|
متاهة إنجاز العمل بين الإنضباط ومخالفة التعليمات
حيدر حسين سويري
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 17 - 00:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
متاهة إنجاز العمل بين الإنضباط ومخالفة التعليمات حيدر حسين سويري
زارني في مدرستي المشرف التربوي التخصصي لتدريس وتعليم مادة الرياضيات، وكعادة المشرفين في عملهم الرقابي، حاول الاستاذ أن يبحث وينقب عن خللٍ أو تقصيرٍ في الخطة الدراسية، الموضوعة من قبلي لتريس المنهج، أو طرائق التدريس التي استخدمها، أو الوسائل التعليمية التي تقرب مفردات المنهج الى فهم التلميذ، أو عرض المادة التعليمية أثناء الدرس، وبقية الأمور التربوية التي يقوم بها المعلم من أجل إتمام مهمته التعليمية. لا أدعي كمالاً ولا يدعيه أحدٌ من زملائي المعلمين، لكن الاستاذ المشرف لمَّا عجز عن إيجاد أي تقصير، ولكي لا أُحرجهُ بطرح خلل عمل وزارة التربية، وسوء خدماتها المقدمة للمعلم والتلميذ، أُوجد خللاً وقال: إستاذ إنك متأخر في تنفيذ خطتك السنوية، فأنت ما زلت في موضوع(أ) والمفروض أنك دخلت في شرح الموضوع(ب) حسب ما ذكرتهُ في خطتك السنوية؟ فأجبتهُ: هل المهم عندكم إستاذنا أن أمشي وفق الخطة المحددة بوقت معين وإن لم يفهم التلاميذ الموضوع!؟ أم أتأخر عن الوقت المحدد لتنفيذ الخطة وأُخالفها من أجل فهم التلاميذ للموضوع وأتدارك الوقت فيما بعد!؟ قال: من المؤكد أن فهم التلاميذ للموضوع هو غايتنا التعليمية؛ ثم شكرني وإستاذن بالإنصراف. أثارني هذا الموضوع حقاً، ولطالما أردتُ الكتابةَ فيه، فهو موجود في أغلب دوائر الدولة، ومعاملها ومصانعها، موجودٌ في القطاعين العام والخاص، إلا أن القطاع الخاص تجاوز هذه المشكلة، ولكنَّ القطاع العام ما زال لا يريدُ حلاً للمشكلة، لأسبابٍ قد نتعرضُ لها في مكان آخر. لدي صديق محاسب، تم تعيينه في إحدى دوائر الدولة مباشرة بعد تخرجه، كونه من الأوائل المتفوقين، وعندما ذهب لأستلام عمله، وجده يقع في غرب العاصمة بغداد، وهو من سكنة شرقها، يبدأ دوام دوائر الدولة عند الساعة 8 صباحاً، فيضطر صديقي أن يخرج عند الفجر، وينتهي الدوام الرسمي عادةً عند الساعة 3 مساءً، فيصل صديقي إلى منزله عن الغروب، مما يعني ضياع ثلث نهاره في الطريق إلى عمله، ذهاباً وإياباً، فطلب النقل إلى دائرة أقرب إلى محل سكنه، أو منحه سكناً قريباً من عمله، أو منحهُ قرضاً لشراء منزلاً قريباً، لينهي مشكلة الوقت المهدور في الطريق، ويكسب راحة بدنه، ويعيش كسائر الناس، فإن لنفسه وعائلته عليه حق الرعاية والراحة. لكنً شيئاً من هذا لم يحدث، ولأنه محاسب ممتاز ولا يستطيع مدير الدائرة الإستغناء عنه، توصل أخيراً إلى حل وإتفاق مع مديره، بأن يأتي إلى الدائرة بالوقت الذي يناسبه، ويغادرها كذلك، مخالفاً بذلك التعليمات التي تنص على وقت محدد للحضور والإنصرف، وبالفعل تم الإتفاق وكان صديقي والمدير في شدة الفرحة من الوصول إلى هذه النتيجة، فقد كان المدير ذكياً بالحفاظ على مثل هذه الكفاءة، فما يهمه هو إنجاز العمل، وما وضعت التعليمات إلا لأجل ذلك، فما فائدة الموظف الملتزم والمنضبط بمواعيد الحضور والإنصراف، ولا يقوم بآداء عمله بإتقان(كفيان شر!)، مقارنة بمن يخالف تلك الضوابط، ويحضر لمدة 4-5 ساعات فيقوم بإنجاز ما ينجزه 5 من أقرانه وبإتقان عالي!؟ هناك قاعدة تقول "الأجر على قدر المشقة"، إستغل القطاع الخاص هذه القاعدة ووظفها في عمله، فكان يعقد اتفاقاً مع العاملين فيه وهو" أجرك على قدر إنتاجك"، فكان العامل يأخذ أجره على قدر مجهوده وإنتاجه، يحضر وينصرفُ متى شاء، ولهذه الطريقة عدة فوائد، منها تحفيز العامل على دقة العمل وزيادة الإنتاج، لزيادة دخله ولإنعاش إقتصاده، ولكن القطاع العام في سباتٍ عميق! مما تجدر الإشارة إليه أيضاً في هذا المجال الذي سرت فيه حول بحثي هذا، ما يحدثُ في عالم الرياضة؛ كان إبن أخي لاعباً لكرة القدم، محترفاً في الفرق الشعبية، فرآه مدرب أحد أندية العاصمة المعروفة في الدوري العراقي، فدعاه إلى الحضور إلى الوحدة التريبية للفريق، شارك إبن أخي في مبارة أقامها المدرب لفحص قدرة اللاعبين، وإختيار عناصر جديدة، فتسيد أبن أخي المباراة، وأشاد به الحاضرون، حيثُ أنه كان يلعب في مركز الدائرة وتوزيع الكرات، وبالرغم من كونه لم يلعب مع لاعبي النادي من قبل، إلا أنه إندمج معهم وشكل فريقاً قوياً. أخبره المدرب بأنه مقبول، وسيكون إسمه من ضمن التشكيلة الأساسية للفريق، على أن يستمر بحضور الوحدة التدريبية، فحضر أبن أخي إلى الوحدة التريبية في تالي الإيام، ولم ترق له أساليب وطرق الوحدة التدريبية، فقال للمدرب: لماذا لا تدعني أحضر أثناء المباراة فقط، وتعفيتي من حضور الوحدة التدريبية؟ رفض المدرب بشدة، وقال: لا يكون أبداً فقال له: إذن فسأعود لهوايتي مع الفرق الشعبية فقال المدرب: تعال غداً فإن لدينا مباراة، وسنتناقش في الموضوع. حضر أبن أخي المباراة ولم يُشركهُ المدرب في شوطها الأول، فتأخر فريقهُ بهدفين، فزج بأبن أخي في الشوط الثاني، فتغير سير المبارة وفاز فريقه بثلاثة أهداف؛ إنتهت المباراة وهنئت الهيئة الإدارية، المدرب والفريق ولا سيما إبن أخي، فأستغل المدرب الفرصة وأخبر الهيئة الإدارية بإقتراح أبن أخي، فجاء الرفض قاطعاً وبلا نقاشٍ أو تفكير، فعاد أبن أخي لممارسة هوايته وهو يقول: لم أخسر شئ. وسؤالي للجميع: لماذا!؟ ما دام أن اللاعب يؤدي دوره كاملاً داخل الملعب، فلماذا الإصرار على الإلتزام بالتعليمات والضوابط!؟ أليس المهم الفوز وتحقيق النصر!؟ ألم يتسبب طرد اللاعب(شيركو) مهاجم الفريق العراقي الشبابي في خروج العراق من بطولة أسيا للشباب 2014 !؟ والسبب دائماً مخالفة الضوابط والتعليمات! وهكذا يحدث دائماً، فإلى متى!؟ بقي شئ... لقد وضعت الضوابط والتعليمات كوسيلة للوصول إلى أفضل النتائج، لا غاية تقييد إبداع ونجاح الإنسان.
#حيدر_حسين_سويري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمود الأسم مذموم الصفات
-
زهد الزعامة يفشل طمع أصحاب الفخامة
-
قصيدة - قرطبة -
-
تقهقر مركزية الدعاة أمام فيدرالية تيار شهيد المحراب
-
وداعاً مريم
-
رؤيا السياسة، معرفة الحاضر تؤدي إلى قراءة المستقبل
-
المال السائب من حصة النائب!
-
الفنان(هاني رمزي) يضع حلولاً للأزمة الإقتصادية العراقية
-
قصيدة - مريم -
-
إعدام حرية الإعلام
-
عُلو الهامة في قصر القامة
-
أصدقاء السوء
-
هلال شهر ربيعٍ الأول هو بداية السنة الهجرية...لماذا تركناه!؟
-
العادي والأوتامتيك
-
فلسفة التحرير Liberation Philosophy
-
زيارة الأربعين ومشاكل الشعب المسكين
-
القانون فوق القانون
-
صحة العقل تشفي مرض البدن
-
غيدان وصولة الخرفان
-
فلسفة إستلهام الذات Philosophy of self-inspiration
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|