هم في وضعية المحكومين ، بغية التاثير في الصيرورات السياسية وتملك ادوات القدرة على ايجاد المنافذ الضرورية لاتخاذ وصنع القرارات السياسية و المساهمة الفعالة في البحث عن الاجوبة القمينة بطرح الحلول والبدائل و الاختيارات المتعلقة بالمسائل التدبيرية ،سواء على الصعيد الوطني او على الصعيد المحلي .وفي اطار شمولي ،و للمزيد من الاضاءات حول هذا المفهوم، يمكن اللجوء الى احدى التحديدات الرائدة في هذا المجال وهو تحديدWEINER ،الذي يرى ان المشاركة السياسية هي"كل عمل ناجح او فاشل، منظم او غير منظم ،مرحلي او مستمر، يفترض اللجوء الى وسائل شرعية او غير شرعية ،بهدف التاثير على اختيارات سياسية او ادارة الشؤون العامة او اختيارات الحكام وعلى كل المستويات الجكومية" .ان هذه الرؤية الشمولية لمفهوم المشاركة السياسية ،تحمل في طياتها كل ابعاد وزوايا السلوك السياسي، وعبره تلك المرتبطة بالسلوك الانتخابي، باعتباره الجزء الدينامي من منظومة السلوك السياسي برمته و التعبير الجلي و الصريح و الواقعي عن المشاركة السياسية بتجلياتها المتعددة و مجالاتها المتشعبة و المحور الرئيسي الذي تدور في فلكه الانتخابات ،كارقى الاليات المتوسل بها من طرف المشاركة السياسية ،وبالنظر كذلك لكون المشاركة الانتخابية هي الوجه المشرق للمشاركة السياسية ،وهنا يؤكدRICHARD ROSEعلى ان الانتخابات "ظاهرة متعددة الجوانب ،اكثر مما هي تعبير مبسط لاختيارات الفرد المفضلة للاحزاب ،فهي تعكس جملة من التاثيرات الكبيرة الممارسة عنه-اي عن الفرد" .فالانتخابات بذلك تتجسد كلبنة من لبنات بناء معالم الدولة الحديثة ،و التي يرتهن بها مستقبل الافراد و الجماعات .واذا حاولنا ان نطبق كل هذه التصورات على الحالة السياسية المغربية و ما يرتبط بها من لحظات انتخابية مختلفة فسنجد -وعبر المحطات المتعددة والفترات المختلفة للمشهد السياسي المغربي -كون الانتخابات ظلت وسيلة من ابرز وسائل الشرعنة السياسية و الية مركزية من اليات بناء و تحديث النسق السياسي المغربي .وهو مافتئ يتبلور عبر المسارات -الهادئة و المضطربة- التي عرفها هذا النسق خاصة في زمنه المعاصر. ومثال ذلك التوسل باوالية الانتخابات - بالاضافة الى اوالية الدستور-خلال فترة الربيع العربي من اجل اضفاء المزيد من اواليات الشرعنة وضمان امتن تحصين للنظام السياسي المتجدد في تبنيه لهذه الاواليات. انطلاقا من كل ماسبق ،سنعمل هنا على دراسة الادوار التي يمكن ان تقوم بها مختلف مكونات الحكامة، فيما يخص التحفيز على الانخراط الايجابي و الفعال في الشان الانتخابي ،خاصة على مستوى ابرز مرحلة من مراحل العمليات الانتخابية - والمرتبطة بمسالة التحضيرات القانونية لهذه العمليات ،و مايجسد الاهتمام بها من تعبير على قوة المشاركة الانتخابية، ومن ثم على متانة المشاركة السياسية في شموليتها -وهي مرحلة التقييد او التسجيل في اللوائح الانتخابية ، باعتبارها مرحلة المؤشرات الدالة على مسالتين محوريتين :المشاركة السياسية و العزوف السياسي. اولا: التسجيل في اللوائح الانتخابية والاليات القانونية المخولة لمكونات الحكامة : ان قراءتنا للترسانة القانونية المرتبطة بالاتخابات المقبلة بالمغرب ، تبرز ان هناك نوع من شبه هيمنة من طرف الدولة كمكون من مكونات الحكامة على صعيد صناعة الاليات القانونية التحفيزية للانخراط المكثف في عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية ، ثم المساهمة البسيطة التي يمكن ان تقوم بها الاحزاب السياسية على هذا المستوى التحفيزي . هكذا نجد ان السلطة العمومية -الدولة والمؤسسات التابعة لها- هي المخول لها بالدرجة الاولى، الرفع من القدرات التمكينية للمشاركة و الاقبال على التسجيل في اللوائح الانتخابية ،وهو ما تؤكده الديباجة التقديمية- المرتبطة ببيان الاسباب- لقانون88-14 المتعلق بالمراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية العامة-الظهير الشريف رقم1.14.191الصادرفي10ديسمبر2014 -اذ جاء في فقرتها الاولى مايلي:"يندرج هذا القانون في اطار التدابير و الوسائل التي تعتزم السلطة العمومية اتخاذها في افق اجراء الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ،تنفيذا للاحكام المنصوص عليها في الفقرة الاخيرة من الفصل 11من الدستور بشان النهوض بمشاركة المواطنات و المواطنين في الانتخابات" . ولتضيف الفقرة الاخيرة من هذه الديباجة التقديمية الى انه"ينبغي التاكيد ان هذه العملية تتوخى في عمقها فضلا عن تبسيط المسطرة و الاجراءات المتعلقة باللوائح الانتخابية العامة ،توسيع المشاركة وتقوية الضمانات القانونية المحيطة بهذه اللوائح، سعيا الى تحقيق مقاصد الدستور بهذا الخصوص الذي يعتبر ان الانتخابات الحرة والنزيهة ،هي اساس مشروعية التمثيل الديمقراطي" .ومن ثم يتضح لنا ، ووفق هذه المقتضيات القانونية المكرسة في ديباجة هذا القانون ،الدور المحوري المقام به من طرف الدولة ،كمكون حكاماتي على مستوى توسيع المشاركة في التسجيل في اللوائح النتخابية ،وهو الدور الذي يتاكد ايضا على مستوى الجهاز الدولتي المكلف بالانتخابات -وهو وزارة الدخلية- والذي بالاضافة الى الاهمية السابقة المرتبطة بالدولة بشكل عام ،فانه ياخذ اهمية اخرى على مستوى تملكه لالية قانونية جديدة ،بامكانها ان تساعده على الرفع من نسبة الاقبال على التسجيل في اللوائح الانتخابية ،و هي الالية المرتبطة باحداث موقع الكتروني خاص باللوائح ،و المنصوص عليها في المادة الرابعة من القانون الانف الذكر، والتي تم ابرازها بشكل واضح في قرار لوزير الداخلية رقم4516.14 و الصادر بتاريخ18ديسمبر2014 ،و المتعلق بالموقع الالكتروني الخاص باللوائح الانتخابية العامة ،و الذي ينص في مادته الاولى"يحدث موقع الكتروني للوائح الانتخابية العامة يحمل تسميةwww.listeselectorales.maويشار اليه في هذا القرار بالموقع الالكتروني .يسند الموقع الكتروني المذكور في سيره و استغلاله الى نظام معلوماتي تشرف عليه المصالح المختصة بوزارة الداخلية" .و الملاحظ ان هذا الموقع، و ان كان يشكل الية جديدة متطورة في اطار ادارة القرب و الادارة الالكترونية يسمح بالتسجيل في اللوائح الانتخابية، مما يشجع العديد من الشباب، -خاصة ان اهلية التسجيل بالمغرب هي 18سنة - على المشاركة و بكثافة في عملية التسجيل ،فانه كذلك يشكل زادا معرفيا مهما ،من حيث توفره على اربعة فضاءات للاطلاع ،و بالتالي للاقتناع بجدوى التسجيل ،و هي الفضاءات التالية :خدمات الكترونية ،الاحصائيات ،فضاء المعلومات، فضاء التوثيق .كما انه ذات الموقع الذي يحمل شعارا ذا بريق خاص و بعبارة متسمة بحمولة قوية"سجلوا اسمكم في مستقبل بلادكم" ، بالنظر الى كون التسجيل في اللوائح الانتخابية يعتبر بحق الخطوة المصيرية في البناء المستقبلي لمغرب الغد ، خاصة ان الانتخابات المقبلة ، وفي اطار الجهوية المتقدمة ، يعول عليها لدخول المغرب افاق الدول الصاعدة .اما بالنسبة للاحزاب السياسية ،باعتبارها كذلك عنصر من عناصر الحكامة ، و بالعودة الى التعريف الكلاسيكي للحزب السياسي في كونه"كل جماعة منظمة رسميا، تعمل عل تادية وظائف، ومنها تثقيف الجمهور" واعتباره ايضا "مكان للخطاب ،الذي لايمكن الوصول الى غاياته الا بتنظيم بنية المعنى ،بحكم ان الحزب ينتج المعاني . انه صانع ايديولوجي و منتج ثقافي ،يتساكن تاريخيا لابراز نموذج المجتمع المشرعن"MICHEL HASTING2001.و بالنظر كذلك ،الى ان ابرز وظيفة للحزب السياسي، هي تاطير المواطن ،كما ينص على ذلك الدستور المغربي في فصله السابع ،وكذا الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون التنظيمي رقم29.11المتعلق بالاحزاب السياسية التي جاء فيها مايلي:"يعمل الحزب السياسي طبقا لاحكام الفصل 7 من الدستور على تاطير المواطنات و المواطنين و تكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشان العام". ومن ثم اكتساب قدرات فائقة على تاطير المواطن على مستوى حثه و تحفيزه على التسجيل في اللوائح الانتخابية . لهذه الاسباب، نجد ان قانون88.14،قد نص في الفقرة الثانية من المادة الاولى على ضرورة ان"تقوم الاحزاب السياسية بحملات للتسجيل في اللوائح الانتخابية العامة خلال الفترة المحددة لذلك بموجب القانون" .الاانه ما رصد للاسف بعد مرور حوالي شهر على انطلاق عملية التسجيل ،كون هذا العنصر من عناصر الحكامة ،يفتقر للرؤى الاستراتيجية و الخطوات العملياتية في هذا المجال ،اذ لم يتم تسجيل وعبر ربوع المغرب ، الا القيام المحتشم بحملات للتقييد و التحفيز عليه ،مما يدل على تراخي بين من طرفه، كمكون دينامي ،بخصوص الاستفادة من هذه الاوالية القانونية المهمة، والتي في نظرنا لو منحت لمكون اخر من مكونات الحكامة كالمجتمع المدني ،لاستغلها احسن استغلال . وهو الشئ الذي لم يتم ،على الاقل في الوقت الراهن، المتسم بغياب الجانب القانوني المؤطر لمساهمة هذا المكون، في هذه العملية المصيرية وغيرها من عمليات المشاركة في اتخاد القرار و تدبير الشان العام، رغم نص الدستور المغربي على ذلك في اطار الديمقراطية التشاركية . ثانيا : التسجيل في اللوائح الانتخابية و الاواليات الاقتراحية الممكنة لمكونات الحكامة: تشكل مؤشرات :الاقبال ،العزوف ،التردد على التسجيل في اللوائح الانتخابية، مؤشرات موضوعية لاستشراف ابعاد و رهانات المشاركة السياسية ، وقراءة من القراءات القبلية ،الممكنة ،لما سيتبع هذه العملية المحورية في السلوك الانتخابي من خطوات موالية :الترشيح ،التصويت، وبالتالي فهي تشكل الاساس الصلب الاولي للبناء الديمقراطي برمته وفي شموليته ،و المعطى الدال على جملة من الركائز المرتبطة بهذا البناء ،من قبيل الثقة، المواطنة ،الواجب ،المساهمة...على هذا الاساس ،ومن اجل الارتقاء بالفعل الديمقراطي التشاركي ببلادنا وجعل المشاركة -كما يلح الدستور الحالي-مرتكزا فعليا من مرتكزات الدولة الحديثة ،الدولة الديمقراطية ،يبدو من اللازم ايجاد التركيبة المثلى او الصيغة الفضلى ، التي تجمع مكونات الحكامة في كل واحد، تنصهر، تنذمج، تنخرط في اعماقة، من اجل بلوغ الاهداف المتوخاة ،وعلى راسها تذليل الصعاب ،التي قد تعترض المسارات الديمقراطية ،ومنها المسار المتعلق بالانتخابات ،ومايعتمل في دواخلها من خطوات و اجراءات، من قبيل،التسجيل في اللوائح الانتخابية .على ضوء ماسبق ،ومن اجل بلورة منظومة متكاملة من الاواليات المساعدة لمكونات الحكامة ببلادنا ،للرفع من القدرات التمكينية على مستوى التسجيل في اللوائح الانتخابية ،فاننا نقترح الاقتراحات التالية ،على صعيد باقي هذه المكونات :المجتمع المدني ، القطاع الخاص،وسائل الاعلام، المواطن . -اولا: المجتمع المدني : ان المجتمع المدني كعنصر من عناصر الحكامة ، يبرز عن حيوية فاعلة ويعبر عن دينامية فائقة في تاطير المواطنين ،للعمل في الشان العام، من خلال ادائه للعديد من الوظائف الموطدة للسلوك المدني والمرسخة لشعور المواطنة :التحسيس ،التثقيف ،التوعية، التعبئة ،التنشئة ... هذه الاهمية الوظيفية للمجتمع المدني ،تتعزز باهمية اخرى ،هي الاهمية التركيبية ،باعتباره يضم في طياته مجموعة من المؤسسات تستطيع ،وبكفاية ان تلعب الدور المحوري في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي و الثقافي . من هذا المنطلق الوظيفي- التركيبي، تتضح معالم المساهمة، التي يمكن لهيئات المجتمع المدني، القيام بها على مستوى رفع نسب وتسريع وتيرات عملية التسجيل في اللوائح .ومن ابرز هذه المعالم تنظيم انشطة اشعاعية توعوية داخل المؤسسات التعليمية و الشبابية للتاكيد على اهمية التسجيل بالنسبة لمستقبل البلاد، ابداع وخلق اشكال تعبيرية جديدة لتحفيز الشباب على التسجيل واقناعهم بجدواه : عروض فنية ،لقاءات فكرية ، توزيع كتب و مطويات توضيحية و تبسيطية ،وضع لافتات ،جعل منتسبيها و منخرطيها يقومون تلقائيا بتسجيل انفسهم في اللوا ئح ليكونوا القدوة ، التي يتم عبرها تكريس سلوك المواطنة ،وغيرها من الخطوات المعبرة على الادوار الريادية التي يمكن ان تلعبها هيئات المجتمع المدني على مستوى تاكيد السلوك الايجابي تجاه احدى المحطات المهمة في الصيرورة الانتخابية)نستحضر في هذا الصدد تجربة جمعية2007دابا(. -ثانيا :القطاع الخاص : يمكن اعتبار القطاع الخاص، كعنصر من عناصر الحكامة ،منطلقا حقيقيا ،،تشاركيا على مستوى المسارات الديمقراطية و التنموية ، في تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية ،حيث يحظى القطاع الخاص بمكانة هامة داخل منظومة الحكامة ،باعتباره فاعل غير مباشر و احد الاعمدة الاساسية في تنزيل مقتضيات الحكامة على ارض الواقع وعلى جميع الاصعدة. الامر الذي يجعل منه الية مهمة للمشاركة في التنمية السياسية ، بالاضافة بطبيعة الحال الى باقي التمظهرات التنموية الاقتصادية و الاجتماعية ، خاصة في الدول النامية .في هذا الصدد ،ياتي مفهوم المقاولة المواطنة ، والذي توجد مؤشرات عديدة دالة على ترسخه ،ومنها تحفيز الموارد البشرية العاملة في القطاع الخاص على معرفة حقوقها ،بشكل شمولي وغير تجزيئي ، لايحصرها فقط في الحقوق المنصوص عليها في قوانين الشغل ،بل يتعداها الى المعرفة المعمقة بجميع الحقوق المكرسة للشعور بالمواطنة ،ومنها الحق في التسجيل في اللوائح الانتخابية ،وكذا اتخاذ بعض المبادرات المشجعة لشغيلة القطاع الخاص ،من اجل الاستفادة من هذا الحق، عبر حث كل من توفرت فيه شروط القيد او نقل القيد (خاصة من غير مكان اقامته)على القيام بهذه الخطوة و عدم هدر الفرص المتاحة من اجل التمتع بهذ الحق . -ثالثا : وسائل الاعلام : تعد وسائل الاعلام موجها ديناميا لبنيات المجتمع ، القادر على غرس قيم المواطنة والثقافة المدنية وتطورها ،والمساهم وبفعالية على تكوين راي متفهم لضرورات تطوير مؤسسات يمارس المواطنون من خلالها دورا ايجابيا في الدفاع عن مصالحهم وتحسين احوالهم وتحصين مكتسباتهم ،و المبلور لاستراتيجيات اغناء مدارك المواطنين واثراء معارفهم ،بما يمكنهم من التجاوب مع متطلبات المشاركة الايجابية .في هذا السياق ،يمكن التاكيد على دور وسائل الاعلام في مسايرة ومواكبة باقي عناصر الحكامة ،فيما يخص التحسيس بضرورة التسجيل في اللوائح الانتخابية وتزويد المواطن بالمعلومات الوافرة حول هذه العملية .وهو ماتمت ملاحظته من خلال حرص العديد من المنابر الاعلامية المرئية والمسموعة و المكتوبة و الالكترونية ،على تحفيز و تشجيع المواطنين على الانخراط الايجابي والمكثف في التسجيل في اللوائح الانتخابية :برنامج المنشط الاذاعي "مومو" باذاعة "هيت راديو" الخاصة، تخصيص حلقة من البرنامج الحواري "مباشرة معكم" بالقناة الثانية لموضوع التسجيل في اللوائح الانتخابية و المشاركة السياسية ،تقديم وصلات اشهارية توعوية وروبورتاجات بالاذاعات و القنوات التلفزية ،تخصيص اعلانات و مقالات تحليلية بالجرائد والمجلات الورقية و الالكترونية . . . عموما ،ان من شان كل ذلك الرفع من الوعي السياسي لدى المقبلين على عملية التسجيل. وحتى يتعمق ذلك ينبغي على وسائل الاعلام التكثيف من ادوارها على هذا المستوى . -رابعا: المواطن :انه قطب الرحى في العملية الديمقراطية برمتها ،فهو كعنصر من عناصر الحكامة ،يظل المنطق و المبتغى لترسيخ المواطنة كلبنة اساسية من لبنات بناء الصرح الديمقراطي، لدرجة معها يمكن اعتبار اصل الازمات و النكسات الحضارية التي مافتئت تبتلى به الامم بسبب التسلط والقهر هو قعود الناس "المواطنين" عن ممارسة مواطنتهم-كما يرى ذلك ادريس مقبول في مقال له بمجلة الدولية العدد الخامس2009تحت عنوان "المواطنة ودولة الانسان او حتى لا نعيد انتاج التسلط-وهنا يبرز "المواطن الديمقراطي" ،المواطن المؤمن بالحقوق التي له والواجبات التي عليه .ان المشروع المجتمعي الحقيقي و الناجح ،هو الذي يساهم في صنعه جميع المواطنين. وبذلك يتمثل مبدا المواطنة اساسا ،في المشاركة الواعية و الفاعلة لكل شخص -دون استثناء ودون ادنى وصاية او تحكم من اية جهة كيفما كانت -في بناء الاطار الاجتماعي و الثقافي للدولة وترسيخ ابعادها السياسية وتوطيد اسسها الديمقراطية . وبشكل عام ، يتحدد المواطن كعنصر من عناصر الحكامة من خلال ايمانه بمفهوم المواطنة ،باعتباره المشاركة المتساوية ،اي امكانية تدخل المواطن بما هو كيان تاريخي ، قيمي في اقتراح وصياغة القرار وفي تدبير وتسيير كل من الشانين المحلي والعام ،كما في تقاسم ممارسة السلطة وتداولها و الرقابة عليها، وذلك بالمساواة في الحقوق و المسؤوليات مع المواطنين الاخرين رجالا ونساء و اطفالا . وانها بعبارة اخرى عملية المشاركة النشيطة و العادية لهؤلاء المواطنين في الحياة السياسية وغيره من الاطارات المجتمعية لجماعتهم و دولتهم-كما يؤكد ذلك المصطفى صوليح في مقال له بمجلة الشعلة ماي2005و المعنون ب"دار الشباب كفضاء مفضل للتدرب على المواطنة"-باختصار شديد، ان دور المواطن ،كمكون من مكونات الحكامة على مستوى المشاركة السياسية وعبرها التسجيل في اللوائح الانتخابية، يبقى مسالة بديهية بالنظر الى كون ان جل تدخلات و مساهمات باقي مكونات الحكامة(الدولة و المؤسسات التابعة لها ،الاحزاب السياسية ،المجتمع المدني، القطاع الخاص وسائل الاعلام)على هذا الصعيد تدور في فلكه ،ومن ثم يبقى التسجيل باللوائح الانتخابية واجبا اخلاقيا اكثر منه حق قانوني.
#محمد_البكوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الميمية
-
الفعل الجمعوي بمناطق الواحات واحة أحميدي بورزازات نموذجا -ال
...
-
الفعل الجمعوي بمناطق الواحات واحة أحميدي بورزازات نموذجا -
...
-
النسيج الجمعوي بالمغرب :مخاضات النشأة وارهاصات التطور - قراء
...
-
المسؤولية و المحاسبة-التلازم المطلق من اجل الادراك المنشود-
-
الديمقراطية المترنحة
-
فرنسا،الفاجعة الكبرى و الفهم الاكبر لسوء الحكامة
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|