عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4692 - 2015 / 1 / 15 - 22:53
المحور:
حقوق الانسان
في الأساس، حرية التعبير هي من حقوق الأفراد في المجتمعات الديمقراطية. ولا يحد من حق أي فرد في التعبير عما يشاء، وبأي طريقة مهما كانت، سوى حق الفرد المقابل له في الحرية الذاتية وحرية التعبير عما يشاء هو الآخر. حق كل فرد في الحرية وفي التعبير يبدأ من حيث تنتهي حقوق الأفراد الآخرين، وينتهي من حيث تبدأ. فلا يحق، في المجتمعات الديمقراطية، لفرد أن يأتي بفعل أو قول يكون من نتيجته المباشرة أو غير المباشرة الحد من الفرصة العادلة لكي يأتي فرد آخر بفعل أو قول مقابل أو مضاد له. ولا يجوز أن تؤدي ممارسة الفرد لحقه في الحرية أو التعبير- أو حرية التعبير- إلى إلحاق الضرر المادي بطريق مباشر أو غير مباشر بفرد آخر أو أفراد آخرين.
هكذا يمكن القول أن حدود الحرية الفردية تنتهي عند خطين أحمرين: (1) عدم المساس بالحريات الموازية للأفراد الآخرين؛ (2) عدم إلحاق أضراراً مادية (بطريق مباشر أو غير مباشر) بهؤلاء الأفراد.
في واقعة تشارلي إبدو، مارست هذه الصحيفة الفرنسية الساخرة (كشخص اعتباري يتمتع بحقوق مماثلة للشخص الطبيعي) حق التعبير الساخر وحتى التهكمي بحق شخص طبيعي (لكنه تاريخي). في الوقت نفسه، هي لم تتجاوز الحدود الحمر سواء لحرية النبي محمد كشخص طبيعي (لو كان حياً) أو لحريات الآخرين المتعاطفين معه (إذا كان شخصية تاريخية قد انقطعت صلاتها البيولوجية تماماً بالحاضر) لكي يعبروا بدورهم عن آرائهم المختلفة أو حتى المضادة، وسواء بطريقة ساخرة أو جادة. كذلك الصحيفة الفرنسية لم تلحق أي ضرر-مادي- مباشر أو غير مباشر، سواء بمحمد نفسه أو بأي من أتباعه. فلا يكفي أن تكون ممتعضاً أو متأففاً أو مستاءً من فعل أو قول أو تصرف ما لكي تتذرع بذلك للحد من حريات الآخرين أو العدوان عليهم، مهما بلغ امتعاضك أو تأففك أو استياءك أو غضبك. الضرر المادي الملموس القابل للتحقق منه هو السند الوحيد للحد من حريات الآخرين، فيما يخص التعبير أو خلافه.
في المقابل، المعتدون على الصحيفة لم يمارسوا حقهم في التعبير أصلاً وحتى لم يطيقوا أن يمارس شخص آخر (الصحيفة) حقه المقابل. بل هم قاموا بتصفيته (أو محاولة تصفيته) جسدياً لإسكات ممارسته لحقه في التعبير مرة واحدة وللأبد. وهم، بذلك، قد انتهكا كلا الخطين الأحمرين معاً أبشع انتهاك متصور: عمدوا إلى القضاء على الحرية ذاتها (لأنفسهم أو للآخرين)، وألحقوا بالآخرين ضرراً مادياً ليس بعده ضرر- قتلوهم!
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟