أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حياوي المبارك - خُبزة (7) وطماطيّة















المزيد.....

خُبزة (7) وطماطيّة


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 03:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عند تسليط الضوء على ملحمة إعادة أعمار ما دمره القصف الأمريكي الهمجي في العام 1991 ـ والتي تستحق منّا أكثر من وقفة ـ فإننا وكلٌ من موقعه ومسؤوليته يُمثل حالة إيجابية من بين آلاف غيرها في العمل والإيثار، حققتها الكوادر الهندسية والفنية في قطاعات الكهرباء والجسور والبلديات والاتصالات وغيرها، تـُقابلها وقفات سلبية متمثلة في الفساد وفي استغلال المناصب.
× × ×

بدءنا ـ من تحت الصفر ـ بعمل مبرمج في قطاع الاتصالات الحيوي لإعادة (الحرارة) للهواتف وبسرعة، وأولى الخطوات كانت بإزالة الأنقاض وعزل الأجهزة السليمة، وجرد المواد الاحتياطية المتيسرة التي سَلمت من القصف ومن (الفرهود) وإعطاء أسبقية للأهم فالمهم وهكذا.

كان علينا أولاً تشغيل البدالة الخاصة التي تخدم القصر الجمهوري وتربط مصدر القرار بمفاصل الدولة ودور المسئولين، ولأجل ذلك رفعنا أطنان أنقاض فوق شبكة الأسلاك المدفونة والتي سَلمتْ (لحدٍ كبير) من التدمير، وهي تقع في الصالحية بجانب مستشفى أبن البيطار.

كان علينا استقدام أحد البدالات المحمولة السليمة التي كنتُ مسئولاً عنها، والموجودة في الأقضية والنواحي مع مولدتها، فاقترحتُ أن تكون بدالة اللطيفية، لسببين هما أنها لم تتعرض لقصف أو نهب بسبب قيام مسئولها ـ وهو من وجهاء المدينة ـ بإخفائها ببستانه، ولأنني كنت أعرفها بدالة نموذجية كنت أحتفظ في البيت بأشرطة برامج تشغيلها.

هذا النوع من البدالة اليابانية (أن إي سي) وبمجرد تحوير برمجتها (السوفت وير) يمكن ربطها وتشغيلها بدل البدالة الكندية الخاصة بالصالحية (بل كندا) التي دُمرت بالكامل.

وحين انتقلنا بشاحنة وكرين هناك، اصطدمنا بمعوق لم يكن على البال، فقد رفض المسئول تسليمها لنا بحجة أنه نقـَلها وحافظ عليها، وقال بأنه يريد إعادة تشغيلها لخدمة المنطقة، وبدا أنه مصمم أي (قافل).
لكن كان السبب الحقيقي لرفضه أنه كان قد أعاد تشغيل وحدة المولدة و(جطـّل) كهرباء للمنظمة الحزبية ولمدير الناحية وطبعاً لبيته وبعض معارفه، لذا كانت مهمة اقناعه بسيطة جداً، بأن نترك له وحدة المولدة ونسحب منظومة البدالة فقط، وهو ما لم يعارضه حيث ستبقى الكهرباء ويبقى الرجل يُسدي بجميله لأبناء القضاء.
وهكذا (دبّرنا) مولدة ديوان شركة الاتصالات في الكرادة حيث كانت تفي بالغرض.

حضرً طه ياسين رمضان (شخصياً) يرتدي دشداشة بيضاء، وأمر بصرف مكافئات لنا، لكنه قال بأنه يريد أن يتكلّم من بيته بالتلفون في غضون أسبوع لا أكثر، ولنا كل ما نود وإلاّ فعلينا كل ما نكره!

كان بإمكان البدالة تشغيل ـ كسعة قصوى ـ ألف مشترك بدل عدّة آلاف، أي واحد من عدة مشتركين، منها وزارات ومواقع أمنية وحزبية، وكنا نتجادل كفنيين و(نغربل) أسماء رنّانة (لسادة) مسئولين...
هذا إي وهذا لا، مزبان لو لطيف، عبد الغني لو (ما اعرف منو)...!

على أية حال كانت فرصة أن ندخل دُوراً لم يحلم عراقي بدخولها، قاعات خمس نجوم لم تصَب بأذى، قباب وقاعات مبالغ في تأثيثها، لكنها مظلمة لا ترى نور الشمس، بنيت كالجحور كي يحتموا بها...
أشتغلتْ أخيراً البدالة وإتصل طه برئيسهِ... فأرتحنا وتنفسنا الصعداء!
× × ×

جاء أول نيسان، وظننتُ أن تبليغ المدير العام لي بضرورة إعادة الحياة لبدالة الفلوجة المدمرة بالكامل في أقل من شهر بأنها (كذبة نيسان)، لكنه برر بأن تلك (أوامر) من جهة عليا تقول أن (الرئيس) سيُهدي اشتغالها لأهل مدينة الفلوجة (البيضاء) بيوم ميلاده نهاية نيسان، أي بعد أربع أسابيع بالتمام...
ثم سألني: ما عندك مانع مو... لو عندك ؟

تذكرت قصة الأرنب والغزال وابتسمت له وأسرعتُ بهز رأسي بشكل عمودي معلناً له الموافقة وأنني سأرضى... بالأرنب !

وبدءنا بصرف مبالغ بشكل مفتوح لأعمال الإنشاءات، وكان علينا المبيت أياماً بلياليها بالفلوجة أو الرمادي أو حديثة، وساعدنا الجميع هناك، أكلْ وشرب وتنقل ومبيت، (دلال)... خمس نجوم.

ومع أننا كنا نتمتع بامتيازات كوننا نخطط ونقود أحد عجلات إعادة الأعمار، إلا أن ثقل ذلك كان يقع على كاهل قاعدة واسعة من العمال البُسطاء، كانوا يعيشون بوضع يعصرُ القلب، يشتغلون بجهد مضني لثمان ساعات متواصلة في العراء لقاء أجر يومي بسيط، وفي جعبة كلٍ منهم كيس (علاكة نايلون) فيها (رغيف خبز وخيار وطماطة) ليس أكثر، وكلما أراهم كنتُ أقول...
(لك الله يا شعب العراق، عليك تحمّل أعباء عمل مضني، وطعامك لا يتعدَ... الخبزة والطماطية)!

قمتُ بتجميع مواد من بدالات الخالدية وهيت وحديثة وراوة، وكانت مهمة شاقة في إقناع (الدليم) المعروفين بعنادهم الشديد وبأسهم، بالاستغناء عن أجزاء من بدالات مدنهم، وهكذا أستمر العمل ثم تعثـّر، واختلفنا كمهندسي نصب أجهزة وإنشاءات مع مدير اتصالات الأنبار لتدخله بسياقات العمل، فتوقفَ العمل، وبرغم ضيق الوقت فقد قررنا العودة لبغداد لنشكيه لمسئولينا، فمنعنا وحجزنا بالقوة وهدد بتوقيفنا بأمر المحافظ حسب الأحكام العرفية المطبقة آنذاك، ثم عاد ليتوسل ويؤكد على ضرورة تشغيل ولو فقط رقم المحافظ قبل يوم 28 نيسان لأن (القائد) شخصياً يُريد أن يتصل ويُعلن (المكرمة) لمواطني الفلوجة.

...في يوم الافتتاح، كانت بعض الخطوط (تنبض)، وتجمّع (الرّبع) بملابس الزيتوني من كل صوب، وجوه لم أرَها يوماً خلال تلك الفترة، مرّت الاحتفالية بنجاح والحمد لله، وتحدث (القائد) بسماعة الهاتف والتقطت الصور له.

قامت الوزارة بصرف مكافئات على شكل صكوك بمظاريف، خمسة آلاف للوزير (لجهوده) بإدارة حملة الإعمار، ونصفها لمدير عام الأتصالات والمحافظ (لإسنادهم) الحملة، وألفي دينار لي ولكل من مهندسي الإنشاءات ومدير اتصالات الرمادي والفلوجة، ومكافئات اخرى أقل للفنيين والإداريين.
× × ×

كان لزيارة مدير اتصالات بغداد الجديد، وهو مهندس سامرائي من خريجو دورتي واختصاصي بالجامعة وقد عملنا معاً، لمقر عملي وهو يرتدي البذلة الزيتوني لأول مرة، أكثر من دلالة عندي، فهو زميل الجامعة لأربع سنوات وزميل عمل لدى عمله في البدالات الخاصة، لكنه حصل على ترقية، وقد بدأ لتوه بممارسة منصبه الجديد بحرارة وبقوة.
وبينما باركتُ له و(لبدلته) الجديدة، أخبرني بتنسيب سيارة حديثة وسائق لي وارتباطي مباشرة به (لتذليل) معوقات العمل، وأستفسر عن سبب عدم صرفي صك المكافأة.

قلت: بالنسبة للصك لا أصرفة لأن تم توزيع المكافئات على أساس الدرجة الوظيفية وليس الجهد أو المسؤولية، فأين كانوا عندما تم تهديدي بتطبيق الأحكام العرفية بحقي، ومن الذي كان يعمل تحت التهديد ةالوعيد، ومن نام الليالي مستلقياً على الأرض وبين الحطام، ومن قام أخيراً بتشغيلها؟
قال: معاك حق، ولكننا أبناء اليوم...
قاطعته: أما عن تعاوننا يا صديقي، فحتى لا نخسر بعضنا، الرجاء وافق على استقالتي إذا تود أن تدوم صداقتنا !
توقف عن الكلام ثم وبهدوء قال: لا أستطع فهذه مسؤولية كبيرة.
وبعد إلحاح شديد من قبلي، همس قائلاً...
ـ سأوقع لك على أمر إداري ببراءة ذمتك من الدائرة، وستعرف لاحقاً بأنه الأهم لك في قبول أستقالتك وحتى لو طلبتَ يوماً تقاعدك، وأعِدك بأنك لو تنقطع عن الدوام سوف لن ألاحقك إدارياً قدر تعلق الأمر بنا طالما أنا بهذا المنصب حتى ينسوك.

كان إيحاءه كمن يعطي الضوء الأخضر بشكل غير مباشر ليقول بأنني حُر... والحُر تكفيه الإشارة !

لم تتوانى الوزارة بتبليغي عن طريق مركز شرطة المأمون، ولا بإرسال سيارة تراقب البيت لفترة، لكن القانون صريح، يقول بأن الانقطاع عن الدوام بغير سبب يعني الاستقالة، وهكذا بعد ثلاث أشهر صدر أمر إداري باعتباري مستقيل دون أي تبعات بسبب براءة ذمتي من الدائرة، ودون أي امتيازات حتى يومنا هذا.
ساعدني الأمر الإداري هذا وبراءة ذمتي في الحصول على أسم تجاري من غرفة تجارة بغداد وفتح حساب جاري بالبنك وتصديق عقد أستأجار دكان في دائرة الضريبة وبالتالي استيفاء متطلبات الحصول على إجازة صياغة، فأجتزتُ الأختبار بالمركز القومي للتقييس والسيطرة النوعية وفتحتُ محل صياغة بشارع فلسطين.

هذا الأمر الإداري ظل يرافقني أينما أذهب وساعدني أيضاً باستصدار جواز سفر، فقبل إبرازه في مديرية الجوازات، رمقني ضابط الجوازات وأنا أنحني وألج برأسي بين قضبان شباك المراجعة، ليصرخ أمام الحضور...
ـ هم ضابط وهم مهندس... وتريد تسافر؟

قد يكون صادقاً في إنفعاله، فلم أكن أعلم بأنني قد أقترفتُ جريمتين بحق بلدي، خدمة العلم بالجيش كضابط، وخدمة الوطن ببنائه وإعادة أعماره كمهندس!

من سخرية قدرنا ـ نحن العراقيون ـ أنّ شهادة الجامعة وأمر التعيين، وهما أهم ما يطمح لهما إنسان في حياته العلمية والعملية، لم يسألني أحداً عنهما، بينما أمْرَي استقالتي وبراءة ذمتي هما اللذان أصبح لهما الأولوية في تحديد مستقبلي، وصارا يرافقاني مع (الرباعي المقدس ـ هوية الأحوال وشهادة الجنسية وبطاقة السكن والبطاقة التموينية) بمراجعاتي لدوائر الدولة.

براءة ذمتي من أحد أقذر دوائر الدولة المعروفة منذ الثمانينات بتقاضي الرشوة في عمليات نصب ونقل وتصليح الهواتف، كانت الأهم عندي للدرجة التي دعتني أن أستنسخ وأصدّق منها عشرين نسخة، لحد اليوم أحتفظ بواحدة، لربما أحتاجها في قادم الأيام !



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاك ال(6)طاس وذاك الحمّام
- أي(5)ام صعبة
- هولوكوست المل(4)جأ رقم 25
- م(3)ركز 12047
- جليكان مل (2) يان بالمجان
- خ(1)راب البصيّة
- (سِكس) طابوق
- الأمرأة التي تحب عمرها... وتعشق الحياة
- هل أنّ الشاعرَ موسيقارٌ؟
- أميريغو فسبوتسي
- أول مَن نطقَ (أحبكِ)... مجنون!
- مورفي... مورفي
- كارتير... بوري
- قوم الآنسة (بك كي)
- قضية أمن دولة!
- مجرد كلام قادسية الذبان
- صرخة الحبانية
- شمسنا الغالية
- دعوة سياحية
- غضب سانت هيلنز


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حياوي المبارك - خُبزة (7) وطماطيّة