|
ٱلموقف
سمير إبراهيم خليل حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1312 - 2005 / 9 / 9 - 11:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ٱلموقف بأفكارنا يجرى توجيه أفعالنا. وبها نوصل إلى ٱلموقف ٱلذى يكون عليه كلّ منَّا فى حياته ٱلخاصة وٱلعامة على ٱلسواۤء. فعلى ٱختلاف تواجد ٱلإنسان فى ٱلأرض وفى جميع مراحل عيشه توجد مواقف للناس جماعات وأفراد تتقاتل حينًا وتتصالح فىۤ أخر. يصعد أحدها فترة من ٱلزمان ثم يتراجع أمام موقف أخر لفترة أخرى فهل جاۤء فى بلاغ ٱللََّه ٱلعربى ما ييين لنا مواقف ٱلناس ؟ لقد ورد فى ٱلبلاغ ما يلى: "وَنَزَّلنا عليكَ ٱلكتٰبَ تِبيَٰنًا لِكُلّ شىءٍ وَهُدىً وَرَحمَةً وَبُشرى للمسلمين" 89 ٱلنحل. ٱلتبيان هو لكل شىء فهو تبيان لمسألة ٱلبحث. وهناك ثلاثة بلاغات تتعلق بٱلمسألة نرتلها فيما يلى: "إِنَّ ٱلَّذينَ ءَامنوا وٱلَّذينَ هادُوا وٱلنَّصٰرَى وٱلصَّٰبِئين مَن ءَامَنَ بِٱللَّهِ وٱليومِ ٱلأَخِرِ وَعَمِلَ صٰلحًا فلهم أَجرُهم عِندَ رَبّهم ولا خَوف عَلَيهِم ولا هم يحزنُون" 62 ٱلبقرة. "إِنَّ ٱلَّذينَ ءامنوا وٱلَّذينَ هادُوا وٱلصَّٰبِئُونَ وٱلنَّصٰرى مَن ءَامَنَ بٱلَّلهِ وٱليومِ ٱلأَخِرِ وعَمِلَ صٰلِحًا فلا خَوف عليهم ولا هم يحزنون" 69 ٱلماۤئدة. "إِنَّ ٱلَّذينَ ءامنوا وٱلَّذينَ هادُوا وٱلصَّٰبِئين وٱلنَّصٰرَى وٱلمجُوسَ وٱلَّذين أَشركوا إنَّ ٱللَّهَ يَفصِلُ بينَهُم يومَ ٱلقيٰمَةِ إنَّ ٱللَّهَ على كلِّ شىءٍ شهيد" 17 ٱلحج. لقد تماثل ٱلبلاغان 62 ٱلبقرة و69 ٱلماۤئدة بـ "ٱلَّذينَ ءَامنوا. ٱلَّذين هادوا. ٱلنّصٰرى. ٱلصَّٰبئون". كذلك كان ٱلتماثل بٱلشرط "مَن ءَامَنَ بٱللَّهِ وٱليومِ ٱلأخر وعملَ صٰلحًا". وبما ينجم عن تحقق ٱلشرط "فلا خوف عليهم ولا هُم يحزنون". وٱنفرد ٱلبلاغ 62 ٱلبقرة ببيان أجر من يلتزم ٱلشرط من ٱلمعدودين "فلهم أجرهم عند ربهم". وهذا ٱلأجر لا تأخذه ٱلأطراف ٱلأربعة ٱلمعددون مجتمعين. بدليل ٱلشرط "مَن ءَامَنَ بٱللَّهِ وٱليومِ ٱلأخر وعملَ صٰلحًا". وأنَ ٱلذى يأخذه هو كل فرد منهم يحقق هذا ٱلشرط من دون ٱستثناۤء أى طرف. أمَّا ٱلبلاغ 17 ٱلحج فقد عدد ٱلأطراف ٱلأربعة وأورد معهم طرفين أخرين "ٱلمجوس وٱلَّذين أشركوا". ولم يرد فيه ٱلشرط ولا ٱلأجر. إلاۤ أنه بيّن مسألة ٱلفصل بينهم. وقد بيَّن أنَّ ٱلفصل بينهم يقوم به ٱللَّه لا ٱلناس. ويحدث ٱلفصل بينهم يوم ٱلقيامة. ونفهم من ذلك أنّ ٱلأطراف ٱلستة تبقى مع بعضها فى ٱلحياة ٱلدنيا عبر جميع مراحل ٱلتاريخ ٱلإنسانى. وأنّ تداخل وتدافع وتصارع مواقفها تحكمه سنّة ٱلاصطفاۤء. وفى ٱلاصطفاۤء حركة صعود وٱرتقاۤء بعض هذه ٱلأطراف وهبوط وتخلف ٱلأطراف ٱلأخرى. فما هو موقف كلّ من هذه ٱلأطراف ٱلستة وإلى ماذا يدلنا ٱسم كلٍّ منها ؟ أصحاب ٱلموقف ٱلأول هم "ٱلَّذين ءَامنوا": دليل كلمة "ءَامن" هو فى ٱلثقة وٱلتصديق وٱلاطمئنان وٱلأمن. وهذه ٱلمسآئل لا تتحقق عند ٱلناس إلاّ بأفعال ٱلبيّنة ٱلحسيَّة ٱلاختبارية. فٱلذين ءامنوا هم طآئفة من ٱلناس تسير فى ٱلأرض تسأل وتبحث عن ٱلجواب ولا تهدأ. وهؤلآء هم علماۤء ٱلنظر وٱلبحث ٱلذين ينمو علمهم عن طريق ٱلسؤال وٱلسعى ورآء ٱلجواب بٱلنظر وٱلبحث فىۤ أشيآء ٱلوجود وظواهره. وبه تتكون أفكارهم ٱلتى تبين كيف حدث ٱلتكوين وتبنى بلاغاتها فيما يعرف بـ "فلسفة ٱلعلم" و"ٱلمنطق ٱلرياضى". وهؤلآء يرجعون مفاهيمهم وأحكامهم ٱلعلمية وٱلنظرية إلى حدثِ ٱلاختبار ٱلذى يمكِّنهم من توكيد صواب ٱلقول فى ٱلمسألة ٱلمنظور فيها. وموقفهم هذا لا يدلّ علىۤ إيمان بٱللّه وٱليوم ٱلأخر. ومِنهم مَن يوصل إلى ٱلإيمان بٱللَّه وٱليوم ٱلأخر من دون هداية كتاب مرسل. ومنهم مَن يعقل ما وصل إليه من إيمان مع رسالة. فيوصل بٱلعقل إلى ٱلتصديق ويصير مؤمنًا حقًّا. وأصحاب ٱلموقف ٱلثانى هم "ٱلذين هادوا": ٱلفعل "هاد" تدل عليه ٱلأفعال (رجع وقبل وقرَّ وعزَّ ومدح). و"ٱلذين هادوا" هم ٱلذين يرجعون ويقبلون ويقرّون ويعتزّون ويمدحون ماضٍ ونسبٍ سَكَنَ وماتَ. وهم ٱلذين يوجِّهون حاضرَهم إلى ذٰلك ٱلماضى ٱلميِّت ويُكرهون ٱلناس على ٱتباعهم فى توجههم. فيغلقون أمام ٱلناس سبيل ٱللَّه. وٱسم "يهود" هو ٱسم جمعٍ يطابق ٱلفعل ٱلحاضر "يهودُ". وهۤؤلآء يرجعون بفكرهم إلى ورآء مهما بلغ تقدمهم ٱلعلمى وٱلحرثى (ٱلاقتصادى). ومنهم ٱلذين ٱتخذوا من "يهودا" نسبًا يهودون حاضرهم إليه. وقد جعلوه أساسًا لنظرية ظنيّة تزعم عصبية قومية (ٱلنظريات ٱلقومية). وهى تُسخّر كلّ شىء فى حاضرها بما فى ذلك ٱلدين لخدمة مفهوم "ٱلشعب ٱلمختار". وسبب موقفهم هذا هو ٱلفهم ٱلخاطئ لفعل سنّة ٱلاصطفاۤء. فقد فهموا من ٱلقول "أَنّ ٱلأرضَ يرثها عبادى ٱلصّٰلحون" علىۤ أنه وعد يخصّ قوم من دون غيره. وأنَّ "عبادى ٱلصّٰلحون" وصف مقطوع لهم. فقد ظنوۤا أنّ ٱلصفة ٱلسلبية لسنَّة ٱلاصطفاۤء (ٱلتخلف) تخص ٱلشعوب ٱلأخرى. وإنّ "ٱلذين هادوا" فى ٱلبلاغ ٱلعربى يفرقون عن ٱلمفضلين فيه "بنى إسرٰۤءيل". وٱلعلاقة بين ٱلطرفين ضدية وتناقضية. فٱلذين هادوا سلفيون ويصلح إطلاق ٱسمهم هذا على كل شعب يشدّ حاضره إلى ماضٍ ونسبٍ وهو يتوهم علوًّا بسبب ٱلنّسب. أما بنى إسرٰۤ!ءيل فهو ٱسم لأولئك ٱلذين يتغلبون على حبس أنفسهم بمفاهيم ٱلأَبآء ويسيرون صعودًا فى ٱلنظر وٱلبحث عن كلٍّ جديد. وأصحاب ٱلموقف ٱلثالث هم "ٱلنّصَٰرَى": وهو ٱسم جمع لـ "نصير" ودليله من دليل ٱلفعل "نَصَرَ" وفيه دليل ٱلتأييد وٱلعون طلبًا للخلاص من أمر خطير. ونجد حركات تاريخية لهذا ٱلموقف فى ثورة ٱلعبيد فى ٱلإمبراطورية ٱلرومانية وٱلثورة ٱلفرنسية وٱلثورة ٱلروسية. وٱلاسم يدل على ٱلفئات ٱلاجتماعية ٱلدنيا وهم فى بلاغ ٱلقرءان "ٱلأراذل" كٱلعبيد وٱلفلاحين ٱلذين يوحدهم ٱلبؤس وٱلشقاۤء وكراهية "ٱلملإ" ٱلفئات ٱلعليا ٱلظالمة بسبب ترفها. وتدفع وحدة هؤلآء فى ٱلشقآء لكى ينصروا بعضهم من أجل ٱلخلاص. سواۤء ءَكان ذلك داخل بلد واحد أم فى بلاد مختلفة. وهؤلاۤء هم أصحاب ٱلمواقف ٱلأممية. أصحاب ٱلموقف ٱلرابع هم "ٱلصَّٰبئُون": وهو ٱسـم جمع لٱسم "صابئ" ودليله من دليل ٱلفعل "صبأ". وفيه دليل على موقف ٱلاحتجاج وٱلخروج وٱلانشقاق عن ٱلجماعة أو ٱلقوم. وهو ٱسم لجميع أصحاب مواقف ٱلاحتجاج وٱلانشقاق (ٱلمعارضة) فىۤ أى مجتمع تسود فيه سلطة تستبدّ كسلطة "ٱلذين هادوا" أو سلطة "ٱلنَّصٰرى". وهذا ٱلاسم ظهر فى مكّة وأطلق على محمد وأتباعه. ثم عاد ليظهر فى قارة أوروبا محتجًّا ومنشقًّا عن سلطة ٱلكنيسة ٱلاستبدادية. وعرف هذا ٱلاسم هناك بٱلاسم بروتستانت. أصحاب ٱلموقف ٱلخامس هم "ٱلمَجُوس": جآء فى ٱلمعجم ٱلوسيط: "مجَّسَهُ، أي صيّره مجوسياً". وهو قول لغو فى ٱلدليل. وقد جآء هذا ٱلقول فى باب مستقل عن ٱلفعل "جاس يجوس" ٱلذى يدل على نظر وتأمّل فى ٱلظاهرة للوصول إلى معرفة من دون ٱختبار حسىّ. وهو ٱلذى يكتفى بٱلظاهرة ليبنى أحكامه. هذا هو أسلوب فلسفة ٱلتأمّل ٱلتى تفترق عن فلسفة ٱلعلم ٱلبحثى ٱلحسى. وبذلك فإنَّ فلسفة ٱلتأمّل هى فلسفة ظنيّة. وٱلمجوسى هو فيلسوف ظنىّ يبنى موقفه من دون سير فى ٱلأرض ونظر فى كيف بدأ ٱلخلق. وهو يقول فكرته فى ٱلمسألة سندًا لفعل ٱلتأمّل من دون ٱختبار لفكرته. كما يستند فى قوله علىۤ أمثاله من ٱلمتأملين ٱلسَّابقين عليه. وهو يسير فىۤ أفكاره يتبع ويصدق من سبقه من ٱلمتأملين. ٱلموقف ٱلسادس هم "ٱلذين أشركوا": وهم ٱلسفهاۤء كما يبين ٱلبلاغ ٱلعربى. وهم ٱلذين تتكوَّن مفاهيمهم عن طريق ٱلظّن وٱلتخريص (ٱلتخمين) ٱلتى تنشأ عن فلسفة ٱلمجوسىّ. وهؤلآء يُشركون بين ٱلحقّ وٱلباطل وبين ٱلباقى وٱلهالك. هؤلاۤء لا تُغفر لهم مواقفهم. وقد جاۤء فى ٱلبلاغ ما يبين ذلك: "إنَّ ٱللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفرُ ما دونَ ذلكَ لِمَن يشاۤءُ وَمَن يُشرك بٱللَّهِ فقد ٱفترىۤ إثمًا عظيمًا" 48 ٱلنساۤء. "إنَّ ٱللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذلكَ لِمَن يشاۤءُ وَمَن يُشرك بٱللَّهِ فقد ضَلَّ ضلٰلاً بعيدًا" 116 ٱلنساۤء. لقد ٱقترن ٱلشرك بٱللَّه بمسألتين. ٱلأولى يبينها ٱلقول "فقد ٱفترىۤ إثمًا عظيمًا" أى ٱختلق لنفسه ضرًّا بالغًا فى ٱلكيف وٱلكم. وٱلثانية يبينها ٱلقول "فقد ضَلَّ ضلٰلاً بعيدًا" أى ضاع ضياعًا مهلكًا. ماۤ أدركته وفهمته من ٱلبلاغ 17 ٱلحج أنّ هذه ٱلمواقف ٱلستة تبقى متداخلة حتى يوم ٱلقيامة. وفيه يفصل ٱللَّه بين أصحابها فينال "مَن ءَامن بٱللَّه وٱليوم ٱلأخر وعمل صٰلحًا" مِنَ ٱلأطراف ٱلأربعة ٱلأولى ٱلأجر ٱلجزئىّ "أجرهم" وٱلأجر ٱلعامّ "فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون". أمّا ٱلمجوس وٱلذين أشركوا فلا يغفر لهم بسبب ٱلظن وٱلجهل. كماۤ أدركت وفهمت أنّ ٱلعمل ٱلصالح ٱلمطلوب لتصديق ٱلإيمان بٱللَّه وٱليوم ٱلأخر هو عمل فرد وليس جماعة. وهو مطلوب من كلّ فرد من ٱلأطراف ٱلأربعة ٱلأولى وليس منهم كطوآئف. ويتحقق ٱلتصديق بطاعة أوامر ٱللَّه. وأوصل إلى ٱلقول ٱلذى أعرض به إدراكى وفهمى لما ورد فى ٱلبلاغ 62 ٱلبقرة أنّ ٱلإنسان ٱلفرد ٱلذى ينتمىۤ إلى طاۤئفة من أصحاب ٱلمواقف ٱلأربعة ٱلمعدودة فى ٱلبلاغ إذا ما وصل بعلمه إلى موقف ٱلذى "ءَامن بٱللَّه وٱليوم ٱلأخر وعمل صٰلحًا" فله أن ينال ٱلأجرين (ٱلعامّ وٱلجزئىّ). ولناۤ أن نعلم أن ٱسم "يهود" لا يدلنا علىۤ أتباع موسى وٱلتورـٰة. كماۤ أن ٱسم "نصٰرى" هو ٱلأخر لا يدلنا علىۤ أتباع عيسى وٱلتورـٰة وٱلإنجيل. لأن ٱتباع أىٍّ من ٱلرسولين يغطيه ٱلقول "من ءامن بٱللَّه وٱليوم ٱلأخر". ولقد ورد فى ٱلبلاغ ٱلعربى ٱسم "أهل ٱلكتٰب". وهو يشير إلىۤ أن ٱلكتاب له أهل يسكن معهم فى مكان واحد. وهذا ٱلاسم يبين أن كلَّ مَن فى بيته ٱلكتاب هو أهل له. سواۤء ءَكان من ٱليهود أم من ٱلنَّصٰرى أم من ٱلذين ءامنوۤا أم من ٱلصَّٰبئين أم من ٱلمشركين أم من ٱلمجوس. وأن سكن ٱلكتاب مع أهل من دون ٱلنظر فيه وٱلعقل بين بلاغه وبلاغ ٱلعلم وكذلك ٱلعمل بموجبه لا يمنع أولئك ٱلأهل من ٱلكفر وٱلشرك وٱلمجوسية. وجاۤء فى تفسير ٱبن كثير أنَّ ٱلمفسرين قالوا عن ٱليهود: "أنهم أتباع موسى والتوراة". وعن ٱلنَّصارى: "أنهم أتباع عيسى وأهل دينه، وسمّوا بذلك لتناصرهم فيما بينهم، وقد يقال لهم أنصار أيضاً، ويقال أيضاً أنهم سمّوا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضاً يقال لها ناصرة والنصارى جمع نصران، كنشاوى جمع نشوان وسكارى جمع سكران". وأرى فيه قولا واحدًا عن ٱلتناصر "وسمّوا بذلك لتناصرهم فيما بينهم". أمَّا ٱلأقوال ٱلأخرى فأرىۤ أنها مجوسيَّة ظنية يبرز فيها ٱلتخريص (ٱلتخمين). أمَّاۤ أقوالهم عن ٱلصَّابئين فقد جاۤءت وكأنها رجم يٱلغيب. يقول ٱبن كثير: "أما الصابئون فقد اختلف فيهم". وقد أورد مجموعة من أقوال متخالفة ومشوشة منها: "لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم،.. إنهم كالمجوس،.. إنهم يعبدون الملائكة،.. إنهم يصلون إلى القبلة ويصلون الخمس،.. إنهم يقرأون الزبور ويصلون للقبلة،.. إنهـم قـوم مما يلي العراق يؤمنون بالنبيين ويصومون ثلاثين يوماً... إنهم يعرفون الـلَّـه وحده وليست لهم شريعة يعملون بها،.. هم أهل دين من الأديان،.. وهم قوم يشبهون النصارى إلاَّ أن قبلتهم نحو مهبّ الجنوب،.. إن دينهم مـركـب بين اليهود والمجوس ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نسـاؤهم". ويقول ٱبن كثير رأيه فى ٱلمسألة: "وأظهر الأقوال والله أعلم، قول مجاهد ومتابعيه ووهب بن منبه: أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتنونه، ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئ، أي أنه خرج عن سائر أديان الأرض إذ ذلك. وقال بعض العلماء: الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي، والله أعلم". ومن ينظر فى هذه ٱلأقوال ٱلمتعلقة بٱلصابئين ويقارن ما قاله ٱلسادة ٱلمفسرون وٱلمحدثون وبعض من وصفوا أنفسهم بٱسم علماۤء ومعهم ٱلسيد ٱلمفسر ٱبن كثير. يصيبه ٱلذهول وهو يرىۤ أن ٱلذىۤ أصاب فى ٱلقول من بين جميع ٱلقاۤئلين هم ٱلجهلة ٱلسفهآء ٱلمشركون ٱلذين كانوا "ينبزون من أسلم بالصابئ، أي خرج عن سائر أديان الأرض إذ ذلك". وأجد فى ٱلبلاغ وصفًا لقول جميع ٱلمفسرين وٱلمحدّثين ومعهم ٱبن كثير: "وما لهم بذلِكَ من علمٍ إن هم إلا يخرصون"20 ٱلزخرف. ويبين ٱلبلاغ ٱلجهل بكتاب ٱللَّه وبتفسيره لكلِّ مَن يقول "الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي": "وإن من أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فيها نذير" 24 فاطر. وقد عرض ٱبن كثير فى تفسيره لما قاله ٱلمفسرون فى ٱلبلاغ 62 ٱلبقرة: (نزلت في أصحـاب سلمان الفارسي بينا هو يحدث النبي "صلى الله عليه وسلم" إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم، فقال كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون لك ويشهدون أنك ستبعث نبياً، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله "صلى الله عليه وسلم" "يا سلمان هم من أهل النار"، فاشتد ذلك على سلمان فأنزل الله هذه الآية. وكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى فلما جاء كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكاً وإيمان النصارى أن من تمسك بالانجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمناً مقبولاً منه حتى جاء محمد "صلى الله عليه وسلم"، فمن لم يتبع محمد "صلى الله عليه وسلم" منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والانجيل كان هالكاً. قال ابن أبي حاتم، وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا، قلت وهذا لا ينافي ما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إنَّ الـّذين آمنوا والـّذين هادوا والنصـارى والصابئين من آمن بالـلَّـهِ واليومِ الآخر "الآية ـ قال ـ فأنزل الله "ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلنْ يُقـبَلَ منه وهو في الآخرةِ من الخاسرين" فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملاً إلا ما كان موافقاً لشريعة محمد "صلى الله عليه وسلم" بعد أن بعثه بما بعثه به، فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة،..). وقد قال ٱبن كثير مثل قولهم أنَّ ٱلذين هادوا هم ٱليهود وهم أتباع موسى وأن ٱلنّصٰرى هم ٱلمسيحيين وهم أتباع عيسى. وبنى رأيه على هذا ٱلفهم فيما يتعلق بٱلصَّابئين. وكلّ من ٱلمفسرين لم يلجأ إلى دليل ٱلاسم صابئ ودليل ٱلفعل صَبِئَ. ولا لما ذكروه من قول ٱلمشركين فى مكَّة عن محمد وأتباعه "ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئ". وهم لم يعلموا بموقف هؤلآء وهم ٱلمحتجون على ما هو قآئم فى مكّة من جمود فكرى ومنع ٱلتطور فى ٱلأفكار وفى فهم ٱلدين. لقد كان ٱلاحتجاج إلى جانب ٱلانشقاق هو ما يدل عليه ٱسم صابئ وما زال هذا دليل ٱلكلمة. وٱلصَّابئون فى مكَّة (محمد وأتباعه) كانوا محتجين ومنشقين على جمود وبرودة أفكار قومهم قريش حتى هاجروا بفعل ظلم قومهم لهم. وقد تغير ٱسمهم من بعد ٱلهجرة إلى يثرب وصار ٱسمهم ٱلمهاجرون. وما جاۤء فىۤ أقوال ٱلمفسرين فى تفسير ٱلأية 62 ٱلبقرة مرفوض. فمـا جاۤء فى هذه ٱلأقوال (من أن حكم ٱلبلاغ فى ٱلأية 62 ٱلبقرة يتعلق بٱلفترة ٱلتى سبقت بعث ٱلنبى محمد ولا يمتد إلى ما بعدها) يخالف ٱلبلاغ 62 ٱلبقرة وٱلبلاغات 113 و114 و115 ءال عمران و68 و69 ٱلماۤئدة ٱلتى توكّد على ٱستمرار ٱلحكم لصالح من يؤمن بٱللَّه وٱليوم ٱلأخر ويعمل صالحًا من أىِّ طآئفة كان ولمن يقيم ٱلتورـٰة وٱلإنجيل. كما يخالف ٱلبلاغ 48 ٱلماۤئدة: "لِكُّلٍّ جَعَلنا مِنكُم شِرعَةً ومنهٰجًا ولو شاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُم أُمَّةً وٰحدةً ولكن لِيَبلُوَكُم فيماۤ ءَاتَـٰكُم فٱستبقوا ٱلخيراتِ إلى ٱللَّهِ مَرجِعُكم جميعًا فينبِّئُكُم بما كُنتُم فيه تختلفون". وأرى فى ٱلموقف ٱلمتعصب لقول ٱلمفسرين وٱلمحدّثين أنَّه موقف كلٍّ من ٱلذين هادوا وٱلمجوس وٱلذين أشركوا وهى مواقف تخالف ٱلبلاغ "حنيفًا وماۤ أنا من ٱلمشركين" سواۤء ءكان هذا ٱلموقف فى ٱلماضىۤ أم ٱليوم أم فى ٱلغد. وٱلموقف ٱلمتعصب فيه ٱحتكار للقول فى دليل ٱلبلاغ على ٱلرغم من وجود ٱلتحريف وٱلظن وٱلتخريص. كماۤ أن موقف ٱلتعصب هذا (ٱلذى يوقف فى وجه أى بحث جديد ويقابله بٱلعداۤء) قد جاۤء عنه فى ٱلبلاغ "لتجدنَّ أشدَّ ٱلنّاسِ عَداوة للذين ءامنوا ٱليهود وٱلذين أشركوا" وهو يشمل كل ٱلذين يوقفون فى وجه ٱلنظر وٱلبحث ٱلعلميين وبلاغاتهما. ويمنعون ٱنتشارها بين ٱلناس ويعمّمون فلسفة "ٱلمجوس وٱلذين أشركوا" فتقسى ٱلقلوب وتجفّ منابع ٱلعلم وٱلتقدم فى حياة ٱلناس بسبب منع ٱلنظر وٱلبحث ٱلعلميين وطغيان ٱلجهل وٱلتخلف. وإنّ أشدّ ٱلمواقف عداۤءً للعلم كما يبيّن ٱلبلاغ هم أصحاب ٱلتوجّه ٱلقومى ٱلمتعصب و"ٱلذين أشركوا". أما "ٱلنَّصٰرى" فهم "أقرب مودّة" بسماحهم لبلاغات ٱلعلم بٱلانتشار بين ٱلناس وتحريضهم على ٱلبحث ٱلعلمى. لقد رأيت فى جميع أعمالىۤ أن بلاغ ٱلقرءان عربى مبين يهدى فى ٱلنظر وٱلبحث ٱلعلميين. وهذا لا يتوفر فىۤ أىِّ نظرية معرفية إنسانية بٱلمطلق. وقد قدّمت ٱلدليل عليه فى تلك ٱلأعمال ما ٱستطعت ٱلعلم به. وأرى أن ٱلموقف ٱلمتعصب لقول ٱلمفسرين وٱلمحدّثين يجعل هذا قولهم فى مرتبة "ٱلمطلق". فى ٱلوقت ٱلذى أجد فيه أن بلاغ ٱلقرءان ٱلعربى يوصف نفسه بٱلمتشابه "ٱللَّه نَزَّلَ أَحسَنَ ٱلحديث كتٰبًا مُّتٰشٰبهًا". وهذا ٱلوصف لقول ٱلمفسرين وٱلمحدّثين وٱلتعصب له يمثل قمة ٱلتجاوز لـ "ٱلإسلام للَّه ربِّ ٱلعٰلمين" من قبل ٱلمتعصبين. وفيه دعوة ٱلناس للتوجه إلى ٱلإسلام لماۤ أدركه ٱلمفسرون وٱلمحدثون. وهو عين ٱلشرك بٱللَّه. إن منع ٱلنظر وٱلبحث فى بلاغ ٱلقرءان هو منع للدعوة إلى ٱللَّه ٱنسجامًا مع سنَّة ٱلاصطفاۤء ٱلفطرية فىۤ أطوار ٱلرّوح. وخصوصًا طور "جبريل" وطور "ميكٰل" (كتابنا أنبآء ٱلقرءان). كماۤ أن ٱلتعصب ومواقف ٱلعداۤء للنظر وٱلبحث هو محاولة لتعطيل ٱلبلاغ "ولتَعلمُنَّ نبأه بعد حين" وٱعتبار أن هذا ٱلحين هو حين ٱلمفسرين وٱلمحدّثين. وخلاصة ٱلقول فى ٱلبلاغ 62 ٱلبقرة. أن ٱلإيمان بٱللَّه وٱليوم ٱلأخر لا يُحقَّقُ بٱلقول وحده. بل يلزمه ٱلدليل ٱلحسى ٱلذى يمثله عمل ٱلإنسان ٱلفرد ٱلذى يلتزم بصفة ٱلعمل "صالحًا" سواۤء ءكان هذا ٱلإنسان من علماۤء ٱلنظر وٱلبحث "ٱلذين ءامنوا". أم من ٱلمتعصبين لقومهم "ٱلذين هادوا" أم من ٱلأمميين "ٱلنَّصٰرى" أم كان من ٱلمحتجين ٱلمنشقين ٱلبروتستانت "ٱلصَّابئين". وهم ٱلأطراف ٱلأربعة ٱلذين يستطيعون تحقيق ٱلحد ٱلأدنى للإسلام "مَن ءَامن بٱللَّه وٱليوم ٱلأخر وعمل صٰلحًا". أما "ٱلمجوس وٱلذين أشركوا" فلم يعدّهم ٱلبلاغ 62 ٱلبقرة وٱلبلاغ 69 ٱلماۤئدة. فى حين عدَّهم ٱلبلاغ 17 ٱلحج لإرادة عدّ ٱلمواقف وتحديد زمن ٱلفصل بينها. وأجد أنّ بعض أطراف ٱلموقف ٱلمتعصب للمفسرين وٱلمحدّثين يدعو ٱليوم لإقامة دولة إسلامية شبه ٱلدولة ٱلإسلامية ٱلتاريخية ٱلتى سقطت وتفككت مع ٱلحرب ٱلكونية ٱلأولى فى ٱلقرن ٱلعشرين. وإنّ ٱلنظر فى تاريخ ما يسمّى ٱلدولة ٱلإسلامية وفى أساليبها فى ٱلحكم يجعلنى أعدُّها مع ٱلدول ٱلاستبدادية. وهى صفة ليست من ٱلإسلام فى شىء. بل هى تعاديه وتوقف فى وجهه. وقد أوجدت هذه ٱلسلطة ٱلاستبدادية ما يسيِّغ ٱستمرارها وٱستبدادها. فٱختلقت دينًا بديلا لدين ٱلإسلام للَّه. وقد قدّم لها ذلك من يندرج تحت دليل ٱسم "ٱليهود" وٱسم "ٱلمجوس" وٱسم "ٱلذين أشركوا". لقد كان ٱلإيمان ٱليقينى بٱللَّه وٱليوم ٱلأخر وتصديقه بٱلعمل ٱلصالح فرديًا فى كلّ وقت. وهو أمر يصبّ عليه ٱلتعصب ٱلجماعى غضبه وكراهيته. وقد قتل ٱليهود الأنبياۤء. وقتل إسلام ٱلسلطة (يهودها ومشركوها) أصحاب ٱلنبى وٱلصهر وٱلأحفاد. وٱتهموا ٱلناظرين وٱلباحثين فى ٱلبلاغ بٱلزندقة. وقتلوا ٱلكثير منهم. وجاۤء إسلام ٱلسلطة بٱلمفسّر وٱلمحدّث ليسيِّغ جراۤئمه. فألغى ٱلعمل بٱلبلاغ ٱلإلٰهى وقطع طريق ٱلإسلام للَّه. فعمّ ٱلفساد وٱنتشر ٱلجهل وٱلتخلف وٱلمرض فى جميع أرجاۤء ٱلدولة. فماذا أقول فى ٱلذين يدعون لإقامة مثل هذه ٱلدولة ؟ أقول هذه دعوة لإقامة ميّت. ونختم بحثنا فى ٱلموقف بٱلبلاغ ٱلتالى: "وَمَن أَظلمُ مِمَّن ٱفترى على ٱللَّهِ كَذِبًا أو كذَّبَ بٱلحقّ لمَّا جاۤۤءَهُ أَليس فى جَهَنَّمَ مَثوىً للكٰفرينَ/68/ وٱلَّذين جٰهدوا فينا لَنَهدِيَنَّهم سُبُلَنَا وإنَّ ٱللَّهَ لَمعَ ٱلمحسنين/69/" ٱلعنكبوت.
#سمير_إبراهيم_خليل_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فاستخف قومه
-
ٱلكفر
-
مفهوم ٱلسلطة
-
ٱلجماعات ٱلإسلامية وٱلديمقراطية ٱلمن
...
-
حول بيان حزب ٱلشعب ٱلسورى
-
هل ٱلقتال واجب من أجل وطن ظالم
-
يأجوج ومأجوج
-
الرُّوح وحقوق الإنسان
-
ميثاق شعوب ٱلعراق على سبيل ٱللَّه
-
حقوق ٱلمرء وحقوق ٱلمرأة
-
فتوى على الهوآء
-
الاستنساخ
-
ما هو سبيل اللّه ؟
-
الإرهاب الإسلامى كما يبينه كتاب اللَّه
-
الدين خرافة أم علم ؟
-
الديمقراطية دين المؤمنين
-
من أجل عراق على سبيل المدينة المنورة
-
شرع ٱللَّه ومسئولية الإنسان
-
مسودة ٱلدستور ٱلعراقى
-
التطرف
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|