|
رهاب الإسلام عند الغرب
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 4693 - 2015 / 1 / 16 - 09:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تشكّل العالم الاسلامي بالتضاد والتصادم مع الغرب بفرعيه البيزنطي واللاتيني، فيما هذا لم يحصل شرقاً مع زوال الدولة الفارسية الساسانية بعد معركة نهاوند، ولا في الشمال الشرقي حيث لم يتشكل العالم الروسي إلّا في النصف الثاني من القرن العاشر مع نشوء دولة كييف الروسية. وهو أمر ينطبق أيضاً على افريقيا في الجنوب. كان وصول المسلمين إلى منتصف فرنسا إبان معركة «بواتييه» عام 732 ميلادي، أي بعد مئة عام من وفاة النبي محمد، هدفه (لو انتصروا في تلك المعركة) الوصول إلى روما البابوية، قلب العالم المسيحي.
وهو ما فشل فيه قبلهم القائد القرطاجي هنيبعل في معركته ضد روما الوثنية. كان حصار المسلمين للقسطنطينية في أعوام 673 ــ 678 و717 ــ 718 أكثر رمزية من «بواتييه»، بعد أن دحر المسلمون البيزنطيين من بلاد الشام ومصر، وهاهم يحاولون اسقاط العاصمة البيزنطية المنافسة لروما قبل سقوطها عام 476، ومن ثم خليفتها السياسية. في المقابل كان الاستيقاظ الغربي مترافقاً مع بدء الحروب الصليبية (1098 ــ 1291)، وقد أطلق بابا روما أوربان الثاني المبادرة نحو الدعوة إليها عام 1095 رداً على هزيمة البيزنطيين أمام السلاجقة في معركة منزيكرت عام 1071، ولكن متشجعاً بسقوط طليطلة من أيدي المسلمين عام 1085. يقول محمد أسد، وهو يهودي نمساوي اعتنق الاسلام في عشرينيات القرن العشرين، ما يلي: «في الحروب الصليبية حُرِّف اسم النبي محمد (محمد نفسه الذي ألح على أتباعه أن يحترموا أنبياء سائر الأديان) إلى mahound احتقاراً له وازدراء بالانكليزية (والألمانية hound أو hund تعني كلب... «الطريق إلى الاسلام»، دار العلم للملايين، بيروت 1964، ص23). أيضاً تشكل الوعي الفكري الرئيسي الحديث للكنيسة الكاثوليكية من خلال توما الاكويني (1225 ــ 1274) بالتضاد مع أفكار ابن رشد (1126 ــ 1198) وعبر محاربة الكنيسة للتيار الرشدي الذي انتشر وتوسّع في الغرب. لم يكن لسقوط العاصمة البيزنطية القسطنطينية بيد العثمانيين عام 1453 ذلك الأثر المدمر الذي كان ممكناً لو سقطت في حصار 717 ــ 718 على الغرب، حتى ولو ترافقت قبلها وبعدها مع سقوط البلقان واليونان ووصول العثمانيين إلى فيينا عام 1529 ما دام التوازن الاقتصادي قد اختل كثيراً لمصلحة الغرب مع اكتشاف القارة الأميركية ومع تحول التجارة عن الشرق الأوسط مع اكتشاف رأس الرجاء الصالح عامي 1492 و1497. كانت هزيمة العثمانيين عام 1571 في معركة ليبانتو في البحر المتوسط ثم هزيمتهم أمام مشارف فيينا عام 1683 بداية لاختلال توازن ما زال يعيشه العالم الاسلامي أمام الغرب حتى الآن، وبدأت فصوله الاحتلالية مع نابليون بونابرت وحملته المصرية عام 1798. في عام 1917 مع سقوط القدس قال الجنرال البريطاني اللنبي: «اليوم انتهت الحروب الصليبية»، وبعد معركة ميسلون في 24 تموز 1920 ودخوله باليوم التالي محتلاً دمشق ذهب الجنرال الفرنسي غورو إلى قبر صلاح الدين الأيوبي ووضع رجله على الضريح قائلاً: «ها قد عدنا يا صلاح الدين». مع هذا لم يكن الاحتلال الانكليزي لبلدان العالم الاسلامي مرفوقاً بنزعة مضادة ثقافياً وسياسياً للاسلام بخلاف الفرنسيين الذين كانت فرنسا عندهم في الجزائر ليست مترافقة مع استبعاد اللغة العربية وتهميشها فقط بل مع نزعة تبشيرية مسيحية وعداء للاسلام. ويلاحظ هنا كيف في مذكرات سيمون دوبوفوار عن فترة 1944 ــ 1962 المعنونة بـ«قوة الأشياء» كانت تسمي الجزائريين ليس بصفتهم هذه بل باسم «المسلمين»، وفي المقابل في بلدان المغرب العربي يسمى المسيحي بـ«الرومي»، وتصيب المغاربة من بنغازي إلى الرباط الدهشة والحيرة عندما يرون مسيحياً عربياً. ويروى عن القذافي هذا أمام جورج حبش وأمام جورج صدقني وزير الاعلام السوري في فترة حرب 1973. هنا، من الأرجح بعد ما يقارب القرن على وعد بلفور الذي أصدره وزير الخارجية البريطاني أن دوائر الخارجية في لندن كانت تعي بأن زرع دولة يهودية في فلسطين سيؤدي إلى استيقاظ مضاد متمثلاً بنزعة اسلامية لم تنظر لها لندن بعين العداء لما ولدت في الاسماعيلية عند قناة السويس في آذار 1928 من خلال «الاخوان المسلمين»، وبأنه بعد فاصل عروبي قصير انتهى عملياً يوم هزيمة 5 حزيران 1967 بعد أن بدأ عقب هزيمة فلسطين عام 1948 ستبدأ مواجهة سياسية يوضع فيها «القرآن في مواجهة التوراة»، وهو ما يروى عن الرئيس اللبناني الياس سركيس بأنه حذّر بشير الجميل بأنه بتحالفه مع إسرائيل يضع «يسوع وانجيله» في أتون هذه المجابهة. لم يكن نمو «حماس» كبديل اسلامي من «فتح» منذ عام 1987، بعيداً من هذا كما يلاحظ هنا بأنّ الفلسطيني البسيط، وهو أصدق وأكثر تعبيراً من السياسي والمثقف، يسمي الاسرائيليين بـ«اليهود» لا «الإسرائيليين». في هذا الصدد، كان رأي أسامة بن لادن وأيمن الظواهري أثناء تأسيسهما لـ«تنظيم قاعدة الجهاد» في شباط 1998 بأنّ هناك «تحالفاً صليبياً» هو رأس أفعى تشكل الدولة اليهودية في فلسطين «ذنبها» وقد ترافق مع تأسيس التنظيم اعلان قيام «الجبهة العالمية لمحاربة الصليبيين واليهود». أتت ضربة 11 سبتمبر 2001 من هذه الرؤية ولانشاء حرب عالمية بين «فسطاطي الايمان والكفر» من خلال جر الأميركيين للتدخل العسكري في العالم الاسلامي. نجحا من خلال تلك الضربة وعبر كابول 2001 وبغداد 2003 في جرّ واشنطن للوقوع في مستنقع «صدام حضارات»، وفق تعبير صموئيل هنتنغتون. من هنا تركيز تنظيم «القاعدة» على الغربيين وليس على إسرائيل، ولتبيان أن ما حذره سركيس لبشير الجميل من الوقوع فيه قد وقع فيه الغرب ولكن بالمعنى الذي يراه تنظيم «القاعدة». تحمل استراتيجية «داعش» منذ سقوط الموصل في 10 حزيران 2014 استراتيجية تماثل 11 سبتمبر نحو دفع واشنطن وباقي الغربيين من جديد أمام وقع ضربة مفصلية للتورط في التدخل العسكري المباشر. ويبدو أن اعلان «دولة الخلافة» بعد الموصل بأسابيع هدفه ايقاظ مخاوف من الدلالات التاريخية الموجودة في الوعي الجمعي الغربي تجاه كلمة «الخلافة» لجر واشنطن ولندن وباريس نحو المواجهة المباشرة، وهو ما يتفاداه باراك أوباما حتى الآن. أظهرت 11 سبتمبر 2001 ومدريد 11 آذار 2004 ولندن 7 تموز 2005 ثم باريس7 كانون الثاني2015 بأن «رهاب الاسلام» عند الغربيين ما زال قوياً وبأن تلك المحطات العنيفة لم تفعل أكثر من إثارة وايقاظ، وليس تقوية، موروث تاريخي يعود إلى «بواتييه» عند الغرب اللاتيني والأنكلوساكسوني. بالمقابل فإن هذا الرهاب الجمعي الغربي، وخاصة في فرنسا، يدفع الكثير من المسلمين في المجتمعات الغربية للشعور كما شعر اينشتاين أمام النازية لما قال بأن هتلر «قد أشعره وهو الملحد بيهوديته». وهناك شيوعيون سوريون قد سموا أولادهم باسم «محمد» رداً على الرسوم الدانمركية المهينة عام 2006. السؤال الآن: ألا تلخص باريس 7/ 1/ 2015 مزيجاً قادت فيه «كوبنهاغن ثانية» إلى «11 سبتمبر فرنسية»؟
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجربة الحركة الإسلامية السورية
-
بوادر انتعاش لليسار عند العرب؟
-
تقلقل وضع تركية الاقليمي
-
فشل -الربيع العربي-
-
تحوّلات في مشهد المعارضة السورية
-
تفسيران عربيان للسياسة
-
اليمن:26سبتمبر و21سبتمبر
-
من سيملأ فراغ انحسار تيار الإسلام السياسي؟
-
محاولة في تحديد -الأصولية-
-
تحديد السلفية
-
داعش كمؤشر على انحسار تيار الاسلام السياسي
-
من البنا إلى البغدادي
-
تضعضع المخفر الإسرائيلي
-
الأشكال المتبدلة للتعبير السياسي
-
الزواج الليبرالي – الاسلامي في سورية
-
فراغ الدكتاتور
-
ربيع العسكر
-
انفجار عراق بول بريمر
-
الانشقاق السلفي الإخواني
-
(نزعة التعامل مع الشيطان)عند معارضين سوريين
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|