|
قراءة في كتاب( الصراع الطبقي والتحولات الاقتصادية والسياسية في المغرب) لصاحبه عبد السلام أديب الجزء الأول
عبدالاله سطي
الحوار المتمدن-العدد: 1312 - 2005 / 9 / 9 - 12:07
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
يعتبر "عبد السلام أديب" على غرار أترابه القليلين من الباحثين الاقتصاديين ك(الدكتور نجيب أقصبي والباحث على فقير...)، نموذجا للمثقف العضوي الذي يصفه "جوليان باندا" بذالك الفرد الموهوب المتفوق الذي يتمتع بالأخلاق العالية ويمثل بالتالي ضمير البشرية و الأمة جمعاء، مكرسا حياته من أجل إستجلاء الحقيقة وشجب الفساد و الدفاع عن المستضعفين وتحد السلطات الجائرة وغير الشرعية(1). فالمتأمل بالعين المجردة في كتابات "أديب" الصحفية ودراساته المتخصصة، سيلمس لا محالة مدى تجدر الرجل في الغوص داخل أعماق الاشكاليات والعقبات التي تواجه بنية الاقتصاد والمجتمع المغربيين، فتمكن الرجل من أدبيات الاقتصاد السياسي و الفكر الاقتصادي، بالاضافة إلى تحلله بالقيم الأخلاقية النبيلة النابعة من حبه وغيرته الصريحة على وطنه الأم، وكذا قربه الواضح من هموم و أحزان الشريحة المستضعفة في البلاد، جعل تحاليله وفرضياته وكتاباته تتماهى بشكل كبير مع الواقع السوسيو إقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد منذ عقود جمة. فإنطلاقا من كتابه الأول " السياسة الضريبية و استراتيجية الأزمة " مرورا بكتاب " الأزمة الاقتصادية في المغرب إلى أين؟ " وغيرها من الدراسات والمقالات الصحفية ، وصولا إلى كتابه الأخير " الصراع الطبقي والتحولات الاقتصادية والسياسية في المغرب "(والذي سيكون محط دراستنا في هذه المقالة)، لا يجد المرء بدا من قول حقيقة مؤكدة في حق الرجل ـ إن كنا نؤمن بأن الحقيقة هي أم الفضائل ـ مفادها أن الباحث " أديب " كان موفقا كل التفوق في رصده وتحليلاته وتحديداته وتوصيفاته لبنية الأزمة" السوسيوالاقتصادية "في المغرب. وقد دفعني ذلك ، وغيرتي المؤكدة على هذا الوطن التليد، إلى العمل جاهدا من أجل الوقوف على أحد الكتب القيمة التي خطتها أنامل " عبد السلام أديب " وهو الكتاب الذي صدر له مؤخرا تحت عنوان " الصراع الطبقي في المغرب والتحولات الاقتصادية والسياسية في المغرب " (2) بغية إصال الاشكالات التي يتدارسها الباحث إلى القارئ الذي يوجد خارج القطر المغربي(لإنحصار توزيع الكتاب داخل المغرب فقط). فالكتاب يتناول إحدى الاشكاليات الاجتماعية والاقتصادية الهامة، التي قليلا ماحاول الباحثون الاقتصاديون في المغرب مقاربتها بالدرس والتحليل، بمقدار جرأة وفطنة " أديب " الواضحة. فبلغة النسب والأرقام كما عودنا الباحث في جل كتاباته السابقة جعلنا قريبين كل القرب من حقيقة " الصراع الطبقي " في المغرب ومن تجليات كل طبقة إجتماعية على حدة، والتي يقسمها أديب إلى ثلاثة أصناف : (الطبقة العليا)، و (الطبقة الوسطى)، ثم( الطبقة السفلى). ولعله من الأجدى والأجدر أن نضع القارئ العربي أمام الخطاطة العامة التي إعتمدها الباحث لإنجاز دراسته، قبل الإنتقال إلى معالجة كل من المضامين التي جاءت في الكتاب على حدة.ثم الختم بنقاش مقتضب وسريع .
ـ تقديم الكتاب :عبد الله الحريف. ـ توطئة. ـ تطور الطبقة الأولى، العليا وميكانزمات الهيمنة. ـ الطبقة الثانية، الوسطى بين الحفاظ عن الذات والطموحات التسلقية. ـ الطبقة الثالثة، الدنيا والصراع من أجل البقاء . ـ الطبقات الاجتماعية في البوادي المغربية ومنطق البقاء للأقوى. ـ التشكيلات الإجتماعية في عهد الاستقلال ملخص الكتاب: يستهل " أديب " كتابه بتوطئة عامة يوضح فيها أن التفاوت الطبقي في المغرب ماهو إلى نتيجة لنمط الإنتاج الرأسمالي السائد وسوء توزيع المداخل و الثروات مما أحدث تفاوتا في الثروة والنفود والمراكز الاجتماعية.ثم يضيف أن السياسات الاقتصادية للسلطات المخزنية والدور الاقتصادي الذي إختطته لنفسها من خلال سياسات تدبير الأزمة أحدثت تناقضات عديدة في علاقة الدولة بالطبقات المتوسطة والدنيا وذلك من خلال(ص 17) : ـ قصور القطاع الانتاجي الحديث عن استيعاب كل الطبقات العاملة. ـ تجاهل مطلق لتدابير إعادة توزيع المداخيل. ـ تفشي أنماط إستهلاك الترفيه. ـ تحول علاقة الدولة بالعمال كعلاقة رب العمل بهم.
.
(1)
ثم ينتقل بعد ذلك الباحث للخوض في تطور الطبقة العليا في المغرب وهي الطبقة البرجوازية المهيمنة على مختلف وسائل الانتاج ويقسم " أديب أ هذه الطبقة إلى فئتين: ـ الفئة الأولى : تتمثل في الطبقة البرجوتزية العليا المشتغلة بالصناعة والتجارة والعقار والفلاحة. ـ الفئة الثانية : وتتمثل في البرجوازية البروقراطية والتيقنو قراطية وهي تضم العديد من العلماء والباحثين و أساتذة الجامعات والمعاهد العليا والمديرين ..(ص19). و أصحاب المهن المتميزة (ص19). ويرجع " أديب " ولادة الطبقة العليا لعهد الحماية إذ نشطت هذه الطبقة في مجال التجارة، بحيث دفعتها صعوبة الاستعمار إلى إستثمار رأسمالها في الخدمات و المضاربات العقارية .و تتجلى أبرز التعبيرات السياسية لهذه الطبقة في حزب الاستقلال والحركة الشعبية، بالاضافة إلى حزب الاتحاد الدستوري وحزب الأحرارن وهذه التنظيمات كما يرى " أديب " تسعى إلى الدفاع عن المصالح الاستراتيجية لهذه الطبقة وضمان موقع مريح لها في عملية صنع القرارات السياسية و الاقتصادية التي تلائمها.كما يفسر تواجد تواجد هذه الطبقة في مختلف مستويات صنع القرار السياسي والاقتصادي الطابع الهجين للبرجوازية المغربية ، نظرا لأن تراكمها الرأسمالي لا يتجلى عبر خلق الانتاج بقدر ما يتم عبر نهب المال العام كما تجلى ذلك من خلال الصندوق الوطني للقرض الفلاحي والقرض العقاري والسياحي... وقد خلفت كما يبين " أديب " سياسة تدبير الأزمة في بلادنا منذ بداية عقد الثمانينات تأثير واضحا على شرائع هذه الطبقة و يمكن الاطلاع على هذه التأثيرات من خلال وضعية كل من الشرائح البرجوازية الصناعية والتجارية و ملاك العقارات وكذا وضعية شرائح البرجوازية والبيروقراطية والتيقنوقراطية. ـ البرجوازة الصناعية والتجارية وملاك العقارات: يبرز " أديب " أن الشرائح المختلفة للبرجوازية الوطنية التجارية والصناعية والملاك العقاريين، عرفت تطورا ملحوظا إبان سنوات مابعد الاستقلال .من خلال تزايد تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي و تضخم جهازها البيروقراطي، ومن خلال الزيادة الكبيرة التي حدثت في الانفاق العمومي الموجه للتعليم و للمشاريع العمومية... وتوسيع فرص التوظيف و إعطاء الأولوية للمبادرة الفردية و إستثمارات الخواص خصوصا بعد صدور قانون المغربة لسنة 1973، حدثت زيادة واضحة في أعداد هذه الشرائح وبرز وضعها الاجتماعي و الاقتصادي. وبعد هذه النبذة التاريخية التي خصها " أديب " لتطور هذه الشريحة من المجتمع، ينتقل إلى إبراز أهم مكوناتها والتي يحصرها في :المصدرين والمستوردين والوكلاء التجاريين، وكذا تجار الجملة وأصحاب التوكيلات الملاحية و أعمال التخليص والشحن والتفريغ، و أصحاب أساطيل النقل ثم السماسرة(ص 21). ويتوقف أديب على نقطة مهمة في دراسته لهذه الطبقة ، عنما أكد أن تنامي قدرات الطبقة البرجوازية في المغرب بشكل قياسي مع مطلع سنوات الاستقلال كان بمساندة كبيرة من المخزن و آلياته.إلى درجة كما أضاف فاقت المدة الزمنية التي إستغرقتها العديد من البرجوازيات الأوربية حتى تحقق ذاتها التي وصلت مدة بعضها إلى قرن من الزمن. فدور السلطات المخزنية كان واضحا و فاضحا في بروز هذه الظاهرة من خلال: ـ مغربة الارث الاستعماري حيث تبنى الخطاب الذي تبع هذا الاجراء في مارس 1973 مقولة خلق رأسمالية شعبية عن طريق تنمية الطبقة الوسطى. ويكشف أديب بذكاء أن هذا الاجراء إتجه في ما بعد بالخصوص نحو مركزة الملكية الاقتصادية بمعنى دعم برجوازية الأعمال. ـ إستعمال القطاع العمومي كدعم و أدات لتراكم رأس المال الخاص خلال إسناد الصفقات العومية بمباغ ضخمة. ـ الامتيازات التي تمنحها قوانين الاستثمار لقطاع الأعمال . ـ حماية جمركية سهلت تراكم ثروات لا مبرر لها إقتصاديا وتركت المصانع في حالة تجهيز متواضعة. ـ نظام جبائي يعاقب القوة الشرائية للطبقات المستضعفة ويميز حائزي الثروات الكبرى الشيئ الذي وسع مجال التهرب الجبائي... ـ تجسيد مقولة دعه يعمل دعه يمر في مجال المضاربة العقارية و هو المجال المولد أكثر للثروات غير المنتجة. بعد هذه الاستنتاجات التي حاولنا تلخيصها بشكل مقتضب، ينتقل أديب إلى مقاربة الفئة الثانية من الطبقة العليا وهي البرجوازية البيروقراطية والتيقنو قراطية. ـ البرجوازية البيروقراطية و التيقنو قراطية : يرى " أديب " بأن نمط إستهلاكهذه الأخيرة يتميز بالتنوع والغنى وإشتماله على قدر كبير من رموز الاستهلاك الترفي بسبب الفائض الكبير الذي تنطوي عليه دخولها. وتضم هذه الشريحة بين طياتها : المالكون و المشتركون في ملكية وسائل الانتاج الزراعي أو الصناعي .كما تفرز هذه الشريحة الكثير من الكتاب والفنانين وقادة الرأي والزعماء السياسيين داخل الأحزاب السياسية. كما يحتل أعضاء هذه الشريحة رتبة هامة في أجهزة الدولة. وتعتبر البرجوازية الوطنية أو( ما تسمى ببرجوازية الدولة) هاته وليدة هذه الشريحة وهي شريحة متواطئة و متحالفة مع الرأسمال الأجنبي وهي المروج الأكبر للبرالية الجديدة.ولبرامج التقويم الهيكلي. وقد ساهمت توابع توابع تطبيق الليبرالية الجديدة وكذا حجم الفائض الاقتصادي الموجود لدى هذه الطبقة، والذي كان يوجه نحو الادخار و إقتناء بعض أشكال الثرة المدرة للدخل، وبتزايد أسعار الفائدة، أفاد على ذلك أعضاء هذه الشريحة خصوصا عندما أصبح سعر الفائدة الحقيقي موجبا. وقد ساهمت كثيرا الحوافز التي قدمت للمشروعات الجديدة، الإضافة إلى إنتهاج سياسة القرب من السلطة والتشدق بمنوال صناع القرار الاقتصادي في البلاد إستطاعت هذه الأخيرة في ظل سياسة الخوصصة، من تملك والمشاركة في بعض مشروعات القطاع العام المعروضة للبيع.
(2) بعد قرائته المتأنية لميكانزمات وآليات الطبقة العليا وتجلياتها. ينطلق" أديب " في رحلة ثانية راميا إلى صياغة فكرة عامة عن تجليات وتحديدات الطبقة الوسطى، مستعينا بنفس المنهجية التي قارب بها الطبقة العلي. ينصرف " أديب " في بدية هذا الفصل إلى كشف الضوء على مميزات وآليات إشتغال الطبقة الوسطى، التي يصفها الباحث بالطبقة الوسيطة أو الطبقة الثانية. وتتميز هذه الطبقة في نظره بكونها تتوفر على مستوى معين من الدخل المتوسط القار أو الملكية الخاصة المتوسطة والصغيرة، وغالبا ما تعتمد هذه الطبقة في عيشها على جهدها البدني أو الفكري.(29ص). ولعل الطابع التسلقي والتمسح بالبورجوازية العليا سواء في نمط عيشها أو في سلوكها إتجاه الطبقة الدنيا، يجعلها كما يقول " أديب " طبقة وصولية أو إنتهازية تتحين الفرص للإنتقال نحو الطبقة العليا. ويذهب الباحث حين دراسته لمكونات هذه الطبقة، إلى القول بأنها مكونات متباينة بشكل واضح على عدة مستويات.فهي تتباين من حيث المهن التي تشتغلها: كالإدارة العموميةـ التعليم ـ التجارة ـ الصناعة ـأو الخدمات، و أكيد يقصد بها الباحث أشكالها البسيطة.(ص30). ويقسم " أديب " الطبقة الوسطى على غرار سابقاتها إلى فئتين : تتمثل الأولى في الشرائح ذات الدخل المتوسط و التي يمكن وصفها بالبرجوازية المتوسطة، أما الثانية فتتمثل في الشرائح ذات الدخل المتواضع والتي يمكن وصفها بالبرجوازية الصغرى. ـ الشريحة ذات الدخل المتوسط: يستهل الباحث في مقاربته لهذه الشريحة برصد الأصول الاجتماعية التي إنبثقت منها.بحيث يرى بأنها أتت من خلفيات طبقية مختلفة، كما تميزت عن أصولها بالتعليم الحديث الذي تلقته، و بالمهن العصرية التي مارستها، وتحمل هذه الشريحة من داخلها فئتين فرعيتين هما البرجوازية الوسطى القديمة وتضم الأفراد التي لازالت تعتمد على الوسائل القديمة في الإنتاج والتجارة، كتهد الأفران و الحمامات القليدية...،وهي تنتشر بقوة في سائر المدن المغربية، وخاصة المدن الرئيسية القديمة( فاس مكناس ومراكش). ثم هناك البرجوازية الوسطى الحديثة وهي وليدة إنتشار الخدمات التعليمية المجانية في البلاد كما سلف الذكر، ونشوء الشركات و الادارات و توسع أجهزة الدولة و الادارة العسكرية و الأمنية، وتشمل على سبيل الذكر( موظفي الادارات العمومية المتوسطون، وضباط الجيش والأمن الداخلي المتوسطين، والقضاء والأساتذة والصحفيين وصغار رجال الأعمال..). وقد عرف الوضع الاقتصادي والاجتماعي لهذه الشريحة كما يوضح " أديب " تدهورا ملموسا نتيجة إنتهاج سياسة الليبرالية الجديدة المعتمدة منذ بداية الثمانيناتن خصوصا و أن مظم هؤلاء يعيشون على مرتبات محدودة، وقد إستعصى الأمر المعيشي كثيرا عل هذه الشريحة جراء إلغاء الدعم على المواد الضرورية و تزايد أسعار منتجات القطاع العمومي كالماء والكهرباء.وخفض الإنفاق العمومي المخصص للخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي...كما يشيرالباحث هنا إلى نقطة مهمة ووجيهة وهي كون تجميد فرص التوظيف بالوزارات والمؤسسات العمومية كان له تأثير بالغ الحدة على أوضاع هذه الشريحة، حيث تفاقمت البطالة بين أبنائها خريجي الجامعات والمعاهد العليا. ـ الشريحة ذات الدخل المتواضع: تتجاوز أعداد البرجوازية الصغرى حجم البرجوازية المتوسطة وتضم عددا كبيرا من صغار الموظفين المدنيين الذين يعملون في الوظائف الكتابية والبيروقراطية والمدرسون في التعليم الأساسي و الثانوي وكذا شرائح عريضة من الجنود متوسطي المرتب والدخل...الموظفون بقطاع الصحة و العاملون في مجال البيع و التوزيع وقطاع البريد والسكك الحديدية...إلخ.وتمتاز أغلبية أفراد هذه على قسط من الأهيل المهني و التعليمي. ويعرف معدل إدخارها قصورا ملحوظا نظرا لدخولها الثابتة و المحدودة.
وقد كانت لعومل جمة وقعا كبيرا على هذة الطبقة إلى درجة إنزالها إلى الحضيض يجملها الباحث في :ـ نهج سياسة الليبرالية الجديدة ـ إلغاء الدعم الذي تخصصه الدولة لبعض السلع الضرورية ـ تزايد أسعار الضرائب الغير مباشرة ـ إرتفاع تكاليف النقل...كل هذا وغيره كما يخلص " أديب " جعل هذه الطبقة تعرف أوضاعا معيشية جعلها تقترب كثيرا من أوضاع الطبقة الدنيا. وبعد ذلك سيستطرد" أديب " في محاولة لإبراز أهم خصائص الطبقة الوسطى بفئتيها والتي سنوردها بشكل مقتضب: ـ أن الطبقة الوسطى في المغرب عرفت تطورا ملموسا مع بداية الاستقلال.ـ معضم أفراد هذه الطبقة يشتغلةن في التجارة والمصانع الصغيرة و المنشآت الخدمية الصغيرة ..بالاضافة إلى الاعتماد على الوظيفة العمومية كمصدر أساسي للرزق.ـ كماا من الخصائص الهامة التي تمتاز بها هذه الطبقة هو الدور السياسي المهم الذي لعبته إبان عهد الحماية من أجل الإستقلال ...(ص34،35،36). وفي تحليله للدور السياسي والاقتصادي الذي لعبته الطبقة الوسطى الذي خصص له الباحث فصلا خاصا به، يخلص " أديب " إلى نتيجة أساسية مفادها أن الدور الأساسي الذي لعبته هذه الأخيرة في هذا المجال كان يتجلى بالأساس في تقوية ودعم البنية الطبقية القائمة و من سلام إجتماعي تنتعش فيه الأرباح الرأسمالية. فالتناقض الفاحش ما بين الطبقة العليا و غريمتها الدنيا قادرا بأن يؤجج الوضع و بالتالي تهديد النظام الطبقي القائم و بالتالي قيام مجتمع إشتراكي بدون طبقات. لذلك توصي الأفكار السياسية الرأسمالية بضرورة إنتاج الطبقة الوسطى التي تلعب دور المخفف من حدة التناقضات. وفي هذا الجانب يشير " أديب " إلى درورة التفريق داخل هذه الطبقة بين الشريحة المتبحلسة المتمصلحة التي تتطلع جاهدتا للرقي إلى مصاف الطبقة الغليا مستعملين مختلف و سائلهم الدنيئة. ومابين الشريحة المثقفة الثورية بطبعها ضد الفوارق الطبقية و السياسية الانتهازية للنظام وتنتهج هذه الطبقة ما يسميه " أديب " بالانتحار الطبقي نتيجة لإنتصارها لمصالح الطبقة الدنيا على حساب مصالح الطبقيين الوسطى والعليا. بهذا الشكل تصبح عرضة لهمجية المخزن و لأجهزة السلطة القمعية.
(3)
وفي خضم دراسته لبنية الطبقة الثالثة أو الطبقة الدنيا كما يحلو له أن يصطلح عليها، يتسأل " أديب " عن ماهية الطبقة الثالثة، الدنيا؟ فيستطرد مجيبا ، إنها شريحة عريضة من المجتمع المغربي و تشكل أغلبية من السكان وهي لا تملك شيئا غير قوة عملها، فلكي تتمكن من ضمان قوت يومها تضطر إلى بيع هذه القوة في سوق الشغل لأرباب العمل على إختلاف شرائحهم، و في إطار هذه العلاقة تتعرض لإستغلال فاحش مقابل أجر زهيد لا ينفعها سوى لتجديد قوة عملها لتبيعه من جديد. وتضم هذه الطبقة جموع المواطنين الذين يشتغلون في حرف تافهة لا تكفيهم في إشباع حاجاتهم الأساسية، إضافة إلى المعطلين عن العمل سواء بشكل ظرفي أو دائم و إن كان بعضهم ينتمي للطبقة الوسطى(حاملي الشهادات المعطلين) بشكل يجعلهم يعيشون على إعانات أسرهم و ذو يهم. وتختلف تشكيلة هذه الطبقة بحسب طبيعة تكوينها، فقد تشكلت البروليتارية العاملة عبر تطور تاريخي طويل خضعت فيه للإستغلال ولنهب من طرف الطبقات العليا أو بعض شرائح الطبقة الوسطى وقد تكرس هذا الاستغلال مع انتشار نمط الإنتاج الرأسمالي الذي عمق وضعيتها المزرية بشكل فضيع، بينما تشكلت البروليتاريا المعطلة من تعميق نمط الانتاج الرأسمالي وتكريس الليبرالية المتوحشة بحيث ينتمي إليها في نفس الوقت أبناء البروليتارية العاملة و كذا أبناء البرجوازية المتوسطة و الصغرى. وبهذا التحديد (يخلص أديب) إلى أن الطبقة العاملة النشيطة في مجال التجارة والصناعة و الخدمات (البروليتارية العاملة) أو المشتغلة في أعمال هامشية ( البروليتاريا العاملة في القطاع الغيررسمي أو المشردة) أو الأيدي العالمة العاطلة(البروليتارية المعطلة). بعد هذا التوصيف ينتقل " أديب " في عملية تحليل مركزة لكل هاته الفئات من الطبقة الدنيا على حدة: ـ البروليتارية العاملة في القطاعات الإقتصادية الرئيسية: نفيد من تحليل " أديب " في هذا الشأن. أن هذه الشريحة من الطبقة الدنيا ظهرت إثر السيطرة الاستعمارية الفرنسية على المغرب، ومع ظهور النمط الرأسمالي حيث لعبت الهجرة القروية لفئات الفلاحين المعدمين بفعل الكساد و الجفاف وهربا من بطش المخزن و أصحاب النفود، دورا كبيرا في تكوين هذه الطبقة المعوزة، بحيث إستغل المحتل الفرنسي وضعية هؤلاء وحاجته الملحة لخدمتاتهم و مصالحهم الاستعمارية التي تتجلى في بناء الطرق والسكك الحديدية و إنشاء الموانئ، وتأسيس شركات النقل و دعم الصناعة التحويلية و الاستخراجية...فقد شكلت هذه الطبقة يد عاملة رخيصة قابلة لممارسة الأعمال الشاقة و غيرها من الأعمال التي تحتاج إلى مهارات فنية دقيقة. و قد شكلت اليد العاملة القدمة من الجنوب كما يؤكد الباحث النسبة الكبرى المستغلة، كما شكلت النساء نسبة لا باس بها من العمالة... وقد لعبت توسع الأنشطة الرأسمالية التي شملت مختلف المجالات الاقتصادية، دورا هاما في توسع هذه الفئة العمالية منذ سنة 1956...(ص42).وقد كان لبرنامج التقويم الهيكلي وقعا كبيرا على المستوى المعيشي لهذه الطبقة، لأن الشطر الأعظم من التكلفة المعتمدة لذلك كما يظيف " أديب " يقع على عاتق الطبقة الكادحة ، ويبين ذلك بقوله، حينما يعترف صندوق النقد الدولي بأن للإصلاح تكلفة إجتماعية فإنه يقصد بأن تلك التكلفة يتحملها العمال و حدودي الدخل، لأن الصندوق يحرص كل الحرص لكي لا تقع كلفة التثبيت و التقويم الهيكلي على الطبقات العليا، بعتبارها هي التي تساعد على صياغة تصاميم البرامج و تنفيدها. كما تزداد معاناة هذه الشريحة مع تزايد أسعار المواد الاستهلاكية، الكهرباء الماء و الطاقة والمواصلات..إلخ. ـ البروليتارية العاملة في القطاع الغير الرسمي: يقول " أديب " أن معظم أفراد هذه الشريحة يتألفون من عمال غير مهرة يمارسون أشق الأعمال و أقذرها، وقد تراوحت نسبتهم سنة 1995 بين 14.7في المائة بالنسبة للرجال و 20.3في المأة بالنسبة للنساء من مجموع القوى العاملة. ومن أبرز مميزات هذه الشريحة كما يجردها " أديب " هي : ـ إنحدارهم من أصول قروية، ونزوحهم حديثا إلى المدن.ـ نظرا لتفشي الأمية في صفوفهم و افتقارهم إلى المؤهلات الازمة، لم يستطع معظمهم من الحصول على عمل دائم.ـ إن انخفاض مستوى مداخيلهم لا يسمح لهم و لأفراد اسرهم إشباع حاجياتهم الحيوية لذلك نجدهم يسكنون أحياء الصفيح و يعيشون في حالات فقر مدقع، و يتعرضون لمختلف الأمراض التي تنشا عن سوء التغذية و السكن. وتختلف الأنشطة التي يزاولها أصحاب هذا القطاع كثيرا، فتضم بيع السلع الاستهلاكية على أرصفة الشوارع، كالأطعمة و الملابس ولعب الأطفال والسجائر و السلع المستعملة، و أعمال التشييد والبناء ، والصيانة، و خدمات النقل، وجمع القمامات وفرزها، وتنظيف السيارات و أعمال الحراسة، وورش تصليح السيارات، وأعمال السباكة، والحدادة والنجارة والخدة بالمنازل ، والباعة المتجولون، ويمكن إضافة أعمال الشحاذة و البغاء و النشل. وبعد ذلك ينتقل " أديب " إلى جرد المؤثرات التي جعلت هذه الشريحة في تدهور دائم، وهي نفس المؤثرات التي أثرت في المستوى المعيشي للفئة السابقة ، والتي يمكن إجمالها في: الزيادة في الأسعار و البرنامج التقويم الهيكلي. كل ذلك أدى إلى كساد هذه الطبقة و بالتالي إنخفاض الطلب الحضري عموما على هذا القطاع، و أصبح من العسير على كثيرا من المشتغلين فيه تأمين رزقهم الضروري ولهذا أصبح الكثير منهم عاطلين أو متسولينوكان من نتائج ذلك تفشي ضواهر شادة من بين هاته الأوساط كالجريمة والعنف والتجارة في الممنوعات وغيره من الأعمال السلبية... ـ البروليتاية المعطلة: في هذا الفصل من الكتاب يصنف الباحث شريحة المعطلين عن العمل، وهي تضم بالإضافة إلى الأيدي العاملة غير المؤهلة التي تشكل جيش العمال الاحتياطي و التي تعرض قدرتها على العمل في سوق الشغل بمبالغ زهيدة جدا ولا تجده، وكذا شرائح من الأيدي العاملة المؤهلة الحاملة لللشهادات الجامعية في مختلف التخصصات العلمية والتقنية والأدبية وهنا يقول " أديب " أنه رغم إنتماء أغلب هؤلاء الحاملين للشواهد إلى شرائح الطبقة الثانية، الوسطى،لأن نتيجة طول مدة عطالتها وقصر يدها و إعتمادها كليا على مساعدة أسرها تتحول إلى جزء من الطبقة الثالثة الكادحة. بيد أن من أبرز مميزات هذه الطبقة أنها طبقة واعية مثقفة إن تمكن بعضها من العمل تمكن من الانتقال إلى الطبقة الثانية.كما بإمكانها أن تشكل طليعة الثوريين المحترفين المتجدرين في قلب الطبقة الثالثة، الدنيا. بعد دراسته هاته للأصناف الثلاثة التي تشكل بنية الطقة الكادحة أو كما يسميها " أديب " الطبقة الدنيا.يمر أديب على غرار دراسته للطبقة الأولى والثانية، إلى إبراز أهم الخصائص التي تتمتع بها الطبقة الدنيا والتي يمكن حصرها كما وضحها هو في (ص49حتى ص52) : ـ أن البروليتارية العاملة في المراكز الحضرية لا تشكل فئة منسجمة لأسباب جمة..تشتتهم وتوزيعهم على قطاعات إقتصادية مختلفة...إختلاف مستوى تأهيلهم المهني...إختلاف أصولهم العرقية و الجغرافية ..ضعف الوعي الطبقي عندهم. ـ تشكل هذه الطبقة أوسع الطبقات بالمقارنة مع حجم الطبقات الأخرى... ـ يتمركز معظم أفراد هذه الطبقة في الوسط الحضري لقيام أكثر المؤسسسات الصناعية التي تضمهم في المدن الحضرية...ـ نشوب مجموعة من الصراعات داخل هذه الطبقة بين المهاجرين من البادية و زملائهم من مواطني المدن..بفعل الحسد والغيرة و التنافس على مواقع العمل و تفاوت الأجور..ـ لجوء معظم أفراد هذه الطبقة إلى السكن في أحياء معينة تعكس الأصول الاجتماعية لأفرادها..ـ تعاني هذه الطبقة من إنخفاض مستواها التعليمي و تفشي الأمية حيث لا زالت معدلات هذه الظاهرة تتجاوز 55 في المائة من السكان. أما في معرض كلامه عن البعد السياسي للطبقة الثالة ، الدنيا، يذهب " أديب " للقول إلى أن البروليتارية المعطلة الحاملة للشواهد بكونها أكثر شرائح الطبقة الثالثة وعيا و تنظيما بالنظر إلى مستويات تأهيلها. وقد تميزت خلال السنوات الأخيرة بقتالية مواقفها النضالية مما جعل صيتها يتجاوز حدود التراب الوطني، كما جعل العديد من التيارات السياسية تتودد إليها من أجل كسبها إلى جانبها كورقة إنتخابية. وتشكل الطبقة الثالثة مزايدات ومراهنات إنتخابوية ظرفية للأحزاب الإدارية و الإنتهازية، سواء على مستوى الانتخابات التشريعية أو الجماعية، عن طريق شراء أصواتها باللجوء إلى مختلف ( أساليب المكر والخداع) من الوعود المعسولة و الإغراء بالمستقبل الأفضل
(يـتـبـع) المغرب 2005 عبدالاله سطي ـ باحث في العلوم السياسية ـ .
#عبدالاله_سطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توابع التبعية دراسة في ميكانزمات أزمة تخلف المجتمعات العالم
...
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|